عرض مشاركة واحدة
قديم 24-02-2007, 08:57 AM
  #2
خالد العاصمي
مشرف مجلس التربية والتعليم
 الصورة الرمزية خالد العاصمي
تاريخ التسجيل: Jul 2006
الدولة: نجد
المشاركات: 8,288
خالد العاصمي has a reputation beyond reputeخالد العاصمي has a reputation beyond reputeخالد العاصمي has a reputation beyond reputeخالد العاصمي has a reputation beyond reputeخالد العاصمي has a reputation beyond reputeخالد العاصمي has a reputation beyond reputeخالد العاصمي has a reputation beyond reputeخالد العاصمي has a reputation beyond reputeخالد العاصمي has a reputation beyond reputeخالد العاصمي has a reputation beyond reputeخالد العاصمي has a reputation beyond repute
افتراضي رد : في ذكرى انهيار فبراير

في ذكرى انهيار سوق الأسهم



تحل غدا الذكرى السنوية الأولى على نكبة انهيار سوق الأسهم السعودية، بكل آلامها ومآسيها وأسرارها، لا أعادها الله تعالى من حالة. يمر عام على قصة أكبر مأساة عصفت بمدخرات الناس وآمالهم وأحلامهم. ينقضي عام على أخطر تشويه جرى لهيكل توزيع الدخول والثروات في اقتصادنا في عصره الحديث. يمضي عام على أقسى وأمرّ تجربة مرت بالناس، ما زالوا يكتوون بنارها ويعانون من ذيولها.
إنها مأساة لم تبدأ فجأة كما انتهت، بل تطورت عبر فترة من الزمن. بدأت وتطورت تحت سمع وبصر المسؤولين عن توجيه وإدارة السياسة الاقتصادية في مجتمعنا. وكانت أخبار مكاسب السوق تسترعي انتباه الناس وتجذبهم إليها شيئا فشيئا، حتى ظنها بعضهم أنها رسالة إليهم بأنها الفرصة الذهبية لتحسين أحوالهم المعيشية بمناسبة تحسن عوائد النفط، فغشي السوق من غشاها حتى حلت الكارثة !
تطورت الأحداث في الوقت الذي كان جديرا بالمسؤولين عن إدارة اقتصادنا أن يسارعوا، منذ اللحظة الأولى التي رأوا فيها هذا الانحراف الاقتصادي، إلى اتخاذ المناسب من السياسات الاقتصادية لتوجيه السيولة وجذبها نحو قطاعات اقتصادية أخرى أعلى كفاءة وأكثر فائدة لأصحاب المدخرات وللاقتصاد عموما. خاصة أن اقتصادنا زاخر بفرص واعدة كثيرة يدعمها سوق واسع. كان أولي بمن في أيديهم توجيه اقتصادنا أن ينهضوا سريعا ويشرعوا الأبواب ويذللوا الصعاب ويتبنوا من السياسات ما يصحح مسار الاقتصاد، بدلا من ترك المليارات تنزلق وتحتقن في سوق أسهم غض صغير محدود العمق، تناطحه كمية سيولة هائلة ولدت طلبا عاليا على أسهم محدودة موجودة مسبقا، مما جعل كبار المضاربين يمارسون فيه لعبة تدوير السيولة تدويرا رفع أسعار الأسهم بشكل مطرد على فترة من الزمن إلى مستويات قياسية غير مسبوقة. فأعطت الناس مؤشرات خاطئة ومضللة شوشت مفاهيمهم وغيرت اهتماماتهم وقلبت أنشطتهم رأسا على عقب. مؤشرات كانت كافية ليترك الناس أنشطتهم الأساسية المنتجة ويتحولوا بمدخراتهم وأموالهم نحو مضاربات محمومة لا تضيف أية قيمة حقيقية للناتج أو الدخل الوطني. فيتحول المشهد الاقتصادي لبلادنا إلى صورة مأساوية أشبه بصالة قمار كبرى، عطلت الإنتاج وشوهت الاستثمار وشغلت الصغار والكبار، فيما لا طائل منه بأي معيار. تضليلا جعل عامة الناس تتصور أنها مكاسب طبيعية، في حين أن الحقيقة لا تعدو أن الناس كانوا يكسبون على حساب بعضهم بعضا. وهي حقيقة تتجلى وتنفضح طبيعتها إذا توقف ضخ وتدوير الأموال في حركة التداول اليومي. فالحال في مثل هذه الأسواق، بعدت أو قربت، ليس سوى لعبة مجموع صفري Zero Sum Game، مجموع الكاسبين فيها معادل تقريبا لمجموع الخاسرين!
لم يكن هذا المشهد يحتاج إلى جهابذة في الاقتصاد ليدركوا مدى خطورته وضرورة تصحيحه والتصدي له. فقد بات واضحا أن الوضع يستدعى الإسراع بتذليل كل السبل ومنح كل الحوافز وإزالة كل العوائق التنظيمية والبيروقراطية المحبطة، تذليلا ومنحا وإزالةً استثنائية، من أجل تسريع حركة سباقنا مع الزمن للنهوض باقتصادنا. مشهد كان يتطلب سرعة توجيه الأموال الجديدة الناشئة عن ارتفاع عوائد النفط وكذلك المدخرات القديمة المقبلة من الخارج وتلك الكامنة في الداخل، نحو استثمارات حقيقية نافعة ومنتجة يتعطش لها الاقتصاد وتشتد حاجة الناس إليها، سواء في مجال العمران والنقل والصناعة أو التعليم والصحة والتجارة.
كان بإمكان مثل هذا التوجيه أن يتمخض عن تكوين شركات إنتاج وشركات خدمات جديدة عملاقة تمتص هذه الفوائض المالية، وتنخرط في أعمال حقيقية منتجة تولد للناس الوظائف وتوفر لهم المزيد من المنتجات والخدمات. وفي الوقت نفسه تعمل هذه الكيانات الجديدة على تعميق سوقنا المالي ورفع كفاءته وخفض درجة مخاطره.
حقا لقد كان عصيا على النفس أن تصدق المشهد الذي جرى على المسرح الداخلي! في الوقت الذي كان المتابع يرى كيف تحولت الحياة الاقتصادية في دول مجاورة إلى ورش عمل نشطة، وبإمكانات مادية وفرص استثمارية وأسواق تجارية أقل بكثير مما هو متاح لنا. لقد كان أولى بكثير من تلك المشاريع الاقتصادية والبنيات التحتية الاستثمارية التي قامت عند غيرنا، أن تقوم في اقتصادنا، لأنه الأكبر حجما والأوسع سوقا في المنطقة. كان المشهد دراميا ومؤلما وحزينا، حتى ليخال للمرء وكأننا نطلق النار على أنفسنا أو نخرب اقتصادنا بأيدينا. فيما الأمر لم يكن يستدعي هذا الحال ولم يكن اقتصادنا يستحق هذا المآل. لقد كانت مأساة رمتنا فيها أنظمة بالية وبيروقراطية جامدة وعقلية مترهلة. هذه الظروف التي أجبرت الشركات التجارية والمالية الكبرى على الاستقرار بالقرب من المملكة، بدلاً من أن تستقر داخلها، مكلفة بلادنا الملايين إن لم تكن المليارات من الإيرادات التي كان يمكن تحقيقها، فضلا عن خسارة عديد من الوظائف وفرص العمل التي كان يمكن أن تولدها.
حدث كل هذا في حين أن سياسية وتوجيهات ولي أمرنا الملك عبد الله، حفظه الله، كانت واضحة ومباشرة، فهو ما فتئ يكرر على المسؤولين التنفيذيين مؤكدا عليهم ـ رعاه الله ـ أنه وضع إمكانات البلاد تحت تصرفهم وليس لهم عذر في تقصير وهو يأمل منهم الكثير. هذا الملك الكبير الأمين على مصالح رعيته، الذي ملك شغاف قلوبهم بعفويته وصادق إرادته، حدا بواحد من أساطين رجال الأعمال إلى أن يقول لي ذات يوم: نحن لا نستحق هذا الملك، إنه أكبر منا وأسمى من أوضاعنا وسابق لعصرنا بكثير! فاللهم رحماك.
ومع ذلك، مازال في الأفق بارقة، ورُب ضارة نافعة! وكلنا يتمنى الآن أن تكون هذه الأزمة قد هيأت لأجواء تدفعنا نحو سرعة التغيير والتطوير، فاقتصادنا دخل منذ فترة مرحلة مختلفة تتطلب سياسات اقتصادية جديدة لا تحتمل التسويف أو التأجيل، وتتعدى حتى مسألة ما حدث في سوق الأسهم. فقد بات واضحا أن أنظمتنا وسياساتنا وكذلك مؤسساتنا الاقتصادية ظلت راكدة، ولم تواكب التغيرات السريعة المتلاحقة التي جرت في اقتصادنا في السنوات الأخيرة. أن الإسراع بتبني القرارات الاقتصادية والإدارية والقانونية والتنظيمية التي يفتقر إليها الاقتصاد ستؤدي إلى تحسين بيئة الاستثمار والعمل والمنافسة. إننا بحاجة ماسة لإدارة اقتصادنا بعقلية المؤسسات الخاصة، فهذا ما فعله الناجحون في الصين والهند ونمور آسيا ودبي!

الأقتصادية
خالد العاصمي غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس