عرض مشاركة واحدة
قديم 29-10-2012, 07:54 AM
  #23
يحي البشري
عضو متميز
تاريخ التسجيل: Feb 2006
المشاركات: 757
يحي البشري has a reputation beyond reputeيحي البشري has a reputation beyond reputeيحي البشري has a reputation beyond reputeيحي البشري has a reputation beyond reputeيحي البشري has a reputation beyond reputeيحي البشري has a reputation beyond reputeيحي البشري has a reputation beyond reputeيحي البشري has a reputation beyond reputeيحي البشري has a reputation beyond reputeيحي البشري has a reputation beyond reputeيحي البشري has a reputation beyond repute
افتراضي رد: تجارة الرقيق في اوائل القرن التاسع عشر في الحجاز

ضغوط دوليّة ومحلية يتوّجها قرار الفيصل التاريخي:

لم يكن عقد الخمسينات رحيماً على سمعة وصورة السعودية دولياً، كما كانت مهمة الدبلوماسية السعودية لترطيب الاجواء وتحسين صورة البلاد مُضاعفة. وفي عام 1953م قامت حملة تلفزيونية وصحافية كبرى في فرنسا على قانون الرقيق في السعودية. كما اشتدّت ضرواة دعوات الخارج -والداخل- على الحكومة لحسم ملف العبيد وطي صفحته للأبد.

واستوعبت الحكومة المعاتيق الحديثين في مكة او المستقرين فيها بعد موسم الحج من جاليات التكارنة وفرضت عليهم دفع رسوم اقامة سنوية.. وقام الأمن العام منذ 25 ابريل 1952م بتنظيم المسألة بشكل أكثر مرونة.


رسوم اقامة التكارنة – منذ ابريل 1952م . اقصوصة من صحيفة ام القرى



وصعد مطلب الغاء نظام الرق منذ الخمسينات الميلادية عند الحركات القومية والوطنية الشعبية الداخلية. وفي ميثاق جبهة التحرير الوطني العربية الصادر عام 1961م، نلاحظ حضوراً مركزياً لمسألة الغاء نظام الرقيق وتحرير الارقاء كأحد مطالب برنامج الاصلاح – كان ذلك ذروة حراك وطني سابق امتد لأكثر من عشر سنوات اجتر ذات المطلب.

وفي السادس من نوفمبر 1962م اصدر الأمير فيصل بن عبدالعزيز، ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء السعودي، برنامجه الاصلاحي المعروف بـ (النقاط العشر).. الذي قضت نقطته العاشرة بالغاء الرق مطلقاً، وتحرير جميع الأرقاء وتعويض مُلاكهم.


بيان الغاء الرق في 6 نوفمبر 1962م

وصار الناس في ارتباك. فالقرار كان يكتنف طرق تطبيقه الكثير من الغموض – والنقاط العشر كانت مُغلفة بلغة عمومية غير حاسمة.

وكتب صالح محمد جمال في جريدة الندوة المكيّة في السادس والعشرين من نوفمبر 1962م مُنتقداً: “كثير من الارقاء ينتظرون ان يُبادر مسترقوهم بتحريرهم واعلان ذلك لهم تنفيذا لقرار الحكومة الا ان احدا لم يحرك ساكنا، ويبدو انهم ينتظرون ان تاتي اليهم الحكومة لتدفع لهم التعويض سلفا … ان تلك الفقرة الموجزة في البيان الوزاري عن الغاء الرق اصبحت في حاجة الى مذكرة ايضاحية مستعجلة يجري اعلانها للطريقة التي يجب ان يتم تنفيذ التحرير”. [104]

واستجاب مجلس الوزراء للتساؤلات التي انطوى عليها مقال جمال وغيره، وأصدر قراره رقم (4305) الصادر في التاسع من يناير من عام 1963م، مبيناً الطريقة التي سيتم بها التعويض، مفوضاً وزارة الداخلية الى اشعار المواطنين الذين كانوا يمتلكون رقيقاً بالتقدم بطلبات التعويض مصحوبة بالوثائق والصكوك الشرعية الى اللجان المختصة.

واعتمد مجلس الوزراء السعودي مبلغ خمسة ملايين ريال سعودي، كدفعة أولى لتعويضات الرقيق.



وشُكّلت لجان تعويض المّلاك الشهر التالي في 26 مدينة سعودية: من جدة ومكة والقنفذة الى الدمام والحساء، ومن الجوف والقريّات الى بيشة وجيزان، مروراً بالرياض والحوطة وبريدة وشقراء!

وكان الرقيق قبل البيان الايضاحي ينفرون اجتهاداً الى الديوان الملكي في الرياض يطلبون اوراق تحريرهم ومن ثم يعودون الى ملاّكهم يقدمونها لهم ويخيّرونهم بين اطلاق سراحهم لوجه الله وبين رغبتهم في طلب تعويض من الحكومة.

وبادر الشيخ علي طايع – من أثرياء محلة شِعب عامر في مكة، وهو جد الشاعر محمد حسن فقي لأمه، فاعتق وحده مائة رقبة ما بين جارية وعبد. وقام سعادة الشيخ مساعد السديري بعتق جميع عبيده البالغ عددهم 17 شخصاً بين ذكر وانثى، وسجّل ذلك في محكمة تبوك. وحرر سمو وزير الداخلية فهد بن عبدالعزيز جميع الارقاء التابعين له وقدم لكل منهم صكاً بتحريره، واعلن ذلك في برقية عامة لتشجيع غيره [105]. كما قام سعادة اللواء علي جميل، وحرمه في مكة، بتحرير كافة الارقاء لديهم.

انطوت الصفحة رغماً عن ممانعة أعداد من ملاّك العبيد في بعض القصور والمزارع والحقول والنجوع والبيوت.. ورغماً عن صرخات السُفهاء المضللين وقوارص المتحذلقين.

وارسل كيندي رسائل تهنئة الى الامير فيصل ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية، يشكره ضمنا على الغاء الرق، ويعلن عن عصر جديد في العلاقات الامريكية والسعودية. فرد عليه الأمير فيصل في الحادي عشر من يناير 1963م قائلاً: “ان القضايا الأصلية لشعوب هذه المنطقة: رفع مستوى السكان واستغلال كافة طاقاتهم وزيادة دخلهم القومي وتزويدهم بمؤسسات ديموقراطية للحكم يستطيعون في ظلها التعبير عن ذاتهم وأمانيهم وآمالهم في حرّية بناءة”.

منذ بيان كامل باشا الذي تلاه قائمقامه بالنيابة في سوق مكة عام 1855م، وقوبل بممانعة رهيبة، دارت الأرحاء لأكثر من قرن من الزمان، حتى استجابت الذهنيّة المحلية.

هكذا تجلّت شمس الكرامة الانسانية فأنارت من دياجي الجزيرة العربية من جديد.. وكما قيل: ان للباطلِ جولة ثم يضّمحل.
يحي البشري غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس