عرض مشاركة واحدة
قديم 18-03-2011, 05:58 AM
  #3
المناضل السليماني
مشرف
المجلس الاسلامي
 الصورة الرمزية المناضل السليماني
تاريخ التسجيل: Oct 2006
المشاركات: 3,909
المناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond repute
افتراضي رد : ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب

وهذه الخطبة حول المظاهرات ومن وراءها لأخي الغالي عصام بن عبد الله السناني




__________
الخطبة الأولى
أيُّها المسْلِمُونَ، يقول تعالى ممتنًا على أهلِ مكة: وَقَالُوا إِن نَّتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِن لَّدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ .
إن الأمْنَ في الأوْطَانِ مَطلَب ضروريٌّ، حَيَاةٌ بِلا أمْنٍ لا تُسَاوِي شَيئًا، إذا اختلَّ الأمنُ تبدَّل الحالُ، ولم يهنأ أحدٌ براحةِ بال، فتُهجَرُ المساجدُ، وتُعاقُ سُبُلُ الخيرِ، فتختلُّ المعايشُ، وتدمّرُ الديارُ، وتتفرَّقُ الأسَرُ، وتُقتَلُ نفوسٌ بريئةٌ، وترمَّلُ نساءٌ، ويُيتَّمُ أطفال، وتبورُ التجارةُ، ويتعسَّرُ طلبُ الرزقِ. إذا سُلِبت نعمةُ الأمن فشا الجهلُ وشاعَ الظلمُ وسلبتِ الممتلكاتُ، وإذا اضطرب الأمن -عياذًا بالله- ظهرت الفتَن، وتزلزلت الأمّة، وحكم اللّصوص وقطّاع الطريق، وسادت شريعةُ الغاب، وعمّت الفوضى، وهلك النّاس.
وتأمّلوا بلدانًا من حولِكم اختلَّ فيها الأمن، فهلك فيها الحرث والنّسل، وسُلِبت الأموال، وانتُهكت الأعراض، وفسد المعاش، وهو السرُّ في قولِهِ سُبْحَانَهُ: وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ؛ لأنَ الخَوفَ والجُوعَ إذَا اجْتَمَعَا فإنَّ ذَلِكَ مِنْ شَرِّ عَذَابِ الدُّنْيا؛ لأنَّ الخَائِفَ إذَا كَانَ عِندَهُ مَا يَقْتاتُ بهِ أَمِنَ أو اسْتَخْفى، ولأنَّ الجَائعَ إذَا كانَ يَعيشُ آمِنًا اسْتَطاعَ أنْ يَسيرَ في الأرْضِ ويَطْلُبَ الرِّزْقَ، فإذا اجتمعا هلكَ وهو جائعٌ خائفٌ، فلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ لَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ . فنعمةَ الأمن جزءٌ عظيم لا يتجزّأ من الإسلام.
الأمنُ من تمام الدين، ولا يتحقَّق الإسلام إلاّ بالأمن، ولا يُعمل بشعائر الدين إلا في ظلِّ الأمن. ولَقَدْ عَاشَتْ هَذِهِ البلادُ قَبلَ أكْثَرَ مِنْ مائةِ عَامٍ صُورًا مِنَ الخَوْفِ والذُّعْرِ، لم يَكُنْ للمَرْءِ أنْ يَتَصَوَّرَهَا الآنَ، لأنَّها صَارَتْ كالخَيَالِ، لكِنْ بَعْدَ أن اسْتَقَرَّ الوَضْعُ في هَذِهِ البِلادِ مِنْ عَشَراتِ السِّنينَ والبَلَدُ يَعيشُ أمْنًا مُتَّسِعَ الأطْرَافِ هيأه ليكونَ مَقْصِدًا لطُلاَّبِ الرِّزْقِ والعَمَلِ؛ وذلك بسببِ تحكيمِ ولاةِ أمورِ هذه الدولةِ المملكةِ العربيةِ السعوديةِ للشريعةِ، إليهَا ترجعُ المحاكمُ الشرعيةُ في أمورِ الناسِ الني يختلفونَ ويتنازعونَ فيها والله يقول: وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ، وبسببِ التزامِ شعبِها بخلافِ أكثرِ شعوبِ الأرضِ بعقيدةِ أهلِ السنةِ والجماعةِ التي تلقوها عن علمائِهم بلزومِ الجماعة والسمعِ والطاعةِ لولاةِ أمورهِم على المنشطِ والمكره، وأَنَّ في أعناقهِم بيعةً لولاة الأمورِ لا يحلُ نزعهُا لقولِ رَسُولِ اللَّهِ : ((مَنْ خَلَعَ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ لَقِيَ اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لاَ حُجَّةَ لَهُ، وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً)).
ومن عقيدتهم عقيدةِ أهلِ السنةِ والجماعةِ أنَّ وقوعَ بعضِ الأخطاءِ لا يُجيزُ الخروجَ على ولاةِ الأمر، وإنَّما هيَ النصيحةُ الشرعيةُ كما قالَ النبي : ((إِنَّ اللَّهَ يَرْضَى لَكُمْ: أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا، وَأَنْ تُنَاصِحُوا مَنْ وَلاَّهُ اللَّهُ أَمْرَكُمْ)) رواه مسلم، وقوله : ((مَنْ كَرِهَ مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا فَلْيَصْبِرْ عَلَيْهِ؛ فَإِنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ النَّاسِ خَرَجَ مِنْ السُّلْطَانِ شِبْرًا فَمَاتَ عَلَيْهِ إِلاَّ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً)).
ولذا فنحنُ في هذِه البلادِ ننعمُ بأمرينِ عظيمينِ تحققتْ بها مقوماتُ الجماعةِ لا يوجدُ لهُما نظيْرٌ في العالمِ اليومَ، لنْ يدخلَ علينا خللٌ إلاَّ بالإخلالِ بهما: فولايةٌ شرعيةٌ سلفيةٌ مرتبطةٌ بولايةٍ شرعيةٍ علميةٍ قائمةٍ على منهاجِ النبوةِ، يقولُ مؤسسُ هذه البلادِ الملكُ عبدُ العزيزِ -رحمه اللهُ- في يومِ حجِ سنةِ إحدى وخمسينَ وثلاثمائةٍ بعدَ الألفِ (1351هـ): "أننا سلفيونَ محافظونَ على دينِنَا، نتبعُ كتابَ اللهِ وسنةِ رسولِهِ، وليسَ بيننا وبينَ المسلمينَ إلا كتابُ اللهِ وسنةُ رسولِه".
فهذِه من أعظمِ مفاخرِ هذه البلادِ أن حكامَها يتشرفونَ بانتمائِهم لمنهجِ السلفِ الصالحِ، ويعلنُ أولُهم وآخرُهم تمسكَهم بالدعوةِ الإصلاحيةِ التي جددتْ منهجَ السلفِ الصالحِ في العصورِ المتأخرةِ.
عباد الله، وإن الخروجَ على الجماعةِ والإخلالَ بالسلمِ الاجتماعيْ هو أصلُ كلِ بلاءٍ وقعَ في تاريخِ المسلمينَ؛ لذا حذر منها أشدَّ التحذيرِ في المجتمعِ المسلمِ حتَّى أمرَ بقتل وإعدامِ كلِّ من يحاولُ الإخلالَ به ولو كان مسلمًا، كما روى مسلمٌ عنْ عَرْفَجَةَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ: ((إِنَّهُ سَتَكُونُ هَنَاتٌ وَهَنَاتٌ، فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُفَرِّقَ أَمْرَ هَذِهِ الأُمَّةِ وَهِيَ جَمِيعٌ فَاضْرِبُوهُ بِالسَّيْفِ كَائِنًا مَنْ كَانَ))، وفي رواية السننِ: ((فَمَنْ رَأَيْتُمُوهُ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ، أَوْ يُرِيدُ يُفَرِّقُ أَمْرَ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ كَائِنًا مَنْ كَانَ فَاقْتُلُوهُ، فَإِنَّ يَدَ اللَّهِ عَلَى الْجَمَاعَةِ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ يَرْكُضُ)).
وإنَّ وقوعَ المظالمِ والاستئثار بالدنيَا ليس مبررًا شرعيًا لتعكير أمن المجتمع بأي طريقةٍ كانت، فالأمنُ في الإسلامِ خطٌ أحمرُ يجبُ أنْ يقفَ دونَه الجميعُ، ففي الصحيحين عَن ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : ((سَتَكُونُ أَثَرَةٌ وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا))، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَا تَأْمُرُنَا؟ قَالَ: ((تُؤَدُّونَ الْحَقَّ الَّذِي عَلَيْكُمْ، وَتَسْأَلُونَ اللَّهَ الَّذِي لَكُمْ)). وقال للأنصار: ((سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي أُثْرَةً فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي عَلَى الْحَوْضِ))؛ ولهذا وعى سلفُ هذه الأمةِ هذا الأصلَ العقديَّ الذي بينه النبيُّ في النهي الشديدِ عنْ محاولةِ تعكيرِ أمنِ المجتمع، فلنذكرْ موقفينِ:
الأول: حينَ كان الخليفةُ يزيدُ بنُ معاوية بلغ من الفسادِ في رعيتِه ما جعلَ بعضَ أهلِ المدينةِ يزمعون على الخروج عليه فأبى أفاضل الصحابة، فقد روى مسلم قَالَ: جَاءَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُطِيعٍ حِينَ كَانَ مِنْ أَمْرِ الْحَرَّةِ مَا كَانَ زَمَنَ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ، فَقَالَ: اطْرَحُوا لأَبي عَبْدِ الرَّحْمَنِ وِسَادَةً، فَقَالَ: إِنِّي لَمْ آتِكَ لأَجْلِسَ، أَتَيْتُكَ لأُحَدِّثَكَ حَدِيثًا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُهُ؛ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ: ((مَنْ خَلَعَ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ لَقِيَ اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لاَ حُجَّةَ لَهُ، وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً))، وفي البخاري أنه جمعَ حَشَمَهُ وَوَلَدَهُ وقَالَ: (لاَ أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْكُمْ خَلَعَهُ وَلاَ بَايَعَ فِي هَذَا الأَمْرِ إِلاَّ كَانَتْ الْفَيْصَلَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ)، وذكر قول النَّبِيَّ : ((يُنْصَبُ لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة: (4/529): "وكان أفاضل المسلمين ينهون عن الخروج والقتال في الفتنة كما كان عبد الله بن عمر وسعيد بن المسيب وعلي بن الحسين وغيرهم، ينهون عام الحرة عن الخروج على يزيد".
لكن غلبتْ العاطفةُ العقلَ والهوى الاتباعَ، فلم يستمع الناسُ لهدي النبيِّ وأصحابِه، فخلعوا بيعةَ يزيدَ، فأرسلَ إليهم مسلمٌ بنُ عقبةَ فأستباحَ المدينةَ ثلاثةَ أيامِ، قال الحافظ ابن كثير: "قتلَ خلقًا من أشرافِها وقرائِها، وانتهبَ أموالًا كثيرةً منها، ووقعَ شرٌ وفسادٌ عريضٌ... ووقعوا على النساءِ حتى قيلَ: إنه حبلتْ ألفُ امرأةٍ في تلكَ الأيامِ منْ غيرِ زوجٍ، والله أعلم".
الموقف الثاني: حينَ كان ابنُ عمرُ وغيره من الصحابةِ رضي الله عنهم يصلونَ خلفَ الحجاجِ على ظلمِه وجورِه، بل قدْ روى البخاريُّ عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ قَالَ: أَتَيْنَا أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ فَشَكَوْنَا إِلَيْهِ مَا نَلْقَى مِن الْحَجَّاجِ فَقَالَ: ((اصْبِرُوا فَإِنَّهُ لاَ يَأْتِي عَلَيْكُمْ زَمَانٌ إِلاَّ الَّذِي بَعْدَهُ شَرٌّ مِنْهُ حَتَّى تَلْقَوْا رَبَّكُمْ)) سَمِعْتُهُ مِنْ نَبِيِّكُمْ . وكان الحسنُ البصريُّ يقولُ: "إن الحجاجَ عذابُ اللهِ فلا تدفعوا عذابَ اللهِ بأيديِكم، ولكن عليكم بالاستكانةِ التضرعِ، فإنَّ اللهَ تعالى يقول وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ ".
