عرض مشاركة واحدة
قديم 06-10-2006, 10:46 PM
  #9
عاشق الجنوب
عضو
 الصورة الرمزية عاشق الجنوب
تاريخ التسجيل: Jul 2005
المشاركات: 56
عاشق الجنوب is on a distinguished road
افتراضي الجزء السادس

-

في ظهيرة أحد الأيام في منتصف يناير، عاد آدم من مهمة ترجمة في أحد مجمعات الزنزانات وسأل فانيسا: "هل لدينا أي معلومات جديدة حول وضع الأشخاص الذين تم إرسالهم إلى بلادهم منذ عدة أشهر؟ كان أحد المعتقلين يسألني عنهم. أراد أن يعرف ما إذا كان هو أيضاً سيرحل قريبا. هل نعرف حتى إلى أين ذهبوا؟". أجابت فانيسا: "أعتقد أنهم عادوا إلى أفغانستان. قاطعتهما متسائلا: عم تتحدثان؟ هل أطلقنا سراح بعض المعتقلين بهذه السرعة؟ ولماذا فعلنا ذلك؟، شرحت لي فانيسا أن أربعة رجال، اثنين منهم على الأقل في السبعينات من العمر، تم إرسالهم في أكتوبر. وتابعت فانيسا: "هذا يعني أصلا أنهم لم يكن واجباً أن يأتوا إلى هنا. بالدرجة الأولى. لم يرفعوا سلاحاً ضدنا قط، ولا نعتقد أنهم كانوا ينوون فعل ذلك". ولتأكيد ذلك، قالت فانيسا إنها تتحدث أخيراً مع بعض المحققين الذين أكدوا لها أن قائمة الأشخاص الذين كان يجب ألاَّ يتم إرسالهم إلى جيتمو نهائيا، كانت تحوي حوالي 100 اسم. لم يكن من المفترض أن يناقش المحققون، ما كان يحدث في عمليات التحقيق مع أحد، لذلك إذا كانوا قد اعترفوا بهذه الحقيقة لفانيسا، فلا بد أنهم لم يعودوا يعتبرونها شيئاً جديدا يجب إخفاؤه.
كانت تلك صدمة عنيفة. الاستنتاج المنطقي من ذلك كان: إما أننا أرسلنا، أو أننا سنرسل إرهابيين ليعودوا إلى التخطيط لهجمات أخرى ضدنا، أو أننا كنا حقا، وعلى مدى أشهر طويلة، نحتجز أشخاصا اعتقلوا خطأ. لم أكن ساذجا. كنت أعرف أنه في ضباب الحرب يتم اعتقال أبرياء من غير المحاربين أحيانا. لكنني لم أستطع فهم سبب قيام قيادتي بإرسالهم إلى جوانتانامو، ورفضهم توجيه اتهامات محددة إليهم، وبالتالي إيقاعهم في فخ قانوني صعب.
كنا لا نزال نحتجز رجالا وصلوا دون شك إلى سن التقاعد. كنا أنا ومو في العيادة الطبية ظهيرة أحد الأيام نترجم لمعتقل يمني كبير في السن يعاني من آلام في الصدر. وفيما كان الطبيب يقوم بفحصه، قال المعتقل: إنه كان قد قرر إجراء عملية في القلب بناء على إرشادات أطبائه في وطنه قبل أن يلقى القبض عليه.
كان العاملون في الرعاية الصحية في وضع صعب عندما يتعلق الأمر بالرعاية الصحية للمعتقلين. كان بعض المعتقلين يكذبون عليهم ويتذمرون من أوضاع وحالات وهمية. لكن الطبيب صدق هذا الرجل لأنه كان على ما يبدو قد تعرض لأزمة قلبية خفيفة في الصباح، وقال إنه سيخبر الحراس عن وضعه ويطلب نقله إلى أقرب مجمع زنزانات إلى العيادة الطبية. وكان سيقول للحراس إذا تعرض هذا المعتقل لأي آلام في الصدر فإن عليهم أن يرسلوه فورا إلى العيادة للعناية به.
وكان اليمني المسن يردد أنه بريء وأنه ليست لديه فكرة عن سبب اعتقاله. سأل: "هل أرسلني الأمريكيون هنا لأموت"؟ كان قلقا من أن يموت دون أن يتمكن من وداع عائلته. عندما عدنا أنا ومو إلى مكتبنا، سألته: "لماذا تعتقد أننا نحتجز هنا رجلا قد يكون في السبعينات؟ اقترح مو ألاَّ نقلق أنفسنا بهذه الأمور.
