عرض مشاركة واحدة
قديم 29-10-2012, 01:25 AM
  #2
يحي البشري
عضو متميز
تاريخ التسجيل: Feb 2006
المشاركات: 757
يحي البشري has a reputation beyond reputeيحي البشري has a reputation beyond reputeيحي البشري has a reputation beyond reputeيحي البشري has a reputation beyond reputeيحي البشري has a reputation beyond reputeيحي البشري has a reputation beyond reputeيحي البشري has a reputation beyond reputeيحي البشري has a reputation beyond reputeيحي البشري has a reputation beyond reputeيحي البشري has a reputation beyond reputeيحي البشري has a reputation beyond repute
افتراضي رد: تجارة الرقيق في اوائل القرن التاسع عشر في الحجاز

كن في الخامس من اغسطس 1924م لجأت امرأة تدعى “مؤمنة” مع ابنتها الصغيرة وهي من اهل السودان الانجليزية الى دار الاعتماد البريطاني (القنصلية) في جدة تطلب تحريرها وترحيلها الى وطنها – خارقة بذلك السكون الطويل. ومؤمنة كانت قد وصلت الى مكة قبل عام عن طريق بائعها في جدة محمد باعقومة وهو سوداني. فارسل بولارد الى الشريف حسين في مكة في 13 اغسطس لاصدار اوامره الى قائم مقامه في جدة لتحريرها. [45]

باعقومة كان قد فلت من الاعتقال في جيبوتي الفرنسية وعاد الى جدة من جديد حيث قبض عليه في قضية بيع امرأة اخرى حتى ان القنصل البريطاني عبر عن استيائه من تراخي الفرنسيين عن ضبط سواحلهم في رسالة امعتاض وجّهها الى القنصل المؤقت الفرنسي في جدة السيد كلال وهو من اصل جزائري. فارسلت الخارجية الفرنسية من باريس رسالة الى السفير البريطاني في باريس في 23 سبتمبر 1924م للتفاهم المشترك حول التعاون بين قنصلية البلدين في جدة للحد من تجارة العبيد. [46]

كان الحسين في أواخر عهده حاسماً في منع قبول القنصليّات الأجنبية في جدة لأي حالة لجوء من الرقيق، مع وعود صارمة منه بملاحقة المهربّين. ونحن كلما اقتربنا من لحظة تنحي الحسين عن العرش ورحيله الى المنفى نلمس ازدياد حساسيته ازاء القضايا “السيادية”. يقول بولارد الذي عاصر آخر ستة عشر شهراً للشريف حسين وهو في العرش، كمعتمد قنصلي في جدة: “طيلة ستة عشر شهراً قبل تنحي الشريف حسين، فقط امرأة واحدة لجأت للقنصلية بطفلها [وهي مؤمنة السودانية] – البقية كانوا يرتعبون من الحسين ومن قبضته الحديدية وكانوا لايجرؤون على الاقتراب منا”. [47]

واخذت قضية اختطاف فتاتين جاويّتين مسيحيتين وتهريبهما لمكة أبعاداً دولية. الفتاتان كانتا في طريقهما الروتيني لأحد جزائر ارخبيل الملايو، لكن سمساراً حضرمياً اعترض طريقهما واختطفهما الى سنغافورة ومنها الى مكة، حيث بيعتا بمقابل 500 جنيه استرليني للفتاة، لندرة الجاريات الجاوّيات آنذاك وشدة الطلب عليهن. ووصلت الفتاتان، كما تشير وثائق الخارجية البريطانية، الى نفر من آل شيبي، وان كنّا لا نعلم بالبيع ام بالاهداء – وآل الشيبي من اقدم عائلات مكة وأكثرها وجاهة بعد عائلة الشريف. وحينما وصل الأمر للسفارة الهولندية اخطرت بدورها فؤاد الخطيب، وزير الخارجية الحجازي، الذي اصيب بانهيار عصبي جرّاء ذلك الخبر، كونه يأتي في وقت حرج على الدبلوماسية الحجازية التي كانت تواجه خطراً حدودياً عسكرياً محدقاً يشي بزوال دولتها. ومرر الخطيب الخبر بطريقته للشريف حسين، وكان الخطيب يريد تخفيض الخسائر الدولية، فاستشاط الشريف غضباً واعتذر بحرارة للهولنديين وامر باطلاق الفتاتين وبتوبيخ المتورط من آل الشيبي بشكل معلن وصارم، لرغبته في اظهار ان عدالته تنسحب على الجميع. [48]

