عرض مشاركة واحدة
قديم 02-10-2006, 03:20 AM
  #2
عاشق الجنوب
عضو
 الصورة الرمزية عاشق الجنوب
تاريخ التسجيل: Jul 2005
المشاركات: 56
عاشق الجنوب is on a distinguished road
افتراضي الجزء الأول

-

في الساعة الخامسة صباحا من يوم 11 سبتمبر كنت منهمكا في إعداد المنصة المعدة للاحتفال بتغيير القيادة في مركز الاستخبارات العسكرية الأمريكية في فورت هوشوكافي أريزونا. لم يكن النهار قد طلع بعد وأتمتم غاضبا بيني وبين نفسي وأنا أقوم بذلك العمل الشاق. ألهذا أمضى الجيش عامين يعلمني اللغة العربية؟ لأفحص زيت عربات همفي وأصف الكراسي للاحتفال بقدوم ضابط جديد؟ لقد انضممت إلى الجيش حتى أقوم بعمل في الاستخبارات العسكرية، لكنني لم أفعل إلا القليل من هذا حتى الآن. لو أنني عشت حياة عادية بعد الكلية بدلا من انخراطي في الجيش، هل كنت سأصبح ذا معنى أكثر الآن؟ بالطبع، لكنت نائما في مثل هذا الوقت.
كنت أقود سيارتي عائدا إلى المعسكر عندما سمعت نبأ اصطدام طائرة بالبرج الشمالي لمركز التجارة العالمي، أسرعت إلى غرفتي وجلست أشاهد التلفزيون عندما اصطدمت الطائرة الثانية بالبرج الشمالي. اللعنة. لم يكن شك بأن هذا كان عملا إرهابيا، كان جدولي في الخدمة يقتضي أن أنتقل إلى نيويورك بدءا من أغسطس لأقوم بأعمال استخباراتية لصالح مكتب التحقيقات الفيدرالي قرب مركز التجارة العالمي. كنت متشوقا للذهاب إلى هناك لكن أوامر النقل لم تنته في الوقت المناسب، وبقيت عالقا في مكاني في أريزونا، ولكن ربما لو أنني كنت قد ذهبت لأصبحت واحدا من الناس الهلعين، وهم يشاهدون الأبراج تحترق من شبابيكهم أومن الشارع ويتساءلون عن الجحيم القادم الذي قد يستعر حولهم في أي لحظة.
في الساعة 9.30 بتوقيت أريزونا اتصل بي رقيب الفصيلة وأمرني أن ألتحق بالخدمة فورا، اجتمع حوالي 30 شخصا منا في ثكنة رايلي حيث حذرنا الرقيب ستافورد من أن مركز فورت هوشوكا قد يكون على قائمة الإرهابيين، كان علينا أن نقوم بحراسة أراضي القاعدة لباقي النهار، كانت سلطات الطيران الفيدرالية قد أوقفت الطيران التجاري، وكانت مهمتنا الرئيسية مراقبة السماء في أريزونا بحثاً عن أي جنون قادم. بالطبع لم يحدث شيء، كان سكون ذلك اليوم يبدو غير معقول مقارنة بخطورة ما كان قد حدث، كان لدي وقت طويل للتحديق في الجبال حول سيرافيستا وأفكر ماذا كان يعني أن أكون في الجيش وأن أعرف لغة العدو.
كانت الأقاويل في القاعدة ذلك اليوم تتحدث عن أن ذلك كان من تدبير أسامة بن لادن، جميع الذين أعرفهم في مجال الاستخبارات كانوا يعتقدون أنه جاد في تهديده باستهداف أمريكيين، لكنني لم أكن أصدق أنه يستطيع أن يفعل شيئا كهذا. كنا نعرف بالتأكيد مدى عمق كراهية تنظيم القاعدة لأمريكا. خلال الفترة التدريبية التي قضيتها تعرفت على مدى تعصبه هو وأتباعه، وكيف أنهم كانوا يريدون إشعال حرب مقدسة ضد "كفار الغرب" الذين وضعوا قوات في الأراضي المقدسة. الآن ستعود الكراهية إليهم، بكل قوة وجبروت القوات المسلحة الأمريكية المشتركة، وكنت متشوقا لبدء العمل، لن يكون هناك ترتيب مقاعد في المنصة بعد الآن، كان هناك نقص في متحدثي اللغة العربية في الجيش، وكنت أعرف أن كل شخص منا ستتم الاستفادة منه بشكل جيد.
كنت أتساءل فيما إذا كان أسامة بن لادن يفهم ما بدأه. في 14 سبتمبر وقف الرئيس بوش في موقع البرجين تضامنا مع المدينة والأمة، وفيما بعد أعلن أننا سنشن حربا جديدة ضد الإرهابيين، كنت أسمع كلاما في دوائر الاستخبارات بأننا سنشن حربا شاملة، ليس فقط في أفغانستان ولكن في شتى أنحاء العالم الإسلامي، بالنسبة لي ولمعظم زملائي في الجيش كنا ننتظر بلهفة بداية العمليات.
في 7 أكتوبر شنت الولايات المتحدة عملية "إنديورينج فريدوم" التي شملت قصفا كثيفا على معاقل طالبان والقاعدة في كابول وقندهار وجلال أباد، كانت جماعة طالبان تنهزم، لكن حتى ونحن نحتل مناطق واسعة من أفغانستان تمكن بن لادن من الإفلات والمراوغة. وبحلول منتصف أكتوبر كنت أعمل مع مكتب التحقيقات الفيدرالي على مقربة من موقع مركز التجارة العالمي.
وعلى مدى 6 أشهر في نيويورك، قمت بأعمال الترجمة وتحليل الأصوات والرسائل المكتوبة، كان زملائي يحاولون التأقلم مع الصدمة النفسية للهجوم، كانت نيويورك كلها حزينة، في أحد الأيام أخذني أحد عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي إلى موقع انهيار البرجين، رغم مرور شهر على الحادث كان الدخان لا يزال يتصاعد، وترك صمت العمال ووجوههم الملطخة بالسواد وهم يحفرون خلال جبال من الركام انطباعا دائما في نفسي.
في مايو 2002 تم نقلي إلى منطقة واشنطن لأعمل مع وكالة الأمن الوطني في فورت ميد. وأتاحت لي تلك المهمة رؤية صورة أوسع للدعم الاستخباراتي للحرب على الإرهاب. كان العاملون هناك يتولون حماية بلدنا من الناحية الاستراتيجية، وكانوا أذكى الأشخاص الذين عرفتهم وأكثرهم تفانيا في العمل، وكانوا يقدمون معلومات هامة لصانعي القرار الأمريكي بشكل يومي. ومع أنني ممنوع من إعطاء أي تفاصيل عما رأيته، كان عمق سيطرتنا على النشاطات الإرهابية في شتى أنحاء العالم مثيرا للإعجاب، وفي نفس الوقت كنت أعرف أن ذلك لم يكن كافيا. وإلا لما وقعت أحداث 11 سبتمبر مطلقا.
في يناير من ذلك العام، كانت إدارة بوش قد بدأت بإرسال معتقلين مشتبه بأنهم إرهابيون من أفغانستان إلى معسكر جوانتانامو. كنت أتمنى أن ينتهي الأمر بأي شخص له ارتباط ولو بعيد بالقاعدة في ذلك المعسكر، ليس هناك مكان أفضل من جوانتانامو (جيتمو كما يطلق عليه) لإرسالهم إليه، لأنه يعتبر منفى حتى بالنسبة للجيش نفسه، كان وزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد قد أعلن أن الذين يتم إرسالهم إلى جوانتانامو كانوا "أسوأ السيئين" وكانت أوساط الاستخبارات تعرف أن المحققين سيعملون بطريقة خاصة هناك للحصول على معلومات صلبة من أولئك المتعصبين المتمرسين.
وفي صباح أحد الأيام الدافئة في يوليو في قاعدة فورت ميد، سمعت صدفة أحد اللغويين الآخرين في وحدتي العسكرية يقول "عندما كنت في جيتمو..." لم نكن قد سمعنا الكثير عما كان يجري في جوانتانامو، ولم أكن قد التقيت قبلها بشخص كان قد زار معسكر المعتقلين، أردت أن أسمع قصة ذلك الشاب.
كان قد أمضى أسبوعين في جوانتانامو في معسكر دلتا، المنشأة الجديدة التي تم بناؤها خصيصا للإرهابيين، وذلك لأداء مهمة لم يكن يستطيع الحديث عنها، وكان قد حضر بعض جلسات التحقيق، قال إن بعض المحققين استخدموا طرقا قاسية بينما استخدم آخرون أساليب نفسية، في سعيهم للحصول على ثقة الإرهابيين. قال لي إن العملية كلها كانت مثيرة للاهتمام، لكنه لم يكن يستطيع أن يتحدث أكثر من ذلك لأننا لم نكن في محيط آمن ولم يكن يحق لي أن أعرف أكثر من ذلك.
أسرتني فكرة الذهاب إلى جيتمو، كنت منشغلا جدا بعملي في فورت ميد، كانت لدي صلاحيات سرية كثيرة وكنت أتعلم الكثير عن جمع المعلومات وتحليلها، وكنت قد تعرفت أيضا على فتاة كنت أعتقد أنها مثالية بالنسبة لي، ولذلك كانت لدي أسباب كافية للبقاء حيث أنا.
لكنني كنت متحمسا لفكرة الذهاب إلى جيتمو، والتعامل مباشرة مع الإرهابيين، كنت قد رغبت في دخول مجال التحقيق عندما انخرطت في الجيش أساسا، كنت أعتقد أنني أحب التحدي الفكري الذي يأتي مع ذلك النوع من العمل. ولكن عندما تطوعت لم تكن هناك شواغر في أي برنامج تدريبي في ذلك الاختصاص، كانت جيتمو طريقة رائعة للاطلاع على مثل ذلك العمل، والذي أعتقدت أنني ربما أرغب في متابعته إما في الجيش أو في الحياة المدنية.
بعد عدة أسابيع عندما طلبت قيادتي متطوعا لغويا لأداء مهمة في جوانتانامو لمدة 6 أشهر رفعت يدي.
كنت قد تعلمت خلال فترة إعدادي لغوياً اللغة العربية الفصحى، كما تعلمت الكثير عن ثقافة الشرق الأوسط، وجغرافيته وسياسته وتاريخه على يد 6 أستاذة من مختلف الدول العربية، لقد أدهشتني ثقافة وكرم العرب خلال فترة التدريب، خاصة في طريقة تعامل المدرسين مع الطلاب. كما وجدت من الغرابة بمكان ومن دواعي السخرية أن الدول الإسلامية كانت تتحدث عن تكريسها للإسلام، ومع ذلك كانت هناك خلافات قاسية ومرة بين تلك الدول لأسباب سياسية وطائفية، وبعد إنهاء دورة اللغة العربية بفترة لا بأس بها، أرسلني الجيش إلى مصر لمدة شهر واحد لممارسة اللغة العربية ضمن مجتمع عربي ولأكتسب مزيدا من الخبرة، لاحظت هناك مدى غضب الشباب المصري من السياسة الخارجية الأمريكية من جهة وحبهم لثقافتنا من جهة أخرى. كنت دائماً أسمع السؤال "لماذا تدعم أمريكا إسرائيل دائماً؟". ورأيت كيف أن معظم المسلمين معتدلون ولا يتفقون مع الطروحات المتطرفة والمتعصبة لبعض الجماعات المتشددة، وكيف أن هذه الجماعات كانت تسعى لبدء حرب مقدسة ضد الولايات المتحدة.
وفي ردنا على هجمات 11 سبتمبر، تمنيت ألا تعطي الولايات المتحدة المتطرفين فرصة لتحقيق مآربهم في تحويل الحرب على الإرهاب إلى صراع للحضارات. كان أملي ينحصر في أن نحارب المتطرفين ولا نسمح للصراع أن يتحول إلى حرب على الإسلام. وإذا كان تدريبي اللغوي يمكن أن يساعد في أي شكل من الأشكال في القبض على الإرهابيين الذين كانوا يريدون تحويلها إلى حرب مقدسة، فإنني لم أكن أتخيل أي شيء أكثر إشباعاً لرغبتي بعد التدريب الطويل الذي خضعت له، صحيح أنني لم أكن أحقق الكثير من الناحية المادية، لكن عزائي كان في أنني كنت أساعد في حماية الحلم الأمريكي، في الوقت الذي كان الآخرون من رفاقي يعيشونه.
وجدت صديقتي صعوبة كبيرة في تفهم الأسباب التي جعلتني أقرر التطوع للذهاب إلى جوانتانامو وعندما ودعتها كانت الدموع تملأ عينيها. وغادرت إلى جوانتانامو في 9 ديسمبر 2002.
انتقلت جواً في المرحلة الأولى من رحلتي إلى نورفوك، حيث قضيت ليلتي في فندق خاص بالبحرية. وتنقلت بين قنوات التلفزيون وأنا مستلق على سريري، وكنت أفكر كيف ستكون ردة فعلي عندما أرى المعتقلين الإرهابيين مقيدين بالسلاسل. صور المعتقلين الأوائل على شاشات التلفزيون وهم يصلون إلى جوانتانامو، ويجلسون في الوحل في ملابسهم البرتقالية الخاصة، فيما كانت أعينهم معصوبة وأيديهم مقيدة لم تزعجني مطلقاً كما أزعجت البعض. كنت فرحاً لأنهم وقعوا في قبضة الأمريكيين. كان هناك حديث في أوساط الجيش أن بعض المعتقلين كانوا يعترفون لكن البعض الآخر كانوا يدعون أنهم لم يكونوا يعرفون الكثير. كنت أتشوق لرؤية ذلك بنفسي.
كان كامب دلتا، الخاص بالمعتقلين في جوانتانامو، يعتبر "ثغرة قانونية سوداء" بالنسبة لبعض النقاد. كانت إدارة بوش قد أطلقت اصطلاح "محاربين أعداء" على المعتقلين وقررت أنهم غير مؤهلين للحصول على تمثيل قانوني كان نشطاء حقوق الإنسان يقولون إن كامب دلتا لا إنساني. معظم الذين كانوا يعملون في مجال الاستخبارات، بما في ذلك أنا، كانوا يرون الأمور من منظار مختلف. كانت هناك أمور أخرى لنقلق حولها في بلدنا في نهاية عام 2002. لم نكن قد وجدنا بن لادن، وكنا نساعد في تشكيل حكومة أفغانية جديدة، وكان الرئيس بوش يريد من الأمم المتحدة تقديم مطالب نهائية لصدام حسين حتى ينفذ بلا شروط المطالب الخاصة بأسلحة الدمار الشامل. كانت الحرب مع العراق تبدو محتومة.
طلبت منهم إيقاظي في الساعة 3.45 صباحاً حتى أتهيأ لرحلتي التي كانت ستنطلق الساعة الخامسة صباحاً. كان المطر يتساقط وكان البرد قارساً، ولذلك شعرت بالضيق عندما قال لي سائق التاكسي إن عليّ أن أمشي مسافة ربع ميل في المطر لأصل إلى المطار لأن الطريق الأقرب إليه أغلق لأسباب أمنية. كان علي أن أمشي تحت البرد والمطر وفي يدي أمتعة وزنها حوالي 75 كلجم. ربما كان عليّ أن أفهم من هذه البداية السعيدة أن هناك أمراً ما ينتظرني. بعد أن وضعت أمتعتي، جلست لأتناول كوباً من القهوة في المطار، وجلست بقرب النافذة وبيدي صحيفة يو إس إي توداي لأقتل الوقت الباقي قبل الإقلاع. كانت أولى القصص التي جذبتني الاستعدادات لإرسال قوات إضافية إلى الكويت استعداداً للغزو المحتمل للعراق.
كان الكثيرون في دوائر الاستخبارات يعتقدون أن الإطاحة بصدام حسين أمر جيد، لكن كان هناك حافز أعمق وأفضل لغزو العراق من أسلحة الدمار الشامل المزعومة.
كان الجميع غاضبين من استمرار قدرة أسامة بن لادن على الهرب وتفادي الاعتقال. كان الرئيس بوش مؤخراً يقلل من أهمية القبض عليه، لكن كل شخص أعرفه في مجال الاستخبارات كان يعتقد أن اعتقال بن لادن يجب أن يكون في أعلى سلم واجباتنا. كان بعضنا يعتقد أنه يتلقى المساعدة من باكستانيين متعاطفين مع قضيته، فيما كان البعض الآخر يعتقد أننا كنا بحاجة إلى عدد أكبر من الجنود على الأرض. وقد أصبح الأمر أسوأ عندما تم تحويل قوات العمليات الخاصة من جبال أفغانستان إلى حقول نفط العراق استعداداً للغزو.
كان جميع الذين معي على متن الطائرة التي أقلتني إلى كوبا إما عناصر في الجيش الأمريكي أو من عائلاتهم. توقفنا لبرهة في جاكسونفيل ثم أكملنا طريقنا إلى جوانتانامو ولأننا لم نكن نستطيع الطيران فوق الجزيرة، اضطررنا للالتفاف حولها والتوجه إلى القاعدة الأمريكية في الجنوب. وعندما بدأت الطائرة بالهبوط، كنت سعيداً لأنني كنت جالساً بقرب النافذة حيث استدرت لأحصل على صورة كاملة قدر الإمكان. لم أكن قد أتيت في حياتي إلى منطقة البحر الكاريبي، وأدهشتني زرقة المياه الصافية.. كان الشاطئ صخرياً أكثر مما توقعت بكثير ولم تكن هناك امتدادات رملية ناعمة يمكن رؤيتها.
وظهر مدرج المطار، وكانت هناك عربات عسكرية موزعة في أرض المطار. لم يكن هناك سياج أو زنزانات للمعسكر، لا يمكن للمرء أن يعرف أن واحدة من أكثر المنشآت العسكرية مناعة في العالم كانت تحت الطائرة مباشرة. كانت القاعدة منتشرة على طرفي ثغر خليج جوانتانامو. لم يكن من المفترض أن يكون معسكر جوانتانامو مكاناً سيئاً للخدمة فيه، ولكنه محصور قليلاً. سمعت أن هناك بعض مطاعم الوجبات السريعة وأن هناك الكثير من المسابح لمحاربة حرارة الجو عندما يكون المرء في إجازة، البحرية الأمريكية تعتبر جيتمو أقل سوءاً من أسوأ باقي الأماكن. ولكن بعد نقل الإرهابيين إليه، تحولت القاعدة في جوانتانامو من أقل قاعدة من حيث عدد الجنود فيها إلى مكان يعج بالحركة ومختلف أنواع التخصصات العسكرية كما كان في ذروة الحرب الباردة.
عندما هبطت الطائرة جاءت مجموعة من الشرطة العسكرية للقائنا. وعندما وضعت قدمي خارج الطائرة، صدمتني موجة من الهواء الحار، صدمة بعد برودة ديسمبر في واشنطن. وعندما وصلت إلى آخر السلم وأنا أهبط من الطائرة، نزلت قطرة عرق من وجهي. طلب منا أحد عناصر الشرطة العسكرية أن نترك حقائبنا على الأرض ونتجه إلى منطقة انتظار على بعد 100 متر تقريبا. تم تفحص بطاقاتنا الشخصية، وقام أحد عناصر الشرطة العسكرية مع كلب بفحص الحقائب.
انتظرنا حوالي ساعة لتأتي الحافلة التي ستأخذنا إلى العبارة التي ستنقلنا إلى الطرف الآخر.
بدأت أطرح بعض الأسئلة على أحد العسكريين المختصين، الذي قال إنه عائد من إجازة، عن الحياة في جيتمو. بادرني بالسؤال "هل تشرب الخمر"؟ أجبت نعم، قال: جيد. لو أنك قلت لا لقلت لك إنك ستفعل الآن، لأنه ليس هناك الكثير لفعله هنا. ما يفعله الناس هو العمل والسُكر.
كانت الجزيرة جميلة جداً مع البحر الذي يحيط بها حتى إنه ليخيل للمرء أنه وصل لتوه إلى منتجع استوائي. ومع ذلك فهذا هو المكان الذي تحتجز فيه الولايات المتحدة بعض الإرهابيين الأكثر خطورة في العالم.
كانت القاعدة العسكرية بالتأكيد عالماً قائماً بذاته. أقدم قاعدة عسكرية أمريكية في الخارج، والوحيدة على أرض شيوعية. استأجرت الولايات المتحدة في البداية المنطقة التي تغطيها القاعدة (حوالي 45 فداناً) في الزاوية الجنوبية الشرقية من كوبا كمحطة لإعادة تزويد السفن بالوقود عام 1903. وفي عام 1944 تم تعديل عقد الإيجار لينص على أن الإجراء يمكن فقط في حاول موافقة الطرفين، أو إذا تركته الولايات المتحدة. وصمد عقد الإيجار حتى بعد الانقلاب الذي جاء بكاسترو في 1959 خلال أزمة الصواريخ الكوبية. عام 1962 زرع طرفا السياج الذي يمتد 17 ميلاً ويفصل بين جيتمو والدولة المضيفة بالألغام الأرضية، ولا يزال الجنود في الدولتين يراقبون بعضهم البعض من خلال مناظير عسكرية قوية من على أبراج الحراسة. تدفع الولايات المتحدة لكاسترو حوالي 4 آلاف دولار سنوياً كإيجار، لكنه لم يقم مطلقاً بصرف الشيكات.
نقلتنا عبارة ضخمة إلى الطرف الآخر، عندما وصلنا نقلت إلى سيارة نقل صغيرة مع عشرين من الجنود قادمين للخدمة لأول مرة، وتم نقلنا إلى حظيرة للطائرات لتقديم المعلومات لنا. جلسنا في صف صغير مؤقت حيث تحدث إلينا عدد من الضباط على مدى ساعتين عن الأمن وجميع المعلومات الخاصة بالقاعدة.
وتحدث إلينا أحد كبار المسؤولين الأمنيين في القاعدة وقال لنا إنه لا يسمح لنا بالكتابة أو الحديث عن جوانب متعددة في المعسكر وما يدور فيه لأي شخص، أو أن نلتقط أي صورة في أجزاء محددة ومعالم معينة من القاعدة. لا يسمح مثلاً بالتقاط صور للشاطئ إذا تضمنت اللقطة أي جزء من الشاطئ القريب من معسكر الاعتقال. كنت معتاداً على السرية في عملي، ولذلك لم يزعجني أي شيء تحدث عنه، ولا حتى الاستمارة التي كان علينا أن نوقعها لنتعهد بعدم الإفشاء بأي معلومات سرية.
خلال إحدى الاستراحات في فترة تعريفنا بالمعسكر، سمعت شاباً من الخلف يقول إنه لغوي يتحدث العربية. التفت ولاحظت أنني كنت قد رأيته في فترة التدريب على تعلم اللغة العربية، كان لغوياً آخر في الاستخبارات العسكرية، لكنني لم أكن أعرف اسمه. افترضت أننا سنعمل معاً، ولذلك توجهت إلى الخلف لتقديم نفسي. لا بد أنه عرفني أيضاً لأنه عندما رآني قادماً سبقني إلى تقديم نفسه.
كان اسمه مارك ريفرز وكان شاباً اجتماعياً مليئاً بالحيوية. اتضح أنه عمل لفترة في إنجلترا على أجهزة تقنية متطورة للتنصت وكانت مخصصة للتجسس على تنظيم القاعدة في أفغانستان. كنا قلقين حول أي مجموعة لغوية سيتم تعيينا فيها. كانت هناك مجموعتان لغويتان منفصلتان تعملان في المعسكر. واحدة في التحقيق وتحليل المعلومات وكانت جزءاً من مجموعة الاستخبارات المشتركة (جي آي جي) وفريق آخر يترجم الاتصالات اليومية بين المسؤولين في المعسكر والمعتقلين، وهو فريق تابع لمجموعة عمليات المعتقلين المشتركة (جي دي أو جي) لقد تطوعت خصيصاً لكي أكون جزءاً من التحقيق، ولكن لم يكن هناك خيارات بعد أن تضع اسمك.