حاولت إقناع نفسي أن الرجل كان يحاول استغلالنا، كما كان يحاول عدد من المعتقلين. كنت أعرف أن من المحتمل أنه كان يدير منزلاً آمناً للإرهابيين أو أن يكون ناشطا في أمور أخرى لها علاقة بالقاعدة. ولكن ماذا لو لم يكن الأمر كذلك؟ ماذا لو أن أحدهم أعطى معلومات مغلوطة للأمريكيين لأنه على خلاف شخصي مع هذا الرجل؟ في تلك الليلة حاول مارك أيضاً أن يقنعني بعدم التفكير في الموضوع. قال لي "اسمع يا إريك، إن أي شخص لديه عقل يعرف أننا نحتجز عدداً من الأبرياء هنا. لا يمكن أن تسمح لنفسك بالتفكير بأمور كهذه وإلا فإن الوقت سيكون ثقيلا عليك".
بعد عدة ساعات من وصولي إلى المكتب في اليوم التالي استلمت طلبا لمترجم في العيادة الطبية. أخذت معي مو الذي كان عائدا لتوه من مهمة ترجمة أخرى، لأنني لم أكن أشعر بالثقة التامة للترجمة في مواقف صحية طارئة.
كان الرجل المسن نفسه الذي كان في اليوم السابق يتلوى على طاولة الفحص ويشتكي من آلام في الصدر بصوت عال. كانت مساعدة الطبيب الذي يعالجه من الشكوك عندما يتعلق الأمر بشكاوى المرضى المعتقلين. قالت لزميلي مو أن يخبر المريض أنهم فحصوا كل الأمور الهامة وأنه سيكون على ما يرام. نقل مو الرسالة، لكن الرجل كان يصرخ بالعربية إنه يتعرض لأزمة قلبية. قالت مساعدة الطبيب وقد نفد صبرها: قل له إنه لا يتعرض لأزمة قلبية وإنه سيكون بخير. سألها مو إذا كان الطبيب الذي فحصه بالأمس موجودا في المركز، فصاحت بصوت عال: لا، إنه ليس هنا، ولم نعد بحاجة إلى مساعدتكم. سيكون المريض بخير دونكم".
حاول مو أن يشرح لها أن الطبيب كان يريد إجراء فحوصات وتخطيط للقلب لهذا المريض عندما تعود آلام الصدر إليه لكنها أصرت أن "المريض سيكون بخير".
وفيما كنا نهم بالذهاب دخل الطبيب الذي كان موجودا في اليوم السابق ورأى الرجل على الطاولة وسأل مباشرة ما إذا تم إجراء تخطيط للقلب له كما كان قد طلب في ملاحظاته. وبدا أن مساعدة الطبيب كانت قد خالفت التعليمات بالفعل.
في تلك الأثناء كانت العلاقات المتوترة داخل مجموعة المترجمين لا تزال سائدة. كان مو وأحمد اللذان يعيشان في نفس المنزل، نادرا ما يتحدثان إلى بعضهما البعض. وفي إحدى المرات، ذهبت مع بعض زملائي في المجموعة في رحلة بحرية. وفيما ذهب مارك مع أحد العناصر الجديدة في المجموعة، واسمه جيك، لحجز قارب ومعدات صيد وغطس، رأيت امرأة كنت أعرفها أثناء فترة التدريب على تعلم اللغة العربية تقترب مني. لم أكن أعرف أن ليزا كانت في جيتمو، وأنها كانت تعمل في فريق التحقيق. وبعد أن تبادلنا أطراف الحديث حول معارفنا المشتركة، سألتني عما أفعله وما رأيي في المكان قلت لها إنني أصبت بخيبة أمل لعملي في مجموعة عمليات المعتقلين المشتركة، وإن فريقي كان يعاني من مشاكل جدية بين أعضائه، وأضفت: "لا أستطيع أن أتذمر من ساعات العمل لكنني بالتأكيد لا أعتقد أنني أنقذ العالم" قالت إنها سمعت شيئاً عن المشاكل داخل مجموعتنا.
كان قد مضى حوالي عام على وجود ليزا في المعسكر وكانت لديها معرفة جيدة بما كان يدور فيه. كانت قد عملت في الزنزانات عندما وصلت في البداية لكنها انتقلت بعد ذلك إلى فريق التحقيق، وحاليا تقوم بالإشراف على أكثر من ثلاثين مترجما مدنيا تم تعيينهم في فريق التحقيق، وكانت تشارك في عمليات التحقيق نفسها. قالت بكل وضوح إنها كانت تحب عملها ورئيسها في العمل. وذكرت بعد ذلك أنها كانت تبحث عن شخص ليحل محلها، كانت ستغادر خلال أسابيع قليلة لأن مهمتها انتهت. تمنيت ألاَّ تلاحظ أن لعابي كان يسيل لذكر ذلك الأمر.
كان ذلك العمل سيخرجني من بين الزنزانات إلى عمل استخباراتي أخيراً. وكان سيبعدني عن فريقي المليء بالمشاكل. كان أكثر ما أحبه في العمل الاستخباراتي أنه يعطيك الفرصة لإلقاء نظرة على الصورة الكبيرة. ذلك ما كان قد حفزني للحضور إلى جيتمو أساسا، قلت لليزا إنني أرغب في أن تؤخذ رغبتي للعمل مكانها بعين الاعتبار والدراسة.
أخذتني إلى جانب قارب متوقف على الشاطئ وعرفتني على رئيستها في العمل، الرائد بيث ريتشاردز، التي كانت مسؤولة عن جميع المترجمين العسكريين والمدنيين المعينين في فريق التحقيق. قلت للرائد ريتشاردز إنني أرغب في الحصول على مكان ليزا في العمل، وبدا عليها أنها مهتمة بالأمر. قالت لي إنها سوف تتصل بي قريبا. كنت أعرف أن زملائي في الفريق الذين كانت لهم خلفية في العمل الاستخباراتي كانوا مستعدين لعمل أي شيء للحصول على مثل هذه الفرصة، بما في ذلك مارك، لكنهم لم يكونوا يعرفون عنها شيئاً.
كنت مثل الطفل الذي ينتظر عيد ميلاده، كنت أرغب في الحصول على ذلك العمل بقوة. اتصلت ليزا بمكتبي بعد الغداء في اليوم التالي واقترحت أن أذهب وأرى كيف كانت تسير الأمور في مكان عملها. ذهبت إلى هناك والأمل يملؤني بأن يجعلني العمل في فريق التحقيق أفهم هذا المكان. قالت لي ليزا إن رئيستها الرائد ريتشاردز قد تحدثت مع الكابتن منصور، وإن العمل سيكون من نصيبي إذا أردته. يا لها من راحة كبيرة. قالت لي ليزا إن عملها يشمل رئاسة مكتب يتولى التنسيق وتطبيق بعض متطلبات جمع المعلومات في المعسكر. كانت تشرف على مجموعة من 30-50 مترجما مدنيا كانوا يعملون في مكتبها بشكل دوري. قالت لي ليزا ألاَّ أقلق على الأجهزة في الغرفة، زميلتها في العمل ناديا كانت المسؤولة التقنية. عندما سألتها عن المشاركة في التحقيقات، قالت لي أن أتحدث في الأمر مع الرائد ريتشاردز وأنني سوف أوضع في اللائحة. ساعات عملي الجديد ستكون من 11 صباحا حتى 8 مساءً، أيام الأسبوع العادية، ومن الثامنة صباحا حتى الواحدة ظهرا أيام السبت. وقالت ليزا إنني سأبدأ عملي خلال أسبوعين وسأقضي معها عدة أيام لتعلمني وترشدني إلى كيفية أداء المهام المنوطة بي.
كان علي أن أقضي أسبوعين تقريبا مع فريق الترجمة بين الزنزانات ولم يكن ذلك سهلا. فبالإضافة إلى الجو المتوتر بين أعضاء الفريق حولي، كانت معاملة حراس الشرطة العسكرية للمعتقلين تزداد سوءاً. وتطور استخدام مجموعة "قوة التدخل الأولي" ليصبح عملا عقابيا.
ولم يعد مجرد إجراء لإجبار المعتقلين على الانصياع لأمر معين. الآن، إذا تعرض أحد الحراس وهو يمشي بين الزنزانات إلى إلقاء الماء عليه فإنه يبلغ المسؤول عنه بذلك، ويقوم بالتالي بطلب فريق قوة التدخل الأولي، وكان هؤلاء لا يكتفون بمعاقبة الفاعل ولكنهم كانوا يعاقبون سكان ثلاث أو أربع زنزانات في نفس المنطقة التي وقعت فيها الحادثة.
قبل أن أغادر عملي في مجموعة عمليات المعتقلين المشتركة، تبادلت حديثا مطولا مرة أخرى مع المعتقل مصطفى. كنا أنا وهذا السوري قد تحدثنا كثيرا حول الدين الإسلامي والدين المسيحي. ومع الوقت بدأت أفهم رحلة مصطفى إلى الإسلام المتطرف، ومن شوارع دمشق إلى جبال أفغانستان، وأخيرا إلى معتقل كالجحيم في زاوية مقتطعة من كوبا.
كان في البداية يعيش حياة مليئة بالمغامرة وملاحقة النساء في سوريا، لم يكن أحد في أسرته يصلي أو يصوم أو يذهب إلى المسجد، في أحد الأيام طرق أحد الدعاة باب منزله. سأل مصطفى لماذا لم يكن يذهب هو أو أي فرد من عائلته إلى المسجد، وشرح له أن الإسلام يعلم الإنسان أن يخاف من الله وأنه سوف يحاسب يوم القيامة على أفعاله، وهكذا اقتنع مصطفى شيئاً فشيئاً بمنطق هذا الداعية، وأصبح أحد الدعاة هو نفسه، وقبل أن يمر وقت طويل، توجه إلى أفغانستان للمساعدة في أعمال الدعوة والإرشاد. وتحول شيئاً فشيئا إلى الإيمان العميق بأن من واجب كل مسلم أن يجاهد ضد الكفار الذين يتمثلون في اليهود والأمريكيين بشكل رئيسي.
سألته كيف كان يشعر وكيف تغيرت حياته بعد أن التزم بالقضية، كان جوابه شبيها بكلمات سمعتها من قبل من عدة مسيحيين التزموا بعد حياة عابثة. قال لي: "يا بسام، قبل أن أسلك الطريق المستقيم، لم يكن لحياتي معنى. كنت تائها بلا هدف. والأسوأ من ذلك أنني كنت سأواجه غضب الله علي في النهاية. حاليا حياتي لها معنى. إنني أكرس نفسي لشيء أعظم مني بكثير، لنشر الإسلام، بسبب ذلك الالتزام، سيكون لحياتي وجهادي أثر هنا في الدنيا إن شاء الله، وسأذهب إلى الجنة إن شاء الله.
غادرت عملي في فريق عمليات المعتقلين المشتركة وأنا على قناعة أن مثل هذه المحادثات مع مصطفى هيأتني بشكل جيد للانتقال والعمل مع فريق التحقيق. كان علينا أن نفهم دوافع الإرهابيين لنجد وسائل تجعلهم مستعدين للحديث معنا ونكون قادرين على الجلوس معهم وجها لوجه كبشر. كنت مقتنعا أن المعاملة القاسية للمعتقلين ربما تخدم أهدافا مرحلية مؤقتة، لكنها لا يمكن أن تخدم أهدافا طويلة المدى في الحرب على الإرهاب. كما أن تلك المعاملة القاسية أدت إلى تقوية عزيمة الكثيرين من المعتقلين تماما مثلما أدت إلى تحطيم نفسية آخرين. كما أن حقيقة أننا كنا نحتجز عدداً غير معروف من الرجال لأكثر من عام دون أن تكون لهم علاقة بالإرهاب كانت مزعجة جداً بالنسبة لي. إن محاربة الإرهاب كانت تتطلب حسب اعتقادي، استراتيجية طويلة المدى لأن الإرهابيين لن يختفوا بسرعة على ما يبدو.
عندما علم زملائي في مجموعة عمليات المعتقلين المشتركة بنبأ انتقالي لعملي الجديد مع مجموعة التحقيقات صاروا يمازحونني ويطلقون علي لقب "خائن" كان الانضمام إلى فريق التحقيقات للعمل معهم مثل الغوص في حمام دافئ بعد العذاب والقلق الذي واجهته بسبب الخلافات الشخصية بين أعضاء فريقي القديم. كان يبدو منذ البداية أن المترجمين في فريق التحقيق والاستخبارات كانوا منسجمين مع بعضهم البعض بشكل جيد. التقيت معظمهم خلال اجتماع ضمنا أحد أيام السبت. ورحبوا بي بحرارة تماما كما توقعت ليزا أن يفعلوا.
كانت مهمتي الرئيسة هي إدارة وحدة للاتصالات السمعية. لم أكن أعرف بوجود مثل هذه الوحدة إلى أن أخبرتني ليزا بوجودها. كان المترجمون يعملون في نوبات عمل دورية في تلك الوحدة، وكان هناك خمسة أو ستة في كل نوبة عمل، وكنت أشرف عليهم وأصحح عملهم. وبحسب تعليمات وزارة الدفاع الأمريكية يحظر علي إعطاء وصف تفصيلي لعملنا، لكن معظم المترجمين كانوا يجدونه مملا. لكنني لم أشعر بذلك في البداية على الأقل. حيث إنني كنت رئيس المكتب، كنت أعمل ليس فقط مع المحققين العسكريين، ولكن مع ممثلين في مكتب التحقيقات الفيدرالي ووكالة استخبارات وزارة الدفاع وأكبر وكالة أمريكية لجمع الاستخبارات الخارجية التي لا يسمح لي بتعريفها إلا على أنها وكالة حكومية أخرى. كنا ننسق معا لتركيز عمل المكتب الذي أرأسه، وكنت أطلعهم على النتائج.
كان هذا قريبا لما كنت أتصوره عندما تطوعت للعمل في جيتمو. والآن قد أبدأ في الحصول على بعض الإجابات للأسئلة التي تقلقني منذ بعض الوقت: ما هي قيمة المعلومات التي نحصل عليها من المعتقلين؟، وكم عدد الذين يستحقون فعلاً أن يكونوا في جيتمو. كان بإمكاني الدخول إلى الملفات السرية لجميع المعتقلين تقريبا على جهاز الكمبيوتر، وسأشارك في عمليات التحقيق. كانت ليزا قد أخبرتني أيضاً أن زوارا مهمين قد يأتون إلى مكتبي ليطلعوا على طبيعة عملنا. كان وزير الدفاع دونالد رامسفيلد ورئيس أركان الجيش الجنرال إريك شينسكي اثنين من أهم الزوار الذين كانوا قد زاروا المعسكر.
كان عدد المترجمين العسكريين في فريق التحقيق لا يتجاوز ستة أشخاص، أما الباقون فكانوا مدنيين أمريكيين معظمهم من أصول شرق أوسطية ويتحدثون اللغة العربية أو البشتونية أو الأوردو أو الفارسية. كان بعضهم مسلمين ملتزمين. كان لدينا أيضا أشخاص يتحدثون الفرنسية أو الروسية، بالإضافة إلى لغة "أويجور" التي يتحدثها مسلمو الصين الذين يحاولون الاستقلال عن الصين منذ فترة طويلة. وكان هؤلاء المترجمون قد تعاقدوا للعمل مع البنتاجون من خلال شركة تيتان وجاءوا للعمل في جيتمو، وكانت أعمارهم تتراوح بين العشرينات إلى الستينات. كانت ظروف عملهم صعبة، لكن مرتباتهم كانت مرتفعة وتصل إلى حوالي سبعين ألف دولار سنويا.
بعد حوالي أسبوعين من انضمامي لفريق التحقيق، جاء الجنرال ميلر قائد المعسكر إلى اجتماع الفريق الروتيني يوم السبت ليقول لنا: إننا نؤدي عملا عظيما، كما ساعد الرائد ريتشاردز في تقديم ثلاث جوائز لثلاثة مترجمين مدنيين كانوا سيغادرون إلى الولايات المتحدة بعد أن قضوا سنة من العمل في كوبا. كان الجنرال ميلر معروفا بأنه مشاكس ومتعجرف، وكان يصرخ بأعلى صوته عندما يكون غاضبا. كان بعض ضباط الاستخبارات يتساءلون إذا كان هناك ضابط مشاة مختص بالمدفعية فهو الخيار الصحيح لقيادة مهمة تحمل في طياتها عنصرا هاما لجمع المعلومات الاستخباراتية. ومع ذلك كان الجنرال ميلر يتمتع بما يكفي من ميزات القيادة ليعرف متى يكيل المديح للمترجمين المدنيين الذين جاءوا للعمل ضمن بيئة عسكرية قاسية. قال الجنرال ميلر: "هؤلاء الأفراد قاموا بعمل مميز في المساعدة على وقوف المعسكر على أقدامه، وكانوا جزءا هاما من بداية عملية جمع المعلومات التي ساعدتنا على إفشال هجمات مستقبلية والعثور على إرهابيين في جميع أنحاء العالم".
عندما انتهى الجنرال ميلر من كلامه، وقف أحد المترجمين الثلاثة المغادرين، وكان ربما في نهاية الستينات من عمره من أصول (أفغانية) وقال: "سيدي، إنك تشكرني على قدومي إلى هنا، ولكن في الحقيقة لا أعرف كيف أشكركم أنتم. ما فعله هؤلاء الناس، طالبان، لبلدي مخيف للغاية. حاولوا أن يدمروا أمة عظيمة ورائعة. والآن ذهب وطني الذي يتبناني، الولايات المتحدة، إلى هناك ليهزم هؤلاء الأوغاد". كانت الدموع تسيل على خديه عندما تابع: "لا أستطيع أبدا أن أشكركم بما فيه الكفاية للتخلص من هؤلاء الناس والسماح لي بالمساهمة في المجهود الحربي ولو بصورة صغيرة. شكرا. ربما كان ذلك أول شيء إيجابي بشكل كلي، أسمعه من شخص عن المعسكر منذ وصولي. فاجأني إخلاصه وعمق مشاعره، وعندما انتهى من حديثه كانت عيناي قد امتلأتا بالدموع أيضاً.
كان المحققون مقسمين إلى خمس مجموعات: السعودية، باكستان، أفغانستان، دول الخليج، وآسيا وأوروبا ودول أمريكا. وكان أحد المترجمين وهو تيم ويتحدث الروسية، ينسق احتياجات هذه المجموعات والمشاريع الخاصة بهم. كان تيم يضع برامج خاصة بالمترجمين ويضع مهماتهم كل مساء حوالي الساعة الرابعة بعد العصر.
كانت المشرفة علي، ناديا، مسؤولة عن صيانة معدات المكتب والتي لا يسمح لي بوصفها. كانت جندية من قاعدة فورت ميد وتتحدث اللغتين العربية والفرنسية.
كنت أريد أن أطلع على معلومات عن بعض الأشخاص المعتقلين الذين قضيت معهم وقتاً طويلاً عندما كنت أعمل مع مجموعة عمليات المعتقلين المشتركة، وحقيقة ما هم متهمون بعمله. عرفت أيضاً أن هناك معتقلا آخر على الأقل لم ألتق به. قالت لي ليزا إن الرجل الذي يطلق عليه لقب المختطف العشرين تم إحضاره إلى المعسكر ويخضع إلى تحقيقات مكثفة. اسمه محمد القحطاني، وهو سعودي، كان قد حاول دخول الولايات المتحدة عن طريق أورلاندو قبل حوالي شهر من هجمات 11 سبتمبر، لكن موظف الهجرة لم يسمح له بالدخول بسبب عدم اقتناعه بسبب قدومه إلى الولايات المتحدة. تشير كل الدلائل إلى أنه كان من المفترض أن يكون جزءاً من العملية، وربما في الـطائرة التي تحطمت خارج بيتسبورج. كان زعيم المختطفين محمد عطا في مطار أورلاندو عندما وصل القحطاني، وقد التقطته إحدى كاميرات المراقبة وهو يجري اتصالا هاتفيا. وتم القبض على القحطاني في أفغانستان فيما بعد وتم إحضاره إلى جيتمو في أواخر عام 2002. كان المختطف العشرين معزولا وحده في معسكر إكس راي حسب قول ليزا، وكان المحققون يستجوبونه أحيانا على مدى عشرين ساعة متواصلة، في محاولة لإجباره ليعترف بتفاصيل حول التخطيط لهجمات 11 سبتمبر وتنفيذها.
