شبكة قحطان - مجالس قحطان - منتديات قحطان

شبكة قحطان - مجالس قحطان - منتديات قحطان (https://www.qahtaan.com/vb/index.php)
-   مجلس الإسلام والحياة (https://www.qahtaan.com/vb/forumdisplay.php?f=11)
-   -   ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب (https://www.qahtaan.com/vb/showthread.php?t=49935)

المناضل السليماني 24-10-2009 07:24 PM

رد : ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب آآآآآآمل التثبيت
 
خطبة الجمعة : مراقبة الله ..
الخطبة الأولى :
الحمد لله الذي له ملك السماوات والأرض و ما بينهما و إليه المصير.. عالم الغيب و الشهادة و هو الحكيم الخبير..
أشهد أن لا إله إلا الله.. وحده لا شريك له.. بيده الأمر و التدبير..وله الحكم و التقرير.. وهو على كل شيء قدير..
وأشهد أن حبيبنا البشير..وقدوتنا الأثير..وإمامنا الكبير..وبدرنا المنير .. محمدا عبدالله و رسوله.. المبعوث رحمة للعالمين..و الهادي إلى الله بالحجة و الحكمة و البرهان المبين..
اللهم صل عليه و على آله الأكرمين الأطهرين ..وعلى أصحابه الغر الميامين..و على التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين..
أما بعد ........ إخوة الإيمان و العقيدة :
خرج عبدالله بن عمر رضي الله عنهما مع أصحابه في سفر.. فلما حان وقت الغداء.. جلسوا عند ظل شجرة يأكلون..فمر بهم راعي غنم.. شاب, من شباب الإسلام ..قال له ابن عمر..هلمّ إلى الطعام ..فقال الراعي..إني صائم..قال ابن عمر..أفي مثل هذا اليوم الشديد الحر..و أنت بين هذه الشعاب..وخلف هذه الغنم..قال الراعي..أعد ذلك ليوم أشد حر منه.. قال له فبعنا شاةمن غنمك.. ونطعمك من لحمها ما تفطر عليه، ونعطيك ثمنها .. قال الراعي ..أنا لست صاحبها..إنما هي لسيدي و مولاي.. قال ابن عمر ..قل لسيدك أن الشاة أكلها الذئب.. فقال الراعي.. إن قلت له أكلها الذئب وثق بي وصدقني..ولكن أين الله..!.. فبكى ابن عمر.. وعند عودته من سفره..سأل عن سيد الراعي فاشترى منه الراعي و الغنم..فأعتق الراعي و أعطاه الغنم..
نعم أيها المؤمنون.. تعالوا نسأل قلوبنا أين الله.. ونحن نعلم علم اليقين ..أن الله هو الذي خلقنا..و أنعم علينا بالحياة..أين الله..و نحن نعلم أن ما بنا من نعمة فمن الله..أين الله و نحن نعلم أن الله أمرنا بعبادته وبخشيته و تقواه .. أين الله و نحن نعلم أن الله يعلم سرنا و جهرنا و ما تخفي صدورنا ..إن كانت القلوب تعلم أن الله هو الخالق ..وأن الله هو الرازق..و أن الله هو المنعم..و أن الله هو العليم..فكم من حيز يشغله الله في قلوبنا.. ما دور الإيمان في القلوب..و نحن نقرأ القرآن.. نقرأ قوله تبارك و تعالى.. إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا وقوله تعالى وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ..فهل جعلنا من الرقيب رقيبا..هل جعلناه حاضرا.. وهو الحاضر معنا.. وهو المطلع على نوايانا قبل أعمالنا و أقوالنا.. إن معنى المراقبة ..أن يتيقن المؤمن أن الله مطلع عليه..يراه ويسمعه..ويعرف نيته..ولذلك لما سأل جبريل عليه السلام..رسولنا الحبيب صلى الله عليه وسلم عن الإحسان..قال له الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه..فإن لم تكن تراه فإنه يراك.. و ما أجمل الإحسان.. إن لم تصل إلى القرب من الله فتراه في كل أمر..وتراه في كل تعامل..و تراه في كل حين..فلا بد أن تستحضر شعورك و إحساسك أن الله يراك..وأنه يراقب حركاتك و سكناتك..و هو الذي أمرك بالطاعة ..و هو الذي أمرك بكل خير..و نهاك عن كل شر..فاجعله أمامك في كل حين.. أراد أحد المعلمين الصالحين.. أن يربي تلاميذه على مراقبة الله.. أن يزرع في قلوبهم رقابة الخالق..فأعطى كل واحد منهم طائرا..وقال لهم ليذبح كل واحد منكم طائره في مكان لا يراه فيه أحد..وانطلق التلاميذ..ثم عادوا وفي يد كل واحد منهم.. طائره مذبوحا .. إلا واحدا منهم..وقف بين التلاميذ وطائره حي..فقال له المعلم ..لقد ذبح كل تلميذ طائره ..وأتيت بطائرك حيا..قال له يا سيدي.. أمرتنا أن نفتش عن مكان لا يرانا فيه أحد، وما من مكان ذهبت إليه, إلا وكان الله فيه يراني .. حين ينشأ الشباب المؤمن على معية الله..حين تربى الأجيال على الشعور بمرافقة الله.. يختفي الحرام..و تتنزل البركة..و تغيب اللهفة ..و تحضر القناعة.. حين يكون الله حاضرا في قلبي الأبوين..تسعد الأسرة..و يلتمّ شملها.. ويصلح الله أمرها..دنيا و أخرى..حتى في الجنة..الوالد الصالح و الأم التقية..حين يرفعهما الله الدرجة العلية من الجنة ..ويستقر الأبناء في درجة دون درجة الآباء.. يرفع الله الأبناء ليجمعهم مع آبائهم في جنات النعيم..لتأنس الأم.. ويفرح الأب.. و هما في الجنة ..يقولالله عز وجلوَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتبَعَتهُمْ ذريَّتهُمْ بِإِيمَانٍ.. أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذريَّتهُمْ وَمَا أَلَتناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ..أورد الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة قول حبيبنا صلى الله عليه وسلم إِنَّ اللَّهَ يَرْفَعُ ذُرِّيَّةَ الْمُؤْمِنِ مَعَهُ فِى دَرَجَتِهِ فِى الْجَنَّةِ وَإِنْ كَانُوا دُونَهُ فِى الْعَمَلِ.. حين يكون الله حاضرا في قلب المؤمن ..تستقيم الجوارح..فلا يسمع إلا حلالا..و لا ينظر إلا حلالا..و لا يمس إلا حلالا..سمح في بيعه.. سمح في شرائه..طيب في تعامله..صادق في كلامه..يغمر مَن حوله بخيره..فإذا اتسم المجتمع نساء و رجالا..كبارا و صغارا بهذه العقيدة..أن الله مع الجميع .. وأن الله يرى الجميع.. وأنه يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ.. مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ .. وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ.. إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا .. ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ.. إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ..يعلم السر و أخفى.. يعلم خائنة الأعين و ما تخفي الصدور..وهو الذي بيّـن للجميع كل شيء.. فصّـله تفصيلا.. حتى لا يبقى الغافل في غفلته.. و لا يعيش الجاهل في جهله.. فقال تبارك و تعالى.. وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِى أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ..
إياك يا ابن آدم..أن تنسى تحذير الله..إياك يا مؤمن أن تغفل عن معية الله..
إذا أيقن الجميع بمعية الله.. اطمأنت القلوب ..و سعدت الأنفس ..و تفتحت الحياة..و تنزلت الرحمات..و فرحت الأرض و السماوات..
ومع هذه المعية الربانية.. و من رحمته بنا .. فقد أرسل الله معنا شهودا.. من ملائكته الكرام..هم لنا وعلينا.. يكتبون حسناتنا.. يجمعون أعمالنا الصالحة..و كذلك يكتبون سيئاتنا.. وهم لا يفارقونا.. لا بليل و لا في نهار..وأعلمنا الله بذلك.. فقال عز وجل.. وَإِنَّعَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَاماً كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَاتَفْعَلُونَ* وقد أعطاهم الله الحضور الدائم ..و منحهم من علمه بنوايا الإنسان علما.. جاء في الحديث المتفق عليه.. و المتن من صحيح الإمام البخاري ..أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال..يقول الله عز وجل..- يقول للملائكة - إذا أراد عبدي أن يعمل سيئة ..ً فلا تكتبوها عليه حتى يعملها.. فإن عملها فاكتبوها بمثلها.. وإن تركها من أجلي فاكتبوها له حسنة ً.. وإذا أراد أن يعمل حسنة.. فلم يعملها.. فاكتبوها له حسنة فإن عملها فاكتبوها له بعشر أمثالها إلى سبعمائةضعف
وأنما يكتبه الكرام الكاتبون.. سيجده الإنسان أمامه يوم القيامة.. يقول ربنا و خالقنا جل جلاله وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُطَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباًيَلْقَاهُ مَنْشُوراً * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَعَلَيْكَ حَسِيباً..يوم القيامة .. يوم الحسرة و الندامة..على من غفل في دنياه عن أمر الله..يوم يقول أهل المعصية يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا.. فاحذر أيها المؤمن..احذر الله.. و عش في رحابه ..و بمعيته..اجعل الله تجاهك ..اجعله معك في كل حين..ينالك رضوانه دنيا و آخرة..
إذا ما خلوتَ الدهر يومًا فلا تقل
خلوتُ ولكن قل عليّ رقيبُ
ولا تحسبـن الله يغفـل ساعــة
ولا أنّ ما تخفيه عنه يغيبُ
فيا ليت أنّ الله يغفر ما مضى
ويأذنْ لنـا في توبةٍ فنتــوب
اللهم تب علينا واجعلنا من عبادك التوابين..اللهم تب علينا إنك أنت التواب الرحيم..و جد علينا إنك أنت الجواد الكريم..اللهم تب علينا توبة نصوحا.. وافتح علينا من فتوحاتك فتوحا..ونسألك اللهم حسن الفعال ..و صدق المقال.. و سلامة المآل
أقول قولي هذا..و أستغفر الله العظيم الكريم لي و لكم \
الخطبة الثانية :
إن الحمد لله..نحمده حمد الأتقياء الطائعين..و نثني عليه ثناء الشاكرين.. و نسبحه ما لهجت بذكره ألسنة الذاكرين..و نشهد أن لا إله إلا الله..ولي الصالحين..و نشهد أن سيدنا و حبيبنا محمدا رسول الله..المبعوث رحمة للعالمين..صلى الله عليه و على آله و أصحابه و التابعين..وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين
أما بعد.... أيها المؤمنون و المؤمناتُ عبادَ الله ...
إن المؤمن إذا استقر في قلبه أن الله يراه..و أن الله لا تخفى عنه خافية.. و أن الله يعلم ما تخفي الأنفس و تكنّ الصدور.. هذا المؤمن ..لا يغفل عن طاعة الله .. هذا المؤمن يأنس بمعية الله.. هذا المؤمن يخاف الله و يخشاه.. ولذلك ..من وصايا رسول الله صلى الله عليه وسلم لكل مؤمن و مؤمنة ..قوله .. اتق الله حيثما كنت... و هذا منهج الصالحين .. و طريق عباد الله المخلصين..
الربيع بن خيثم رحمه الله..و هو تابعي ورع.. و التابعي هو من عاش مع الصحابة ولم ير النبيء صلى الله عليه و سلم..الربيع بن خثيم قال له الصحابي عبدالله بن مسعود رضي الله عنه : يا ربيع والله لو رآك الرسول صلى الله عليه وسلم لأحبك..كان رحمه الله ..حفر تحت سريره حفرة.. ؛ فإذا وجد في قلبه قسوةً..وفي نفسه لهوة.. و في حضوره مع الله غفلة.. نزل في تلك الحفرة ؛ وكان يمثل نفسه أنه قد مات... وندم على ما فات.. وسأل الله الرجعة ..فكان يقول وهو ممدد في الحفرة : رب ارجعون لعلي اعملُ صالحاً فيما تركت.. فيبقى يردد الآية وهو يبكي.. و يرددها وهو يبكي .. ثم يقوم.. فيقول لنفسه..ها قد رجعت يا ربيع..ها أنت في الدنيا يا ربيع.. فاغتنم أيام عمرك يا ربيع.. وإياك أن تنس الله.. وكن دائم الصلة بالله..
اللهم اجعلنا نخشاك كأننا نراك، وأسعدنا بتقواك، ومتعنا برؤياك، واجمعنا مع نبيك ومصطفاك ..اللهم اغننا بحلالك عن حرامك.. وبطاعتك عن معصيتك..و بفضلك عمن سواك.. اللهم اغفر لنا ما كان في السر والعلن..و عافنا من المعاصي ما ظهر منها و بطن .. و احفظنا و أهلنا و بلدنا من الفتن..واسترنا بحفظك من الأمراض والمحن.. اللهم و أحيينا في الدنيا مؤمنين طائعين..و توفنا على حسن ختام تائبين..واجعلنا ممن يأخذ كتابه باليمين..واكتبنا يوم الفزع الأكبر من الآمنين.. اللهم اغفر لآبائنا و أمهاتنا..و أحيائنا و أمواتنا..واجعلنا من الصالحين.. برحمتك يا أرحم الراحمين..يا أكرم الأكرمين.. يا خالق الخلق أجمعين..يا غياث المستغيثين..يا أنيس الصالحين.. يا جليس الذاكرين..يا مجيب السائلين..نسألك اللهم عزة و رفعة للإسلام و المسلمين..وذلا و خذلا نا لمن يحارب هذا الدين..و نصرا مؤزرا لإخواننا في العراق و في فلسطين..
اللهم أمنا في دورنا ..ووفق إلى الخير و الصلاح ولاة أمورنا..واجعل اللهم بلدنا آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين..و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين..

