شبكة قحطان - مجالس قحطان - منتديات قحطان

شبكة قحطان - مجالس قحطان - منتديات قحطان (https://www.qahtaan.com/vb/index.php)
-   مجلس الإسلام والحياة (https://www.qahtaan.com/vb/forumdisplay.php?f=11)
-   -   عاشوراء.. أحكام وفوائد (https://www.qahtaan.com/vb/showthread.php?t=20858)

عبدالله الوهابي 20-01-2007 07:30 PM

عاشوراء.. أحكام وفوائد
 
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
ما المناسـبات الإسلامية إلا اصطفاء من الله ـ تعالى ـ لبعض الأزمان وتخصيص لها بعبادات ووظائف.
تأتـي تلك المناسبات الكريمة فتحرك الشعور الإسلامي في أهله ليُقبلوا على الله ـ عز وجل ـ فيزدادوا طهراً وصفاءاً ونقاءاً.
يُقبـل شـهـر الله المـحـرم فيدعو المسلمين للصيام؛ حيث يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم " (1) وفي الوقت الذي يذكِّرنا فيه هذا الشهر بهجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم ـ بداية ظهور الدعوة وقيام دولة الإسلام ـ نـجــد فـيــه يوماً يذكِّرنا بانتصار نبي آخر هو موسى ـ عليه الصلاة والسلام ـ. ذلكم هو يوم عاشوراء ـ العاشر من المحرم ـ.
ولقد حبا الله هذا اليوم فضلاً، فضاعف فيه أجر الصيام. ثم كان للناس فيه طرائق فأدخلوا فيه وأحدثوا وزادوا.. إما رغبة في الخير، أو مجــاراة للناس، وإما اتباعاً للهوى وزهداً في السنة.
من هـنـا نـشـــأت الـحـاجة لبيان فضل هذا اليوم، وما يشرع فيه، وبيان أحوال الناس في تعظيمه، مع وقـفـــــات تبرز مــن خــلال الـمطالعة والبحث في هذا الموضوع، أسأل الله ـ تعالى ـ الهدى والسداد ، وأن ينفع بهذه السطور.
أولاً: خصوصية عاشوراء وفضل صومه
جـاء في فضل عاشوراء أنه يوم نجَّى الله فيه نبيه موسى ـ عليه الصلاة والسلام ـ والمؤمنين معه ، وأغـــرق فيه فرعون وحزبه ؛ فعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قدم المديـنـة ، فوجد اليهود صياماً يوم عاشوراء، فقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ما هذا اليوم الذي تصومونه؟" فـقـالـوا: هــــذا يوم عظيم أنجى الله فيه موسى وقومه ، وغرّق فـرعـون وقومه، فصامه موسى شكراً، فنحن نصومه . فقال رسول الله – صلى الله عـلـيـه وسلم - : " فنحن أحق وأوْلى بموسى منكم " فصامه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأمر بصيامه(2)، وها يحتـمل أن الله ـ تعالى ـ: "أوحى إليه بصدقهم، أو تواتر عنده الخبر بذلك"(3).
وقـد جاء بيان فضل صيام يوم عاشوراء في حديث أبي قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم عـاشوراء، فـقــــال: "يكفِّر السنة الماضية"، وفي رواية: "صيام يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يكفـــر السنة التي قبله"(4) ، وفـي حديث آخر: "ومن صام عاشوراء غفر الله له سنة"(5)
قـال البـيـهـقـي: "وهذا فيمن صادف صومه وله سيئات يحتاج إلى ما يكفِّرها؛ فإن صادف صومه وقد كُفِّرت سيئاته بغيره انقلبت زيادة في درجاته، وبالله التوفيق"(6(.
بل إن صيامه يعدل صيام سنة، كما في رواية: "ذاك صوم سنة" (7).
ويصور ابن عباس حرص النبي - صلى الله عليه وسلم - على صيـامـه فيقول: "ما رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يتحرَّى صيام يوم فضَّله على غيره إلا هذا اليوم يوم عاشــوراء، وهذا الشهر ، يعني: شهر رمضان "(8).
ولـِمَـا عُرف من فضله فقد كان للسلف حرص كبير على إدراكه، حتى كان بعضهم يصومه فـي الـسـفــر؛ خشية فواته، كما نقله ابن رجب عن طائفة منهم ابن عباس، وأبو إسحاق السبيعي، والـزهـري ، وقال: "رمضان له عدة من أيام أخر، وعاشوراء يفوت، ونص أحمد على أنه يصام عاشوراء في السفر"(9).
ثانياً: حالات صوم عاشوراء
مرّ صوم يوم عاشوراء بأحوال عدة(10)
الأولى: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم عاشوراء بمكة، ولا يأمر الناس بصومه.
الثانية: لما قدم الـمدينة وجد اليهود يصومونه، فصامه وأمر الناس بصيامه، حتى أمر من أكل في ذلك اليوم أن يمـسك بقية ذلك اليوم. وكان ذلك في السنة الثانية من الهجرة؛ لأنه قدم المدينة في ربيع الأول.
الثالثة: لمـا فرض رمضان في السنة الثانية نُسِخَ وجوب صوم عاشوراء، وصار مستحباً، فلم يقع الأمر بصيامه إلا سنة واحدة(11).
ويشهد لهذه الحالات أحاديث، منها: حديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: كانت قريش تصوم عاشوراء في الجاهلية، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه، فلما هاجر إلى المدينة، صامه وأمر بصيامه ، فلما فرض شهر رمضان قال: "من شاء صامه، ومن شاء تركه"(12).
وعن الرُّبَيِّع بنت معوِّذ قالت: أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار التي حول المدينة: "من كان منكم صائماً فليتمَّ صومه، ومن كان أصبح مفطراً فليتم بقية يومه"، فكنا بعد ذلـك نـصـومـه، ونصوِّم صبياننا الصغار منهم، إن شاء الله، ونذهب بهم إلى المسجد، ونصنع لهم اللعبة مـن الـعـهـــن، فـنـذهــب به معنا، فإذا سألونا الطعام أعطيناهم اللعبة تلهيهم، حتى يتموا صومهم"(13).
ومــن الـعـلماء من قال: إنه لم يكن واجباً أصلاً (14)؛ احتجاجاً بقول معاوية ـ رضي الله عنه ـ لما خـطــب يوم عاشوراء فقال: "ولم يكتب الله عليكم صيامه"(15)، قال الحافظ ابن حجر: "ولا دلالة فيه؛ لاحتمال أن يريد: ولم يكتب الله عليكم صيامه على الدوام كصيام رمضان، وغايتـه: أنه عامٌّ خُصَّ بالأدلة الدالة على تقدُّم وجوبه، أو المراد: أنه لم يدخل في قوله ـ تعالـى ـ : ( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَذِينَ مِن قَبْلِكُمْ ) سورة البقرة آية رقم (183) ، ثم فسره بأنه شهر رمضان، ولا يناقض هذا الأمر السابق بصيامه الذي صار منسوخاً،ويؤيد ذلك: أن معـاويـة إنـمــا صحب النبي صلى الله عليه وسلم من سنة الفتح ، والذين شهدوا أمره بصيام عاشوراء والـنـداء بـذلـك شهدوه في السنة الأولى أوائل العام الثاني.
ويؤخذ من مجموع الروايات أنه كان واجباً؛ لـثـبـوت الأمــر بصيامه ، ثم تأكد الأمر بذلك، ثم زيادة التأكيد بالنداء العام، ثم زيادته بأمر من أكل بالإمــسـاك ، ثـم زيـادتـــه بأمر الأمهات ألاَّ يرضعن فيه الأطفال، وبقول ابن مسعود الثابت في مسلم: "لما فُرِضَ رمضان ترك عاشوراء "، مع العلم بأنه ما ترك استحبابه، بل هو باق، فدل على أن المتروك وجوبه"(16).
