عرض مشاركة واحدة
قديم 02-10-2006, 09:32 PM
  #5
عاشق الجنوب
عضو
 الصورة الرمزية عاشق الجنوب
تاريخ التسجيل: Jul 2005
المشاركات: 56
عاشق الجنوب is on a distinguished road
افتراضي الجزء الرابع

-

لم يكن أحد في المعسكر يتمتع بمزاج جيد خلال الفترة الفاصلة بين عيد الميلاد ورأس السنة الميلادية. كان هناك يومياً ما يذكرنا بما يفترض أن يكون فترة إجازات واحتفالات وبأصدقائنا وعائلاتنا في الوطن. ولم يلعب الطقس الحار جداً دوراً إيجابياً لروحنا المعنوية. وكان الأمر أسوأ بالنسبة للحراس الذين كان عليهم أن يتعاملوا مع شكاوى المعتقلين وسلوكهم الغريب. فقد كان المعتقلون يحاولون مضايقة، عناصر الشرطة العسكرية إلى أقصى حد يستطيعون ربما كانوا يحاولون إفساد فترة أعياد الميلاد ورأس السنة على الجميع، ولكن بدا لي أن بعضهم وصل بالفعل إلى حد لم يعد يستطيع أن يتحمل أكثر.
سيكمل الكثير من المعتقلين عاماً في الأسر في جيتمو قريباً، ولم يكن هناك أي أمل لنهاية معاناتهم. كان الرئيس بوش قد وقع في نوفمبر 2001 قراراً مثيراً للجدل أسس لنظام جديد للعدالة لاتهام ومحاكمة ومعاقبة غير الأمريكيين الذين كان يسميهم محاربين أعداء. ومع ذلك لم يكن قد تم توجيه أي اتهام لأي معتقل بعد، ولم يسمح لأي منهم بمقابلة محام، وكانت النهاية المفتوحة لاعتقالهم بلا شك أصعب شيء عليهم لتحمله.
كان هناك بالتأكيد إرهابيون سيئون في المعسكر، ولكنني كنت أستغرب سبب عدم توجيه التهمة إليهم بشكل رسمي. البعض الآخر كانت الأدلة على كونه إرهابياً غير مقنعة، قال لي أحد المعتقلين: "لم أكن مجنداً في جيش طالبان، كان علي أن أقاتل عندما جاؤوا وقالوا إن الأمريكيين قادمون. كانوا سيقتلونني لو لم أفعل ذلك، ولكن الآن أريد فقط أن أعرف ما هو الحكم علي - خمس سنوات؟ عشر سنوات؟ هل سأموت هنا؟ أريد فقط أن يقول لي أحد ما إلى متى؟. من المفترض أن يمثل بلدك الحرية والعدالة، ولكننا لا نحصل على أي منها.
بالطبع، كان هذا الإحساس باليأس قد تم إيجاده عن عمد بين المعتقلين كان من المفترض أن يفهم المعتقلون أن الطريقة الوحيدة لإنهاء اعتقالهم كانت من خلال تعاونهم التام مع المحققين.
في صباح أحد الأيام في نهاية العام طلب مو مني ومن مارك أن نذهب إلى مجمع زنزانات فوكستروت. وجدنا عناصر طبية وعناصر من الصحة النفسية بانتظارنا قرب السلم المعدني الذي يقود إلى المجمع. جمعنا الضابط المسؤول في الشرطة العسكرية وأخبرنا أن المعتقلين في فوكستروت يجب أن يتم إعطاؤهم الآن حقنة الأنفلونزا، سواء رضوا بذلك أم لم يرضوا.
أحسست أن هناك مشاكل مقبلة. ردة فعل المعتقلين على إمكانية إعطائهم حقناً لم يكن من المتوقع أن تكون إيجابية. كانت نظرية المؤامرة منتشرة بقوة بين المعتقلين. كان هناك معتقل لم يكن يثق بنا مطلقاً لدرجة أنه لم يصدق أن السهم في زنزانته يشير باتجاه مكة. كان يصلي في الاتجاه المعاكس.
كان علينا أنا ومارك أن نقف وسط مجمع الزنزانات ونشرح للمعتقلين باللغة العربية ما سيحدث. وأكدنا لهم أن ذلك كان لحمايتهم وصحتهم وأنها لن تكون مؤلمة. كان يبدو عليهم الارتباك. بعد ذلك شرح رئيس الفريق الطبي ما سوف يجري خطوة خطوة. ثم تقدم أحد العناصر الطبية وطلب من كل معتقل أن يقترب من الفتحة في باب الزنزانة المخصصة لتمرير الطعام ويكشف عن ساعده ويضع كتفه على الفتحة. بعد ذلك سيشعر بوخزة خفيفة عندما يتم حقن الإبرة وينتهي الأمر. وأضاف العنصر الطبي: "إذا تعاونتم، سيكون هذا أمراً سريعاً وسهلاً جداً" توقعت عكس ذلك.
وفيما كان عناصر الفريق الطبي يهيئون معداتهم، تحدث المعتقلون مع بعضهم البعض. كان الخوف يبدو على بعضهم. قال رجل طويل ونحيل يبدو أنه كان يتمتع ببعض سلطات القيادة "استعدوا لتكونوا شهداء". تماماً كما كنت قد توقعت. سألني أحد الأخصائيين النفسيين عما قاله ذلك الرجل. قلت له "هل تريد فعلاً أن تعرف؟" هز رأسه بالإيجاب. قلت "إنهم يعتقدون أننا سوف نقتلهم".
قررنا أنا ومارك أن أفضل استراتيجية هي أن نذهب معاً لنتحدث إلى زعماء مجمع الزنزانات للتعاون مع البرنامج. كان أحدهم مصراً على أننا كنا نحاول أن نسمعهم. قال "مضى على وجودنا هنا سنة تقريباً، وكنا جميعاً نعرف أن هذا سيحدث كنا نعرف أنكم ستجعلوننا شهداء في يوم من الأيام".
بدا أحد زعماء المعتقلين الآخرين أكثر انفتاحاً، لكنه لم يكن يفهم إذا كان ذلك جيداً بالنسبة إليهم، لماذا يتم إجبارهم على أخذ الحقنة بدلاً من جعلها اختيارية. استمر ذلك حوالي ربع ساعة. بعد ذلك قاطعنا حرس الشرطة العسكرية قائلاً "هيا لنبدأ الآن. أريدكم خارج مجمعي قبل الغداء. اشرحوا لهؤلاء الرجال أنهم سجناء لدى الجيش الأمريكي، وليسوا ضيوفاً في فندق".
رافقت أنا ومارك عناصر من الفريق الطبي، وبدأ كل منا في اتجاه معاكس للآخر. تطلب إقناع المعتقلين الاثنين الأولين مني محادثة طويلة لإقناعهما قبل أن يهيآ ساعديهما للحقنة. وبدأت العملية تسير ببطء. فجأة، توجه مارك إلى وسط المجمع وقال بصوت عال باللغة العربية: "اسمعوا، من المهم أن يفهم كل منكم أننا لا نحاول قتلكم. هذه الحقنة هي لحمايتكم من الأنفلونزا. وبما أنه يبدو أن معظمكم لا يصدقوننا، فسوف أثبت لكم أن الحقنة لن تؤذيكم" وكشف مارك عن ساعده وأعطاه العنصر الطبي الحقنة. ونجحت حركة مارك في تهدئة المعتقلين، وبدأت العملية تسير بسرعة أكبر. في النهاية كنا قد أعطينا الحقنة للجميع ما عدا بريطانيا مسلماً أسود كان يقرأ القرآن. أعطيته التعليمات مرتين لكنه لم ينظر إليّ. جاء مارك ليرى إذا كان يستطيع المساعدة. قلت له وقد بدأ صبري ينفد مثل الآخرين: "اسمع، إما أن تأخذها وحدك أو تأتي إلى الداخل ونجبرك على أخذها. رفع بصره عن القرآن وقال "ادخلوا".
جاء رئيس الحرس وتحدث إلى المعتقل بنفسه، وحاول معه بشتى الوسائل، لكن ذلك لم يجد نفعاً. اتصل رئيس الحرس بفريق الشرطة العسكرية الخاص (فريق التدخل الأولي) وطلب منهم الحضور. وقبل أن يحدث أي شيء، سمعت معتقلاً في الزنزانة الأخيرة يصيح: "الله أكبر". بعد ذلك دخل خمسة جنود يرتدون القبعات المعدنية وواقيات فوق الركبة وواقيات للصدر وقفازات جلدية سميكة. كان الجندي الأول يحمل درعاً شفافاً من الزجاج المقوى. كانوا يمشون بخطوات عسكرية نظامية، وكان كل واحد منهم يمسك بخصر الجندي الذي أمامه. كان يبدو وكأنه مشهد سينمائي. لم يكونوا على عجلة من أمرهم. التأثير النفسي لصوت أحذيتهم العسكرية على الأرضية المعدنية العالي والمخيف كان قوياً. كان أحد ضباط الصف يتبع المجموعة ومعه كاميرا فيديو. قال لي إن الأشرطة تستخدم للتدريب.
قام المعتقل بتقبيل القرآن ببطء وأغلقه ووضعه في غلافه الأبيض ووضعه على رف زنزانته. بعد ذلك وقف وخلع قميصه البرتقالي. كان نحيلاً ولكن عضلات جسمه كانت بارزة. عرفنا فيما بعد أنه كان يلعب رياضة الـ"كيك بوكسينج" في بريطانيا. أعطاه قائد الحرس فرصة أخيرة لم يجب بشيء واكتفى بأن أبدى استعداده لدخول فريق "قوة التدخل الأولية" بإشارة من يده.
كان الهواء في مجمع الزنزانات يبدو وكأنه يتذبذب فيما توقع الجميع بدء عنف منظم. كان بعض المعتقلين خائفين بحق، وتحركوا إلى مؤخرة زنزاناتهم. الآخرون بدؤوا يصيحون "كلاب أمريكية" "كفار" "الله أكبر" لم أشاهد في حياتي مثل ذلك الأذى.
وقف أعضاء فريق "قوة التدخل الأولية" في صف خارج باب الزنزانة وبدءاً من الخلف، بدأ كل واحد منهم يقول "مستعد" وبدأ كل واحد منهم بالتسلسل يضرب كتف الجندي الذي بجانبه. فتح الجندي الأول الباب ووجه جرعة كبيرة من رذاذ الفلفل على المعتقل، وبعد ذلك بدأ يدفعه بدرعه إلى زاوية الزنزانة. لكن المعتقل تمكن من إبعاد الدرع وحاول أن يركل الجندي الثاني في الصف. تمكن من ضربه بقوة على كتفه ولكن قبل أن يستطيع أن يضع رجله على الأرض، أمسكها الجندي الثالث وشدها، فارتفع جسد المعتقل في الهواء وسقط مرتطماً بالأرضية المعدنية. احتشد الجنود الخمسة فوقه. واحد كان مسؤولاً عن الإمساك برأسه، وكان من المفترض أن يمسك كل واحد من الآخرين بأحد أطرافه. كان المعتقل يركل ويتلوى مدفوعاً بعدوانية. كان مو يصيح به بالعربية ويطلب منه أن يتوقف عن المقاومة، أحد الجنود الأكثر قوة كان يمسك بثبات بذراع المعتقل بإحدى يديه ويكيل له اللكمات على أضلاعه بالثانية. وخلال ذلك كله، كان أحد زعماء المعتقلين يصيح "سوف تقتلونه! الله أكبر" وبعد ذلك، فجأة ركضت إحدى أعضاء الفريق، جندية كان يفترض أن تمسك بإحدى أرجل المعتقل، إلى خارج زنزانته وخلعت قناعها الواقي وهي تلهث. كان من الواضح أنها لم تكن باللياقة الكافية. وفيما كانت تلتقط أنفاسها، كان زملاؤها يكافحون لوضع القيود على أطراف المعتقل. بعد حوالي نصف دقيقة، وضعت خوذتها مرة أخرى وعادت للدخول. أخيراً تمكنت الشرطة العسكرية من تثبيت الرجل، ودخل أحد عناصر الفريق الطبي مع حقنته وأعطاه إياها.
كان الكثيرون من عناصر الشرطة العسكرية يفتقرون إلى الخبرة الكافية، إما لأنهم كانوا شباناً صغاراً في السن أو لأنهم كانوا احتياطيين لم يتعرضوا لكثير من المواقف الصعبة. وكنت أحياناً أشعر بالشفقة عليهم لأنهم كانوا يكتسبون خبرتهم في جحيم مثل جيتمو. كنا جالسين أنا وآدم وفانيسا عصر أحد الأيام الهادئة عندما اتصل بنا أحد عناصر الشرطة العسكرية والارتباك باد في صوته. قال: إن هناك حاجة إلى مترجم بسرعة في مجمع زنزانات تشارلي. كان الأمر يبدو خطيراً لذلك ذهبت أنا وآدم معاً.
مشينا على الحصى خلال متاهة الحواجز، وكان علينا أن نمر عبر ثلاث بوابات من بوابات المعسكر المزدوجة الكثيرة. وعندما وصلنا أخيراً إلى مجمع زنزانات تشارلي، رأينا فريقاً طبياً يسرع إلى هناك أيضاً، ولم تكن تلك إشارة طيبة اصطحبنا الحارس المسؤول بسرعة إلى منطقة الرياضة والاستحمام. كانت الحمامات تبدو مثل أقفاص أكثر منها أماكن لأخذ دش، وكانت كلها مفتوحة ما عدا ألواحا موضوعة لأجل الحشمة. في الساحة رأيت معتقلاً وكان الدم يغطي ذراعه اليمنى وقدميه، وكان مرفوعاً على نقالة طبية ونصف طرفه الأيسر يتدلى منها. وكانت الساحة الصغيرة مكتظة بالحراس والممرضين وطبيب وبنا نحن المترجمين.
كان الطبيب راكعاً قرب المعتقل، وذهب آدم وانحنى بقربه. سمعتهما يقولان للأسير، وهو بحريني اسمه حليم، إنه سيكون على ما يرام.
نظرت حولي لأرى إذا كان بإمكاني المساعدة في أي شيء آخر، على الأرض خارج مكان الاستحمام لاحظت بركة من الدم الأحمر الداكن، يبدو أن المعتقل كان قد قطع معصميه بشفرة. وكان على درج مجمع الزنزانات حارس شاب لا يتجاوز عمره التاسعة عشرة، وكان يرتجف ويحاول أن يهدئ أعصابه بتدخين سيجارة.
استدعاني أحد أفراد الشرطة العسكرية إلى مكان الاستحمام. كانت هناك بركة أخرى من الدماء، وكانت هناك دماء أيضاً على الحائط - كان يبدو وكأن نهراً تدفق من شرايين الرجل. لاحظت أن الدم على الحائط كان عبارة عن كتابة لجملة "انتحرت من شدة الظلم" طلب مني الضابط المسؤول ترجمتها له ففعلت.