عايض الفهري ابوبندر 24-10-2009 07:49 PM

رد : ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب آآآآآآمل التثبيت
 
الله يجزاك خير

و يجعل عملك هذى في موازين حساناتك

مع أطيب التحيات

المناضل السليماني 01-11-2009 09:40 AM

رد : ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب آآآآآآمل التثبيت
 
حتى لا نفقد النعم التي ننعم بها
الخطبة الأولى
الحمد لله المتوحد في الجلال بكمال الجمال تعظيماً وتكبيراً، والمتفرد بتصريف الأحوال على التفصيل والإجمال تقديراً وتدبيراً، المتعالي بعظمته ومجده، {تَبَارَكَ ٱلَّذِى نَزَّلَ ٱلْفُرْقَانَ عَلَىٰ عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَـٰلَمِينَ نَذِيراً} [الفرقان:1]. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. صلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، وعن التابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
اخواني ننعم في هذه الأيام بنعم لا تحصى ولا تعد من امن وايمان وصحة في الأبدان ورغد في العيش وإن تعدوا نعت الله لا تحصوها نعم تأتينا من كل مكان ونحن آمنين مطمئنين ونرى مع ذلك منكرات في صفوف الشباب والشابات من ترك وتأخير للصلوات ومن تبرج ومعاكسات ومن قنوات تبث سموم الغرب وفجورهم على ابنائنا وبناتنا
هذه الجمعة بعنوان حتى لا يغير الله علينا هذه النعم
أيها المسلمون: يقولُ اللهُ تعالى في كتابهِ الكريم: وضرب الله مثلاً قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون ولقد جاءهم رسول منهم فكذبوه فأخذهم العذاب وهم ظالمون في هاتين الآيتين الكريمتين، يعرضُ القرآنُ الكريم، مثلاً مضروباً، مُسَاقاً للعظةِ والعبرة، لقريةٍ من القرى كانت تنعمُ بأمنٍ واستقرار، وطمأنينةٍ ورغدٍ من العيش، يأتيها رزقُها من كل مكان، لا يعرفُ أهلُها الجوعَ والخوف، ولا الفاقةَ والحرمان، فهم في أوجِ لذاتِهم، وغايةِ سعادتهِم لكنَّ أهلَ القريةِ المغفلين، ظنوا أنَّ ذلك بسببِ حسبهِم ونسبهِم، ومكانتهِم عند الله تعالى، وأنهم يستحقون ذلك لفضلهِم وتميزهِم عند الناس، فتجرأَ المغفلون، تجرءوا على انتهاكِ محارمِ الله، وتجاوزِ حدودهِ سبحانه، مغترينَ بإمهالِ اللهِ لهم، وصبرِه على انحرافهِم وظلمهِم وبغيهِم، فبدلاً من أنْ يشكروا ربهم، ويعترفوا بإحسانِه إليهِم وتفضلِه عليهِم، ويلتزموا حدودَه، ويعرفوا حقوقَه، إذا بهم يتنكرون للمنعِم العظيم، ويتجرءون في سفهٍ وغرور، على العزيزِ الحكيم، الذي يقول: يا عبادي فاتقون ويقول: وإياي فارهبون فماذا كانتْ النتيجة، وما هي النهايةُ والعاقبة، بعد ذلك الإمهالِ، والصبرِ الجميل؟! إنَّ القرآنَ الكريم، يختصرُ العقوبةَ المدمرة، والنهايةَ الموجعة، في كلمتين اثنتين، فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون .
إذاً فرغدُ العيش، وسعةُ الرزق، يتحولُ في طرفةِ عين، ولمحةِ بصر، جوعاً يَذهبُ بالعقول، وتتصدعُ له القلوبُ والأكباد، وإذا البطونُ الملأ، والأمعاءُ المتخمة، يتضورُ أصحابُها جوعا، ويصطلون حسرةً وحرمانا، وإذا الأمنُ الذي، كانوا يفاخرون به الدنيا، وينسونَ في عجبٍ وغرور، المتفضلَ به سبحانه، والمنعمَ به جل جلاله، إذا به ينقلبُ رعباً وهلعا، لا يأمن المرءُ على نفسِه وعرضِه فضلاً عن مالهِ وملكه، فانتشر المجرمون والقتلة، يسفكونَ دماءَ الناس، وينتهكونَ أعراضَهم، ويحوزونَ أموالهَم، وأصبح باطنُ الأرض، خيراً من ظاهِرها، في تلك القريةِ البائسةِ المشؤومة.
والقرآنُ الكريم، حين يعرضُ بوضوحٍ وجلاء، مآلَ تلكَ القريةِ، الظالمِ أهلُها، ويقررُ أنَّ ما أصابهَم، هو بسببِ ما اقترفتُه أيديهِم، من التمردِ والجحود، ونكران الجميل، حين يعرضُ القرآنُ ذلكَ كلَّه، فهو إنما يخاطبُنا نحن الحاضرين، ويخاطبُ غيَرنا، حتى يرثَ اللهُ الأرضَ ومن عليها، يحذرُنا أن نقعَ في ذاتِ الخطأ، الذي وقعوا فيه، فنؤولُ لذاتِ المآلِ الذى آلوا إليه، ولقد ذاقت هذه الأمة، ألوناً من العقوباتِ المدمرةِ، التي يشيبُ من هولهِا الوالدان، ولولا أنَّ الذي سطَّرها في كتبهِم ونَقلَ لنا أخبارَها في مصنفاتِهم، هم أئمةُ الإسلامِ المحققون، كابن كثير والذهبي، وغيرهِما، لظننا ذلك ضرباً من الخيالِ والتهويل.
فإليكم طرفاً، مما حدثَ لهذه الأمة، حينَ كفرتْ بأنعمِ الله، واستجابتْ لداعي الهوى والشيطان، لعلنا نتعظ ونعتبر، ونلجأ إلى ربنا، إذ لا ملجأ من الله إلا إليه.
ذكر ابن الجوزي ـ رحمه الله ـ خبرَ الطاعون، الذي أصاب، مدينةَ البصرةَ العراقية، قال: فمات في اليومِ الأول سبعون ألفا، وفي اليوم الثاني، إحدى وسبعون ألفا، وفي الثالث ثلاثةٌ وسبعون ألفا، وأصبح الناسُ في اليوم الرابع موتى إلا قليل من آحاد الناس، قال أبو النُفيد، وكان قد أدركَ هذا الطاعون، قال: كنَّا نطوفُ بالقبائلِ وندفنُ الموتى، فلما كثروا لم نقو على الدفن، فكنَّا ندخلُ الدار، وقد مات أهلُها، فنسدُ بابهَا عليهم، وفي أحداثِ سنةِ تسعٍ وأربعين وأربعمائة، من الهجرة، ذكر ابنُ كثيرٍ ـ رحمه الله ـ خبرَ الغلاءِ والجوعِ الذي أصابَ بغداد، بحيث خلتْ أكثرُ الدور، وسُدَّت على أهلِها الأبواب، لموتِهم وفناءِهم، وأكلَ الناسُ الجِيفَ والميتة ،من قلةِ الطعام، ووجُد مع امرأةٍ فخذُ كلبٍ قد أخضَّر، وشَوَى رجلٌ صبيةً فأكلَها، وسقطَ طائرٌ ميت، فاحتوشته خمسةُ أنفس، فاقتسموه وأكلوه، ووردَ كتابٌ من بخارى، أنَّه ماتَ في يومٍ واحد، ثمانيةَ عشرَ ألفَ إنسان، والناسُ يمرون في هذه البلاد، فلا يرون إلا أسواقاً فارغة، وطرقاتٍ خالية، وأبواباً مغلقة، وجاء الخبرُ من أذربيجان، أنَّه لم يسلمْ من تلك البلاد، إلا العددُ اليسير جدا، ووقع وباءٌ بالأهوازِ وما حولها، حتى أطبق على البلاد، وكان أكثرُ سببِ ذلك الجوع، فكان الناسُ يشوونَ الكلاب، ويَنبشونَ القبور، ويشوونَ الموتى ويأكلونهم، وليس للناسِ شغلٌ في الليل والنهار، إلا غسلُ الأمواتِ ودفنُهم، وكان يدفنُ في القبرِ الواحد، العشرونَ والثلاثون، وذكرَ ابنُ كثيرٍ ـ رحمه الله ـ في أحداثِ سنةِ اثنتين وستين وأربعمائةٍ من الهجرة، ما أصابَ بلادَ مصر، من الغلاءِ الشديد، والجوعِ العظيم، حتى أكلوا الجيفَ والميتةَ والكلاب، فكان الكلبُ يباع بخمسةِ دنانير، وماتت الفيلة، فأكلتْ ميتاتُها، وظُهِرَ على رجلٍ يقتلُ الصبيانَ والنساء، ويدفنُ رؤوسَهم وأطرافَهم، ويبيعُ لحومَهم، فقُتلَ وأُكلَ لحمُه، وكانت الأعراب، يقَدَمون بالطعام، يبيعونَه في ظاهرِ البلد، لا يتجاسرون على الدخول، لئلا يُخطفَ ويُنهبَ منهم، وكان لا يجسُر أحدٌ أن يدفنَ ميتَه نهاراً، وإنما يدفنُه ليلاً خُفيةً، لئلا يُنبشَ قبُره فيؤكل، وفي سنةِ ثلاثٍ وتسعين وخمسمائةٍ من الهجرة، ورد كتابٌ من القاضي الفاضل، إلى ابن الزكي يخبُره فيه، أنه في ليلةِ الجمعة، التاسعِ من جمادى الآخرة، أتى عارضٌ ـ يعني سحاب ـ فيه ظلماتٌ متكاثفة، وبروقٌ خاطفة، ورياحٌ عاصفة، فقويَ الجو بها، واشتدَّ هبوبُها، فرجفتْ لها الجدرانُ واصطفقتْ، وتلاقتْ على بعدِها واعتنقتْ، وثار السماء والأرض عجاجا، حتى قيل: إن هذه على هذه قد انطبقت، ولا يحسب إلا أن جهنم، قد سال منها واد ،وعاد منها عادٍ، وزادَ عصفُ الريح، إلى أن أطفأَ سُرجَ النجوم، ومَزَّقت أديَم السماء، فكنا كما قال الله تعالى: يجعلون أصابعهم في آذنهم من الصواعق ويردونَ أيديهَم على أعينهِم من البوارق، لا عاصمَ لخطفِ الأبصار، ولا ملجأ من الَخطْبِ، إلا معاقلُ الاستغفار، وفرَّ الناس، نساءً ورجالاً وأطفالا، ونفروا من دورِهم، خفافاً وثقالا، لا يستطيعونَ حيلةً ولا يهتدون سبيلا، فاعتصموا بالمساجدِ الجامعة، وأذعنوا للنازلة بأعناقٍ خاضعة، وبوجوهٍ عانية، ونفوس عن الأهل والمال سالية، ينظرون من طرفٍ خفي ويتوقعون أيَّ خطبٍ جلي، قد انقطعتْ عن الحياةِ عُلَقُهم، وعميتْ عن النجاةِ طُرُقهم، ووردتْ الأخبار، بأنها قد كُسِرت المراكبُ في البحار، والأشجارُ في القفار، وأتلفتْ خلقاً كثيرا ًمن السُفَّار، (إلى أن قال)، ولا يحسبُ أحدٌ أني أرسلتُ القلمَ محرفاً، والعلم مجوفا، فالأمرُ أعظم، ولكنَّ الله سلم، انتهى كلامه رحمه الله.
أيها المسلمون: إن هذه العقوباتِ المهلكة والكوارثَ المفجعة، ليست ضرباً من الخيال، وليس فيها شيء من التهويلِ والمبالغة، فالله يقول: وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد لكن الذي نشأ، منذُ نعومةِ أظفاره، في بحبوحةٍ من العيش، لم يذقْ مرارةَ الجوع، طرفةَ عين، حريٌ به أن يعجبَ مما سمعَ كلَّ العجب، لكنْ سلوا الآباء والأجداد، الذين اصطلوا بنارِ الجوع، ولهيبِ الظمأ، دهراً طويلا، وارتعدتْ فرائصهُم وقلوبُهم من قطاعِ الطريق، وعصاباتِ السطو، في وضحِ النهار، يتضحُ أنَّه ليسَ في الأمرِ غرابةٌ من قريبٍ أو بعيد، فاعتبروا يا أولي الأبصار.