وبعد تنازل الشريف حسين، ورحيله الى المنفى، تقاطر العبيد الى مبنى القنصلية البريطانية في جدة طلباً للعتق والترحيل الى بلادهم الأصلية. يؤكد بولارد في وثيقته التي حررها من 16 صفحة الى وزير الخارجية البريطاني: “لحظة رحيل الحسين الى منفاه بميناء العقبة تقاطر العبيد على القنصلية البريطانية، مع أقلية ارترية لجأت للقنصلية الايطالية”. [49]

وفي الثامن عشر من ديسمبر 1924م حررت القنصلية البريطانية فردين لجئا اليها، بعثتهما الى ارتريا عبر جيبوتي، وكانا: بشير (واسمه الحقيقي ارصوره) عمره 12 سنة، ومالكه السابق: الشريف عبدالله مهنّا، وفرج (واسمه الحقيقي عنبر عبدالله) من اهل الفاشر في الطرف البريطاني-المصري ومالكه السابق: احمد الصبحي من عربان قبيلة حرب، وقد وصل الى سواكن في 25 ديسمبر 1924م، بعد عشرين عاما قضاها في إسار العبودية. [50]

واذا كان الشريف حسين، في آخر سنواته، قد تعامل مع دعاوي اطلاق العبيد ولجوءهم للقنصليات الأجنبية بجدة بحساسية شديدة، فاننا نلمس في المقابل نبرة اعتذارية من افراد طاقمه الوزاري والاداري المقرب.

ونلاحظ وجود محاولات نبيلة من فؤاد باشا الخطيب وزير خارجية الحجاز، وعبدالملك الخطيب سفير (مُعتمد) الحجاز بمصر، وناجي الأصيل، سفير (مندوب) الحجاز في لندن، وأبناء الحسين؛ علي وفيصل وعبدالله، لطي ملف الرق في الحجاز.. لكن جهودهم بعثرتها أولويات أخرى منها القضية الحدودية مع ابن سعود وشبح الحرب الذي كان يخيّم على الأجواء، وتضعضع الاوضاع الأمنية في نواحي القبائل الحجازية الساخطة على سلطة الهاشميين خارج المدن المركزية، وتأجيل توقيع الاتفاقيات بين البريطانيين والحكومة العربية الهاشمية في الحجاز نتيجة تصلّب الحسين حول بعض البنود التي كان يراها تخدش سيادته على الاراضي العربية وتخل بوعوده لأهالي فلسطين وسورية.

وفي اغسطس 1924م تورطت امرأة مكيّة في قضية تهريب للرقيق تناولتها الصحافة الدولية بشئ من الاثارة. كانت تلك السيّدة المكيّة تمكث في جاوى، عند احد عائلاتها المحلية الميسورة التي استعانت بها لتعليم بناتها اللغة العربية وتعاليم الإسلام، وحينما همّت للعودة لمكة طلبت منها العائلة ان تصطحب معها احدى بناتها لتقضي فريضة الحج معها، لكن السيدة عند وصولها الى مكة ادعت ان الفتاة من أملاكها وعاملتها على هذا الاساس. ووصل اخو الفتاة المختطَفة للحج، وحاول سراً تهريبها لكن السلطات اوقفته في بحرة (في الطريق بين مكة وجدة) واعادت الفتاة لمنزل سيدتها التي تمسّكت بها.

كانت صحيفة الديلي كرونكل البريطانية قد نشرت في السادس من نوفمبر 1924م، عبر مراسلها الجديد في البحر الأحمر – ومقره السويس، مستر جورج رينويك، تقريراً لافتاً تحت عنوان ساخط: “رعايا بريطانيون عبيداً للعرب” .. كشف فيه عن ممارسات الخطف التي تجري في الاراضي البريطانية في آسيا وافريقيا لعبيد يُباعون في الجزيرة العربية. وذهب التقرير الى ان تلك التجارة انما “تحظى بتشجيع ملكي من الحسين.. حيث ان احد وزراء حكومته يملك وحده 14 عبداً.. بل ان الحسين، نفسه، وهو في طريقه الى منفاه اصطحب معه عبيده الأفارقة”.

وارسل السيّد ناجي الأصيل الى السيد ماليت في الخارجية البريطانية، رسالة يعبّر فيها عن استيائه عما قرأه في صحيفة الدايلي كرونكل عن تجارة العبيد في الحجاز.. مؤكداً موقفه الشخصي المناهض لتجارة العبيد ومعلنا ترحيبه للتعاون مع وزير الخارجية الجديد في اضافة بند في اتفاقية الحجاز وبريطانيا تُبطل ممارسة العبودية. [51]

لكن مكة كانت اثناء ذلك قد سقطت في يد جيوش الإخوان ضداً على حكامها الهاشميين الذين تراجعوا الى حصون جدة. وتواصلت القنصلية الهولندية مع الخارجية السعودية وممثلها آنذاك الشيخ فؤاد حمزة، الذي كان يواجه امتحانه الدولي الأول في قضية الرقيق الحجازي، فوافق على الفور على اطلاق سراح الفتاة الجاويّة لكنه امر بتسوية لمصاريف سكن ومعيشة الفتاة في مكة تُدفع لسيّدتها.

وفي عام 1924 صعد نجما: المنشي احسان الله وهو مسؤول قنصلية بريطانيا في مكة، والسيد يوسف خان من وجهاء مكة من أصول هندية، وكانا يقاومان، بكل استنارة، ممارسة الرق في مكة.

ومع انتقال الحكومة الهاشمية من مكة الى جدة، وانتقال العرش من الحسين الى ابنه علي، بدأت مساعي بولارد لملاحقة ملاّك العبيد في الحجاز تأخذُ أبعاداً دولية.

ومع بدايات حصار جدة ارسل بولارد رسالة الى الحاكم المدني لولاية البحر الاحمر هاويل اسك، في 20 يناير 1925م، يخبره انه لن يقوم باستقبال اي من العبيد اللاجئين الى دار القنصلية على الفور كونه لايريد ان تمتلأ القنصلية بالعبيد الفارين في وقت حرب مما سيعقد المساعي الدبلوماسية، لكنه في المقابل سيتقيد بما نصت عليه اتفاقية بروكسل الأخيرة في الغاء الرق، باعتاقهم واطلاقهم احراراً في جدة – ولكنه اعترف بعدم جدوى ذلك كون العبيد المعاتيق يعودون الى ملاكهم السابقين تحينا لأفضل فرصة لترك الحجاز الـى بلادنهم الأصليّة. [52]

واعلن بولارد بأن اول مسألة سيفاتح فيها ابن سعود عند سقوط جدة هي حثّه على الغاء العبودية. لكن بولارد اعترف بضعف موقفه التفاوضي، كون التقارير الصادرة مؤخرا من جنوب افريقيا تفيد بمهازل يقيمها ابناء جلدته البيض ضداً على السود، لكنه قرر انه سيركّز علـى قضية الغاء الرق في الحجاز من منطلقات انسانية صرفة لا مُسيّسة. [53]

وكان بولارد يتنبأ بسقوط جدة الحتمي في يد جيش الاخوان، وهو لم يكن يخفي بغضه للعائلة الهاشمية في الحجاز. [54]

واعترف بولارد بأن الملك الجديد علي بن الحسين، كان نظرياً اكثر تحررا وانفتاحا من والده، وبانه ضد تجارة العبيد.

وكان علي، قد استهل ولايته الدستورية على ما تبقى من اراضي الحجاز، باعطاء وعود للقنصلية البريطانية تقضي بتحرير كل الرق الموجودين في الحجاز، وإبطال تجارة العبيد ومعاقبة ممارسيها، حال انتهاء الأزمة القائمة واسترداد سلطاته لعافيتها. ثم اصدر قراراً نافذاً من حكومة الحجاز الدستورية يمنح العبيد حق الجوء للقنصلية البريطانية من جديد، خلاف التصلّب الذي ابداه والده. [55]

ومع مارس 1925م واشتداد أزمة حصار جدة، لجأت بعض عوائل الحجاز الميسورة الى مصر طلباً للسلامة واعلاناً للحياد. وارسل بولارد القنصل البريطاني في جدة الى المعتمد السامي البريطاني بالقاهرة في العاشر من ابريل يناشده بايقاف كل من يصطحب عبيده معه وبأن يرغمه بقوة القانون على اطلاق سراحهم.

كان الفارون من الحجاز يذهبون الى موانئ مصر والسودان كمجموعات عائلية تضم عشرين فرداً في المعدّل يرافقها خدم شخصيّون يدخلون مصر بجوازات “خدم” – لكن بولارد كان يصّر على ان هؤلاء رقيق تم شراؤهم.

واخبر القنصل الهولندي في جدة، بولارد، بأن المطوّف الحجازي المعروف، السيّد محمد نور جوخدار يصطحب معه جارية جاوية اسمها “موار” اعيد تسميتها بنعيمة وانها تعمل عنده كجارية، وأن نور جوخدار في طريقه للسويس مع عائلته. فطالب بولارد من حاكم السويس تعقبّه ومعاقبته. [56]

وفي رد من حاكم السويس في الثاني والعشرين من ابريل 1925م الى قنصلية جدة.. أفاد بانه جرى تعقب الشيخ محمد نور جوخدار وتحديد مقر اقامته بفندق الحميدية بالسويس حيث كان يقطن مؤقتاً كلاجئ سياسي مع عائلته وخدمه ومن ضمنهم نعيمة، منذ الخامس من مارس 1925م قادمين علـى متن الباخرة الايطالية إلتريسو. لكنهم وجدوا بعد اجراء التحقيقات سلامة موقفه، ورضا نعيمة التام بأوضاعها.

وأقرّ الشيخ الجوخدار في سير التحقيقات، بأنه اشترى نعيمة كجارية قبل عامين، من تاجر الحبوب الجدّاوي مصطفى اسلام مقابل خمسين جنيه استرليني، ثم منحها حريتها، وقام بتوظيفها لديه للخدمة المنزلية بناء على طلبها ومقابل راتب شهري قوامه 3 ريالات مجيدية، وانه لا يعرف والديها وان كان يظن انهما يقطنان في جاوى. واقرّت نعيمة، وهي شابة في الخامسة والعشرين، بأن اسمها الفِعلي موار، وانها ولدت في جزر الهند الهولندية وانها حينما كانت في الخامسة اختطفت عبر امرأة اسمها رحمة وهي التي قامت بتهريبها الى مكة حيث مكثت معها اثني عشر عاما ثم بيعت لأخت الشريف حسين التي باعتها بدورها للتاجر مصطفى إسلام ومنه لمحمد نور جوخدار. وان اسم والدها محمد طاهر من بوقس، وهو من رعايا هولندا. وان ابن مالكها السابق كان يتسرى بها. أما محمد نور جوخدار فقد اعتقها لوجه الله وان معاملته لها انسانية ونبيلة. وأكدّت بانها حرة بشكل تام وانها لا تريد ان ترفع اي دعوى وانها ترغب في الاستمرار كعاملة مع بيت جوخدار. [57]

وأرسل بولارد الى مُفوّض الشرطة في بومباي في 29 يونيو 1925م يطالبه بتعقب أسرة الحاج عبدالله علي رضا، قائمقام جدة، ووكيل شركتيّ البواخر: ترنر مورسون وخطوط ناسا للملاحة البحرية في جدة – التي رحلت بحراً الى بومباي، يرافقها سودانيتان وامرأة يمنية اسمها “صفرار”، وحبشيّان هما: ريحان وتحسين – يعتقد بولارد بأنهم رقيق. كما طالب بولارد في ذات الرسالة بتشديد الرقابة على عوائل التجار الحجازيين القادمين الى كراتشي وبومباي هرباً من الحرب العامة، وضرورة التأكد من ان مرافقيهم الافارقة مجرد خدم يعملون مقابل أجرة متفق عليها لا رقيق.

وفي رد من شرطة بومباي في 26 اغسطس 1925م أفادت بتحرّيها الواقعة، لكنها برأت ساحة عائلة علي رضا كون الجوازات التي حملها الخمسة المذكورون تشير الى ان وظائفهم “عمال منزل” والى اقرارهم الشخصي بذلك، كما أكد مأمور الشرطة الى صعوبة اثبات عكس ذلك في اي محكمة هندية. [58]

وحاول سكرتير المستعمرات في سنغافورة ملاحقة تاجر الأخشاب الشهير ومتعدد الجنسيات السيّد ابراهيم عمر السقاف على خلفية بلاغات من شرطة بنانغ حول تهريبه لفتيات صينيات صغيرات من سنغافورة الى مكة.

كان السيّد (الداتو) ابراهيم، اكبر ابناء السيّد عمر السقاف، يتحدر من عائلة حضرمية الأصل استعرقت بين مكة وسنغافورة، ولها اعمال تمتد على طول امتداد فضاء المحيط الهندي الكبير. والسقّاف على امتداد ثروته وجاهه كان محسناً كبيراً، ينشط في مجال تبني الفتيات الصينيات الفقيرات لتحسين شروط معيشتهن.

وفي 17 مايو 1924م، تابع سكرتير المستعمرات بلاغ اختطاف فتاتان صينيتان اسمهما مهجة ووهبة واعمارهن 16 و17 على التوالي، عبر السيد سالم بن شيخ السقاف، وثبت مع التحقيقات انهما كانتا ابنتان له وزوجه نور بنت طاهر السقاف بالتبني وانهما انتقلتا للعيش في قصر ابراهيم السقاف في المعابدة في مكة. وعبثاً حاول السكرتير اثبات انهما مسترقتان – الا انه عاد واعترف انه لا يملك اي دليل ادانة ضد السيد السقاف. [59]

وكان الصينيات مرغوبات للتسري عند العرب حيث تصل اسعارهن الى مائتي جنيه كما في عمريّ مهجة ووهبة.

وفي الثاني من يونيو 1925م ارسل القنصل بولارد من داخل سور جدة رسالة الى سلطان نجد، عبدالعزيز ال سعود يطلب منه تحرير مجموعة من الحجاج النيجيرين من رعايا بريطانيا الذين كانوا في طريقهم من المدينة الى جدة سيراً على الأقدام عندما أغارت عليهم جماعة من البدو وخطفتهم واستعملتهم كعبيد في ميناء القضيمة، وانهم محتجزون الآن في قصر بين رابغ وجدة في منطقة اسمها الخريبة [بئر مبيريك] من املاك شخص اسمه عبدالله. فابدى الطرف السعودي تعاوناً في ذلك.

وهربت “زهرة” من منزل آمنة بنت محمد الفضل في 23 يوليو 1925م ولجأت الى القنصلية البريطانية في جدة وطلبت اللجوء السياسي وارسالها الى وطنها السودان/فاشر. وقد ارسل المعتمد البريطاني رسالة بذلك في اليوم التالي الى الشيخ فؤاد الخطيب. [60]

وتسببت حادثة “زهرة” في احتجاج بعض الأهالي النافذين ضد تراخي حكومة الشريف علي.

وفي السادس والعشرين من اغسطس 1925م، في أوج حصار جدة، طلب الملك علي من نائب القنصل البريطاني المستر جوردان التوقف عن استقبال اللاجئين، غير انه وعد بابطال العبودية تماماً بعد انتهاء الحرب، بيد انه لا يريد اضعاف موقفه مع التجار والمحليين في الوقت الحالي. وارسل المستر جوردان، وكان اكثر تفهماً من بولارد لوجهة نظر الملك علي، الى القيادة البريطانية في السودان مؤكداً موقف الملك علي المناهض للعبودية، انما المشروط بنظرة واقعية. “الملك علي لا تروقه مظاهر العبودية المنتشرة، لكنه ايضا اقرّ بصعوبة الغاء ذلك بشكل قاطع لتجذّر الممارسة لقرون، فيما المسألة ينبغي مباشرتها برفق وتدريج، وانه نظرا لخصوصية المسألة، فانه يريد تجّنب اصدار اي قرارات قد تضعف من شعبيته اثناء الأزمة السياسية المندلعة .. لكنه وعد بالغاء الرقيق فور استقرار الحجاز وانجلاء أزمته”. [61]

لكن الخارجية البريطانية التي كانت قد رجّحت موقفها في الحرب لصالح ابن سعود، لم تعطي بالاً لمطالب الملك علي. وفي تلغرام من الخارجية البريطانية، الى نائب القنصل أبدت الخارجية عدم اقتناعها بالمبررات التي ساقها الملك علي، وأفادت بأن القنصلية يجب ان تستمر في استقبال اللاجئين وفي ارسالهم الـى ميناء سواكن بعد تحريرهم. [62]

وفي سبتمبر 1925م لجأ السوداني “بلال” الى القنصلية البريطانية هارباً من مالكه الشيخ دخيل الله، والأخير تاجر مواد غذائية بشارع قابل التجاري، فوضعت القنصلية بلال في احد البواخر الراحلة لسواكن، غير ان دخيل اتهم بلالاً بسرقة صندوق جواهر منه، فطالبت الخارجية الحجازية عبر فؤاد الخطيب باعادته من الباخرة للمثول امام قاضي المحكمة الشرعية، ولكن لمماطلة المحكمة، بعد احدى عشر يوماً، من اصدار اي حكم، قام جوردان بتحدي السلطات الحجازية وترحيله الى السودان.

وكتب جوردان في 14 سبتمبر شارحاً الى الخارجية البريطانية: “لقد اضحى من عادات ملاك العبيد اتهامهم بالسرقة عند فرارهم والحصول على احكام في صالحهم من المحكمة الشرعية، التي تنحاز دوما للملاّك”. [63]

كان ذلك التضعضع والارتباك المتصاعد من طرف القيادات والمؤسسات والأهالي كناية صريحة عن أفول عهد على الحجاز، وبداية عهد سياسي جديد.

في 21 ديسمبر 1925م سُلمت مفاتيح جدة سِلماً الى السلطان ابن سعود، وبعدها بأيام اُعلن عن تأسيس الكيان الجديد “مملكة الحجاز ونجد وملحقاتها” وهو بداية العهد السعودي على كامل أراضي الحجاز.
يحي البشري غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس