شبكة قحطان - مجالس قحطان - منتديات قحطان

المتنبيهو احمد بن الحسين بن الحسن بن عبد الصمد الجعفي
أحد مفاخر الأدب العربي 0 له الأمثال السائرة ، والحكم البالغة 0
وهو من أشهر شعراء العصر العباسي ، بل يَعدّه الكثيرون من أعظم الشعراء جميعاً . وهو من أصل عربي ينتهي إلى مذحج من كهلان من قحطان ؛ في أغلب المصادر التي وقعت تحت يدي حتى آلان 0 وأن كان هناك بعض الاجتهادات بين الكتاب عن سيرة ونسب المتنبي ؛ وقد تعودهذه الأجتهادات حسب أقوال أغلب من ترجموا للمتنبي وهم كثر إلى ظروف سياسية وقبلية كانت سايدة في ذلك العهد والله أعلم 0 ولِدَ في الكوفـة بمحلة تسمى كندة بالعراق ، وكانت عشيرته جعف من سعد العشيرة من مذحج مشهورة بالفصاحة العربية الأصيلة والبلاغة البديعة 0 كان أبوه سقاءً في الكوفة يستقي على جمله ، والمرجَّح أن أمه الهمدانية ماتت وهو في سن الطفولة ، فقامت جدته مقام أمه على رعايته وتربيته ، وهكذا نشأ في الكوفة ، أحد مواطن الحضارة العباسية 0
عاش المتنبي في الدور الأول من حياته مسافراً متنقلاً ، يعارك الحياة ويُجابـه التحديات ، فيُسجن مرة ويفرج عنه مرة أخرى يمدح ذلك الأمير ، ثم يرحل إلى أمير آخر طلباً للعطايا والأموال فكان في شعره يتكسب تارةً ويخفق تارةً أخر :
أبداً أقطعُ البلاد ونجمي
في نُحوسٍ وهمّتي في سُعودِ

إلا أنه كان معتداً بنفسه واثقاً بإمكانته الفكرية والشعرية ، طموحاً إلى أبعد الحدود ، يجعل من الإخفاق نجاحاً ، ومن الفشل تفوقاً ومن الآلام آمالاً000
وفي الدور الثاني اتصل المتنبي بأمير حلب سيف الدولة الحمداني فارتفعت مكانته ، وتنعَّمت حياته ، وطابت له الحياة الراغدة 000 فشعر بشئ من السعادة والاطمئنان ، إذ قرَّبه سيف الدولة إليه ، وأصبح المتنبي لدى بلاط سيف الدولة الشاعر الأول ، فكان يُنشده الشعر وهو جالسٌ في مجلسه ، مما أوغَرَ ( )صدور حُسَّاده ومُنافسيه ، فأخذوا يتصرفون تجاهه تصرفات تَنِمُّ( ) عن كرههم له ، وبُغضهم إياه ، حتى إنهم تحاملوا ( )عليه بغير مبرر ( )، وأخذوا يختلقون عنه القصص الزائفة ( )، وينشرون عنه الإشاعات الكاذبة أمام سيف الدولة ، فكان هذا الأمير يجفوه أحياناً ، ومن ثمَّ أخذ يزداد تجاهه إعراضاً وإهمالاً000 وبذلك نجح حُسَّاده في تحقيق غاياتهم ، فشعر المتنبي بذلك فغادر حلب مُكرهاً واتجه إلى مصر فمدح واليها كافوراً الأخشيدي طلباً للمال والعطايا والمنزلة في بلاطه ، إلا أنه لم يطل مُكوثه في مصر وساءت العلاقة بينه وبين كافور ، فنقم المتنبي على كافور بشدة وهجاه( ) أقذع( ) هجاء ، بعد هروبه ، فجأة 0
وهكذا ترك المتنبي مصر يائساً ، فعاد إلى مسقط رأسه في الكوفة فترة من الزمن ، ثم قصد بغداد ففشل فيها في التقرب من البلاط العباسي ، ثم قصد بلاد فارس فنال مالاً وافراً 000وفي طريقه في العودة إلى الكوفة اصطدم في قتال مع جماعة تلاحقه كانت تُضمر له العداء ، مما أدَّى إلى مقتله سنة 354هـ مع ابنه وبعض رجاله 0

المتنبي مالئ الدنيا وشاغل الناس
فالشاعر المتنبي شاعر طبَّقت شهرته الآفاق وذاع صيته بين الناس وأصبح اسمه على كل لسان واشتهر شعره في كل مكان وزمان 000على أنه لم ينل ما ناله من منزلة شعرية ومن أهمية بالغة لِحِكَمِهِ وقصائده في مختلف الأعـراس ، إلا بعد أن اكتسب تلك القدرة الشعرية الهائلة في شتى مراحل حياته ، إن في البيئة العربية الأصيلة في يفاعته وإن في البيئة الصحراوية التي ترعرع فيها ، تلك البيئة التي منها استقى القدرة اللغوية والفصاحة والبلاغة من أفواه سكان هذه الصحراء أو تلك . هذا جانب وجانب آخر أن المتنبي كان قارئاً من الطراز الأول ، بعمق وتفكير ، فكان بالإضافة إلى ثقافاته العربية الأصيلة ، قد تأثر بالفكر اليوناني أيضاً ، فاكتسب من خلاله ومن الفسلفة الشئ الكثير مما نرى كل ذلك قد انعكس على شعره سواءٌ في شعر الملاحم والمديح والحكمة أو غيرها000
فالمتـنبي شاعرٌ عبقري مبدعٌ موهوبٌ ، صقل عبقريته بالمطالعة والثقافة ، فأعطانا شعراً جزلاً ( )قوياً متيناً رائعاً000
فما قاله في شعره الفريد :
صحِبَ الناسُ قبلنا ذا الزمانا
وَعَناهُم مِن أمرِهِ ما عنانا

كلما أنْبَتَ الزمان قناةً
ركَّبَ المرءُ في القناةِ سنانا( )

أي نحن أبناء هذا الزمان الذي نعيشه ، كان قد عاش الناس مثلنا هذا الزمان الذي نعاني منه تارةً ونسعد منه تارةً أخرى0
فالإنسان يقوم بأعمال الخير ويأتي الأشرار فيدمرون الآخرين كما يدمرون أنفسهم ، فالخيِّرون يزرعون الأشجار والأغراس والقصب000فيأتي أصحاب الحروب فيُركِّبون على هذه العصي الخشبية المأخوذة من الأرض والتي كانت مزروعة أصلاً لإعطاء الغِلال ( )والثمار ، يُركِّبون عليها أسنَّة حديدية يستعملونها في قتال الإنسان لأخيه الإنسان000
ونرى طموحه الواسع طموح الإنسان فيطلب منا ان نعمل على تحقيق الأهداف السامية في الحياة وتحقيق الغايات النبيلة ، وأن لا نرضى بالتافه والقليل والصغير منها 000فيقول :
إذا غامرت في شرفٍ مروم
فلا تقنع بما دونَ النجوم

ثم نراه يعطينا درساً في الحياة ويدلنا على كيفية التعامل مع أفراد المجتمع المختلفي الطباع والسجايا( ) ، فيقول لنا هنا في هذا البيت الآتي مثلاً000
أيها الإنسان ، أنت إذا عاملت إنساناً معاملة حسنة كريمة وكان هذا الإنسان المُكرَّم منك يُقدِّر المعروف والعون ، فعندئذٍ سيصبح هذا الإنسان صاحبك وصديقك وأخاك ، أما إذا كان من طبع الإنسان الآخر الذي تعامله نفس المعاملة الحسنة ، قد قابلك بالجحود ( )والنكران ، فهذا هو اللؤم عينه000
إذا أنت أكرمت الكريم ملكته
وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا

الحكمة في شعر المتنبي
الحكمة في شعر المتنبي مُعبِّرةٌ عن طموحاته وجوهر حياته ، خاصة بعد أن اجتاز سن الشباب ، هذه الحكمة التي انتشرت في كل مكان ، وما زلنا نرددها في زماننا وسنبقى000
فالحكمة في شعر المتنبي نراها من خلال ثنايا قصائده الكثيرة ، ولا يمكن حصرها وتعدادها لأنها جاءت مرآةً لحياته وعصارة لأيامه التي عاشها وعايش حلوها ومرها000
فحِكَمُه تنبض بالقوة والحيوية والعظة والصدق ، فيقول :
على قدرِ أهلِ العزم تأتي العزائم
وتأتي على قدر الكرامِ المكارمُ

للمزيد انظر لالقواعد والاركان من أعلام قحطان لمعرفة الكثير غن هذا الجبل الأدبي الشامخ عبر التاريخ .