الخطبة الثانية
أيها المسلمون: فإن للعقوباتِ أسباباً كثيرة، ورد ذكرُ بعضهِا في الكتاب والسنَّة، وجامعُها المعاصي والذنوب، والتكذيب والإعراض، فمن أسبابِ العقوباتِ المدمرة، والفواجعِ المهلكة، إقصاءُ الشريعة، عن الحكمِ والتشريع، أو تطبيقُها على أضيقِ نطاق، مع المنةِ والأذى، والله يتوعدُ الأمة، إن هي فعلتْ ذلك بالخزيِ والنكالِ في الحياةِ الدنيا، ولعذابُ الآخرةِ أشدُ وأبقى أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون .
ومن أسبابِ العقوبات في الدنيا قبلَ الآخرة، إشاعةُ الفاحشةِ في الذين آمنوا، وفي ذلك يقولُ ربنا جل جلالهإ: إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون ومن إشاعةِ الفاحشة، الدعوةُ للاختلاط ونزعِ الحجاب، وعرضُ الفساد والفنِ الرخيص، وبثُ السمومِ والأفكارِ المستوردة، مما لا يتسعُ المقام لسرده، وفي الأثر: "وما أعلن قومٌ الفاحشة، إلا عمتهم الأوجاعُ والأسقامُ التي لم تكن في أسلافهم".
ومن أسبابِ العقوبات، منعُ الزكاة، تلك التي لو قامَ أثرياءُ المسلمين بأدائها، لما وجدتَ بين المسلمين فقيرا ولا محتاجا، واسمع إلى عقوبةِ الأمة، حين تبخل بزكاةِ أموالِها، قال عليه الصلاة والسلام: ((وما منع قوم زكاة أموالهم إلا منعوا القطرَ من السماء، ولولا البهائمْ لم يمطروا))، وقد يستخفُ أقوامٌ، بهذه العقوبة ويستطرفونها لأنهم اعتادوا تدفقَ المياهِ ووفرتَها في بيوتِهم، لكنهم لو قلبوا النظر يمنةً ويسرة، في البلادِ التي أصابَها القحطُ والجفاف، لعلموا أنهم كانوا واهمين، وعن الصراط لناكبين.
ومن أسبابِ العقوبات كذلك: موالاةُ الكفارِ والتقربُ إليهم بالمودةِ والمحبة، وقد وضح القرآنُ الكريم أنه لا يتولى الكفار، ويتقرب إليهم إلا منافق ظاهر النفاق قال تعالى: بشر المنافقين بأن لهم عذابا أليماً الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعاً وقد حدثنا التاريخ عن عقوباتٍ حصلتْ لبعض الأمم التي والتِ الكافرين، كما حصل في بلادِ الأندلس عندما وإلى أمراءُ الطوائفِ النصارى، فنفض الصليبيون البساطَ من تحتِ أقدامهِم، وألقوا بهم في مزبلةِ التاريخ، وأصبحتْ هذه البلاد.. حسرةً في نفسِ كلِ مسلم، حين يذكرُ ما فيها من حضارةٍ وآثارٍ للمسلمين، ثم يذكرُ أولئكَ الأوباش، الذين أضاعوا ذلك الفردوس المفقود، بسبب ولائهم لأعداء الله وأعداء الإسلام والمسلمين.
ومن أسبابِ العقوبات كذلك، تركُ الأمرِ بالمعروف والنهيِ عن المنكر، والذي بتركهِ تستفحلُ الفاحشة، وتعمُ الرذيلة، ويستطيلُ الشر، وتخربُ البلادُ والعباد، واسمع لعقوبةِ الأمة، حين تتخلى عن فريضةِ الأمرِ بالمعروف والنهيِ عن المنكر، ففي المسندِ وغيرهِ من حديثِ حذيفةَ رضي الله عنه قال عليه الصلاة والسلام: ((والذي نفسي بيده لتأمرون بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، أو ليبعثن الله عليكم عقابا منه، ثم تدعونه فلا يستجاب لكم)) ألا فضّ الله أفواهاً، وأخرس ألسناً، تريدُ لهذهِ الفريضةِ أن تموت.
ومن أسبابِ العقوباتِ كذلك، انتشارُ الظالمِ في المجتمع، وغيابُ العدلِ فيه، فيأكلُ القويُ الضعيف، وينهبُ الغنيُ الفقير، ويتسلطُ صاحبُ الجاهِ والمكانة على المسالِم المسكين، وحين تسودُ هذه الأخلاقُ الذميمة، والخصالُ المنكرة، ولا تجدُ من يقولُ للظالِم: أنتَ ظالم، فقد آن أوانُ العقوبة، واقتربَ أجلُها لو كانوا يفقهون. فعند الترمذي وأبي داود قال عليه الصلاة والسلام: ((إن الناسَ إذا رأوا الظالم، فلم يأخذوا على يديه، أوشك أن يعمهم الله بعقابٍ منه)).
ومن أسبابِ العقوبات، فشو الربا وانتشارُه، حيث تعاطاه الكثيرون، وأَلِفه الأكثرون، وقل له الناكرون، واللهُ يقول: يا أيها الذين أمنوا اتقوا الله وذروا ما بقى من الربا إن كنتم مؤمنين، فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله ويقول سبحانه: يمحق الله الربا ويربى الصدقات والله لا يحب كل كفار أثيم وذهابُ بركةِ المال، ومحقُ عائدهِ ونتاجهِ ملموسٌ مشاهد، يعترفُ به المرابون، ضمناً وتصريحا، والعالمُ الإسلامي اليوم، يعاني الأزماتِ الاقتصاديةَ الخانقة لتورطهِ بتعاطي الربا، وإعراضِه عن الشرعِ المطهر، واستخفافِه بالوعيدِ الإلهي لأكلةِ الربا، ومدمنيه.
ومن أسبابِ العقوباتِ كذلك، ظهور المعازف وشرب الخمور، وقد انتشر الغناء بين الناس حتى عد أمرا معروفا، واستمع يا رعاك الله إلى العقوبة المتعودة لأهله، قال عليه الصلاة والسلام: ((في هذه الأمة خسف ومسخ وقذف)) فقال رجل من المسلمين: يا رسول الله! ومتى ذلك؟ قال: ((إذا ظهرت القيان والمعازف وشربت الخمور)).
أيها المسلمون: أسبابُ العقوباتِ كثيرة، والموضوعُ متشعبٌ وطويل، لكنْ في الإشارةِ ما يُغني عن العبارة، وما لا يُدرك كلُه، لا يتُرك جُله
صلوا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه

مبارك الحيان السنحاني 04-11-2009 01:15 PM

رد : ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب آآآآآآمل التثبيت
 
بارك الله فيك

وجزاك الله خير الجزا

أحب الصالحين ولست منهم
لعلي أ ن أنال بصحبتهم شفاع

المناضل السليماني 05-11-2009 02:33 PM

رد : ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب آآآآآآمل التثبيت
 


خطبة هذه الجمعة عن الصبر
الخطبة الأولى

الحمد لله المتوحد في الجلال بكمال الجمال تعظيماً وتكبيراً، والمتفرد بتصريف الأحوال على التفصيل والإجمال تقديراً وتدبيراً، المتعالي بعظمته ومجده، {تَبَارَكَ ٱلَّذِى نَزَّلَ ٱلْفُرْقَانَ عَلَىٰ عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَـٰلَمِينَ نَذِيراً} [الفرقان:1]. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. صلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، وعن التابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله بإتباع أوامره وإجتناب مساخطه ونواهيه، واقتدوا في ذلك بنبيه .
عباد الله: إن العبد في هذه الحياة الدنيا معرض للوقوع الخير والشر لامحالة، فالحياة الدنيا بين الخوف والرجاء والسرور والحزن والضحك والبكاء الإجتماع والفرقة اليسر والعسر وموت وحياة، لايملك المرء التحكم في شيء منها، بل عليه إن كان مؤمناً أن يفوض الأمر إلى المتصرف فيه ويسلم لأقدار الله الجارية عليه.

وإن الله تعالى بين ذلك في كتابه وعلى لسان رسوله ليوطن عباده على الصبر والتحمل والاعتصام بمفرج الكربات المعطي للصابرين أعلى المثوبات حيث وعدهم الخلود في روضات الجنان قال الله تعالى: ولنبولنكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون .

إلا فتعزى وأبشر أيها المؤمن المصاب، وإن المؤمن مصاب ومرزأ دائماً، ولكن هذه تسلية من الله لعباده بمصابهم الذي لاحول لهم ولاقوة في رده، والذي لم يخص به فئة دون أخرى من عباده.

فعند المصيبة يا عبد الله: ماعليك إلا الصبر والإسترجاع بقولك: إنا الله وإنا إليه راجعون، فإذا فعلت ذلك فأبشر بالصلاة من الله تعالى والرحمة والهداية والعوض عن مصابك روى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((مايصيب المؤمن من وصب ولانصب ولاسقم ولاحزن حتى الهم يهمه إلا كفر من سيئاته)) وإن أعظم المصائب المصيبة في الدين كما جاء في الأثر عن عطاء بن ابي رباح قال: قال رسول الله : ((إذا أصاب أحدكم مصيبة فليذكر مصابه بي، فإنها من أعظم المصائب))ذكره القرطبي عن مسند السمرقندي قال أبو عمر بن عبدالبر: وصدق رسول الله لأن المصيبة به أعظم من كل مصيبة يصاب بها المسلم بعده إلى يوم القيامة، انقطع الوحي وماتت النبوة، وكان أول ظهور الشر بإرتداد العرب وغير ذلك، وكان أول انقطاع الخير وأول نقصانه.

قال ابو سعيد: ما نفضنا أيدينا من التراب من قبر رسول الله حتى أنكرنا قلوبنا.

عباد الله إن العاقل لايجمع على نفسه مصيبتان في آن واحد، فيجزع ويرتكب المنهيات عند حلول المصيبات، فيضيع على نفسه ثواب الصابرين وأجر المتصبرين، وإنها خسارة عظيمة ومصيبة أخرى، روى ابن ماجة من حديث الحسين بن علي رضي الله عنهما قال: قال رسول الله : ((من أصيب بمصيبة فذكر مصيبته فأحدث استرجاعاً وإن تقادم عهدها كتب الله له من الأجر مثله يوم أصيب)).