نجا حليم بأعجوبة، وسمعت أكثر عن قصته المؤلمة بعد الحادثة. كان قد وصل بعد أسابيع قليلة من افتتاح معسكر إكس راي، لذلك فقد كان قد مضى على وجوده حوالي سنة. كان قد درس في أنديانا، وكان يتحدث الإنجليزية، لكن نادراً ما كان يتحدث عندما وصل إلى جيتمو، وذلك حسب قول فانيسا التي كانت قد التقت معه في معسكر إكس راي. كان دائماً يبدو مذهولاً وكأنه لم يكن يعرف أين هو. وتساءلت فانيسا فيما إذا كان قد تعرض لتجربة سيئة في سجن قاعدة باجرام. وفي النهاية وضع الأخصائي النفسي في جيتمو نظاماً دوائياً قوياً للمعتقل البحريني، وذلك أعطاه الفرصة الأولى ليحاول قتل نفسه. كان حليم يتظاهر بتناول دوائه كل يوم وخبأ أقراص الدواء في زنزانته، وكان يخطط لجمع أكبر كمية منها ليأخذها دفعة واحدة وينهي حياته. لكن أحد المساجين الآخرين وشى به واستدعى الأمر استدعاء عناصر فريق "قوة التدخل الأولية"، وكانوا في ذلك الوقت أكثر قسوة ووحشية في استخدام العنف مع المعتقلين، وكانوا بعد أن ينتهوا من ضربه يجبرونه على الركوع ويقيدون يديه خلف ظهره مع قدميه ويتركونه كذلك لمدة أربع ساعات، وكان الصليب الأحمر قد اشتكى من هذه الطريقة إلى أعلى المستويات في قيادة الجيش.
ولم يتحدث حليم في الأسابيع التالية. كان فقط يحدق في الفراغ أمامه. ولكن في اليوم الذي كانت الشرطة العسكرية تنقل المعتقلين من معسكر إكس راي إلى معسكر دلتا الذي كان قد بني حديثاً، تلقى حليم ضرباً مبرحاً مرة أخرى. رأته فانيسا بعد يومين من ذلك ولاحظت أن وجهه كان أسود وأزرق. وقال لها أخصائي نفسي إنه في حال أفضل بكثير مما كان عليه منذ يومين. وحاولت فانيسا أن تستفسر عن سبب ضرب حليم يوم الانتقال من معسكر إلى معسكر، ولكن أسئلتها لم تجد إجابة عرفت فقط أنه لم يكن هناك مترجم موجود وأن الشرطة العسكرية أضاعوا بصورة ما شريط الفيديو الخاص بتلك المرة التي ضربه فيها أفراد قوة التدخل الأولي.
بعد وصول حليم بفترة قليلة إلى معسكر دلتا، جرب طريقة أخرى للانتحار فكر أنه يستطيع أن يقتلع بعض الدهان من على حائط الزنزانات ويجمع كمية كافية ويأكلها دفعة واحدة لتقضي عليه، لكن ذلك لم يؤد إلا إلى ارتباك في معدته. وبعد ذلك بدا لفترة أنه كان في طريقه إلى التحسن - إلى أن جاء اليوم الذي طلب فيه شفرة وهو في الحمام بحجة أنه كان يريد حلاقة الشعر على جسده. بدا لي أن من الجنون السماح لمعتقل كان قد حاول الانتحار مرتين من قبل بأخذ شفرة إلى الحمام معه. ولكن في تلك الفترة، كانت الأمور غير المنطقية في المعسكر قد بدأت تصبح هي الشائعة.
عندما استلقيت على فراشي مساء، وجدت نفسي أفكر فيما إذا كانت عائلة حليم تعرف مكان وجوده. تساءلت فيما إذا كان قد ساعد القاعدة أو طالبان، أو أن ظروفاً أخرى جلبته إلى جيتمو. وتساءلت فيما إذا كنا فعلاً نملك شيئاً ضده.
كان أخصائيو الصحة النفسية والحراس دائماً مستيقظين خوفاً من أن يقوم معتقل ما بإيذاء نفسه. أحياناً كنا نسمع في القيادة أن هناك مخططاً للانتحار الجماعي، وأنهم عرفوا ذلك من خلال اعتراف أحد المعتقلين للمحققين حول هذا الأمر. سمعنا مرة أنهم سوف يحاولون طعن أنفسهم في آذانهم بأدوات حادة صنعوها من ملاعق بلاستيكية كانت تأتي مع أطعمتهم الجاهزة. ومع أن الأمر كان يبدو خرافياً، إلا أن قيادة المعسكر كانت مضطرة لأخذ الموضوع بجدية.
ورغم كل الاحتياطات، كانت محاولات الانتحار كثيرة. كنت في يوم راحتي عندما ذهب أحد أعضاء فريقنا واسمه بول ليتحدث إلى سعودي معتقل كان يمضي وقتاً طويلاً في التحقيق مؤخراً. كان يدعي أنه مدرس ولا علاقة له مطلقاً مع القاعدة. كان المعتقلون الآخرون الذين معه في مجمع الزنزانات يعتقدون أنه انهار وأنه كان يعترف ويدلي بالكثير من المعلومات للمحققين. كانوا يتهمونه على مدى أيام طويلة بأنه خائن وأنه سوف يذهب إلى جهنم، كانوا يقولون له "لقد خنت دينك سوف تحترق في الجحيم! لماذا تعمل معهم؟ يجب أن تقتل نفسك". كانوا يجبرونه على البقاء مستيقظاً في الليل وهم يوجهون إليه اتهاماتهم ويسخرون منه ويفرضون عليه الحرمان من النوم بطريقتهم الخاصة. طلب أن يتم نقله إلى الحبس الانفرادي، ولكن زملاءه الأسرى استمروا بالصراخ عليه وضرب الجدران بقوة كبيرة حتى لا يتركوه ينام.
في ذلك اليوم قال لصديقي المترجم بول: "إذا لم تنقلوني إلى أخرى ليس فيها أحد، فإنني سأقتل نفسي". نقل بول كلام المعتقل السعودي إلى الحراس، لكنهم لم يظهروا أي اهتمام بذلك، وقالوا إنهم لا يملكون أي سلطة لعزله عن الآخرين. قال السعودي ملحاً "لا، إنكم لا تفهمون، إذا لم أخرج من هنا خلال نصف ساعة من الآن، فسوف أقتل نفسي". توجه بول ليتحدث إلى الضابط المناوب المسؤول عن نوبة حراسة الشرطة العسكرية في ذلك اليوم، لكن الضابط قال له أيضاً إن قضية نقل المعتقل من مكان إلى آخر مستحيلة، لأن قسم الاستخبارات والتحقيق في المعسكر لم يوافق على ذلك. وفي الوقت الذي عاد فيه بول إلى مجمع الزنزانات لينقل الخبر السيئ، كان المعتقل السعودي يتدلى من سقف زنزانته بعد أن علق نفسه بأنشوطة كان قد صنعها من أغطية السرير ووضعها في عنقه وشنق نفسه. وأسرع بول بحثاً عن بعض الحراس، وأحضر معه مساعده وقاموا بقطع الأنشوطة وأنزلوا المعتقل ومددوه أرضاً. ووصل الطبيب بسرعة وقام بإجراء التنفس الاصطناعي للمعتقل الذي كان يبدو بلا حراك. لم يعرف أحد كم مضى على المعتقل السعودي وهو معلق في الزنزانة قبل إنقاذه، وكان من الواضح أنه تعرض لأذى خطير.
ودخل المعتقل السعودي في حالة غيبوبة تامة على مدى عدة أشهر. ولم يصل الأمر إلى الصحافة في البداية، لكن بعض تفاصيل الحادثة بدأت تتسرب إلى الإعلام بعد فترة. في الواقع كنا نتحدث في مكتب للقوميين حول هذه القضية، وكنا نلاحظ أن عدد المرات التي يحاول فيها معتقلون الانتحار في جيتمو لم تكن تصل إلى الإعلام إلا نادراً، ولذلك فإن الرقم الذي كان الإعلام يتحدث عنه لمحاولات الانتحار في جيتمو كان منخفضاً جداً. لم نكن نستطيع أن نقارن بين الأرقام الحقيقية لمحاولات الانتحار والرقم الذي يتحدث عنه الإعلام.
__________________



أدعم المظلوم حميدان التركي

http://www.homaidanalturki.com/
عاشق الجنوب غير متواجد حالياً