لكن ابن الأشعث كان له مطامحُ سياسيةٌ وكان يقول: والله لأجهدن أن أزيله عن سلطانه إن طال بي البقاء. فاستغلَ طيبةَ بعضِ الأخيارِ والصالحينَ من التابعينَ الذين يتميزونَ غيظًا من ظلمِ الحجاجِ وفجورِه، فهيجهمْ على خلعِ الحجاجِ ثم الخليفة عبدِ الملك، فخلعوه فتفرقتِ الكلمةُ وعظمَ الخطبُ، وبعدَ قتالٍ ذهبتْ فيه دماءٌ وأموالٌ انصرف المسلمون فيه عن قتالِ الكفارِ انهزمَ ابنُ الأشعثِ ومن معه، ففرَ هوَ إلى ملكِ التركِ الذي بعد أن كان يجاهدُهُ في اللهِ، فسلمَه لجندِ الحجاجِ، فلمَّا كَان في طريقِ العودةِ مات منتحرًا. وقُتَلَ من أتباعِهِ بينَ يدي الحجاج ثلاثونَ ومائة ألف. قال شيخَ الإسلامِ ابنُ تيمية وذكر أن مفسدةَ الخروجِ أعظمُ من مصلحتِهِ في منهاج السنة النبوية (4/527): "وقلَّ من خرجَ على إمامٍ ذي سلطانٍ إلا كانَ ما تولدَ على فعلِهِ من الشرِّ أعظمَ مما تولدَ من الخيرِ".
عباد الله، وإن الدعوةَ إلى المظاهراتِ في بلادنا هذه الأيامِ من شرذمةٍ خالفت منهج الإسلامِ بينتُ في خطبةٍ قبلَ ما يزيدُ على شهرٍ بقليلٍ أنه أمرٌ مخالفٌ لقواعدِ الشريعةِ التي جاءتْ بوجوبِ المحافظةِ على الأمنِ والسلمِ، ومعاقبةِ المتعدي عليه. وبينتُ تحريمَ المظاهراتِ من سبعةٍ أوجٍه أختصرها بما يلي:
- الأمر الأول: أنها مفارقة للجماعةِ إذا كانت مراغِمَةً للحاكم، ففي الصحيحين عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ قَالَ: ((مَنْ كَرِهَ مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا فَلْيَصْبِرْ، فَإِنَّهُ مَنْ خَرَجَ مِنْ السُّلْطَانِ شِبْرًا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً))، وقال: ((ومنْ خلعَ يدًا منْ طاعةٍ لَقِيَ اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لاَ حُجَّةَ لَهُ)).
- الأمر الثاني: أن المظاهراتِ قد دخلتْ على المسلمينَ من الخارج، فهي تقليدٌ للكفّار، والنّبيّ يقول كما جاء عن ابنِ عمرَ في سنن أبي داود وغيره: ((مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ))، وروى الشيخان عن النبي وقالَ: ((لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ حَتَّى لَوْ سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ)).
- الأمر الثالث: أن هذه المظاهرات من دعوى الجاهلية، وقد قال النبيُ : ((وَأَنَا آمُرُكُمْ بِخَمْسٍ اللَّهُ أَمَرَنِي بِهِنَّ: السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ، وَالْجِهَادُ وَالْهِجْرَةُ وَالْجَمَاعَةُ، فَإِنَّهُ مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ قِيدَ شِبْرٍ فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الإِسْلامِ مِنْ عُنُقِهِ إِلاَّ أَنْ يَرْجِعَ، وَمَنْ ادَّعَى دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ فَإِنَّهُ مِنْ جُثَا جَهَنَّمَ))، وفي البخاري قَالَ : ((أَبْغَضُ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ مُبْتَغٍ فِي الإِسْلامِ سُنَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ)). ودعوى الجاهلية هي التناصر على الباطل وبغير ما إذن الله به.
- الأمر الرابع: أن هذه المظاهرات إذا تضمنتْ مفارقةَ الجماعةِ وأدت إلى قطعِ الطريقِ وتخويفِ الناسِ وسلبِ الأموال فهي من الحرابةِ والإحداثِ في الدينِ، وقدْ قال تعالى فيها: إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ، وقالَ : ((لَعَنَ اللَّهُ مَنْ آوَى مُحْدِثًا)).