اصبـر لكـل مصيبـة وتجلد واعلم بأن المرء غير مخلد

أو مـا تـرى أن المصائب جمة وترى المنية للعباد بمرصد

من لم يصب ممن ترى بمصيبة هذا سبيل لست فيـه بآخـذ

فإذا ذكـرت محمـداً ومصابـه فأذكر مصابك بالنبي محمد

صدق أبو العتاهية: رحمه الله.

والله أصدق القائلين فقال جل من قائل عليماً: كل نفس ذائقة الموت ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون .

اقو ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه
.




الخطبة الثانية



الحمد لله غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الصادق الأمين إذا حز به أمر فزع إلى الصلاة.

أما بعد:

فعليكم بتقوى الله عباد الله، فإنها حصن حصين وحرز منيع، فاتقوا الله في الرخاء والشدة في السراء والضراء، واعلموا أنكم خلق من خلق الله يتصرف فيكم كيف يشاء خلقاً وأماتة سعة وتفقيراً فقراً وغنىً حزناً وسروراً جمعاً وفرقة، هو الفعال لما يريد لامرد لأمره ولامعقب لقوله وفعله، ولكنه بمنه وكرمه يبين لعباده سبل النجاة مما ابتلاهم به من الخير والشر في كتابه وعلى لسان خاتم أنبيائه محمد ، فما على المسلم إلا أن يتعلم من الوحي ويتبع الهدي المحمدي، فيفوز في الدارين قال تعالى: واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم وأنهم إليه راجعون ، إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب .

عباد الله: وإن من أنواع الصبر الصوم لما فيه من التصبر على طاعة الله والصبر على أقدار الله وترك محبوبات النفس وشهواتها، كصيام الايام البيض والاثنين والخميس فكل يوم تصومه يباعد الله به النار عن وجهك سبعين خريفا
عباد الله صلوا على من امركم الله بالصلاة والسلام عليه


المناضل السليماني 12-11-2009 09:51 AM

رد : ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب آآآآآآمل التثبيت
 

عنوان هذه الخطبةإ ِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِى بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لّلْعَـٰلَمِينَ
الخطبة الأولى

ن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونتوكل عليه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن سيدنا وحبيبنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله وصفيه وخليله وأمينه على وحيه وسفيره إلى عباده، أرسله الله عز وجل بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، وهدى به من الضلالة وعلم به بعد الجهالة، فصلى الله عليه وآله الطيبين وذرياته وأزواجه الطاهرين، وارض اللهم عن أصحابه أجمعين والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
عباد الله اوصيكم ونفسي بتقوى الله

قال الله تعالى: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِى بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لّلْعَـٰلَمِينَ فِيهِ ءايَـٰتٌ بَيّـنَـٰتٌ مَّقَامُ إِبْرٰهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ ءامِناً وَللَّهِ عَلَى ٱلنَّاسِ حِجُّ ٱلْبَيْتِ مَنِ ٱسْتَطَـٰعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ ٱلله غَنِىٌّ عَنِ ٱلْعَـٰلَمِينَ [آل عمران:96-97]. إخواني في الله: يخبر الله عز وجل في هذه الآية الكريمة أن أول بيت وضع في الأرض للعبادة هو بيت الله الحرام، ففي الصحيحين من حديث أبي ذر أنه قال: قلت: يا رسول الله أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الأَرْضِ أَوَّلُ؟ قَالَ: ((الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ)) قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: ((الْمَسْجِدُ الأَقْصَى)) قُلْتُ: كَمْ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: ((أَرْبَعُونَ سَنَةً، وَأَيْنَمَا أَدْرَكَتْكَ الصَّلاَةُ فَصَلِّ فَهُوَ مَسْجِدٌ)).
يحسن بنا قبل ان نتكلم عن الحج ، أن نذكر بمن بناه، وبتلك القصة التي أخذت حيزاً كبيراً في كتب الحديث، ألا وهي قصة إبراهيم وإسماعيل وأمه هاجر عليهم الصلاة والسلام، لنقف من خلالها على بعض الحقائق التي ربما غابت عن البعض ونسيها البعض، فأقول وبالله التوفيق:
أخرج البخاري في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (أَوَّلَ مَا اتَّخَذَ النِّسَاءُ الْمِنْطَقَ مِنْ قِبَلِ أُمِّ إِسْمَاعِيلَ، اتَّخَذَتْ مِنْطَقًا -والمنطق ما يشد به الوسط- لَتُعَفِّيَ -لتخفي وتمحو- أَثَرَهَا عَلَى سَارَةَ، ثُمَّ جَاءَ بِهَا إِبْرَاهِيمُ وَبِابْنِهَا إِسْمَاعِيلَ وَهِيَ تُرْضِعُهُ، حَتَّى وَضَعَهُمَا عِنْدَ الْبَيْتِ، عِنْدَ دَوْحَةٍ -شجرة كبيرة- فَوْقَ زَمْزَمَ فِي أَعْلَى الْمَسْجِدِ-مكان المسجد- وَلَيْسَ بِمَكَّةَ يَوْمَئِذٍ أَحَدٌ، وَلَيْسَ بِهَا مَاءٌ، فَوَضَعَهُمَا هُنَالِكَ، وَوَضَعَ عِنْدَهُمَا جِرَابًا فِيهِ تَمْرٌ، وَسِقَاءً فِيهِ مَاءٌ، ثُمَّ قَفَّى إِبْرَاهِيمُ مُنْطَلِقًا -ولى راجعاً إلى الشام- فَتَبِعَتْهُ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ فَقَالَتْ: يَا إِبْرَاهِيمُ أَيْنَ تَذْهَبُ وَتَتْرُكُنَا بِهَذَا الْوَادِي الَّذِي لَيْسَ فِيهِ إِنْسٌ وَلَا شَيْءٌ؟!! فَقَالَتْ لَهُ ذَلِكَ مِرَارًا، وَجَعَلَ لَا يَلْتَفِتُ إِلَيْهَا، فَقَالَتْ لَهُ: آللَّهُ الَّذِي أَمَرَكَ بِهَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَتْ: إِذَنْ لَا يُضَيِّعُنَا، ثُمَّ رَجَعَتْ، فَانْطَلَقَ إِبْرَاهِيمُ حَتَّى إِذَا كَانَ عِنْدَ الثَّنِيَّةِ-أي عند مكان مرتفع- حَيْثُ لَا يَرَوْنَهُ، اسْتَقْبَلَ بِوَجْهِهِ الْبَيْتَ، ثُمَّ دَعَا بِهَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ، وَرَفَعَ يَدَيْهِ فَقَالَ: رَبِّ إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ حَتَّى بَلَغَ يَشْكُرُونَ [إبراهيم 37]، وَجَعَلَتْ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ تُرْضِعُ إِسْمَاعِيلَ، وَتَشْرَبُ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ، حَتَّى إِذَا نَفِدَ مَا فِي السِّقَاءِ عَطِشَتْ وَعَطِشَ ابْنُهَا، وَجَعَلَتْ تَنْظُرُ إِلَيْهِ يَتَلَوَّى أَوْ قَالَ يَتَلَبَّطُ -يتقلب على ظهره وبطنه ويتمرغ في الأرض كالذي ينازع من شدة العطش- فَانْطَلَقَتْ كَرَاهِيَةَ أَنْ تَنْظُرَ إِلَيْهِ، فَوَجَدَتِ الصَّفَا أَقْرَبَ جَبَلٍ فِي الْأَرْضِ يَلِيهَا، فَقَامَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ اسْتَقْبَلَتِ الْوَادِيَ -وهو عميق يومها- تَنْظُرُ هَلْ تَرَى أَحَدًا، فَلَمْ تَرَ أَحَدًا، فَهَبَطَتْ مِنَ الصَّفَا حَتَّى إِذَا بَلَغَتِ الْوَادِيَ، رَفَعَتْ طَرَفَ دِرْعِهَا، ثُمَّ سَعَتْ سَعْيَ الْإِنْسَانِ الْمَجْهُودِ، حَتَّى جَاوَزَتِ الْوَادِيَ، ثُمَّ أَتَتِ الْمَرْوَةَ، فَقَامَتْ عَلَيْهَا وَنَظَرَتْ هَلْ تَرَى أَحَدًا، فَلَمْ تَرَ أَحَدًا، فَفَعَلَتْ ذَلِكَ سَبْعَ مَرَّاتٍ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ النَّبِيُّ : ((فَذَلِكَ سَعْيُ النَّاسِ بَيْنَهُمَا)) فَلَمَّا أَشْرَفَتْ عَلَى الْمَرْوَةِ سَمِعَتْ صَوْتًا فَقَالَتْ: صَهٍ تُرِيدُ نَفْسَهَا- كأنها خاطبت نفسها فقالت لها: اسكتي- ثُمَّ تَسَمَّعَتْ فَسَمِعَتْ أَيْضًا فَقَالَتْ: قَدْ أَسْمَعْتَ إِنْ كَانَ عِنْدَكَ غِوَاثٌ -أغثني إن كان عندك خير- فَإِذَا هِيَ بِالْمَلَكِ -جبريل عليه السلام- عِنْدَ مَوْضِعِ زَمْزَمَ، فَبَحَثَ بِعَقِبِهِ -أي بمؤخر قدمه- أَوْ قَالَ بِجَنَاحِهِ، حَتَّى ظَهَرَ الْمَاءُ، فَجَعَلَتْ تُحَوِّضُهُ -أي تجعله مثل الحوض- وَتَقُولُ بِيَدِهَا هَكَذَا، وَجَعَلَتْ تَغْرِفُ مِنَ الْمَاءِ فِي سِقَائِهَا وَهُوَ يَفُورُ بَعْدَ مَا تَغْرِفُ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ النَّبِيُّ : ((يَرْحَمُ اللَّهُ أُمَّ إِسْمَاعِيلَ لَوْ تَرَكَتْ زَمْزَمَ)) -أَوْ قَالَ: ((لَوْ لَمْ تَغْرِفْ مِنَ الْمَاءِ- لَكَانَتْ زَمْزَمُ عَيْنًا مَعِينًا)) -أي لكانت زمزم ماء ظاهراً جارياً على وجه الأرض-.
قَال:َ فَشَرِبَتْ وَأَرْضَعَتْ وَلَدَهَا، فَقَالَ لَهَا الْمَلَكُ: لَا تَخَافُوا الضَّيْعَةَ-أي لا تخافوا الهلاك- ثم قال لها جبريل: فَإِنَّ هَا هُنَا بَيْتَ اللَّهِ يَبْنِي هَذَا الْغُلَامُ وَأَبُوهُ، وَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَهْلَهُ، وَكَانَ الْبَيْتُ مُرْتَفِعًا مِنَ الْأَرْضِ كَالرَّابِيَةِ، تَأْتِيهِ السُّيُولُ فَتَأْخُذُ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ. - فَكَانَتْ هاجر كَذَلِكَ -يعني تتغذى بماء زمزم فيكفيها عن الطعام والشراب- حَتَّى مَرَّتْ بِهِمْ رُفْقَةٌ مِنْ جُرْهُمَ -أَوْ أَهْلُ بَيْتٍ مِنْ جُرْهُمَ- مُقْبِلِينَ مِنْ طَرِيقِ كَدَاءٍ، فَنَزَلُوا فِي أَسْفَلِ مَكَّةَ، فَرَأَوْا طَائِرًا عَائِفًا -يعني يحوم على الماء- فَقَالُوا: إِنَّ هَذَا الطَّائِرَ لَيَدُورُ عَلَى مَاءٍ، لَعَهْدُنَا بِهَذَا الْوَادِي وَمَا فِيهِ مَاءٌ، فَأَرْسَلُوا جَرِيًّا أَوْ جَرِيَّيْنِ -يعني رسولاً لأنه يجري مسرعاً- فَإِذَا هُمْ بِالْمَاءِ، فَرَجَعُوا فَأَخْبَرُوهُمْ بِالْمَاءِ فَأَقْبَلُوا، قَالَ: وَأُمُّ إِسْمَاعِيلَ عِنْدَ الْمَاءِ، فَقَالُوا: أَتَأْذَنِينَ لَنَا أَنْ نَنْزِلَ عِنْدَكِ؟ فَقَالَتْ: نَعَمْ وَلَكِنْ لَا حَقَّ لَكُمْ فِي الْمَاءِ، قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ النَّبِيُّ : فَأَلْفَى ذَلِكَ أُمَّ إِسْمَاعِيلَ وَهِيَ تُحِبُّ الْإِنْسَ، فَنَزَلُوا وَأَرْسَلُوا إِلَى أَهْلِيهِمْ فَنَزَلُوا مَعَهُمْ، حَتَّى إِذَا كَانَ بِهَا أَهْلُ أَبْيَاتٍ مِنْهُمْ، وَشَبَّ الْغُلَامُ -إسماعيل- وَتَعَلَّمَ الْعَرَبِيَّةَ مِنْهُمْ وَأَنْفَسَهُمْ - يعني رغبوا في مصاهرته لنفاسته عندهم- وَأَعْجَبَهُمْ حِينَ شَبَّ، فَلَمَّا أَدْرَكَ -بلغ- زَوَّجُوهُ امْرَأَةً مِنْهُمْ، وَمَاتَتْ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ. - فَجَاءَ إِبْرَاهِيمُ بَعْدَمَا تَزَوَّجَ إِسْمَاعِيلُ يُطَالِعُ تَرِكَتَهُ -أي ما تركه بمكة- فَلَمْ يَجِدْ إِسْمَاعِيلَ، فَسَأَلَ امْرَأَتَهُ عَنْهُ فَقَالَتْ: خَرَجَ يَبْتَغِي لَنَا-أي يصطاد لنا- ثُمَّ سَأَلَهَا عَنْ عَيْشِهِمْ وَهَيْئَتِهِمْ فَقَالَتْ: نَحْنُ بِشَرٍّ، نَحْنُ فِي ضِيقٍ وَشِدَّةٍ، فَشَكَتْ إِلَيْهِ قَالَ: فَإِذَا جَاءَ زَوْجُكِ فَاقْرَئِي عَلَيْهِ السَّلَامَ وَقُولِي لَهُ: يُغَيِّرْ عَتَبَةَ بَابِهِ، فَلَمَّا جَاءَ إِسْمَاعِيلُ، كَأَنَّهُ آنَسَ شَيْئًا، فَقَالَ: هَلْ جَاءَكُمْ مِنْ أَحَدٍ؟ قَالَتْ: نَعَمْ جَاءَنَا شَيْخٌ كَذَا وَكَذَا، -كالمستخفة بشأنه- فَسَأَلَنَا عَنْكَ فَأَخْبَرْتُهُ، وَسَأَلَنِي كَيْفَ عَيْشُنَا فَأَخْبَرْتُهُ أَنَّا فِي جَهْدٍ وَشِدَّةٍ، قَالَ: فَهَلْ أَوْصَاكِ بِشَيْءٍ؟ قَالَتْ: نَعَمْ أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ السَّلَامَ، وَيَقُولُ: غَيِّرْ عَتَبَةَ بَابِكَ، قَال:َ ذَاكِ أَبِي، وَقَدْ أَمَرَنِي أَنْ أُفَارِقَكِ، الْحَقِي بِأَهْلِكِ، فَطَلَّقَهَا.
وَتَزَوَّجَ مِنْهُمْ أُخْرَى. - فَلَبِثَ عَنْهُمْ إِبْرَاهِيمُ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ أَتَاهُمْ بَعْدُ فَلَمْ يَجِدْهُ، فَدَخَلَ عَلَى امْرَأَتِهِ فَسَأَلَهَا عَنْهُ، فَقَالَتْ: خَرَجَ يَبْتَغِي لَنَا، قَالَ: كَيْفَ أَنْتُمْ؟ وَسَأَلَهَا عَنْ عَيْشِهِمْ وَهَيْئَتِهِمْ فَقَالَتْ: نَحْنُ بِخَيْرٍ وَسَعَةٍ وَأَثْنَتْ عَلَى اللَّهِ، فَقَالَ: مَا طَعَامُكُمْ؟ قَالَتِ: اللَّحْمُ، قَالَ: فَمَا شَرَابُكُمْ؟ قَالَتِ: الْمَاءُ، قَالَ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ فِي اللَّحْمِ وَالْمَاءِ، قَالَ النَّبِيُّ : وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ يَوْمَئِذٍ حَبٌّ، وَلَوْ كَانَ لَهُمْ دَعَا لَهُمْ فِيهِ، قَالَ: فَهُمَا -أي اللحم والماء- لَا يَخْلُو عَلَيْهِمَا أَحَدٌ بِغَيْرِ مَكَّةَ إِلَّا لَمْ يُوَافِقَاهُ، وتفسره رواية أبي جهم (ليس أحد يخلو على اللحم والماء بغير مكة إلا اشتكى بطنه) [وفي حديث عطاء بن السائب]: فقالت: انزل رحمك الله فأطعم واشرب، قال: إني لا أستطيع النزول، قالت: فإني أراك أشعث أفلا أغسل رأسك وأدهنه؟ قال: بلى إن شئت، فجاءته بالمقام وهو يومئذ أبيض مثل المهاة، وكان في بيت إسماعيل ملقى، فوضع قدمه اليمنى، وقدم شق رأسه، وهو على دابته، فغسلت شق رأسه الأيمن، فلما فرغ حولت له المقام حتى وضع قدمه اليسرى، وقدم إليها رأسه، فغسلت شق رأسه الأيسر). - وروى الفاكهي عن ابن عباس سبب عدم نزول إبراهيم عليه السلام عن دابته فقال: إن سارة داخلتها غيرة، فقال لها إبراهيم: (لا أنزل حتى أرجع إليك) لذلك لم ينزل.
نرجع إلى حديث ابن عباس قَالَ: (فَإِذَا جَاءَ زَوْجُكِ فَاقْرَئِي عَلَيْهِ السَّلَامَ، وَمُرِيهِ يُثْبِتُ عَتَبَةَ بَابِهِ، فَلَمَّا جَاءَ إِسْمَاعِيلُ -وجد ريح أبيه- فقَالَ: هَلْ أَتَاكُمْ مِنْ أَحَدٍ؟ قَالَتْ: نَعَمْ أَتَانَا شَيْخٌ حَسَنُ الْهَيْئَةِ، وَأَثْنَتْ عَلَيْهِ، فَسَأَلَنِي عَنْكَ فَأَخْبَرْتُهُ، فَسَأَلَنِي: كَيْفَ عَيْشُنَا؟ فَأَخْبَرْتُهُ أَنَّا بِخَيْرٍ، قَالَ: فَأَوْصَاكِ بِشَيْءٍ؟ قَالَتْ: نَعَمْ هُوَ يَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلَامَ، وَيَأْمُرُكَ أَنْ تُثْبِتَ عَتَبَةَ بَابِكَ، قَالَ: ذَاكِ أَبِي، وَأَنْتِ الْعَتَبَةُ، أَمَرَنِي أَنْ أُمْسِكَكِ. - ثُمَّ لَبِثَ عَنْهُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ جَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِسْمَاعِيلُ يَبْرِي نَبْلًا لَهُ تَحْتَ دَوْحَةٍ -شجرة- قَرِيبًا مِنْ زَمْزَمَ، فَلَمَّا رَآهُ قَامَ إِلَيْهِ فَصَنَعَا كَمَا يَصْنَعُ الْوَالِدُ بِالْوَلَدِ، وَالْوَلَدُ بِالْوَالِدِ، ثُمَّ قَالَ: يَا إِسْمَاعِيلُ إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي بِأَمْرٍ، قَالَ: فَاصْنَعْ مَا أَمَرَكَ رَبُّكَ، قَالَ: وَتُعِينُنِي؟!! قَالَ: وَأُعِينُكَ، قَالَ: فَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أَبْنِيَ هَا هُنَا بَيْتًا، وَأَشَارَ إِلَى أَكَمَةٍ -أي هضبة- مُرْتَفِعَةٍ عَلَى مَا حَوْلَهَا [وكان عمر إبراهيم يومئذ مائة سنة، وعمر إسماعيل ثلاثين سنة].
قَالَ: فَعِنْدَ ذَلِكَ رَفَعَا الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ، فَجَعَلَ إِسْمَاعِيلُ يَأْتِي بِالْحِجَارَةِ وَإِبْرَاهِيمُ يَبْنِي حَتَّى إِذَا ارْتَفَعَ الْبِنَاءُ، جَاءَ بِهَذَا الْحَجَرِ فَوَضَعَهُ لَهُ، فَقَامَ عَلَيْهِ وَهُوَ يَبْنِي، وَإِسْمَاعِيلُ يُنَاوِلُهُ الْحِجَارَةَ وَهُمَا يَقُولَانِ: رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ [البقرة:127]. قَالَ: فَجَعَلَا يَبْنِيَانِ حَتَّى يَدُورَا حَوْلَ الْبَيْتِ وَهُمَا يَقُولاَنِ: رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ [البقرة:127].
وأقام إبراهيم البناء ورفعه هو وإسماعيل عليهما الصلاة والسلام، إلا موضع الحجر، فقال إبراهيم: يا بني، اذهب وائتني بحجر لنتم البناء، فانطلق إسماعيل بعدما جاء بحجر أول فقام إبراهيم عليه، فغاصت قدماه فيه ليثبته الله، وهذا هو المقام كما حقق ذلك الإمام البخاري.
المقام: هو الحجر الذي قام إبراهيم عليه ليعلي البناء وليتمه، فلما أتم إبراهيم البناء ظل هذا المقام هكذا لصيقاً بالكعبة حتى عهد الرسول بل وفي عهد الصديق أيضاً، فلما جاء عمر بن الخطاب الملهم، ليطوف بالبيت، رأى أن المقام يعوق حركة الطواف، فأخره إلى الموضع الذي ترونه فيه الآن.
إذاً فلما أنهى إبراهيم البناء قال لإسماعيل: ائتني بحجر لنتم البناء، فانطلق إسماعيل ليأتي أباه بحجر، ثم عاد فوجد حجراً ليس من جنس حجارة الكعبة، فقال إسماعيل لأبيه: من الذي جاءك بهذا الحجر؟ قال إبراهيم: جاءني به من لم يعتمد على بنائي وبنائك، جاءني به جبريل من السماء) والحديث رواه ابن أبي شيبة والحاكم في المستدرك وابن أبي حاتم وابن جرير الطبري، وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري في كتاب الحج: إسناده قوي من حديث علي رضي الله عنه.
فلما فرغ إبراهيم عليه السلام من بناء الكعبة جاء جبريل فأراه المناسك كلها، ثم قال الله عز وجل له: أذن في الناس بالحج، قال: يا رب وما يبلغ صوتي؟ قال: أذّن وعلي البلاغ، قال: فنادى إبراهيم: يا أيها الناس كتب عليكم الحج إلى البيت العتيق، فسمعه من بين السماء والأرض، أفلا ترون أن الناس يجيئون من أقصى الأرض يلبون.
وروى الفاكهي بإسناد صحيح من طريق مجاهد عن ابن عباس قال: (قام إبراهيم على الحَجر فقال: يا أيها الناس كتب عليكم الحج، فأسمع من في أصلاب الرجال وأرحام النساء، فأجابه من آمن ومن كان سبق في علم الله أنه يحج إلى يوم القيامة: لبيك اللهم لبيك).
وهكذا أسمع الله كل أحد صوت إبراهيم، ونداء خليله إبراهيم، واستمع لقوله تعالى حكاية عن خليله إبراهيم عليه السلام: رَّبَّنَا إِنَّى أَسْكَنتُ مِن ذُرّيَّتِى بِوَادٍ غَيْرِ ذِى زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ ٱلْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ ٱلصَّلوٰةَ فَٱجْعَلْ أَفْئِدَةً مّنَ ٱلنَّاسِ تَهْوِى إِلَيْهِمْ وَٱرْزُقْهُمْ مّنَ ٱلثَّمَرٰتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ [سورة إبراهيم 37].
وهكذا أخي في الله أنت تلبي: لبيك اللهم لبيك، أي ها أنذا ألبي نداء خليلك إبراهيم، والسعيد من لبي، والشقي من أبى، أسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم من أهل السعادة، وأن ييسر لنا ولكم حج بيته الحرام، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
إخواني في الله: وفي هذه الأيام المباركة يستعد الملايين من المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، يستعدون ويشدون الرحال إلى البيت العتيق إلى مكة المكرمة لأداء فريضة الحج، مستجيبين لأمر الله تعالى، وملبين نداء خليل الرحمن عليه السلام، فهيا عباد الله أجيبوا الداعي ولبوا الدعوة، وقولوا: (لبيك اللهم لبيك..) ولا يستهوينكم الشيطان وتقولوا: غداً وبعد غد، فإن أحدنا لا يدري إذا جن ليل هل يعيش إلى الفجر، قال الله تعالى: وما تدري نفس ماذا تكسب غداً وما تدري نفس بأي أرض تموت سورة لقمان.
فليبادر إلى حج بيت الله الحرام من لم يحج بعد، قبل أن يموت فيندم في ساعة لا ينفعه فيها الندم.
أخي في الله: استمع معي لهذا الحديث الذي يسكب الطمأنينة في القلوب القلقة، التي تظن أن النفقة التي تنفق في الحج تقلل المال وتفقر صاحبها، ففي سنن الترمذي بسند حسن صحيح أن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله : ((تَابِعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، فَإِنَّهُمَا يَنْفِيَانِ الْفَقْرَ وَالذُّنُوبَ كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَلَيْسَ لِلْحَجَّةِ الْمَبْرُورَةِ ثَوَابٌ إِلَّا الْجَنَّةُ)).
الله أكبر ما أعظمه من بشارة، فلا تظن أخي أن آلاف الدولارات التي تنفقها اليوم على الحج -لا تظن- أن الله لا يعوضها عليك بل يعوضها وأضعافها، فقد أخبرنا عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث بأن متابعة الحج والعمرة لا تنفي الذنوب فحسب بل تنفي الفقر أيضاً، لذلك كان الفقير حقاً من حبس نفسه عن حج بيت الله الحرام بخلاً بماله عن طاعة ربه، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
هذا وللبيت الحرام والمسجد الحرام مزايا ليست لغيره من بقاع الأرض منها:
1 - أن الشرع أجاز لنا شد الرحال وقصد السفر إليه، فقد أخرج البخاري في صحيحه عن أبي هريرة عن النبي قال: ((لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدِ الرَّسُولِ، وَمَسْجِدِ الْأَقْصَى)).
2 - أن الصلاة الواحدة فيه بمائة ألف صلاة، فأي فضل وأي نعمة أعظم من هذا، فاحمدوا الله على ذلك، ففي صحيح سنن ابن ماجه عن جابر بن عبد الله أن رسول الله قال: ((صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إِلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ، وَصَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ)) فلا تحرم نفسك أخي من هذا الأجر العظيم والثواب الكبير.
3 - أن من دخله كان آمناً، قال الله تعالى: وَمَن دَخَلَهُ كَانَ ءامِناً وَللَّهِ عَلَى ٱلنَّاسِ حِجُّ ٱلْبَيْتِ مَنِ ٱسْتَطَـٰعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ ٱلله غَنِىٌّ عَنِ ٱلْعَـٰلَمِينَ [آل عمران:97].
أسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلا، أن يوفقنا وإياكم لحج بيته الحرام، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين. لك الحمد ربنا على جزيل عطائك، ولك الحمد على قدسية ذاتك، وعظمة جلالك. وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، فهو الذي خلق وفرق،وهو الذي لطف ورزق، وهو الذي بيده النفع والضر، وهو الذي يحيى ويميت، منه المبتدى وإليه المنتهى. وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله.أرسله رحمة للعالمين بشيراً ونذيراً: {وَدَاعِياً إِلَى ٱللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُّنِيراً} [الأحزاب:46]. اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه على ملته وحملة لواء دعوته إلى يوم الدين
ثم اما بعد

قال تعالى : إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِى بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لّلْعَـٰلَمِينَ فِيهِ ءايَـٰتٌ بَيّـنَـٰتٌ مَّقَامُ إِبْرٰهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ ءامِناً [آل عمران:96-97].
فوصفه بأنه أول بيت وضع في الأرض للعبادة، ولا شك أن النفوس عادة تشتاق وتتمنى زيارة مثل هذه الأماكن، كما هو حال الناس اليوم في زيارة الأماكن الأثرية القديمة.
ووصفه أيضاً بأنه مبارك، والبركة كثرة الخير ودوامه، وليس في بيوت العالم أبرك، ولا أكثر خيراً، ولا أدوم، ولا أنفع للخلائق منه.
ووصفه بأنه هدى، وأتى بالمصدر نفسه مبالغة، حتى كأنه هو نفس الهدى. –
ثم عمم هذا الهدى فقال: وَهُدًى لّلْعَـٰلَمِينَ - ثم وصفه بما تضمن من الآيات البينات التي تزيد على أربعين آية فقال: فِيهِ ءايَـٰتٌ بَيّـنَـٰتٌ . ثم وصفه بالأمن لداخله، وَمَن دَخَلَهُ كَانَ ءامِناً . وفي وصفه بهذه الصفات دون إيجاب قصده ما يبعث النفوس على حجه، وإن بعدت بالزائرين الديار، وتناءت بهم الأقطار.
ثم أتبع ذلك بصريح الوجوب المؤكد بتلك التأكيدات السابقة، وهذا يدلك أخي على الاعتناء منه سبحانه وتعالى بهذا البيت العظيم، والتنويه بذكره، والتعظيم لشأنه، والرفعة من قدره. ولو لم يكن للبيت شرف إلا أن الله أضافه لنفسه جل وعلا بقوله: وَطَهّرْ بَيْتِىَ لِلطَّائِفِينَ وَٱلْقَائِمِينَ وَٱلرُّكَّعِ ٱلسُّجُودِ [الحج:26]. لكفى بهذه الإضافة فضلاً وشرفاً، وهذه الإضافة هي التي أقبلت بقلوب العاملين إليه، وسلبت نفوسهم حباً له وشوقاً إلى رؤيته، فهو المثابة للمحبين وَإِذْ جَعَلْنَا ٱلْبَيْتَ مَثَابَةً لّلنَّاسِ [البقرة:125]. يثوبون إليه ولا يقضون منه وطراً أبداً، كلما ازدادوا له زيارة ازدادوا له حباً وإليه اشتياقاً.وليس الحج مكانا للشعارات والهتافات والشغب والمظاهرات
أسأل الله تعالى أن يجعلني وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأن يوفقنا وإياكم لحج بيته الحرام إنه ولي ذلك والقادر عليه وفي نهاية الخطبة احب ان انوه إلى من أرد ان يضحي ان لايأخذ من شعره ولا من أظفاره ولا من بشرته شيئا أما المضحى عنه فله ان يحلق ويقصر وتمتشط المرأة
عباد الله صلوا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه.

المناضل السليماني 13-11-2009 06:04 AM

رد : ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب آآآآآآمل التثبيت
 
خطبة في عشر ذي الحجة والترغيب في الحج هذه الخطبة تكون في الجمعة المقبلةال2/12

الحمد لله، الحمد لله الذي لا يبلغ مدحته القائلون، ولا يحصي نعماءه العادّون، ولا يؤدي حقه المجتهدون، أحمده سبحانه استتماماً لنعمته، واستسلاما لعزته، واستعصاما من معصيته، وأستعينه فاقةً إلى كفايته، إنه لا يضل من هداه، ولا يئل من عاداه، ولا يفتقر من كفاه، له الحمد فرض علينا حج بيته الحرام، الذي جعله قبلة للأنام، يردونه رجالاً وركباناً كل عام، ويألهون إليه ولوه الحمام، جعله سبحانه علامةً لتواضعهم لعظمته، وإذعانهم لعزته، فاختار من خلقه سُمَّاعاً أجابوا إليه دعوته، وصدقوا كلمته، ووقفوا موقف أنبيائه، يُحرزون الأرباح في متجر عبادته، ويتبادرون عند موعد مغفرته، جعله سبحانه وتعالى للإسلام علما، وللقاصدين حرما، فرض حجه، وأوجب حقه، وكتب علينا وفادته، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة نتمسك بها أبدا ما أبقانا، وندخرنا لأهاويل ما يلقانا، فإنها عزيمة الإيمان، وفاتحة الإحسان، ومرضاة الرحمن، ومدحرة الشيطان، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالدين المشهور، والعلم المأثور، والكتاب المسطور، والنور الساطع، والضياء اللامع، والأمر الصادع. إزاحةً للشبهات، واحتجاجاً بالبينات، وتحذيراً بالآيات، وتخويفاً بالمثلات، فصلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى أصحابه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر، ولله الحمد، الله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً. الله أكبر عدد ما ذكره الحاجون وبكوا، والله أكبر عدد ما طافوا بالبيت الحرام وسعوا، الله أكبر عدد ما زهرت النجوم، وتلاحمت الغيوم، والله أكبر عدد ما أمطرت السماء، وعدد ما غسق واقب أو لاح ضياء، الله أكبر عدد خلقه، وزنة عرشه، ومداد كلماته، الله أكبر الله أكبر، الله أكبر كبيراً
اوصيكم ونفسي بتقوى الله واعلموا أن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.

ثم أما بعد:

عباد الله: إخوانكم في هذه الأيام يستعدون لعقد الإحرام، ويقصدون البيت الحرام، ويملأوا الفضاء بالتلبية والتكبير والتهليل والتحميد والإعظام.

تلبية لنداء إبراهيم عليه السلام: وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير ثم لقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق [الحج:27].

ولقوله عز وجل: ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا [آل عمران:97].

ولقوله عز وجل: وأتموا الحج والعمرة لله [البقرة:19].

وقال : ((بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت من استطاع إليه سبيلا)) رواه البخاري ومسلم

وقد ورد في فضيلة هذه العبادة أحاديث كثيرة منها ما رواه الشيخان من حديث أبي هريرة قال: ((سئل رسول الله أي العمل أفضل؟ قال: ((إيمان بالله ورسوله)) قيل: ثم ماذا؟ قال: ((الجهاد في سبيل الله))، قيل: ثم ماذا؟ قال: ((حج مبرور)) وعنه قال: ((من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه)رواه البخاري وابن ماجه. وعنه قال: ((العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة))رواه البخاري ومسلم. وعن عائشة قالت: ((قلت يا رسول الله: نرى الجهاد أفضل العمل أفلا نجاهد؟ قال لكن أفضل الجهاد، حج مبرور))رواه البخاري واحمد.

والحج المبرور عباد الله يشتمل على أمور:

منها: الإحسان إلى الناس بجميع وجوه الإحسان، ففي صحيح مسلم أن النبي سئل عن البر فقال: ((حسن الخلق))رواه مسلم.

وكان ابن عمر ينشد:

بُنَيّ إن أبر شيء هين وجه طليق ولسان لين

والإحسان إلى الناس في الحج بالقول والفعل يحتاج إليه كثيرا في السفر، وفي المسند عن جابر عن النبي قال: ((الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة قالوا: وما بر الحج يا رسول الله؟ قال: إطعام الطعام وإفشاء السلام))رواه الطبراني.

وقالوا: البر هو فعل الطاعات كلها وضده الإثم.

قال الله تعالى: ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب [البقرة :177].

وكلها يحتاج إليها الحاج، فلا يصح الحج بدون الإيمان، ولا يكون مبرورا بدون إقام الصلاة وإيتاء الزكاة، فأركان الإسلام مرتبط بعضها ببعض.

ومن أعظم أنواع البر عباد الله كثرة ذكر الله تعالى فيه، قال : ((أفضل الحج العج والثج))رواه الدارمي وقال الآلباني حديث حسن.

والعج هو رفع الصوت بالتلبية والذكر، والثج إراقة دماء الهدايا والنسك ومن أنواع البر في الحج كذلك عباد الله استحسان الهدي واستسمانها واستعظامها. قال الله عز وجل: والبدن جعلناها لكم من شعائر الله لكم فيها خير [الحج:36]. وقال: ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب [الحج:32]. وقد أهدى النبي في حجة الوداع مائة بدنة.

ومن بر الحج كذلك عباد الله اجتناب أفعال الإثم كلها، من الرفث والفسوق والمعاصي، قال الله عز وجل: فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج [البقرة:197].

وقال : ((من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه))رواه البخاري وأحمد والنسائي وابن ماجة عن أبي هريرة .

ومن بر الحج كذلك عباد الله أن يطيب العبد نفقته، فإن الله طيب لا يقبل إلا طيبا.

إذا حججت بمال أصله سحت فما حججت ولكن حجت العير

لا يقبل الله إلا كل طيبة ما كل من حج بيت الله مبرور

ومن بر الحج كذلك عباد الله أن لا يقصد العبد بحجه رياء ولا سمعة، ولا مباهاة ولا فخرا، ولا خيلاء، ولا يقصد به إلا وجه ربه ورضوانه، ويتواضع في حجه، ويستكين ويخشع لربه.

قال رجل لابن عمر رضي الله عنهما: ما أكثر الحاج! قال: ما أقلهم. وقيل: الركب كثير والحاج قليل.

والحج فريضة العمر - عباد الله – روى مسلم عن أبي هريرة قال: خطبنا رسول الله فقال: ((أيها الناس قد فرض عليكم الحج فحجوا، فقال رجل أكل عام يا رسول الله؟ فسكت حتى قالها ثلاثا. فقال رسول الله : لو قلت نعم لوجبت، ولما استطعتم، ثم قال ذروني ما تركتكم، فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم، واختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منها ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه))رواه مسلم.

والحج واجب عباد الله مع الاستطاعة لقول الله عز وجل: ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا [آل عمران:97]. وحد الاستطاعة أن يملك المسلم ما يوصله إلى البيت الحرام، مع نفقته ونفقة أهله حتى يرجع.

واختلف العلماء هل هذا الوجوب على سبيل الفور أو التراخي؟ فقال الشافعي وأصحابه: إنه على التراخي، وقال الإمام أحمد وأصحاب أبي حنيفة: إنه على الفور، وللإمام مالك قولان مشهوران.

والراجح من حيث الدليل أنه على الفور، أي إن العبد إذا ملك حد الاستطاعة، ينبغي عليه أن يحج بيت الله الحرام.

والأدلة على ذلك من كتاب الله عز وجل قوله تعالى: وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين [آل عمران:133]. وقوله عز وجل: سابقوا إلى مغفرة من ربكم [الحديد:21].

ولا شك أن المسارعة والمسابقة كلتاهما على الفور.

كذلك حذرنا الله عز وجل من اقتراب الأجل ونحن لا نشعر، فقال عز وجل: أولم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض وأن عسى أن يكون قد اقترب أجلهم [الأعراف:185].

ففي هذه الآية أنه يجب على الإنسان أن يبادر إلى امتثال الأمر خشية أن يعاجل العبد الموت وهو لا يدري.

وقد دلت السنة كذلك، بمجموعة أحاديث تصل بمجموعها إلى درجة الاحتجاج، فمن ذلك ما رواه ابن عباس عن الفضل أو أحدهما عن الآخر قال: قال رسول الله : ((من أراد الحج فليتعجل، فإنه قد يمرض المريض، وتضل الضالة، وتعرض الحاجة))رواه أحمد والبيهقي وصححه عبد الحق في الأحكام.

وعن عمر بن الخطاب قال: ((لقد هممت أن أبعث رجالا إلى هذه الأمصار، فتنظر كل من كانت له جدة، ولم يحج فيضربوا عليه الجزية، ما هم بمسلمين، ما هم بمسلمين)).

وكما دلت أدلة الشرع على وجوب الحج على الفور، فكم من إنسان يظن أنه يبقى سنين طويلة، ويخترمه الموت فجأة.

كما قال الله عز وجل: وأن عسى أن يكون قد اقترب أجلهم [الأعراف:185].

سبحان من جعل بيته الحرام مثابة للناس وأمنا، يترددون إليه ولا يرون أنهم قضوا منه وطرا، لما أضاف الله تعالى ذلك البيت إلى نفسه، ونسبه إليه بقوله عز وجل لخليله إبراهيم: وطهر بيتي للطائفين [الحج:26]، تعلقت قلوب المحبين ببيت محبوبهم، فكلما ذكر لهم ذلك البيت حنوا، وكلما تذكروا بعدهم عنه أنوا.
اقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه

الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين. لك الحمد ربنا على جزيل عطائك، ولك الحمد على قدسية ذاتك، وعظمة جلالك. وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، فهو الذي خلق وفرق،وهو الذي لطف ورزق، وهو الذي بيده النفع والضر، وهو الذي يحيى ويميت، منه المبتدى وإليه المنتهى. وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله.أرسله رحمة للعالمين بشيراً ونذيراً: {وَدَاعِياً إِلَى ٱللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُّنِيراً} [الأحزاب:46]. اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه على ملته وحملة لواء دعوته إلى يوم الدين
ثم اما بعد

يحق لمن رأى الواصلين وهو منقطع أن يقلق، ولمن شاهد السائرين إلى دار الأحبة وهو قاعد أن يحزن.

ألا قل لزوار دار الحبيب هنيئا لكم في الجنان الخلود

أفيضوا علينا من الماء فيضا فنحن عطاش وأنتم ورود

لئن ساروا وقعدنا، وقربوا وبعدنا، فما يؤمننا أن نكون ممن كره الله انبعاثهم فثبطهم، و قيل اقعدوا مع القاعدين.

لله در ركائب سارت بهم تطوي القفار الشاسعات على الدجى

رحلوا إلى البيت الحرام وقد شجا قلب المتيم منهم ما قد شجا

نزلوا بباب لا يخيب نزيله وقلوبهم بين المخافة والرجا

على أن المتخلف لعذر، شريك للسائر في الأجر، كما قال النبي للصحابة وهو راجع من غزوة تبوك: ((إن بالمدينة

أقواما، ما سرتم مسيرا، ولا قطعتم واديا، إلا كانوا معكم خلفهم العذر)).

يا سائرين إلى البيت العتيق لقد سرتم جسوما وسرنا نحن أرواحا

إنا أقمنا على عذر وقد راحوا ومن أقام على عذر كمن راحا

لما كان الله سبحانه وتعالى قد وضع في نفوس المؤمنين حنينا إلى مشاهدة بيته الحرام، وليس كل أحد قادر على مشاهدته في كل عام، فرض الله عز وجل على المستطيع الحج مرة واحدة في العمر، وجعل موسم العشر مشتركا بين السائرين والقاعدين، فمن عجز عن الحج في عام قدر في العشر على عمل يعمله في بيته أفضل من الجهاد الذي هو أفضل من الحج، روى البخاري من حديث ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي قال: ((ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام)) يعني أيام العشر. ((فقالوا: يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله قال: ((ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجلا خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء))رواه البخاري وأحمد وأبو داود وابن ماجة عن أنس ورواه مسلم وابن ماجة عن جابر .

وهذا الحديث يدل على أن العمل المفضول في الوقت الفاضل يلتحق بالفاضل في غيره ويزيد عليه.

فيستحب الإكثار من العبادات كلها في أيام العشر، كذكر الله عز وجل، والصلاة، والصيام، والصدقة، والجمهور على أن عشر ذي الحجة هي المقصودة بقول الله عز وجل: والفجر وليال عشر [الفجر:1].

وكان السلف يعظمون ثلاثة أعشار، عشر ذي الحجة والعشر الأواخر من رمضان، والعشر الأول من شهر الله المحرم.

ودل على استحباب كثرة الذكر في أيام العشر قوله عز وجل: ويذكروا اسم الله في أيام معلومات [الحج:28].

فإن الأيام المعلومات هي أيام العشر عند جمهور العلماء، ومن أيام العشر يوم عرفة، وهو عيد أهل الموقف، وفيه أكمل الله عز وجل للمسلمين دينهم، فنزلت: اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا [المائدة:3].

وهو يوم مغفرة الذنوب، والتجاوز عنها، والعتق من النار، والمباهاة بأهل الموقف، ففي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها عن النبي قال: ((ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة، فيقول ما أراد هؤلاء))رواه مسلم.

ويستحب صيام يوم عرفة لأهل الأمصار، ففي صحيح مسلم عن أبي قتادة عن النبي قال: ((صيام يوم عرفة أحتسب على الله، أن يكفر السنة التي قبله والتي بعده)) رواه مسلم.

ويستحب لأهل الموقف الإفطار لأنهم ضيوف الرحمن والكريم لا يجوّع أضيافه.

اللهم وفق إخواننا زوار بيتك الحرام لحج مبرور.

اللهم اجعله حجا مبرورا.

اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا، ومتعنا بأسماعنا وأبصارنا وقواتنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك ولا يرحمنا.
صلوا وسلموات على من امركم الله بالصلاة والسلام عليه

المناضل السليماني 19-11-2009 07:49 PM

رد : ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب آآآآآآمل التثبيت
 

خطبة عن الحج

الخطبة الأولى
الحمد لله، الحمد لله الذي لا يبلغ مدحته القائلون، ولا يحصي نعماءه العادّون، ولا يؤدي حقه المجتهدون، أحمده سبحانه استتماماً لنعمته، واستسلاما لعزته، واستعصاما من معصيته، وأستعينه فاقةً إلى كفايته، إنه لا يضل من هداه، ولا يئل من عاداه، ولا يفتقر من كفاه، له الحمد فرض علينا حج بيته الحرام، الذي جعله قبلة للأنام، يردونه رجالاً وركباناً كل عام، ويألهون إليه ولوه الحمام، جعله سبحانه علامةً لتواضعهم لعظمته، وإذعانهم لعزته، فاختار من خلقه سُمَّاعاً أجابوا إليه دعوته، وصدقوا كلمته، ووقفوا موقف أنبيائه، يُحرزون الأرباح في متجر عبادته، ويتبادرون عند موعد مغفرته، جعله سبحانه وتعالى للإسلام علما، وللقاصدين حرما، فرض حجه، وأوجب حقه، وكتب علينا وفادته، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة نتمسك بها أبدا ما أبقانا، وندخرنا لأهاويل ما يلقانا، فإنها عزيمة الإيمان، وفاتحة الإحسان، ومرضاة الرحمن، ومدحرة الشيطان، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالدين المشهور، والعلم المأثور، والكتاب المسطور، والنور الساطع، والضياء اللامع، والأمر الصادع. إزاحةً للشبهات، واحتجاجاً بالبينات، وتحذيراً بالآيات، وتخويفاً بالمثلات، فصلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى أصحابه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر، ولله الحمد، الله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً. الله أكبر عدد ما ذكره الحاجون وبكوا، والله أكبر عدد ما طافوا بالبيت الحرام وسعوا، الله أكبر عدد ما زهرت النجوم، وتلاحمت الغيوم، والله أكبر عدد ما أمطرت السماء، وعدد ما غسق واقب أو لاح ضياء، الله أكبر عدد خلقه، وزنة عرشه، ومداد كلماته، الله أكبر الله أكبر، الله أكبر كبيراً.




أما بعد:

أحبتي في الله: الدين الإسلامي أعم الأديان سعادة وهناء، وأكثرها ملاءمة للطبائع البشرية، وأعظمها صلاحية للإنسان في كل زمان ومكان، فهو دين العقيدة والإيمان، دين الفضائل والأخلاق، يُحق الحق، ويبطل الباطل، ولو كره الكافرون. هُوَ ٱلَّذِى أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِٱلْهُدَىٰ وَدِينِ ٱلْحَقّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى ٱلدّينِ كُلّهِ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْمُشْرِكُونَ [الصف:9].

وإن هذا الدين قد أسس على أركان قوية يشد بعضها بعضاً، وإن من أركانه العظيمة الحج، الذي هو الركن الخامس من أركان الإسلام وَأَذّن فِى ٱلنَّاسِ بِٱلْحَجّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَىٰ كُلّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلّ فَجّ عَميِقٍ لّيَشْهَدُواْ مَنَـٰفِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ فِى أَيَّامٍ مَّعْلُومَـٰتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُمْ مّن بَهِيمَةِ ٱلاْنْعَامِ فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ ٱلْبَائِسَ ٱلْفَقِيرَ ثُمَّ لْيَقْضُواْ تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُواْ نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُواْ بِٱلْبَيْتِ ٱلْعَتِيقِ ذٰلِكَ وَمَن يُعَظّمْ حُرُمَـٰتِ ٱللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبّهِ [الحج:27-30].