عندما انتهى تعريفنا بالمعسكر، اقترب منا ضابط عربي أمريكي وسيم من القوى الجوية ومد يده إلينا قائلاً: إذاً من هو مارك ومن هو إريك؟ واتضح أننا سنكون معاً في نفس الوحدة. الطريقة الودية التي قابلنا بها لم تكن الطريقة العسكرية، ولكن كان معروفاً أن القوى الجوية أقل تقيداً بالإجراءات العسكرية النظامية. قدم نفسه على أنه الكابتن سالم منصور، قائدنا الجديد، كان من مواليد السودان ومهندساً في هندسة الفضاء، وكان مسلماً ملتزماً - أحد الأمريكيين العرب الذين طلب منهم التطوع للخدمة في المعسكر لأن الجيش كان يعاني من نقص في ناطقي اللغة العربية. وعندما سأله مارك عن اسم الفريق الذي سنعمل فيه، قال الكابتن منصور: ستكونون في فريق تابع لمجموعة عمليات المعتقلين المشتركة.
اللعنة وصمتنا كلانا ولا بد أن ذلك أظهر عدم رضانا، وفكرت في أنني سأرى إذا كانت هناك طريقة ما لأنتقل إلى الفريق الآخر الذي يعمل في التحقيق. قاد الكابتن منصور سيارته في الطريق الرئيسي ومر بقرب مطعم ماكدونالد وطريق فرعي ومطعم كنتاكي، كان هناك محل فيديو صغير وشارع للعب البولينج ومحل لبيت أجهزة الغطس ودار سينما في الهواء الطلق. كانت المنطقة السكنية على تلة قريبة وكانت أفضل مما توقعت بكثير. وقال الكابتن منصور: إن كامب دلتا - معسكر الاعتقال - كان في أسفل الطريق، وكان منعزلاً.
وعندما اتجهنا إلى المنطقة السكنية مررنا بجانب بركتين للسباحة، وصالتين رياضيتين. كانت الساعة قد قاربت الخامسة بعد العصر وكنا جائعين، ولذلك سررنا عندما دعانا الكابتن منصور إلى العشاء في السابعة مساء مع زملائنا اللغويين الآخرين. كان البيت الذي نزلنا فيه أنا ومارك مخصصاً لثمانية أفراد، لكن عددنا أصبح تسعة بعد وصولنا.
في حفلة العشاء كان هنا حوالي عشرة أشخاص، معظهم يبدو من أصول عربية وفي العشرينيات من أعمارهم. وقدمنا الكابتن منصور إلى شاب من أصل تركي سأله مارك عن العمل في مجموعة اللغويين فلم يتردد التركي بالقول: هذا الفريق فيه مسيحيون ويهود وملحدون ومسلمون، جميعهم لديهم آراؤهم الخاصة عن هذا المكان. نقضي كثيراً من وقتنا معاً ونتجادل حول المعسكر أو الدين، بيني وبينكم هذا المعسكر كارثة، كل وكالة أرسلت شخصاً ما إلى هنا للتحقيق مع المعتقلين، وجميعهم يتقاتلون حول من يتحدث إلى المعتقل أولاً. وبعد ذلك يلاحظون أنهم لا يعرفون شيئاً.
بعد ذلك عرفنا الكابتن منصور إلى أحمد الحلبي الذي قال إنه ربما كان أفضل لغوي في المجموعة. كان أحمد في منتصف العشرينيات من أصل سوري، وقد انتقل إلى ميتشيجان وهو في عمر المراهقة مع عائلته، كان أحمد منفتحاً وأحببناه في الحال.
عندما عدنا إلى المنزل في المساء التقينا باقي زملائنا في البيت، كان انطباعنا عن المجموعة اللغوية أنها كانت مجموعة غير متجانسة وكان علينا أن نعمل وسطها لمدة ستة أشهر قادمة. وعندما دخلت الفراش، لم أكن أعلم أن تلك كانت ستكون أفضل ليلة هانئة أنعم فيها بالنوم على مدى الأشهر الستة القادمة.


-
__________________



أدعم المظلوم حميدان التركي

http://www.homaidanalturki.com/
عاشق الجنوب غير متواجد حالياً