- الأمر الخامس: أن القيام بهذه المظاهراتِ بسببِ قلةِ الأرزاقِ أو شيءٍ من الظلمِ إذا وقعَ إضافةً إلى مخالفتِه للأمرِ بالصبرِ وللإيمانِ بالقضاءِ والقدرِ مخالف لمعرفةِ سننِ اللِه بأنَّ سببَ تسلطَ الحكامِ وجورِهم إذا وقع هو بذنوبِ العبادِ كما قال تعالى: وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ . قال ابن القيم في مفتاح دار السعادة: (1/25): "وتأملْ حكمتَه تعالى في أن جعلَ ملوكَ العبادِ وأمراءَهم وولاتَهم من جنسِ أعمالِهم، بل كأنَّ أعمالهَم ظهرتْ في صورِ ولاتِهم وملوكِهم، فإنْ استقاموا استقامتْ ملوكُهم، وإن عدلوا عدلت عليهم، وإن جاروا جارت ملوكُهم وولاتُهم".
- الأمر السادس: أنها من أعظمِ أسبابِ الفسادِ في الأرضِ بإهلاكِ الحرثِ والنسلِ، قالَ العلامةُ الشوكانيُ عند تفسيرِ قولٍه تعالى: وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا : "نهاهم اللهُ سبحانَه عن الفسادِ في الأرضِ بوجهٍ من الوجوهِ قليلًا كان أو كثيرًا، ومنه قتلُ الناسِ، وتخريبُ منازلِهم، وقطعُ أشجارِهم، وتغويرُ أنهارِهم".
ولذا صدر بيانُ كبارِ العلماءِ في الأسبوعِ الماضي، فبعدَ أنْ بينوا أن هذه البلادَ قد تشرفت بخدمةِ الحرمينِ وأنها قبلةُ المسلمينَ وأن المسلمين يؤمونها من كلِّ حدبٍ وصوبٍ في موسم الحج، قالوا: "فإن الهيئةَ تؤكدُ أن للإصلاحِ والنصيحةِ أسلوبها الشرعيّ الذي يجلبُ المصلحةَ ويدرأُ المفسدةَ، وليسَ بإصدارِ بياناتٍ فيها تهويلٌ وإثارةُ فتنٍ وأخذُ التواقيعِ عليها، لمخالفةِ ذلك ما أمرَ اللهُ عز وجل به في قولِه جل وعلا: وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلًا . وبما أن المملكةَ العربيةَ السعوديةَ قائمةٌ على الكتابِ والسنةِ والبيعةِ ولزومِ الجماعةِ والطاعةِ، فإن الإصلاحَ والنصيحةَ فيها لا تكونُ بالمظاهراتِ والوسائلِ والأساليبِ التي تثيرُ الفتنَ وتفرقُ الجماعةَ، وهذا ما قرره علماءُ هذه البلادِ قديمًا وحديثًا من تحريمِها والتحذيرِ منها. والهيئةُ إذ تؤكدُ على حرمةِ المظاهراتِ في هذه البلادِ فإن الأسلوبَ الشرعيَّ الذي يحققُ المصلحةَ ولا يكونُ معه مفسدةٌ هو المناصحةُ، وهي التي سنها النبي وسار عليها صحابتُه الكرامُ وأتباعُهم بإحسان".


الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ الواحدِ الأحدِ الذي لم يلدْ ولم يولدْ ولم يكنْ له كفوًا أحد، وأشهدُ أن لا إله إلا الله خالقُ السمواتِ والأرضينِ بلا مددٍ، ورافعُ السماءِ بلا عمدٍ القائلُ في كتابِهِ العظيم: إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ المُفْسِدِينَ ، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسوله خيرُ من صلى وصَام وعبدَ، القائلُ: ((لا ترجعوا بعدي كفارًا يضربُ بعضُكم رقابَ بعضٍ))، صلى اللهُ عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ، وسلمَ تسليمًا كثيرًا.
أما بعدُ: فمن مفاسد المظاهرات:
- الأمر السابع: أنَّه قدْ ظهرتْ تقاريرُ يصدقهَا الواقعُ أن هذه المظاهراتِ تدارُ بالخفاءِ من قبلِ زعماء الكفرِ الذين يريدونَ تفكيكَ البلادِ الإسلاميةِ ليسهلَ وضع اليدِ على ثرواتِها وخيراتِها باسمِ حمايةِ الحرياتِ والشعوبِ، فهو استعمارٌ بثوبٍ جديدٍ.
ولذا بلادنا تواجه فتنةً عظيمةً، فاليوم أذاعتْ الوكالاتُ العالميةُ عن اجتماعٍ سريٍّ بينَ كلابِ لدنٍ النابحةِ السفيهةِ والمسعرةِ التي تقفُ خلفَ هذه فتنةِ المظاهراتِ وبين مسؤولٍ كبير في المخابراتِ الإيرانيةِ لتنسيقِ حصولِ الاضطراباتِ في المملكةِ ودعمِها، وبلادُ الغربِ المنافقِ وعلى رأسِه رأسُ الكفرِ والطغيانِ الذي يدّعي الحرصَ على الحرياتِ يدعو بلادنَا إلى عدمِ التعرضِ للمظاهراتِ، وكأن به حرصا على الشعوب وهو الذي فعلَ ما فعلَ بالعراقِ وأفغانستانِ وغيرها، فافتعلَ الحروبَ الطاحنةَ لأجلِ مصِ الخيراتِ في هذه البلادِ، وهو الذي يدّعي عداءَ إيرانَ المجوسيةِ في الظاهرِ، مع أنه هو الذي مكّنَ لها في العراقِ واليمنِ، ويريد ذلك في البحرينِ والسعوديةِ لخلخلةِ أمنِ البلادِ العربيةِ.
ليست شريعتنا مستمدةٌ من أمريكا ولا الغرب، شريعتنا مستمدة من كتاب الله القائل: وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ ، وسنة رسوله الذي يقول: ((فَمَنْ رَأَيْتُمُوهُ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ أَوْ يُرِيدُ يُفَرِّقُ أَمْرَ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ كَائِنًا مَنْ كَانَ فَاقْتُلُوهُ))؛ ولذا فعقيدتُنا أن من خرجَ في المظاهراتِ خروجًا يدعو فيها لمنازعةِ الحاكمِ في ولايتِهِ أو لإثارةِ الفتنِ وإراقةِ الدماءِ فإنه يجبُ دفعُه بالأسهلِ فالأسهلِ، فإن لم يندفعْ إلا بالقتلِ فإنه يقتلُ.
ولا يفوت أن ننوه على عدوّ ثالث هم الليبراليون الذين أثبتتْ هذه الأحداثُ أنهم متمكنونَ ولهم أنصارٌ مرتبطةٌ بالسفاراتِ الغربيةِ كما صرحَ النائبُ الثاني ووزيرُ الداخليةُ حفظه اللهُ بمعرفتِهِ بزوارِ السفاراتِ، وأنه سيقطعُ ألسنتَهم، هؤلاء أثبتوا في هذا الأسبوع بما لا يدعُ مجالًا للشكِ أنهم العدو الباطنِ، هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ، فحينَ تواجه بلادنا أخطرَ فتنةٍ -والفتنُ من حولِنا في كلِّ مكانٍ- يصعدونَ من الهجومِ في الصحفِ على المتدينينِ ويصورونهم برسومٍ مقززةٍ، والشعبُ كلُه متدينٌ مما يدلُ على أن قصدَهم الأول والأخير هو خلخلةُ أمنِ البلدِ وإيجادُ الفتنِ بينَ الراعي والرعية، لكن سيثبتُ الشعبُ السعوديُّ وإن تأذتْ عيونه مما يكتبُ وتقرحتْ أكبادُه مما يقرأُ أنه ملازمٌ لشعارِ أهلِ السنةِ والجمعةِ من لزومِ الجماعةِ والسمعِ والطاعةِ.
يجبُ أن لا نساومَ على دولةٍ قامتْ على التوحيدِ والسنةِ مهما ظهرَ من الأخطاءِ، إن في أعناقِنا بيعةً يجبُ الوفاءُ بها طاعةً للهِ ورسولِه، يدُنا بيدِ ولاةِ أمرِنا في هذه الفتنةِ هم منَا ونحنُ منهم، سلمُنا سلمُهم وحربُنا حربهم، فنحنُ نناصحُ وهم يقبلونَ، نحن نخطئُ وهم يحلمونَ. هكذا سارت سفينة البلاد على مدار قرونٍ مضتْ.
حفظ الله بلادنا وشعبنا من كلِّ سوءٍ ومكروه، وجنبنا الفتن ما ظهر وما بطن...
__________________

المناضل السليماني غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس