عرض مشاركة واحدة
قديم 05-10-2006, 01:43 AM
  #7
عاشق الجنوب
عضو
 الصورة الرمزية عاشق الجنوب
تاريخ التسجيل: Jul 2005
المشاركات: 56
عاشق الجنوب is on a distinguished road
افتراضي الجزء الخامس

-
خلال الشهر الأول لوجودي في جيتمو، كانت تراودني مشاعر مختلفة لحب وكراهية ما كنت أقوم به. فمن ناحية كنت أكتسب الكثير من الخبرة الجيدة التي قد أستفيد منها في مهمات استخباراتية قادمة. ومن ناحية أخرى وجدت أن فهمي للإسلام والثقافة العربية كان يتعمق كلما سمعت قصصاً أكثر عن قصص المعتقلين. بعض اللغويين كانوا نادراً ما يتحدثون إلى المعتقلين، وكان اثنان أو ثلاثة منهم يظهرون احتقاراً مباشراً لهم، لكن معظمنا كان يدخل في أحاديث معهم بشكل منتظم تقريباً. كنت أشعر أن محاولة الابتعاد عن المعتقلين لم يكن لها معنى لا على المستوى الشخصي ولا لمصلحة العملية كلها. وكانت أحاديثي مع المعتقلين وسماع وجهات نظرهم عن الأمريكيين وعن الإسلام تجعلني أعي أكثر وأكثر إلى أي مدى هناك سوء فهم بيننا.

في مكتب المترجمين كنا نتحدث كثيراً عن المعتقلين وعن فهمهم للدين، وكنا نناقش فيما إذا كانوا تعرضوا لغسيل دماغ أم إنهم كانوا معتقلين بمفهومهم للدين لدرجة كبيرة. كان الاعتقاد السائد بيننا أن ذلك كان يعتمد على كل معتقل بعينه، بعضهم كانوا مضللين والبعض الآخر كانوا متحمسين فقط. وبدا أن بعضهم فقد الإيمان تماماً. أولئك هم الذين كانوا يحاولون الانتحار غالباً.
كنت قد بدأت أتساءل فيما إذا كانت حربنا على الإرهاب تعطي مفعولاً عكسياً. فقد لاحظت أن معسكر دلتا كان يحطم إرادة بعض المعتقلين - بما في ذلك إرادة الحياة -، لكنني لاحظت أيضاً أنه كان يقوي إرادة البعض الآخر وتلاحمهم ضدنا وضد ما يعتبرونه الاضطهاد الأمريكي. مما كنت قد رأيته في جيتمو حتى ذلك الوقت، كانت تراودني شكوك حول مدى نجاحنا في عزل الأشرار الحقيقيين.
لم يكن أحد خارج فريق التحقيق قادراً على معرفة كمية المعلومات الهامة التي كان المعتقلون يقدمونها، لكني سمعت إشاعات بأن المعلومات الجيدة التي كانت تجمع من خلالهم كانت قليلة جداً.
وفي نفس الوقت، سمعت قصة بعد أخرى من المعتقلين حول كيفية وصولهم إلى جوانتانامو، ووجدت أن بعض تلك القصص كانت مقلقة. مع كل قصة سمعتها وجدت أن الأمر كان يزداد صعوبة لقبول سياسة عدم توجيه الاتهامات إليهم بشكل رسمي بحجة أن ذلك ضروري في الحرب على الإرهاب. من الأسهل كثيراً تبرير سياسة ما عندما لا يكون عليك رؤية أولئك المعتقلين عن قرب وتسمع قصصهم وقصص عائلاتهم وخلفياتهم.
كان عزيز معتقلاً سعودياً، اعتقلته قوات تحالف الشمال في أفغانستان. كان رجلاً قصير القامة وممتلئاً، وكانت لحيته مليئة بالشيب وشعره خشن أشعث، وكان يبدو في الأربعينات من عمره، وكان مرحاً ويدفعنا إلى الضحك يومياً تقريباً. كان يروي لي النكات باللغة العربية المحلية التي لم أكن أفهمها جيداً، وكان يخبرني عن مدى انزعاجه من ارتداء النساء البرقع في أفغانستان. كان يقول إنه كان يتمنى لو أنه عاش في أمريكا حتى يستطيع رؤية أجساد النساء، وكان يعلق كثيراً على النساء خاصة في فريق المترجمين. كان يقول إن فانيسا "امرأة الأحلام". وفي يوم من الأيام عندما ذهبت إلى زنزانته كان من الواضح أنه طلب مترجماً لمجرد الحديث. اشتكى أولاً من معاملة الحراس، وقال: إنهم يتعاملون مع جميع المعتقلين بدون احترام. قلت له إنني لا أملك أي سلطة حول ذلك - بعد ذلك بدأ يطرح عليّ بعض الأسئلة. قال: "كيف هو الجيش يا بسام؟". قلت: "أحبه يا عزيز، أحب خدمة بلدي. الجيش علمني اللغة العربية، ويتيح لي السفر كثيراً". قال "لماذا يؤيد بلدك إسرائيل دائماً؟" قلت: "عزيز، أنت تعرف أنني لا أستطيع الحديث عن أمور كهذه". قال: "أعرف، كنت آمل فقط أن نتناقش قليلاً"، قلت: "لا نقاش اليوم يا عزيز". قال: "طيب". وأضاف: "يا بسام، لاحظت أنه لا يوجد خاتم زواج في إصبعك، هل أنت عازب؟"، قلت: "حالياً نعم يا عزيز، ولكنني آمل ألا يطول ذلك، أخطط للزواج". سألني: "هل ذلك يعني أنك خلال وجودك هنا تستطيع أن تمارس الجنس مع أي امرأة في المعسكر؟ ضحكت وقلت: "لماذا تعتقد ذلك يا عزيز؟" قال: "اسمع يا بسام، لست غبياً، لا يمكن أن تكون النساء هنا في الزي العسكري موجودات كجنديات حقيقيات.
هل تعتقد أننا أغبياء؟ جميع المعتقلين هنا يعرفون الحقيقة - إنهن موجودات هنا لخدمة الجنود الحقيقيين". لم أصدق ما كنت أسمعه. قلت: "لا يا عزيز، النساء اللاتي في المعسكر جنديات مثلنا". ضحك عزيز بصوت عال وقال: "بسام. أتمنى أن يدور بيننا نقاش صريح يوماً ما وتتوقف عن قول الأكاذيب لي. هل تتوقع مني بالفعل أن أصدق أن الفتاة ذات الشعر الأشقر الطويل والصدر الكبير هي في الواقع جندية؟". قلت: "إنها كذلك يا عزيز وهي جيدة في عملها أيضاً". كان عليّ أن أنسحب من ذلك الحديث. بدأت أمشي مبتعداً، لكن عزيز رأى الابتسامة على وجهي فقال بصوت عال: "تعرف أنني على حق".
ولكن عندما لا يكون عزيز يمزح ويضحك مع المعتقلين الآخرين، كان يجلس في زاوية زنزانته وهو يبكي. مثل وائل، كان يدعي أن قوات تحالف الشمال قبضت عليه لمجرد كونه عربياً في أفغانستان. قال: "إنه كان يفتقد أحفاده". كان يقول متوسلاً أحياناً: "لا أريد أن أموت في السجن". قال لي: "إنه كان يحب أمريكا في السابق".
حقيقة أن بعض المعتقلين لم تكن لهم علاقة بالإرهاب، وأن وجودهم في جوانتانامو لا معنى له، كانت واضحة لأي شخص يزور مجمع زنزانات دلتا. في أحد الأيام جاء استدعاء لمترجم في مجمع دلتا في فترة الغداء تقريباً. لم يكن أحد يريد أن يذهب خوفاً من أن يتأخر على السيارة التي تنقلنا إلى السكن في نهاية الدوام. لكنني تطوعت لأنني كنت ما أزال أرغب في إعطاء انطباع جيد عني ولأنني لم أكن قد ذهبت إلى ذلك المجمع من قبل.
دخلت المجمع وتوجهت مباشرة إلى زنزانة المعتقل صاحب الشكوى، قال لي "المسؤول عن المكتبة يكرهني ويتجاوزني عمداً عندما يسلم الكتب". فكرت في أن ذلك غير محتمل، لكنني قلت له إنني سأنظر في الأمر وأعود إليه.
وفيما بدأت أمشي مبتعداً، صاح معتقل آخر "يا مترجم، يا مترجم". وبعد ذلك قال بالإنجليزية: "أريد أن أخبرك شيئاً". وفكرت لماذا لا أرى ما يريده هذا الرجل؟ عندما اقتربت منه، قال باللغة العربية: "أعرف القليل من الإنجليزية، أريدك أن تقول لي إذا كانت جيدة". قلت "دعني أسمعك" عند ذلك وقف هذا العربي، المتهم بالاشتراك في الإرهاب العالمي والمسجون وراء شبك فولاذي أخضر، ونظر إليّ في عيني وبدأ يغني بطريقة الراب بالإنجليزية: "أحب الصدور الكبيرة ولا أستطيع الكذب، أنتم أيها الإخوة لا تستطيعون أن تنكروا أنه عندما تسير فتاة بوسط يتمايل..." كان المعتقل يغني بلكنة ممتازة وأنغام موزونة، وأكمل تلك الأغنية الكلاسيكية التي كانت معروفة في الثمانينات. لم أعرف ما إذا كان عليّ أن أضحك أم أبكي. هؤلاء الشبان كانت توجهاتهم مختلفة بالتأكيد.
لاحظت مع مرور الوقت أن بعض الرجال في مجمع زنزانات دلتا كانوا بالفعل مختلين عقلياً. لم يكن المعتقلون الموجودون هناك هم الذين مصنفون على أنهم الأكثر اكتئاباً والأكثر خطورة في محاولة الانتحار، بعضهم كان مجنوناً بكل معنى الكلمة وكان يجب أن يوضع في مشفى للأمراض العقلية. سمعت أن أحد المعتقلين في مجمع دلتا كان يأكل برازه، وأنه أطلق سراحه قبل حضوري إلى جيتمو. هل كان هؤلاء الرجال مختلين عقلياً قبل وصولهم إلى جوانتانامو، وكانوا فريسة سهلة لزعماء الحرب الباحثين عن الجوائز في أفغانستان؟ أم إن ما واجهوه في هذا المعسكر والنهاية المفتوحة لاعتقالهم دفعتهم إلى الجنون؟
كان بعض المعتقلين يعانون من أوهام كثيرة، ولكن كان من المستحيل التفريق بين الحقيقة والخيال. خلال الأسبوع الخامس من وجودي كنت أترجم لأحد المعتقلين في مجمع فوكستردت، وكان يريد رؤية طبيب بسبب ظفر كان ينمو داخلياً في إحدى أصابع قدمه. قلت له إنني سأقول لحارس الشرطة العسكرية ليدون ذلك في دفتر الملاحظات. قال لي: "أرجو أن تتأكد أنه كتب ذلك فعلاً يا بسام". قلت: "لا مشكلة". توجهت إلى عنصر الشرطة العسكرية لأقول له ذلك عندما استرعى معتقل آخر انتباهي. قلت له" ما بك؟" كان أبيض البشرة وشعره مائل للون الأحمر، واتضح أنه شيشاني. قال لي: "هل تعرف ماذا حل بحقيبة يدي؟" لم تكن لدي أي فكرة عما يتحدث واعتقدت أنني ربما لم أفهم لغته العربية. سألته بحيرة: "ماذا؟" قال "حقيبة يدي، هل تعرف أين هي؟ في هذه المرة كنت واثقاً أنني فهمت، لكنني سألته عن توضيح. قلت: هل تسألني عن حقيبة يد؟ قال: نعم أنت تعرف وضعي بالتأكيد والحقيبة التي كانت بحوزتي عندما وصلت". قلت له: "في الواقع لا أعرف عم تتحدث ولم أسمع قط عن حقيبة يدك".
تنهد المعتقل وبدا عليه الغضب. قال: "عندما اعتقلت في الشيشان كنت أحمل حقيبة سوداء مليئة بالأموال النقدية. عندما وصلت إلى هنا، أكد لي المحقق أنه سوف يسأل لي عنها ويخبرني بما حل بحقيبتي وماذا سيحصل للنقود. بعد أسبوعين التقيت محققاً آخر، وقال لي إنه لا يعرف شيئاً عن الحقيبة. بعد شهر من التحقيقات استطعت أخيراً إقناع ذلك المحقق بالسؤال عن ذلك الأمر، وقال لي إنه سيعلمني بما حل بحقيبتي. لم أسمع منه شيئاً على مدى أربعة أسابيع. وبعد ذلك، عندما ذهبت إلى التحقيق، قال المحقق الجديد طبعاً إنه لا يعرف شيئاً عن الحقيبة. لقد ناقشت هذا أيضاً مع الفتاة الشقراء، وقالت لي هي أيضاً إنها سوف تستفسر عن الأمر".
شعرت برغبة قوية بالضحك وأنا أستمع إليه، لكنني كنت أعرف أنني يجب ألا أفعل ذلك.
كانت تبدو عليه مظاهر النقمة التامة. قال "أعرف أن أولئك الكلاب الأمريكيين ينفقون مالي كله! أريد فقط أن أعرف إذا كنت سأسترجع بعضه أو أرسله إلى أسرتي". قلت له: "عليّ فعلاً أن أستفسر عن الأمر. ولكن لأكون صادقاً معك فأنا لست مهماً كثيراً هنا، وأشك أن يعطيني أحد الإجابة". قال بلطف: "إنني أقدر لك إذا سألت فقط". قلت له: "مافي مشكلة. سأخبرك إذا توصلت إلى معرفة أي شيء عن هذا الأمر".
عندما عدت إلى المكتب، كانت فانيسا ومو يقرآن المجلات. أغلقت الباب وقلت: "هل يعرف أي منكما شيئاً عن الرجل الذي يسأل عن حقيبة يد مليئة بالنقود؟" نظرا إلى بعضهما البعض وضحكا. ويبدو أن ذلك الرجل كان يقول نفس الشيء لكل مترجم يمر قرب زنزانته.
كان بعض زملائي قد بدؤوا يشكون في مدى نجاح مهمة المعسكر بسبب قصص مثل تلك التي أخبرني إياها عزيز. كانوا مقتنعين أن عدداً قليلاً من المعتقلين فقط كانت له أي قيمة استخباراتية حقيقية، وكانت لديهم شكوك حول ما إذا كان عدد كبير من المعتقلين مذنبين فعلاً. كان عدد المعتقلين الذين بالكاد يبدو عليهم أنهم إرهابيون يقلقني كثيراً. علمت أننا نحتجز في جوانتانامو مجموعة من المراهقين الأفغان الذين تتراوح أعمارهم بين 12-14 عاماً، وكانوا موجودين في مبنى منفصل اسمه معسكر إيجوانا. كان أولئك المراهقون يتمتعون بقدر أكبر من الحرية من المعتقلين الآخرين، وكانوا يتلقون دروساً في بعض المواد. لكنهم كانوا سجناء المبنى الذي هم فيه، وكنت أتساءل عن جدوى احتجازهم في مكان مثل جيتمو.
لم يكن المسلمون الملتزمون في فريق المترجمين هم الوحيدين الذين كانت لديهم شكوك حول كل هذه الأمور، لكنهم كانوا أكثر انفتاحاً في الحديث عنها، تماماً مثل ما فعل أحمد الحلبي مع مارك ومعي في أول يوم لنا في المعسكر. كانوا أيضاً قد بدؤوا يبتعدون عن الباقين، وكان يبدو لي أنهم يواسون أحزان بعضهم البعض. كانوا يصلون معاً يومياً ويعقدون حلقات لدراسة القرآن كل يوم جمعة، وكانوا أيضاً يقضون أوقات فراغهم معاً.
فكرت مرة أخرى بالمزيج الغريب من الأعراق والأديان داخل مجموعتنا، بالإضافة إلى المسلمين الملتزمين، كانت هناك إيلينا، وهي روسية يهودية لكنها ملحدة، ولينا وهي لبنانية - أمريكية مسلمة معتدلة، والفلسطيني المسيحي بوبس الذي هاجر إلى الولايات المتحدة وتطوع في احتياطي الجيش الميكانيكي، وكان هناك عدد من المسيحيين الملتزمين، بما في ذلك مارك، وبعض المسلمين الذين كانت لديهم وجهات نظر علمانية مثل مو.
ثم كان هناك لين. كان احتياطياً في جنوب كاليفورنيا، لكن أسرته كانت من أصل كلداني مسيحي من العراق. لم يكونوا قد عوملوا بصورة جيدة على يد نظام صدام، وأعتقد أنه كان يرى في جيتمو فرصة للانتقام من المسلمين. وكان لين يطمح إلى أن يعمل ممثلاً، وكان يمارس رياضة رفع الأثقال ويحبها كثيراً. كان جسمه الممتلئ بالعضلات مغطى بالوشم. كان لين يقول بصراحة إنه يتمنى أن يقوم بتعذيب المعتقلين، وإنه كان سيقبل بسرور وظيفة رئيس فريق التعذيب لو كان هناك مثل تلك الوظيفة في المعسكر.
كانت الأمور قد بدأت بالإثارة في فترة عيد الميلاد، عندما قال مو: إنه سمع من الكابتن منصور أن هناك احتمالات ببدء رحلات جوية لنقل بعض الإرهابيين المعتقلين في أفغانستان إلى جوانتانامو، وكانت تلك الرحلات تتطلب أن يذهب بعضنا على متنها، حسب اللغة التي كان المعتقلون يتحدثونها، وكانت هناك رحلة محددة تطلبت مترجماً عربياً ومترجماً بلغة البشتون. كان الجميع يرغبون بالذهاب في تلك المهمة. كان ذلك يعني الإثارة والذهاب إلى منطقة القتال.
كان مو قد سمع الكثير عن تلك الرحالات، وقال إنها مرهقة جداً. قال لي: "كل شيء في المهمة يقصد منه إخافة المعتقلين. حتى المترجمون من المفترض أن يعاملوا المعتقلين باحتقار شديد ويخيفوهم إلى أقصى حد". قبل وصولي بفترة بسيطة، كان أحد المترجمين العاملين في القوى الجوية قد تمكن من التقاط صور لإحدى هذه الرحلات، وتمكن من إرسال الصور إلى محطات التلفزيون. كان المعتقلون المقيدون يرتدون عصابات سوداء على أعينهم وسماعات على آذانهم وكمامات من الورق على أفواههم. وخلال بعض مراحل الرحلة كانوا يضعون أكياساً على رؤوسهم ويتم تقييدهم بأرض طائرة سي - 130 بأربطة سوداء على مدى أكثر من 20 ساعة التي تستغرقها الرحلة. كان بعضهم يعتقدون أنهم ذاهبون إلى موتهم، ولم ينف أحد تلك الفكرة من رؤوسهم. كان الحراس يصرخون عليهم دائماً خلال الرحلة. وعندما وصلوا إلى كوبا، تم إلقاؤهم مباشرة في غرف التحقيق، وكانت جلسات التحقيق تمتد إلى يومين أحياناً بشكل متواصل. سمعت أن مثل هذه الممارسات كانت تنتج معلومات أكثر مما ينتجه شهران في التحقيق فيما بعد.
لكن من المفارقة أن المترجم العربي الذي تم اختياره لهذه الرحلة كان أحمد الحلبي، الذي كان قد قال علناً إنه يريد الابتعاد عن الاحتكاك بالمعتقلين لأنه كان يجد نفسه يتعاطف معهم كثيراً، إذا كان تخويف المعتقلين أحد الأهداف، فقد اختار الكابتن منصور الشخص الخطأ للمهمة. لكن أحمد كان يريد الذهاب على ما يبدو كنوع من الفضول، ليرى كيف كانت تسير الأمور. ومع ذلك، بعض المترجمين غير المسلمين تذمروا من أن الكابتن منصور كان يعامل أحد المسلمين مثله بأفضلية بعد ذلك، قبل عدة أيام من رأس السنة، منع الكابتن منصور المترجم لين من الاحتكاك بالمعتقلين. كان لين قد عاد إلى المكتب غاضباً بعد أن نفذ إحدى مهمات الترجمة. كان بالكاد يستطيع رواية ما حدث من خلال ثورة الغضب: "أكره هؤلاء الإرهابيين... قال إنه تحدث إلى معتقل كان منزعجاً لأنه لم يحصل على دوائه ذلك اليوم.
قال له لين إنه سينقل شكواه إلى الحراس. لكن المعتقل صاح بوجهه: "لا. أريدك أن تساعدني بنفسك. الحراس لا يهتمون". قال له لين إن عمله كان الترجمة فقط، وأضاف: "وفوق هذا، أنا لا أهتم أيضاً". عند ذلك شتم المعتقل لين وقال له إنه "كافر وكلب أمريكي". وتوج ذلك كله بأن بصق في وجه لين. كان المعتقل محظوظاً بوجود فولاذ بينه وبين لين. في البداية بصق لين في وجهه أيضاً وقال له إنه يريد أن يدخل زنزانته ليكسر رقبته. بعد ذلك تفوه بكل الشتائم العربية التي كان يعرفها بأعلى صوته. وأثارت شتائم لين وصوت قعقعة باب الزنزانة الذي كان يهزه بيده كل المعتقلين الآخرين في المجمع وبدؤوا يصيحون بصوت واحد "الله أكبر... الله أكبر"، وانتقلت العدوى إلى ثلاثة مجمعات مجاورة وبدأ حوالي 200 معتقل يرددون تلك الصيحة معاً. واضطر ضابط الصف المسؤول عن المجمع أن يهدئ لين ويطلب منه الرحيل.
في تلك الليلة، روى لين ما حدث مرة أخرى فيما كان بعضنا يتناول اللحم المشوي، مما أثار غضب أحمد الذي قال: "لماذا ترد بهذه الطريقة يا لين؟" رد لين وهو يشرب رشفة من علبة البيرة في يده: "عن ماذا تتحدث يا أحمد؟" قال له أحمد: "أعني لماذا تتصرف بهذه الطريقة مع هذا الشاب؟ لماذا لم تساعده وتمض في سبيلك؟" رد لين بغضب: "لماذا تشعر بالحزن على هؤلاء الأوغاد يا أحمد؟" رد أحمد "لست بالضرورة أشعر بالحزن عليهم. لكنني أعتقد أن علينا أن نعاملهم باحترام. لم يحاكم أي منهم على أي شيء بعد، لا تنس ذلك؟ صرخ لين: "محاكمات. علينا أن نأخذهم جميعاً في سفينة ونضع مرساة في رجل كل منهم ونلقي بهم في قاع المحيط. ذلك يحل المشكلة ونستطيع أن نغادر جميعاً هذا المكان". كنا قد سمعنا مثل هذا الحديث من قبل من لين. مشى أحمد مبتعداً والاشمئزاز واضح على وجهه.
قرر الكابتن منصور أخيراً أن يرد على الأقاويل التي كانت تتردد حول اختياره أحمد الحلبي لمهمة نقل المعتقلين من أفغانستان. دعا إلى اجتماع ليلة رأس السنة الساعة الثامنة مساء. كانت تلك الليلة خاصة بالنسبة لجميع الذين كانوا يشربون الكحول في الفريق، وذلك يعني الجميع ما عدا مجموعة المسلمين الملتزمين. اعتقد معظمنا أن الكابتن منصور دعانا إلى اجتماع تلك الليلة متعمداً ليمنع "الكفار" بيننا من شرب الكحول.
ولكن في الساعة 8.15 لم يكن الكابتن منصور قد حضر بعد. بقينا حتى الساعة التاسعة وبعدها بدأنا بالشراب. أخيراً وصل الكابتن منصور ولم يقدم أي أعذار. قال: "دعوت إلى هذا الاجتماع لأوضح بعض القضايا التي سمعت بعض أعضاء الفريق يتحدثون عنها. أولاً، بالنسبة لمهمة الجسر الجوي، قررت أن أرسل أحمد كمترجم عربي والرقيب تسلر كمترجم للبشتون. لقد تم اتخاذ القرار وهو نهائي". ما تلا ذلك كان أكثر المواجهات صداماً بين مجموعة من الجنود والضابط القائد. كان الكابتن منصور يدافع عن موقفه، وجعل ذلك الاجتماع يطول أكثر. ولم يقل المسلمون الملتزمون خلال الاجتماع أي شيء. من خلال تجربتي السابقة، كان الضابط المسؤول في مثل هذه الحالة يقول بوضوح إن النقاش انتهى، وإنه لن يسمح بالاحتجاج على هذه المسألة. ذلك الرد كان عموماً منتشراً في أوساط الجيش. قال الكابتن منصور في إحدى مراحل النقاش إنه لم يستلم قيادة جنود في الخدمة من قبل. وكل ما فكرت به في ذلك الوقت أن ذلك كان واضحاً، ولكني لم أقل شيئاً.
عدت إلى البيت وحاولت أن أتصل مع أهلي وصديقتي دارسي حوالي منتصف الليل. لكن كان هناك ضغط كبير على الخطوط، ولم أتمكن من إتمام المكالمة حتى الساعة 12.15 بعد منتصف الليل. وكالعادة، لم أتمكن من قول الكثير لها من هاتف المعسكر الذي كان يكلفنا 53 سنتاً لكل دقيقة نتحدث فيها مع الولايات المتحدة.
عندما تطوعت، كان لدي تصور لما اعتقدت أن جيتمو يجب أن يكون: منشأة منظمة تدار بذكاء وتحوي أفضل عناصر الاستخبارات الذين يحصلون على المعلومات من أسوأ الإرهابيين الذين قبضنا عليهم حتى نتمكن من القبض على الآخرين الذين قد يكونون أسوأ منهم، ونحافظ على أمن أمريكا. لكن الصورة التي في خيالي لم تتوافق مع ما رأيته. ومن وجهة نظري، الإشارات على أن هناك شيئاً ما لا يسير بالشكل الصحيح - التقارير عن الجوائز التي تدفع لمن يقبض على إرهابيين، ووجود بعض المعتقلين الذين لا يتم استجوابهم، وغير ذلك - كانت أكثر بريقاً من أن يتمكن المرء من تجاهلها.
__________________



أدعم المظلوم حميدان التركي

http://www.homaidanalturki.com/
عاشق الجنوب غير متواجد حالياً