فكما كان واجباً أولاً فهو الآن مستحب غير واجب، كما نقل ابن عبد الـبـر الإجمـاع على هذا(17).
واسـتـحـبـابه متأكد يدل عليه قول ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ: "ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يـتـحـــرى صـيـام يـوم فـضَّـله على غيره إلا هذا اليوم يوم عاشوراء، وهذا الشهر، يعني: شهر رمضان"(18).
قال ابن حجر: "وأما قول بعضهم: المتروك تأكد استحبابه، والباقي مطلق استحبابه.. فلا يخـفـى ضـعـفــه، بل تأكُّد استحبابه باقٍ، ولا سيما مع استمرار الاهتمام به حتى في عام وفاته صلى الله عليه وسلم؛ حيث يقول: "لئن عشت لأصومن التاسع والعاشر"، ولترغيبه في صومه وأنه يكفِّر سنة، وأي تأكيد أبلغ من هذا؟!"(19).
ولا يشوِّش على هذا ما روي من أن ابن عمر كان لا يصومه إلا أن يوافق صيامه(20)، وأنه كان يكره إفراده بالــصــوم، فـهــــو اجتهاد منه لا تُعارَض به الأحاديث الصحيحة، وقد انقرض القول بذلك(21).
الحالة الرابعة: الأمر بمخالفة اليهود في صيام عاشوراء : كان النبي صلى الله علـيـه وسلم يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشيء"(22)، حتى أُمر بمخالفتهم، ونُهي عن موافقتهم، فعزم على أن لا يصوم عاشوراء مفرداً، فكانت مخالفته لهم في ترك إفراد عاشوراء بالصوم.
ويشهد لذلك أحاديث منها: عـــــن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: حين صام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عــاشــــوراء، وأمــــر بصيامه، قالوا: إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فــإذا كــان العام المقبل ـ إن شاء الله ـ صمنا الـيـوم الـتـاســع". قال: فلم يأت العام المقبل حتى توفي رســـول الله صلى الله عليه وسلم(23)، والمراد: أنـه عزم على صوم التاسع مع العاشر. يشهد لذلك قـول ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ: "أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بصـوم عاشوراء يـوم العاشر"(24)، وقوله: "خالفوا اليهود، وصوموا التاسع والعاشر"(25)،
وعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بصيام عاشوراء يوم العاشر(26).
أما جواب ابن عباس لمن سأله عن صيام عاشوراء، فقال: "إذا رأيت هلال المحرم فاعدد، وأصبِحْ يوم التاسع صائماً"(27)، فلا إشكال فيه.
قال ابن القيم: "فمن تأمل مجموع روايات ابن عباس تبين له زوال الإشكال وسعة علم ابن عباس؛ فإنه لم يجعل عاشوراء هو اليوم التاسع ، بل قال للسائل: صم اليوم التاسع، واكتفى بمعرفة السائل أن يوم عاشوراء هو اليوم العاشــــــر الذي يعده الناس كلهم يوم عاشوراء ، فأرشد السائل إلى صيام التاسع معه"(28).
وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صوموا يوم عاشوراء، وخالفوا فـيــه اليهود، وصوموا قبله يوماً أو بعده يوماً"(29). وعلى صحة هذا الحديث فإن من لم يصم الـتـاسـع فإنه يصوم الحادي عشر؛ لتتحقق له مخالفة اليهود في عدم إفراد عاشوراء بالصوم.
أما رواية: "صوموا يوماً قبله، ويوماً بعده" فهي ضعيفة(30).
وعــن أبي موسى ـ رضي الله عنه ـ قال: كان يوم عاشوراء يوماً تعظمه اليهود، وتـتـخـذه عيداً، فقال رسـول الله صلى الله عليه وسلم: "فصوموه أنتم"(31).
قال ابن رجب: "وهــذا يـدل على النهي عــن اتخاذه عيداً، وعلى استحباب صيام أعياد المشركين؛ فإن الصوم ينافي اتخاذه عيداً، فيوافقون في صيامه مع صيام يوم آخر معه... فإن في ذلك مخالفة لهم في كيفية صيامه أيضاً، فــلا يـبـقـى فــيـه مـوافــقــة لـهـم فـي شـيء بالكلية"(32).
ثالثاً: كيفية مخالفة اليهود في صوم يوم عاشوراء
يـظـهـر مما تقدم من الأحاديث ـ والله أعلم ـ أن الأكمل هو صوم التاسع والعاشر؛ لأنه هو الذي عزم على فعله النبي صلى الله عليه وسلم.
ومن صحـح حديث: "وصوموا قبله يومًا، أو بعده يومًا" فإنه قال بمشروعية صيام الحادي عشر لمن لـم يصم التاسع، لتحصل له مخالفة اليهود التي قصد إليها النبي صلى الله عليه وسلم؛ خاصـــــة أن من أهل العلم من يرى كراهية إفراد العاشر بالصوم؛ لما فيه من موافقة اليهود ومخالفة الأمر بمخالفتهم، وأيضًا خشية فوات العاشر(33).
ومن أهل العلم مـن قــــال بأفـضـلـية صوم الثلاثة أيام: التاسع والحادي عشر مع العاشر، وحجتهم الرواية المتقدمــــة: "صومــوا يومًا قبله، ويومًا بعده"، وأيضًا: الاحتياط لإدراك العاشر، ولأنه أبلغ في مخالفة اليهود(34).
رابعاً: أعمال الناس في عاشوراء في ميزان الشرع
الناظر في حال الناس اليوم يرى أنهم يخصصون عاشوراء بأمور عـديـدة. ومن خلال سؤال عدد من الناس من بلدان عدة تبين أن من الأعمال المنتشرة التي يحــرص عليها الناس في عاشوراء: الصيام ـ وقد عرفنا مشروعيته ـ.
ومنها: إحـيـاء لـيـلــة عـاشــوراء، والحرص على التكلف في الطعام، والذبح عموماً لأجل اللحم، وإظهار البهجة والـســــرور، ومنها: ما يقع في بلدان كثيرة من المآتم المشتملة على طقوس معينة مما يفعله الروافض وغيرهم.
وحتى نعرف مدى شرعية تلك الأعـمــال فتكون مقربة إلى الله، أو عدم مشروعيتها لتصير بدعاً ومحدثات تُبعِد العبد عن الله؛ فإنــه لا بد أن نعلم جيداً أن للعمل المقبول عند الله ـ تعالى ـ شروطاً مـنـهـا: أن يـكـــون الـعـامـــل متابعاً ـ في عمله ـ رسول الله صلى الله عليه وسلم(35).
وإذا نظرنا في أفعال الناس في عاشوراء ـ سواء ما كان منها في الحاضر أو الماضي أو الماضي القريب(36) ـ رأينا أنها على صور عدة:
أ - مـا كــان مـنـها في باب العبادات؛ حيث خصوا هذا اليوم ببعض العبادات كقيام ليلة عاشوراء، وزيارة الـقـبـور فيه، والصدقة، وتقديم الزكاة أو تأخيرها عن وقتها لتقع في يوم عاشوراء، وقراءة سورة فيها ذكر موسى فجر يوم عاشوراء ... فهذه ونحوها وقعت المخالفة فيها في سبب العمل وهو تخصيصه بوقت لم يخصه الشارع بهذه الأعمال، ولو أراده لحثَّ عليه، كما حث عـلـى الـصـيـام فـيــــه، فيُمنع من فعلها بهذا التقييد الزمني، وإن كانت مشروعة في أصلها.
ولأن باب الـبـدع لا يـقــف عـنــد حدّ فإن البدع في العبادات قد تنال كيفية العبادة، كما اختلقوا حديثاً موضوعاً مكذوباً في صلاة أربع ركعات ليلة عاشوراء ويومها، يقرأ فيها ((قل هو الله أحد)) [الإخلاص: 1] إحـدى وخمـسـين مرة(37)، وخرافة رقية عاشوراء، ونعي الحسين ـ رضي الله عنه ـ على المنابر يوم الجـمــعـة(38)، وكالـمـنكرات المصاحبة لزيارة القبور.
ب - ما كـان مـن بـاب العادات التي تـمـــــارس في عاشوراء تشبيهاً له بالعيد، ومن ذلك:
الاغتسال ، والاكتحال ، واستعمال البخور ، والتوسع في المآكل والمشارب ، وطحن الحبوب ، وطبخ الطعام المخصوص ، والـذبح لأجل اللحم ، وإظهار البهجة والسرور.
ومنها عادات لا تخلو من منكرات قبيحة.
وهــــذه فـي أصـلـهــا نشأت وظهرت رد فعل لمآتم الرافضة التي يقيمونها حزناً على مقتل الحسين ـ رضي الله عنه ـ فكان من الناصبة(39) أن أظهروا الشماتة والفرح، وابتدعوا فيه أشياء ليست من الدين، فوقعوا فـي التشبه باليهود الذين يتخذونه عيداً ـ كما تقدم ـ(40).
وأما ما روي من الأحاديث في فضل الـتـوســعة على العيال في عاشوراء فإن طرقها ضعيفة، وهي وإن رأى بعض العلماء أنها قوية فإن ضـعـفـها لا ينجبر، ولا ينهض لدرجة الحسن.
أما الاغتسال والاكتحال والاختضاب فلم يثبت فـيــه شيء البتة(41)، ولمَّا أشار ابن تيمية إلى ما روي من الأحاديث في فضل عاشوراء قال: "وكــــل هذا كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم يصح في عاشوراء إلا فضل صيامه"(42).
وبذلك تعرف أن الشرع لم يخص عاشوراء بعمل غير الصيام، وهذا منهج الرسول صلى الله عـلـيـــه وسلم، ((لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ والْيَوْمَ الآخِرَ وذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً)) سورة الأحزاب آية رقم (12).
وكم فات علـى أولـئـك المنشغلين بتلك البدع من اتِّباع النبي صلى الله عليه وسلم والعمل بسنته!
ج - مآتم الشيعة الرافضة والباطنية):أما بالنسبة لمآتم الشيعة فإنه لا نزاع في فضل الحسين ـ رضـي الله عنه ـ ومناقبه؛ فهو من علماء الصحابة، ومن سادات المسلمين في الدنيا والآخـــرة الذين عرفوا بالعبادة والشجاعة والسخاء ...، وابن بنت أشرف الخلق صلى الله عليه وسلم، والتي هي أفـضـل بناته، وما وقـــع من قتله فأمر منكر شنيع محزن لكل مسلم، وقد انتقم الله ـ عز وجل ـ مـن قـتـلـتـه فأهانهم في الدنيا وجعلهم عبرة، فأصابتهم العاهات والفتن، وقلَّ من نجا منهم.
والذي ينبغي عنــد ذكـر مصيبة الحسين وأمثالهـــا هــو الصبر والرضى بقضاء الله وقدره، وأنـه ـ تعالى ـ يختار لعبده ما هو خير، ثم احتساب أجرها عند الله ـ تعالى ـ.
ولكن لا يحسن أبداً ما يفعله الشيعة من إظهار الجزع والحزن الذي يُلحَظُ التصنع والتكلف في أكثره، وقد كان أبوه عليٌّ أفضل منه وقُتل، ولم يتخذوا مـوته مأتماً، وقتل عثمان وعمـر ومات أبو بـكـر ـ رضي الله عنهم ـ، وكلهم أفضل منه .. ومات سيد الخلق صلى الله عليه وسلم، ولم يقع في يوم موته ما هو حاصـــل فـي مقتل الحسين. وليس اتخاذ المآتم من دين المسلمين أصلاً، بل هو أشبه بفعل أهل الجاهلية(43).
قال ابن رجــب عن يوم عاشوراء: "وأما اتخــاذه مأتماً كما تفعله الرافضــة؛ لأجــل قتل الحسين بن علي ـ رضي الله عنهما ـ فيه .. فـهــو من عمل من ضل سعيه في الحياة الدنيا وهو يحسب أنه يحسن صنعاً، ولم يأمر الله ولا رسوله باتخاذ أيام مصائب الأنبياء وموتهم مأتماً، فكيف بمن دونهم؟"(44).
ولقد كانت بعض تصرفات الرافضة في مآتمهم موضع انتقاد من بعض علمائهم، مع إصرار الجميع على المآتم والحزن.
ففي مقابلة مع أحد مراجعهم(45). سئل : "هناك أيضاً قضية عاشوراء التي لا تحبذها؟" فأجـاب: "عاشـــــوراء لا بـد أن تتحرك مع الخط العاطفي، ولكن لا أوافق على الاحتفال بعاشوراء بطريقة ضرب الرؤوس بالـسـيوف ، وجلد الأجساد بالسلاسل الحديدية ، وأنا قد حرمت هذا ". ثم طالب بأساليب للتعبير عـن العاطفة أكثر (عصرية) ، وذكر منها استخدام المسرح، حتى يكون لعاشوراء امتداد في العالم!(46).
والملاحظ أن مآتم الرافضة في عاشوراء لم تـرتـبــط بأصل إسلامي من قريب أو بعيد؛ إذ لا علاقة لها بنجاة موسى ، ولا بصيام النبي - صلى الله عـلـيــه وسلم - ، بل الواقع أنهم حولوا المناسبة إلى اتجاه آخر ، وهذا من جنس تبديل دين الله ـ عز وجل ـ.
خامسًا: وقفات وفوائد
1 - حين يعظم الكفار بعض الشعائر: تقدم في حديث عائشة الصحيح أن قريشاً كانت تصوم عاشوراء في الجاهلية، وعنها قالت: كانوا يصومون عاشوراء قبل أن يفرض رمضان، وكان يوماً تُسْتَرُ فيه الكعبة..." (47) ، وقد قيل في سبب صيامهم أنهم أذنبوا ذنباً فعظم في صدورهم،فقيل لهم: صوموا عاشوراء(48) ، وقيل : أصابهم قحط، ثم رفع عنهم، فصاموه شكراً(49)،و"لعلهم تلقوه من الشرع السالف ، ولهذا كانوا يعظمونه بكسوة الكعبة، وغير ذلك"(50).
وأياً كان الحامل لهم على ذلك فإنه ليس غريباً بقاء أثارة من تدين عند الكفرة والمشركين، وهــذا ـ غـالـبـاً ـ هو حال المبدلين شرع الله. ولكن وجود شيء من ذلك لا يعني استحسان حالهم العامة بإطلاق مع بقائهم على الشــرك والكفــــر؛ لأن مــيزان التفضيل هــو التـزام الديــن قلباً وقالباً عــن رضـىً وقبـــول ـ كما أراده الله ـ، لا تجزئة الدين والإيمان ببعض الكتاب والكفر ببـعـض، ولا التعلق بمجرد شعائر خالية من اليقين والإيمان الخالص الذي هو دليل الشكر الصادق ، وسبب التكفير والمغفرة ـ لمن سعى لذلك ـ.
يقول الله ـ عز وجـــل ـ : ( مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنفُسِهِم بِالْكُفْرِ أُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْـمَــالُهُمْ وفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ (17) إنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ والْيَوْمِ الآخِرِ وأَقَامَ الصَّلاةَ وآتَى الزَّكَاةَ ولَمْ يَخْشَ إلاَّ اللَّهَ فَعَسَى أُوْلَئَكَ أَن يَكُونُوا مِنَ المُهْتَدِينَ ) سورةالتوبة آية رقم (17-18)
وهكذا الحال بالنسبة لبعض المنتسبين لهذه الأمة في التزامهم بعض شعائر الإسلام وتركهم كـثـيـراً مـنها؛ فذلك شبه باليهود الذين أنكر الله عليهم بقوله : ( أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الكِتَابِ وتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَـمَـــــــا جَزَاءُ مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إلاَّ خِزْيٌ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا ويَوْمَ القِيَامَةِ يُرَدُّونَ إلَى أَشَدِّ العَذَابِ ومَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ) سورة البقرة آية رقم (85). كـحـــال من يكتفي من الإسلام بصيام رمضان، أو الإحسان إلى الناس مثلاً، مع فساد المعتقد، أو إهمال الصلوات، أو الركون إلى الكفرة وتوليهم.
2 - مخالفة أهل الكتاب من أعظم مقاصد الشريعة(51)
مخـالـفـة الكفار من أبرز مظاهر تحقيق البراء من الكافرين الذي لا يتم الإيمان إلا به، وقد شدد الـشــارع على المتشبهين بهم، حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من تشبه بقوم فهو منهم"(52) ، وقد ذكر ابن تيمية أن هذا أقل أحواله التحريم، وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبه بهم(53(.
وفي ترك إفراد عاشوراء بالصوم درس عظيم، فإنه مع فضل صوم ذلك اليوم، وحث النبي صلى الله عليه وسلم على صومه، وكونه كفارة سنة ماضية.. إلا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بمخالفة اليهود فيه ، وعزم على ضم التاسع إليه، فوقعت المخالفة في صفة ذلك العمل، مع أن صوم عاشوراء مشروع في الشريعتين، أو أنه مشروع لنا وهم يفعلونه، فكيف بما كان دون ذلك من المباح أو المحــرم وما كان مـن شعائر دينهم؟! لا شك أن في ذلك من المفاسد ما لا يظهر أكثره لأكثر الخلق(54).
أما اقتصار النبي - صلى الله عليه وسلم - على صوم عاشوراء أولاً فقد كان قبل أن يؤمر بمخالفة أهل الكتاب ، وقد كان قبل ذلك يحب موافقتهم فيما لم يؤمر فيه بشيء(55) ، واحتمل أن يـكـون صومه " استئلافاً لليهود كما استألفهم باستقبال قبلتهم ، وعلى كل حال فلم يصمه اقتداءاً بهم؛ فإنه كان يصومه قبل ذلك"(56).
والإسلام منهج وسط في الاتباع ، حاديه دائماً الحق المجرد ؛ ففعل المشركين لِحَقٍّ لا يسوِّغ ترك هذا الحق بدعــــوى مخـالـفـتهم ، كما أن فعلهم لباطل لا يسوِّغ متابعتهم فيه بدعوى موافقتهم لتأليف قلوبهم ، وعليه : تـنـتـفــي الدوافع المتوهمة للإعجاب بحال أي مبطل أو متابعته في باطله أو ترك حق لأنه فعله ؛ إذ مـقــيـاس قـبــول الأحوال توافقها مع الشرع، وميزان المخالفة ما كان مــن خصائص مِلَّتهـم وشعائــر دينهــم ، وبين هــذا وهــذا درجات لا مجال لتفصيلها.
3 - حقيقة الانتماء:
علَّل الـيـهـود صيامهم عاشوراء بمتابعتهم موسى \ حين صامه شكراً لله على إنجائه له من فرعون. وهاهنا أمران:
أولهما: هل يكفي صيامهم عاشوراء برهاناً للمتابعة وسبباً للأولوية بموسى؟
وثانيهما: هل وقع لهم ما أرادوا من موافقة عاشر المحرم (عاشوراء) فعلاً؟
أما الأول : فـلا يكفي صومهم عاشوراء أن يقوم دليلاً لكونهم أوْلى بموسى ؟ أبداً ؛ إذ الحكم في ذلك بحسب تمام المتابعة والتزام الـمـنـهــــج ، قال الله ـ عز وجل ـ : ( إنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِـإبْـرَاهِـيـمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وهَذَا النَّبِيُّ والَّذِينَ آمَنُوا واللَّهُ ولِيُّ المُؤْمِنِينَ ) سورة آل عمران آية رقم ( 68).
ولـذا كان نبـي هذه الأمة صلى الله عليه وسلم وأتباعه أوْلى بنبي الله موسى ـ عليه الصلاة والسلام ـ من الأمة الغضبية، فقال: "نحن أحق وأوْلى بموسى منكم " (57).
وهـكذا تتوحــد المشاعر، وترتبط القلوب مع طول العهد الزماني ، والتباعد المكاني ، فيكون الـمــؤمنون حزباً واحداً هو حزب الله ـ عز وجل ـ ؛ فهم أمة واحـــدة ، مــن وراء الأجيال والقرون ، ومـن وراء المكان والأوطان.. لا يحول دون الانتماء إليها أصل الإنسان أو لونه أو لغته أو طـبـقــتــه.. إنما هو شرط واحد لا يتبدل ، وهو تحقيق الإيمان ، فإذا ما وجد كان صاحبه هو الأوْلى والأحق بالولاية دون القريب ممن افتقد الشرط ؛ ولذا استحقت هذه الأمة ولاية موســـى دون اليهود المغضوب عليهم. ( إنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ ) سورة الأنبياء آية رقم (29).
وأما الثاني : وهـو: هل وافـقـــوا صيام عاشوراء فعلاً؟ ـ فقد ذكر بعض أهل العلم(58) أن حساب اليهود كان بالسنة الشمسية، والمحــرم شهر هلالي لا شمسي، وهذا يوقع الشك في إصابة اليهود يوم عاشوراء، أما المسلمون فحسابـهـم بالأشـهــر الـهـلالـيـة فـأصابوا تعيين عاشوراء، وإذا ظهر خطأ اليهود تبينت أولوية المسلمين من هذا الوجه أيضاً.
ويشـبه هـذا ضلال أهل الكتاب عن يوم الجمعة، فاختار اليهود السبت، واختار النصارى الأحد، وهُدي المسلمون ليوم الجمعة.
عبادة الله أبلغ الشكر
كانت نجاة موسى ـ عليه الصلاة والـسـلام ـ وقـومــه من فرعون.. منَّة كبرى أعقبها موسى بصيام ذلك اليوم ، فكان بذلك ـ وغيره من العبادات ـ شــاكــرًا لله ـ تعالى ـ؛ إذ الـعـمــل الـصـالـح شـكر لله كـبـيـر، قــال ربـنــا ـ عز وجل ـ : ( اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ) سورة سبأ آية رقم (31) ، وأساس الـشـكــر مبني على خمس قواعد: الخضوع للمنعم، وحبه، والاعتراف بنعمته ، والثناء عليه بها ، وألا تصرف النعمة فيما يكرهه المنعم(59).
"والبشر مهما بالغوا في الشكر قاصرون عن الوفــاء ، فكيف إذا قصّروا وغفلوا عن الشكر من الأساس "؟! (60).
ويـجـب التنبه إلـى أن أمر العبادة قائم على الاتباع، فلا يجوز إحداث عبادات لم تشرع، كما لا يجوز تـخـصـيـص عـاشــوراء ولا غيره من الأزمان الفاضلة بعبادات لم ينص عليها الشـارع في ذلك الزمـن.
أما الأنبياء ـ عليهم الصلاة والسلام ـ فعباداتهم شرع معصوم مبني على وحي الله ـ عز وجل ـ إليهم.
ثم اقتفاء آثار الأنبياء وتحقيق الاهتداء بهديهم والاجتهاد في تطبيق سنتهم هو الشكر بعينه.
5 - في التعويد على الخير تثبيت عليه:
بـلـغ بالـصـحـابـة الحرص على تعويد صغارهم الصيام أن احتالوا عليهم في تمرينهم عليه حتى يُتِمُّوه ، فصنعوا لهم اللعب يتلهون بها عن طلب الطعام ، ـ كما تقدم في حديث الربيِّع ـ ؛ وذلك لكون تعـويـد الـصغير على فعل الخير مكمن قوة في استقامته عليه في الكبر ؛ لأنه يصير هيئة راسخة في نفــسه تعسر زعزعتها.. واليوم لدينا من وسائل التلهية المباحة بقدر ما لدينا من أصناف الطعام وأشـكـالـه ، وإذا اقتنع المربي بواجبه التربوي لم تُعْيِه الحيلة ؛ فإن الحاجة تفتق الحيلة(61).
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

الهوامش:

(1) رواه مسلم، ح/ 1163. (2) البخاري، ح/2004، ومسلم، ح/11330، واللفظ له .
(3) فتح الباري: 4/291 . (4) رواه مسلم، ح: 1162 .
(5) رواه البزار، انظر: مختصر زوائد البزار 1/407، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب: 1/422 .
(6) فضائل الأوقات، للبيهقي: 439.
(7) رواه ابن حبان: 8/394، ح/3631. قال شعيب الأرناؤوط: إسناده على شرط مسلم.
(8) رواه البخاري، ح/2006، ولا يعني هذا تفضيله على يوم عرفة، فإنه يكفر سنتين، ويتميز بمزيد فضل لما يقع فيه من العبادات والمغفرة والعتق، ثم إنه محفوف بالأشهر الحرم قبله وبعده، وصومه من خصائص شرعنا، بخلاف عاشوراء، فضوعف ببركات المصطفى صلى الله عليه وسلم. (انظر: بدائع الفوائد: 4/211، والفتح: 4/292، ومواهب الجليل 2/403).
(9) لطائف المعارف، لابن رجب: 110، وأخرج أثر الزهري البيهقي في الشعب: 3/367.
(10) انظر: اللطائف: 102 ـ 109. (11) انظر: الفتح: 4/289.
(12) رواه مسلم، ح: 1125، واللفظ له، والبخاري، ح:2002.
(13) رواه مسلم: ح 1136، 2/798 . (14) كالبيهقي، في فضائل الأوقات: 444، 445.
(15) رواه البخاري: ح/2003، الفتح: 4/287. (16) الفتح: 4/290. وانظر: زاد المعاد: 2/71،72.
(17) انظر: التمهيد: 7/203، 22/148. (18) رواه البخاري: ح: 2006، الفتح:4/287.
(19) الفتح: 4/290. (20) البخاري: ح/1892، الفتح4/123، ومسلم: ح/1126.
(21) انظر: الفتح: 4/289. (22) كما صح عن ابن عباس في البخاري: ح 5917. وانظر مبحثاً مفيداً في المسألة في اقتضاء الصراط المستقيم: 1/466 ـ 472.
(23) رواه مسلم، ح/1134 .
(24) أخرجه الترمذي3/128،، ح/755، وقال: حسن صحيح. وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي ح/603، وانظر: صحيح الجامع، ح/3968.
(25) أخرجه عبد الرزاق (7839)، والبيهقي (4/287)، من طريق ابن جريج عن عطاء. وهذا إسناد صحيح.
(26) أخرجه البزار، انظر: مختصر زوائد البزار، لابن حجر: 1/406، ح 672، وقال الحافظ: إسناده صحيح.
(27) رواه مسلم: 1133. (28) زاد المعاد: 2/ 75 ـ 76.
(29) المسند: 1/241. وقال شاكر: إسناده صحيح. واحتج به من أهل العلم: الحافظ في الفتح (4/289)، وابن القيم في الزاد (2/76)، وغيرهما. وضعف إسناده محققا المسند، وقالا: "إسناده ضعيف .ابن أبي ليلى ـ واسمه محمد بن عبد الرحمن ـ: سيئ الحفظ، وداود ابن علي ـ وهو ابن عبد الله بن عباس الهاشمي ـ روى عنه جمع، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال: يخطئ، وقال الإمام الذهبي: وليس حديثه بحجة"، ثم خرجاه من مصادره، وبينا أن الثابت عن ابن عباس موقوفًا هو بلفظ: "صوموا التاسع والعاشر وخالفوا اليهود". انظر المسند ح/ 2154، 3213 (4/52، 5/280).
(30) ذكر هذا اللفظ: الهيثمي في مجمع الزوائد: 3/188، وقال: "رواه أحمد والبزار، وفيه محمد بن أبي ليلى، وفيه كلام" وذكره المجد ابن تيمية في المنتقى، وعزاه لأحمد، قال الشوكاني في نيل الأوطار: 4/330: "رواية أحمد هذه ضعيفة منكرة، من طريق داود بن علي، عن أبيه، عن جده، رواها عنه: ابن أبي ليلى". وذكره ابن رجب في لطائف المعارف: 108. والذي وقفت عليه في المسند هو اللفظ المتقدم، ـ وهو بـ (أو) وليس بالواو ـ، وقد ضعف الرواية التي بالواو الألباني في ضعيف الجامع، ح/ 3506، وذكرها محتجًا بها الشيخ ابن باز، انظر: فتاوى إسلامية: 2/169.
(31) رواه مسلم، ح: 1131، 1/796. (32) لطائف المعارف: 112.
(33) وهو المشهور عن ابن عباس ومقتضى كلام أحمد، ومذهب الحنفية. انظر: اقتضاء الصراط المستقيم، 1/470 ـ 471، ورد المحتار، لابن عابدين 3/336 ـ 337.
(34) بل إن الحافظ ابن حجر (الفتح4/289) وابن القيم (الزاد2/72) جعلا المراتب ثلاثة، أفضلها صيام الثلاثة الأيام، يليها صوم التاسع والعاشر، والثالثة صوم العاشر وحده. وانظر: المغني، لابن قدامة 4/441، ولطائف المعارف، ص 109.
(35) ويتحقق الاتباع بموافقة العمل هدي النبي صلى الله عليه وسلم في ستة أمور:
أ - كون سبب العمل مشروعاً، فالتهجد في ليالي معينة كليلة عاشوراء دون غيرها.. سببه غير مشروع؛ لأنه لم يرد في تخصيصها به نص شرعي.
ب - الجنس؛ فالتضحية بفرس غير مقبولة؛ لأنها لم تشرع.
ج - القدر أو العدد، فإذا صلى المغرب أربعاً لم تصح؛ لمخالفة الشرع في العدد.
د - الكيفية، فإذا توضأ وضوءاً منكساً لم يُقبل.
هـ - الزمان، فلو ضحى في شعبان لما صحت منه.
و - المكان، فلو اعتكف في بيته لما صح منه ذلك؛ لمخالفة الشرع في المكان.
(انظر: الإبداع في بيان كمال الشرع وخطر الابتداع، لابن عثيمين: 21-22).
(36) انظر في بدع عاشوراء: المدخل، لابن الحاج: 1/208، 209، وتنبيه الغافلين، لابن النحاس: 303، والإبداع في مضار الابتداع، لعلي محفوظ: 268-272، والسنن والمبتدعات، للشقيري: 118-121، وردع الأنام من محدثات عاشر المحرم الحرام، لأبي الطيب عطاء الله ضيف . وانظر: معجم البدع، لرائد بن أبي علفة: 391 ـ 395.
(37) انظر: الإبداع ، لعلي محفوظ: 270. (38)انظر: السنن والمبتدعات، للشقيري: 120.
(39) هم الذين يناصبون آل البيت العداء، في مقابل الرافضة الذين غلوا فيهم.
(40) انظر: اقتضاء الصراط المستقيم: 2/129 ـ 134، وانظر: اللطائف: 112، وشعب الإيمان: 3/367، وضعيف الجامع، ح/5873. (41) انظر: السابق.
(42) منهاج السنة النبوية 7/39، وانظر: مواهب الجليل 2/403 ـ 444.
(43) انظر: البداية والنهاية، لابن كثير: 8/201 ـ 203، والفتاوى، لشيخ الإسلام ابن تيمية: 25/307 ـ 314، واقتضاء الصراط المستقيـم: 2/129-131.
(44) لطائف المعارف: 113. (45) وهو محمد حسين فضل الله.
(46) صحيفة: الخليج، العدد 7224، الأحد 12/11/1419هـ .
(47) رواه البخاري، ح: 1592، الفتح:3/531. (48) انظر: الفتح: 4/289.
(49) انظر: الفتح: 7/184. (50) الفتح: 4/289.
(51) انظر: اقتضاء الصراط المستقيم: 1/199 وما بعدها .
(52) رواه أبو داود: ح/ 4031، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، ح: 341 .
(53) انظر: اقتضاء الصراط المستقيم: 1/270. (54) انظر: السابق: 1/284، 474، 92 ـ 94 .
(55) صحيح البخاري، ح/ 5917، موقوفًا على ابن عباس ـ وتقدم ـ.
(56) الفتح: 4/291، وانظر: 288. (57) هذا لفظ مسلم: ح/1130.
(58) انظر: اللطائف: 109، والزاد: 2/69،70، والفتح: 4/291.
(59) انظر مدارج السالكين: 2/254. (60) في ظلال القرآن، لسيد قطب (5/2899 )
(61) كما تقول العرب. ومعنى المثل: أن شعور الإنسان بحاجته لشيء يولد له الحيلة والطريقة التي توصله إلى حاجته

محمد الشايع 20-01-2007 10:22 PM

رد : عاشوراء.. أحكام وفوائد
 
أخوي أبن رشد الصغير


جزاك الله خير

ونفع بعلمك




شكراً على الموضوع



تحياتي

ناصر بن سفران القحطاني 20-01-2007 10:24 PM

رد : عاشوراء.. أحكام وفوائد
 
بيض الله وجهك دنيا واخره

ابو سعد القحطاني 21-01-2007 12:14 AM

رد : عاشوراء.. أحكام وفوائد
 
بسم الله الرحمن الرحيم
اخي الحبيب مشرفنا ابن رشد
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بارك الله فيك على هذا البحث الرائع وجعلها الله في ميزان حسناتك .




فداك نفسي وابي وامي وقبيلتي والناس اجمعين يارسول الله
اخوك ابومصعب

عبدالله بن غفره 21-01-2007 12:25 AM

رد : عاشوراء.. أحكام وفوائد
 
بحث رائع وقيم


والف شكر لك على الجهد الكبير والمميز


وجعل الله هذا العمل في موازين حسناتك

ويحق لنا ان نفخر بوجدك وبوجود الأشخاص أمثالك في هذا الموقع


جزاك الله عنا كل خير وكثر الله من أمثالك



تحيتي وشوقي الحار إليك

أخووووووك

عبدالله بن غفره

أبو ريم 21-01-2007 07:16 AM

رد : عاشوراء.. أحكام وفوائد
 
بسم الله الرحمن الرحيم
فضل عاشوراء وشهر الله المحرم
إعداد
الشيخ محمد صالح المنجد


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد خاتم الأنبياء وسيد المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
فإن شهر الله المحرّم شهر عظيم مبارك، وهو أول شهور السنّة الهجرية وأحد الأشهر الحُرُم التي قال الله فيها :} إنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّيْنُ القَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيْهِنَّ أَنْفُسَكُمْ { [ التوبة : 36 ]
وعن أبي بكرة رضي الله عنهُ عن النَّبي صلى الله عليه وسلم : "… السنة اثنا عشر شهراً منها أربعة حُرُم : ثلاثة متواليات ذو القعدةِ وذو الحجة والمحرم، ورجب مُضر الذي بين جمادى وشعبان " . [ رواه البخاري 2958 ] والمحرم سمي بذلك لكونه شهراً محرماً وتأكيداً لتحريمه.
وقوله تعالى : } فَلا تَظْلِمُوا فِيْهِنَّ أَنْفُسَكُمْ { أي : في هذه الأشهر المحرمة لأنها آ كد وأبلغ في الإثم من غيرها .
وعن ابن عباس في قوله تعالى :} فَلا تَظْلِمُوا فِيْهِنَّ أَنْفُسَكُمْ { في كلهن ثم اختص من ذلك أربعة أشهر فجعلهن حراماً وعظّم حرماتهن، وجعل الذنب فيهن أعظم، والعمل الصالح والأجر أعظم . وقال قتادة في قوله : } فَلا تَظْلِمُوا فِيْهِنَّ أَنْفُسَكُمْ { إن الظلم في الأشهر الحرم أعظم خطيئة ووزراً من الظلم فيما سواها . وإن كان الظلم على كل حال عظيماً، ولكن الله يعظّم من أمره ما يشاء، وقال : إن الله اصطفى صفايا من خلقه : اصطفى من الملائكة رسلاً ومن الناس رسلاً، واصطفى من الكلام ذكره، واصطفى من الأرض المساجد، واصطفى من الشهور رمضان والأشهر الحرم، واصطفى من الأيام يوم الجمعة، واصطفى من الليالي ليلة القدر، فعظموا ما عظم الله، فإنما تُعظّم الأمور بما عظمها الله به عند أهل الفهم وأهل العقل . [ انتهى ملخّصاً من تفسير ابن كثير رحمه الله : تفسير سورة التوبة آية 36 ] .
________________________________________
فضل الإكثار من صيام النافلة في شهر محرّم
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "أفضل الصّيام بعد رمضان شهرُ الله المحرم". [ رواه مسلم 1982 ] .
قوله : " شهر الله " إضافة الشّهر إلى الله إضافة تعظيم، قال القاري : الظاهر أن المراد جميع شهر المحرّم .
ولكن قد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصم شهراً كاملاً قطّ غير رمضان، فيحمل هذا الحديث على الترغيب في الإكثار من الصّيام في شهر محرم لا صومه كله .
وقد ثبت إكثار النبي صلى الله عليه وسلم من الصوم في شعبان، ولعلّ لم يوح إليه بفضل المحرّم إلا في آخر الحياة قبل التمكّن من صومه .. ( شرح النووي على صحيح مسلم ) .
________________________________________
الله يصطفي ما يشاء من الزمان والمكان
قال العِزُّ بن عبدِ السَّلام رحمه الله : وتفضيل الأماكن والأزمان ضربان : أحدهما : دُنْيويٌّ .. والضرب الثاني : تفضيل ديني راجعٌ إلى أن الله يجود على عباده فيها بتفضيل أجر العاملين، كتفضيل صوم رمضان على صوم سائر الشهور، وكذلك يوم عاشوراء .. ففضلها راجعٌ إلى جود الله وإحسانه إلى عباده فيها .. ( قواعد الأحكام 1/38 ) .
________________________________________
عاشور اء في التاريخ
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء فقال : "ما هذا؟ قالوا: هذا يوم صالح، هذا يوم نجَّى الله بني إسرائيل من عدوهم فصامه موسى، قال : فأنا أحقُّ بموسى منكم، فصامه وأمر بصيامه" . [ رواه البخاري 1865 ] .
قوله : " هذا يوم صالح " في رواية مسلم : " هذا يوم عظيم أنجى الله فيه موسى وقومه وغرّق فرعون وقومه ". قوله: " فصامه موسى " زاد مسلم في روايته: " شكراً لله تعالى فنحن نصومه ". وفي رواية للبخاري : "ونحن نصومه تعظيماً له". ورواه الإمام أحمد بزيادة : "وهو اليوم الذي استوت فيه السفينة على الجودي فصامه نوح شكراً " .
قوله : " وأمر بصيامه " وفي رواية للبخاري أيضاً : "فقال لأصحابه : أنتم أحق بموسى منهم فصوموا " .
وصيام عاشوراء كان معروفاً حتى على أيام الجاهلية قبل البعثة النبويّة، فقد ثبت عن عائشة رضي الله عنها قالت : "إن أهل الجاهلية كانوا يصومونه" .. قال القرطبي : لعل قريشاً كانوا يستندون في صومه إلى شرع من مضى كإبراهيم عليه السّلام . وقد ثبت أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصومه بمكة قبل أن يهاجر إلى المدينة، فلما هاجر إلى المدينة وجد اليهود يحتفلون به فسألهم عن السبب فأجابوه كما تقدم في الحديث، وأمر بمخالفتهم في اتّخاذه عيداً كما جاء في حديث أبي موسى رضي الله عنه قال : "كان يوم عاشوراء تعدُّهُ اليهود عيداً " . وفي رواية مسلم :" كان يوم عاشوراء تعظمه اليهود تتخذه عيداً " وفي رواية له أيضاً: "كان أهل خيبر (اليهود) يتخذونه عيداً، ويلبسون نساءهم فيه حليهم وشارتهم" . قال النبي صلى الله عليه وسلم : "فصوموه أنتم". [ رواه البخاري ] .
وظاهر هذا أن الباعث على الأمر بصومه محبة مخالفة اليهود حتى يصام ما يفطرون فيه؛ لأن يوم العيد لا يصام . [ انتهى ملخصاً من كلام الحافظ ابن حجر رحمه الله في فتح الباري شرح صحيح البخاري ] .
________________________________________
فضل صيام عاشوراء
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : "ما رأيتُ النبي صلى الله عليه وسلم يتحرّى صيام يوم فضله على غيره إلاَّ هذا اليوم يومَ عاشوراء، وهذا الشهر يعني شهر رمضان " [ رواه البخاري 1867]. ومعنى "يتحرى" أي : يقصد صومه لتحصيل ثوابه والرغبة فيه.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : "صيام يوم عاشوراء، إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله " [ رواه مسلم 1976 ] وهذا من فضل الله علينا أن أعطانا بصيام يوم واحد تكفير ذنوب سنة كاملة، والله ذو الفضل العظيم .
________________________________________
أي يوم هو عاشوراء؟!
قال النووي رحمه الله : عاشوراءُ وتاسوعاءُ اسمانِ ممدودان، هذا هو المشهور في كتب اللغة . قال أصحابنا : عاشوراء هو اليوم العاشر من المحرَّم، وتاسوعاء هو التّاسع منه .. وبه قال جُمْهُورُ العلماء… وهو ظاهر الأحاديث ومقتضى إطلاق اللفظ، وهو المعروف عند أهل اللغة. (المجموع ).
وهو اسم إسلامي لا يعرف في الجاهلية ( كشاف القناع ج2 صوم المحرم ) .
وقال ابن قدامة رحمه الله : عاشوراء هو اليوم العاشر من المحرم . وهذا قول سعيد بن المسيب والحسن، لما روى ابنُ عبّاس، قال : "أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بصوم يوم عاشوراء العاشر من المحرم" . [ رواه الترمذي. وقال : حديث حسن صحيح ] .
________________________________________
استحباب صيام تاسوعاء مع عاشوراء
روى عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال : حين صام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء وأمر بصيامه قالوا : يا رسول الله، إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "فإذا كان العام المقبل إن شاء الله صمنا اليوم التاسع" . قال : فلم يأتِ العام المقبل حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم . [ رواه مسلم 1916] .
قال الشافعي وأصحابه وأحمد وإسحاق وآخرون : يستحب صوم التاسع والعاشر جميعاً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم صام العاشر، ونوى صيام التاسع.
وعلى هذا فصيام عاشوراء على مراتب : أدناها أن يصام وحده، وفوقه أن يصام التاسع معه، وكلّما كثر الصيام في محرم كان أفضل وأطيب .
________________________________________
الحكمة من استحباب صيام تاسوعاء
قال النووي رحمه الله : ذكر العلماء من أصحابنا وغيرهم في حكمة استحباب صوم تاسوعاء أوجهاً :
أحدها : أن المراد منه مخالفة اليهود في اقتصارهم على العاشر .
الثاني : أن المراد به وصل يوم عاشوراء بصوم، كما نهى أن يصام يوم الجمعة وحده، ذكرهما الخطابي وآخرون.
الثالث : الاحتياط في صوم العاشر خشية نقص الهلال ووقوع غلطٍ، فيكون التّاسع في العدد هو العاشر في نفس الأمر . انتهى .
وأقوى هذه الأوجه هو مخالفة أهل الكتاب، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : نهى صلى الله عليه وسلم عن التشبه بأهل الكتاب في أحاديث كثيرة مثل قوله في عاشوراء: " لئن عشتُ إلى قابل لأصومنَّ التاسع " . ( الفتاوى الكبرى ج6 سد الذرائع المفضية إلى المحارم ) .
وقال ابن حجر رحمه الله في تعليقه على حديث : "لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع" : ما همّ به من صوم التاسع يحتمل معناه ألا يقتصر عليه بل يضيفه إلى اليوم العاشر إما احتياطاً له وإما مخالفة لليهود والنصارى وهو الأرجح، وبه يُشعر بعض روايات مسلم. ( فتح 4/245 ) .
________________________________________
حكم إفراد عاشوراء بالصيا م
قال شيخ الإسلام : صيام يوم عاشوراء كفّارة سنة ولا يكره إفراده بالصوم .. ( الفتاوى الكبرى ج5 ) . وفي تحفة المحتاج لابن حجر الهيتمي: وعاشوراء لا بأس بإفراده… ( ج3 باب صوم التطوع ) .
________________________________________
يُصا م عاشوراء ولو كان يو م سبت أو جمعة
ورد النهي عن إفراد الجمعة بالصوم، والنهي عن صوم يوم السبت إلا في فريضة ولكن تزول الكراهة إذا صامهما بضم يوم إلى كل منهما أو إذا وافق عادة مشروعة كصوم يوم وإفطار يوم أو نذراً أو قضاءً أو صوماً طلبه الشارع كعرفة وعاشوراء .. ( تحفة المحتاج ج3 باب صوم التطوع – مشكل الآثار ج2 باب صوم يوم السبت ).
وقال البهوتي رحمه الله : ويكره تعمد إفراد يوم السبت بصوم لحديث عبد الله بن بشر عن أخته : " لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم " [ رواه أحمد بإسناد جيد والحاكم وقال : على شرط البخاري ] ولأنه يوم تعظمه اليهود ففي إفراده تشبه بهم .. ( إلا أن يوافق ) يوم الجمعة أو السبت (عادة ) كأن وافق يوم عرفة أو يوم عاشوراء وكان عادته صومهما فلا كراهة؛ لأن العادة لها تأثير في ذلك ( كشاف القناع ج2 باب صوم التطوع ) .
________________________________________
ما العمل إذا اشتبه أول الشهر؟
قال أحمد: فإن اشتبه عليه أول الشهر صام ثلاثة أيام، وإنما يفعل ذلك ليتيقن صوم التاسع والعاشر. ( المغني لابن قدامة ج3 الصيام – صيام عاشوراء ) .
فمن لم يعرف دخول هلال محرّم وأراد الاحتياط للعاشر بنى على إكمال ذي الحجة ثلاثين كما هي القاعدة ثم صام التاسع والعاشر، ومن أراد الاحتياط للتاسع أيضاً صام الثامن والتاسع والعاشر ( فلو كان ذو الحجة ناقصاً يكون قد أصاب تاسوعاء وعاشوراء يقيناً ). وحيث إن صيام عاشوراء مستحب ليس بواجب فلا يؤمر النّاس بتحري هلال شهر محرم كما يؤمرون بتحري هلال رمضان وشوال .
________________________________________
صيا م عاشوراء ماذا يكفّر ؟
قال الإمام النووي رحمه الله : يكفر كل الذنوب الصغائر، وتقديره يغفر ذنوبه كلها إلا الكبائر . ثم قال رحمه الله : صوم يوم عرفة كفّارة سنتين، ويوم عاشوراء كفارة سنة، وإذا وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه… كل واحد من هذه المذكورات صالح للتكفير، فإن وجد ما يكفره من الصغائر كفَّره، وإن لم يصادف صغيرة ولا كبيرة كتبت به حسنات، ورفعت له به درجات وإن صادف كبيرة أو كبائر ولم يصادف صغائر رجونا أن تخفف من الكبائر.(المجموع شرح المهذب ج6 صوم يوم عرفة) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : وتكفير الطّهارة، والصّلاة، وصيام رمضان، وعرفة، وعاشوراء للصّغائر فقط . ( الفتاوى الكبرى ج5 ) .
________________________________________
عدم الاغترار بثواب الصيام
يغتر بعض المغرورين بالاعتماد على مثل صوم يوم عاشوراء أو يوم عرفة، حتى يقول بعضهم : صوم يوم عاشوراء يكفّر ذنوب العام كلها، ويبقى صوم عرفة زيادة في الأجر . قال ابن القيم : لم يدرِ هذا المغتر أن صوم رمضان والصلوات الخمس أعظم وأجل من صيام يوم عرفة ويوم عاشوراء، وهي إنما تكفّر ما بينهما إذا اجتنبت الكبائر، فرمضان إلى رمضان، والجمعة إلى الجمعة لا يقويان على تكفير الصغائر إلا مع انضمام ترك الكبائر إليها، فيقوى مجموع الأمرين على تكفير الصغائر . ومن المغرورين من يظن أن طاعاته أكثر من معاصيه، لأنه لا يحاسب نفسه على سيئاته، ولا يتفقد ذنوبه، وإذا عمل طاعة حفظها واعتد بها، كالذي يستغفر الله بلسانه أو يسبح الله في اليوم مائة مرّة، ثم يغتاب المسلمين ويمزق أعراضهم، ويتكلم بما لا يرضاه الله طول نهاره، فهذا أبداً يتأمّل في فضائل التسبيحات والتهليلات ولا يلتفت إلى ما ورد من عقوبة المغتابين والكذّابين والنمّامين، إلى غير ذلك من آفات اللّسان، وذلك محض غرور . ( الموسوعة الفقهية ج31، غرور ) .
________________________________________
صيام عاشوراء وعليه قضاء من رمضان
اختلف الفقهاء في حكم التطوع بالصّوم قبل قضاء رمضان، فذهب الحنفية إلى جواز التطوّع بالصّوم قبل قضاء رمضان من غير كراهة، لكون القضاء لا يجب على الفور، وذهب المالكيّة والشّافعيّة إلى الجواز مع الكراهة، لما يلزم من تأخير الواجب، قال الدسوقي: يكره التّطوع بالصوم لمن عليه صوم واجب، كالمنذور والقضاء والكفارة، سواء كان صوم التّطوع الذي قدّمه على الصوم الواجب غير مؤكد أو كان مؤكّداً كعاشوراء وتاسع ذي الحجة على الراجح، وذهب الحنابلة إلى حرمة التطوع بالصّوم قبل قضاء رمضان، وعدم صحة التطوع حينئذ ولو اتّسع الوقت للقضاء، ولابد من أن يبدأ بالفرض حتى يقضيه . ( الموسوعة الفقهية ج28: صوم التطوع ) .
فعلى المسلم أن يبادر إلى القضاء بعد رمضان ليتمكن من صيام عرفة وعاشوراء دون حرج، ولو صام عرفة وعاشوراء بنية القضاء من الليل أجزأه ذلك في قضاء الفريضة، و فضل الله عظيم .
________________________________________
بدع عاشوراء
سُئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عمّا يفعله النّاس في يوم عاشوراء من الكحل، والاغتسال، والحنَّاء والمُصافحةِ، وطبخ الحبوب وإظهار السرور، وغير ذلك .. هل لذلك أصلٌ أم لا؟
الجوابُ : الحمد لله رب العالمين، لم يرد في شيء من ذلك حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه، ولا استحبَّ ذلك أحدٌ من أئمة المسلمين لا الأئمة الأربعة ولا غيرهم، ولا روى أهل الكتب المعتمدة في ذلك شيئاً، لا عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا الصّحابة، ولا التابعين، لا صحيحاً ولا ضعيفاً، ولكن روى بعض المتأخرين في ذلك أحاديث مثل ما رووا أن من اكتحل يوم عاشوراء لم يرمد من ذلك العام، ومن اغتسل يوم عاشوراء لم يمرض ذلك العام، وأمثال ذلك .. ورووا في حديث موضوع مكذوبٍ على النبي صلى الله عليه وسلم : ( أنَّهُ من وسَّع على أهله يوم عاشوراء وسَّع الله عليه سائر السنّة). ورواية هذا كله عن النبي صلى الله عليه وسلم كذب .
ثم ذكر رحمه الله ملخصاً لما مرّ بأول هذه الأمة من الفتن والأحداث ومقتل الحسين رضي الله عنه وماذا فعلت الطوائف بسبب ذلك فقال :
فصارت طائفة جاهلة ظالمة : إما ملحدة منافقة، وإما ضالة غاوية، تظهر موالاته وموالاة أهل بيته، تتخذ يوم عاشوراء يوم مأتم وحزن ونياحة، وتظهر فيه شعار الجاهليّة من لطم الخدود، وشق الجيوب، والتَّعزي بعزاء الجاهلية .. وإنشاد قصائد الحزن، ورواية الأخبار التي فيها كذب كثير، والصّدق فيها ليس فيه إلاّ تجديد الحزن، والتعصب، وإثارة الشحناء والحرب، وإلقاء الفتن بين أهل الإسلام، والتّوسل بذلك إلى سبِّ السَّابقين الأولين.. وشرُّ هؤلاء وضررهم على أهل الإسلام لا يحصيه الرّجل الفصيح في الكلام. فعارض هؤلاء قوم إمّا من النّواصب المتعصّبين على الحسين وأهل بيته، وإما من الجُهّال الّذين قابلوا الفاسد بالفاسد، والكذب بالكذب، والشَّرَّ بالشَّرِّ، والبدعة بالبدعة، فوضعوا الآثار في شعائر الفرح والسرور يوم عاشوراء كالاكتحال والاختضاب، وتوسيع النفقات على العيال، وطبخ الأطعمة الخارجة عن العادة، ونحو ذلك مما يفعل في الأعياد والمواسم، فصار هؤلاء يتخذون يوم عاشوراء موسماً كمواسم الأعياد والأفراح، وأولئك يتخذونه مأتماً يقيمون فيه الأحزان والأفراح، وكلا الطائفتين مخطئة خارجة عن السنة .. ( الفتاوى الكبرى لابن تيمية ).
وذكر ابن الحاج رحمه الله من بدع عاشوراء تعمد إخراج الزكاة فيه تأخيراً أو تقديماً، وتخصيصه بذبح الدجاج واستعمال الحنّاء للنساء : ( المدخل ج1 يوم عاشوراء ) .
نسأل الله أن يجعلنا من أهل سنة نبيه الكريم، وأن يحيينا على الإسلام ويميتنا على الإيمان، وأن يوفقنا لما يحب ويرضى. ونسأله أن يُعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته، وأن يتقبل منا ويجعلنا من المتقين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

عبدالله الوهابي 21-01-2007 04:53 PM

رد : عاشوراء.. أحكام وفوائد
 
أخي محمد الشايع جزاك الله خيراً وتعطر موضوعي بمرورك

عبدالله الوهابي 21-01-2007 04:55 PM

رد : عاشوراء.. أحكام وفوائد
 
أخي ناصر ، اللهم آمين ومن يقول
وجعلنا واياك من المتحابين فيه

عبدالله الوهابي 21-01-2007 04:57 PM

رد : عاشوراء.. أحكام وفوائد
 
أخي الحبيب أبو مصعب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
كلما مر الأسم على ذاكرتي تذكرتأيامنا الجميلة التي قضيناها ويجمعنا فيها الحب والاخلاص
فكيف بمرورك وتفضلك أخي الغالي بقرآءة الموضوع
لا هنت

عبدالله الوهابي 21-01-2007 05:01 PM

رد : عاشوراء.. أحكام وفوائد
 
أخي الغالي ابن غفره
جزاك الله خيراً ورفع الله قدرك
وبارك الله في مالك ونفسك وولدك


الساعة الآن 08:14 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق الأدبيه والفكرية محفوظة لشبكة قحطان وعلى من يقتبس من الموقع الأشارة الى المصدر
وجميع المواضيع والمشاركات المطروحه في المجالس لاتمثل على وجه الأساس رأي ووجهة نظر الموقع أو أفراد قبيلة قحطان إنما تمثل وجهة نظر كاتبها .

Copyright ©2003 - 2011, www.qahtaan.com