المشاركة الأصلية كتبت بواسطة السعيدان

كتاب اليوم

علي سعد الموسى
سكة الحديد القادمة: نصف التفاحة المغيب
على المشروع العملاق لسكة الحديد القادمة، أطلقوا الاسم الرسمي (سكة حديد الشمال - الجنوب) بقيمة تناهز الملياري دولار، استبشرت خيراً بالاسم الرسمي وتخيلت بوصلة الجهات الأربع وقد التقت في نقطة تقاطع مركزية في قلب الرياض (الأم الحبيبة): تخيلت محطة قطار وطنية عملاقة في جنوب الملز اسمها محطة - السعودية - تتشابك فيها أوجه القادمين من رفحا مع المسافر إلى أبها وسحنات القادمين من الجبيل مع بسمات المغادرين إلى مكة المكرمة. باختصار: تخيلت من العنوان خطين متقاطعين يرسمان من الوطن الكبير تفاحة مربعة تلتقي حيث البذرة في قلب النواة.
لكن تفاصيل الخبر لا تشبه العنوان ومسميات الجهات الأربع لا تتطابق مع بوصلة الواقع. الجنوب الحقيقي مؤجل إلى مرحلة لاحقة، والجنوب الذي يتحدث عنه العنوان وتفاصيل الخبر ينتهي في نقطة تقابل الشرق والغرب، وباختصار أيضاً فالاسم العملاق، والمليارا دولار يخدمان نصف التفاحة الشمالي عبر أربع شركات إنشاء من الحجم الثقيل تتناوب من السكة إلى جهات ثلاث من البوصلة.
من وجهة نظري، لشبكة المواصلات دلالات وحدة وطنية وهي من وجهة نظري الأخرى، شكل العروق التي تنقل الدماء في الجسد، وكم وقفت في حياتي أمام محطات القطار المركزية في بلدان زرتها وفي كل محطة ترتفع لوحة الخطوط الحديدية فكأنني أشاهد دورة دموية متكاملة تتسلل حتى التفاصيل في أطراف الخريطة. خرائط البلدان هي أجسادها ومواصلاتها هي الأعصاب الواصلة بين الأطراف ومن الخطأ أن ننظر إلى خريطتنا القادمة أمام محطتنا المركزية فكأننا نشاهد جسداً بشلل نصفي.
أمني النفس بأن الإخوة الكرام على رأس المشروع الوطني - سار - (وهو الاسم القادم لشركة الخطوط الحديدية السعودية) إنما يمزحون وأن لديهم مفاجأة لاستكمال أركان البوصلة في ذات التوقيت. أود تذكيرهم بأن مهمة الخطوط الحديدية في الأصل هي نقل البشر قبل التفكير في ملياري دولار من أجل معدن اسمه - البوكسايت - وأن أولويات السفر هي فك الاختناق في طوابير المسافرين قبل التفكير في نقل الفوسفات أو حاويات الرمل والبضائع. أود تذكيرهم أن ثلث سكان الوطن يسكنون في النصف (الأدنى) من التفاحة وأود منهم أخيراً أن يعرفوا أن هذا النصف موجود على البوصلة وله الأصوات التي ترتفع من أجله.

المصدر جرية الوطن الجمعة 18/3/1428 هـ