خلال الأسبوعين الأولين من وجودي في فريق التحقيق، عرفت من اطلاعي على ملفات المعتقلين أننا بالفعل كنا نحتجز بعض الإرهابيين السيئين بالإضافة إلى المختطف العشرين، في المعسكر. يحظر علي أن أقدم تفاصيل حول ما رأيت، أو ما استطاع المحققون انتزاعه منهم، ولكن كانت هناك جهود منظمة لإجبار هؤلاء المعتقلين الهامين على الإدلاء بمعلومات عن لاعبين هامين آخرين داخل القاعدة وتمويلهم ومواقع البيوت الآمنة حول العالم، وخاصة عن هجمات أخرى تم التخطيط لها.
كان هناك معتقلون آخرون لم يكونوا ناشطين إرهابيين، لكنهم كانوا يمتلكون معلومات مفيدة. كان من بينهم ستة عراقيين شيعة. وكنت قد سمعت عنهم عندما كنت أعمل في مجموعة عمليات المعتقلين المشتركة وكان المعتقلون الآخرون يشكون بهم ولا يثقون بهم ويتهمونهم بالتعاون مع المحققين. واكتشفت أن المعتقلين الآخرين كانوا محقين في عدم ثقتهم بهؤلاء الستة الذين كانوا ينقلون ما يسمعونه من أحاديث في الزنزانات إلى المحققين ويخبرونهم أي المعتقلين تدرب فعلا مع القاعدة.
وعرفت الآن أكثر عن قصص هؤلاء العراقيين الشيعة الستة، كان سلطان مثلاً قد هرب من العراق ليتجنب أداء الخدمة العسكرية، وذهب إلى إيران، لكن السلطات هناك قبضت عليه وطردته. وبدلا من العودة إلى العراق، توجه إلى أفغانستان. لكن نظام طالبان اعتقله بعد فترة وحقق معه وعرضه للتعذيب معتقدين أنه جاسوس إيراني. كانت آثار التعذيب لاتزال على جسده. وفي النهاية صدق مسؤولو طالبان قصة سلطان، واعتقدوا أن بإمكانهم الاستفادة من تعليمه وخبرته في الزراعة. وأصبح مسؤولا عن حقل لزراعة الخشخاش. وخلال عامين كان قد تزوج من امرأتين وانجب طفلين ويعيش حياة سعيدة. وفي أحد الأيام جاء أحد مسؤولي طالبان وطلب من الجميع حمل السلاح لأن الكفار قادمون. لم يكن سلطان قد عرف شيئاً عن هجمات سبتمبر لأنه لم يكن يملك تلفزيوناً أو جهاز راديو، ولذلك لم يعرف ما كان المسؤول الطالباني يتحدث عنه. وفجأة تعرضت حقوله للقصف ورأى جنودا يتقدمون، واستسلم إلى قوات تحالف الشمال لدى وصولهم مباشرة.
أما علي، وهو أحد الشيعة العراقيين الستة مثل سلطان، فكان هو الآخر قد هرب من العراق لتجنب أداء الخدمة العسكرية، ومثل سلطان أيضاً طردته إيران وذهب إلى أفغانستان حيث حاول أن يشق طريقه في عدة مهن، وأخيرا حصل على عمل في أحد معسكرات التدريب التابعة للقاعدة كعامل تمديدات صحية. تزوج وعاش في المعسكر إلى جانب عناصر القاعدة، عندما وصلت قوات تحالف الشمال، تم اعتقاله مع الآخرين وسلم إلى الأمريكيين. لم يكن إرهابيا، لكنه كان يمتلك معلومات هامة. وكانت قصص الباقين شبيهة بقصص سلطان وعلي. كان المحققون مستعدين دائما لمكافأة هذه المجموعة: كانوا أحيانا يحضرون لهم وجبات من ماكدونالدز وكانوا يأكلونها أمام المعتقلين الآخرين. وكان علي أحد المعتقلين النادرين الذين يسمح لهم بالحصول على مجلات. وقد فوجئ مارك مرة عندما أطلعه علي على ما بداخل إحدى المجلات التي كان غلافها لمجلة "ماكسيم" ولكنها كانت في الحقيقة مجلة "بلاي بوي" الخلاعية من الداخل. وقال له علي "سأفعل أي شيء يطلبونه مني طالما أنهم يستمرون في إعطائي هذه المجلات الإباحية".
__________________



أدعم المظلوم حميدان التركي

http://www.homaidanalturki.com/
عاشق الجنوب غير متواجد حالياً