والحج رحلة قدسية مباركة يقضي فيها المؤمن أوقاته في عبادة وذكر ودعاء، وتسمو فيها روحه في عالم من الطهر والصفاء والنقاء، فيعود الحاج من هذا الركن، وقد تطهرت روحه، وهُذبت أخلاقه، وحسنت معاملته، وغُفرت ذنوبه يقول : ((من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق غُفر له ما تقدم من ذنبه)) [الترمذي: 811].

وعندما تتحرك قوافل الحجاج ميممة وجهها شطر البيت الحرام لأداء مناسك الحج، فإنها تستجيب للنداء الخالد، الذي أعلنه أبو الأنبياء – عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام – وَأَذّن فِى ٱلنَّاسِ بِٱلْحَجّ يَأْتُوكَ رِجَالاً [الحج:27].

وتحقق ما أمرها به نبيها بقوله: ((تابعوا بين الحج والعمرة، فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة، وليس للحجة المبرورة ثواب إلا الجنة)) [الترمذي: 810].

وتلهج في حجها بالدعاء الذي علمها نبيها : لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك.

والحج فريضة في العمر مرة، أخرج الترمذي: (814) بسنده عن علي ابن أبي طالب قال: لما نزلت: وَللَّهِ عَلَى ٱلنَّاسِ حِجُّ ٱلْبَيْتِ مَنِ ٱسْتَطَـٰعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً [آل عمران:97]. قالوا: يا رسول الله، أفي كل عام؟ فسكت، فقالوا: يا رسول الله، في كل عام؟ قال: ((لا، ولو قلت نعم لوجبت)).

والحج من أفضل الأعمال التي يتقرب بها العبد إلى مولاه، أخرج البخاري: (26) بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله سئل أي العمل أفضل؟ فقال: ((إيمان بالله ورسوله))، قيل: ثم ماذا؟ قال: ((الجهاد في سبيل الله))، قيل: ثم ماذا؟ قال: ((حج مبرور)).

والحاج يعود بعد حجه وقد تطهر من الآثام، واغتسل من الذنوب والمعاصي إذا أدى حجه بشروطه وأركانه وآدابه، فيبدأ حياة جديدة، ويفتح صفحة ناصعة، ويشرع في أعمال البر والتقوى، ويزاول الأعمال التي ترضي الله سبحانه وتعالى، أخرج مسلم: (121) بسنده عن عمرو بن العاص رضي الله عنه وفيه: فلما جعل الله الإسلام في قلبي أتيت النبي ، فقلت: ابسط يمينك فلأبايعك، فبسط يمينه، قال: فقبضت يدي قال: ما لك يا عمرو؟ قال: قلت: أردت أن أشترط، قال: ((تشترط بماذا))؟ قلت: أن يُغفر لي، قال: ((أما علمت أن الإسلام يهدم ما قبله، وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها، وأن الحج يهدم ما كان قبله)).

إخوة الإسلام: وإذا كان ثواب الحج كبيراً وأجره عظيماً، فلا ينبغي لمسلم أن يتقاعس عن أداء هذه الفريضة، ويسوف بها بذريعة أدائها فيما بعد من الأيام والأعوام، فهو لا يدري ما يحدث له، والمستقبل مجهول، والغد غيب، ولا يعلم الغيب إلا الله، بل الواجب عليه أن يتعجل الحج، وأن يبادر لأدائه، فهذا رسول الله يقول: ((تعجلوا الحج – يعني الفريضة – فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له)) [أحمد]. وفي رواية لأحمد والبيهقي: ((من أراد الحج فليحج، فإنه قد يمرض المريض، وتضل الراحلة، وتكون الحاجة)).

فإذا هُيئت لك الأسباب فلا تتقاعس، فلربما أتتك ظروف ومشاغل حالت بينك وبين أداء هذه الفريضة، إذا كنت اليوم صحيح الجسم، خالياً من الارتباطات والمشاكل، تملك المال الذي تنفق، فاغنم هذه الفرصة، فقد لا تعوض، يقول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لقد هممت أن أبعث رجالاً إلى هذه الأمصار فينظروا إلى كل من كان عنده جدة – سعة – فلم يحج فيضربوا عليهم الجزية، ما هم بمسلمين، ما هم بمسلمين.

وعلى الحاج أن يلتزم في حجه بالأخلاق الإسلامية الفاضلة من الحلم والأناة وكظم الغيظ، وضبط الأعصاب، وتحمل هفوات الآخرين، وعدم التسبب في إيذاء الآخرين، وقضاء الأوقات في الذكر والعبادة، والابتعاد عن أحاديث اللغو الباطل، والكلام الفارغ، وذلك حتى يسلم له ثواب العبادة، ويكون حجه مبروراً.

سئل الحسن البصري رحمه الله: ما الحج المبرور؟ فقال: أن تعود زاهداً في الدنيا، راغباً في الآخرة.

وعلى الإنسان أن يختار في حجه من ماله الطيب الذي لا شبهة فيه من الحرام، فإن الله طيب لا يقبل إلا طيباً، والمال الحرام يحول دون قبول العمل، ويجر الوبال على صاحبه، فالنفقة الحرام في الحج تضع صاحبها إلى أحط الدركات، وتحول بينه وبين إجابة الدعاء، أما النفقة الحلال فإنها ترفع صاحبها إلى أعلى الدرجات، وتكون سبباً في قبول عمله.

والنفقة في الحج تعدل النفقة في سبيل الله، أخرج أحمد بإسناد حسن عن بريدة رضي الله عنه قال رسول الله : ((النفقة في الحج كالنفقة في سبيل الله بسبعمائة ضعف)) [5/355].

فاحرصوا – رحمكم الله – على المال الحلال الذي تحجون فيه، واعلموا أن الحجاج وفد الله، إذا دعوه أجابهم، وإن استغفروه غفر لهم، فكونوا منهم، واسعدوا بلقائهم، واحرصوا على أن يدعوا لكم بالخير تفلحوا.

ذكر المنذري: 1660 بسند حسن عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله : ((الحجاج والعمار وفد الله، إن دعوة أجابهم، وإن استغفروه غفر لهم))، وفي رواية لأبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله : ((يُغفر للحاج ولمن استغفر له الحاج)).

فبادروا – رحمكم الله – إلى أداء هذا الركن العظيم، واحرصوا على ذلك، وتعجلوا، فإن السبل موفرة – ولله الحمد – والطرق آمنة، والخدمات التي تقوم بها هذه الدولة المباركة قد يسرت على الحجاج الكثير من المتاعب، ويسرت لهم أداء هذه الفريضة، فتعجلوها يكتب لكم الخير في الدنيا والآخرة، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَللَّهِ عَلَى ٱلنَّاسِ حِجُّ ٱلْبَيْتِ مَنِ ٱسْتَطَـٰعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ ٱلله غَنِىٌّ عَنِ ٱلْعَـٰلَمِينَ [آل عمران:97].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، اللهم اجعل حجنا مبروراً وسعينا مشكوراً، وذنبنا مغفوراً، اللهم اغفر للحجاج، اللهم اغفر لأمة محمد أجمعين، واجمعهم على الحق يا رب العالمين، واجعلهم إخوة متحابين، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.







الخطبة الثانية



الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه. . أما بعد:

إخوة الإسلام:

الأيام ليست كلها سواء، والأوقات وساعات الليل والنهار ليست بمرتبة واحدة، فهناك أيام فاضلة وساعات كريمة تتنزل فيها الرحمة، ويعم فيها الفضل ويفيض الخير الإلهي، ومن هذه الأيام أيام العشر من ذي الحجة التي نحن نعيشها في هذه الأيام، يقول : ((ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر – عشر ذي الحج -))، فقالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ فقال: ((ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء)).

وهذه الأيام المباركات الواجب على المسلم أن يشغلها بالأعمال الصالحة التي يتقرب بها إلى مولاه من الصلاة والصيام والدعاء وقراءة القرآن وإطعام الطعام وإغاثة الملهوف وإكرام الحاج والإحسان إليه وبذل المساعدة له، وكذلك التكبير، فقد كان ابن عمر وأبو هريرة – رضي الله عنهما – يخرجان إلى السوق في أيام العشر يكبران، ويكبر الناس بتكبيرهما.

ولقد كان سلفنا الصالح – رضوان الله عليهم – شديدي الحرص على هذه العشر، فهذا سعيد بن جبير – رحمه الله – كان إذا دخل أيام العشر اجتهد اجتهاداً شديداً حتى ما يكاد يقدر عليه.

فاتقوا الله عباد الله، وأروا الله من أنفسكم خيراً، فالسعيد من وفق لطاعة الله، اللهم وفقنا لما تحبه وترضاه، ثم صلوا وسلموا على البشير النذير والسراج المنير، فقد أمركم بذلك مولانا الكريم: إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً [الأحزاب:56].


المناضل السليماني 23-11-2009 11:21 AM

رد : ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب آآآآآآمل التثبيت
 

خطبة عن عيد الأضحى المبارك
الخطبة الأولى
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله بكرة وأصيلاً، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
الله أكبر كلَّما أحرَموا من الميقات، وكلَّما لبَّى الملبّون وزيدَ في الحسنات، الله أكبر كلمَا دخلوا فجاجَ مكة آمنين، وكلَّما طافوا بالبيت الحرام وسعوا بين الصفا والمروة ذاكرين الله مكبّرين.
عندما يقبِل العيدُ تشرِق الأرضُ في أبهى صورَة، ويبدو الكونُ في أزهى حللِه، كلّ هذه المظاهر الرائعةِ تعبيرٌ عن فرحةِ المسلمين بالعيد، وهل أفرحُ للقلب من فرحةٍ نال بها رضا ربّ العالمين لِما قدّمه من طاعةٍ وعمل وإحسان.
سرورُ المسلم بسعيه وكدحه وفرحتُه بثمرة عمله ونتاج جهدِه من الأمورِ المسلّم بها، بل إنَّ أهلَ الآخرة وطلابَ الفضيلة لأشدّ فرحاً بثمرة أعمالهم مع فضل الله الواسع ورحمته الغامرة، قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مّمَّا يَجْمَعُونَ [يونس:58].
وحُقّ للمؤمن أن يفرحَ ويتهللّ عقِب عشرٍ مباركة عظيمةٍ من شهر ذي الحجَّة صام فيها وقامَ وأذاب الجسمَ في مواطِن الخير ومسالك الجدّ ووجوه العملِ الصالح.
يقعُ هذا العيدُ شكراً لله تعالى على العبادات الواقعة في شهر ذي الحجة، وأعظمُها إقامة وظيفةِ الحجّ، فكانت مشروعيةُ العيد تكملةً لما اتّصل وشكراً لله تعالى على نعمِه التي أنعمَ الله بها على عباده، وتكريمٌ من الله لجميع المسلمين بأن جعلَ لهم عقبَ الأعمال الصالحة وعقبَ يومِ عرفَة عيدَ الأضحى. إظهارُ الفرح والسرور في العيدين مندوبٌ ومن شعائر هذا الدين الحنيف.
يومُ العيد يمثّل وسطيّةَ الدين، بهجة النفس مع صفاء العقيدة، إيمان القلب مع متعة الجوارح. العيدُ في حساب العمر وجريِ الأيام والليالي أيامٌ معدودة معلومَة، ومناسبةٌ لها خصوصيّتها، لا تقتصر الفرحةُ فيه على المظاهر الخارجيّة، لكنّها تنفذ إلى الأعماق وتنطلق إلى القلوب، فودِّع الهمومَ والأحزان، ولا تحقد على أحد من بني الإنسان، شاركِ الناسَ فرحتَهم، أقبِل على الناس، واحذَر ظلمَهم والمعصيةَ، فليس العيدُ لمن لبس الجديدَ، إنما العيد لمن خاف يومَ الوعيد.
إنَّها فرحةٌ تشمَل الغنيَّ والفقير، ومساواةٌ بين أفرادِ المجتمع كبيرِهم وصغيرِهم، فالموسرون يبسطون أيديَهم بالجود والسخاء، وتتحرَّك نفوسهم بالشفقة والرحمة، وتسري في قلوبهم روحُ المحبّة والتآخي، فتذهب عنهم الضغائن وتسودُهم المحبّة والمودة.
في العيد ـ عباد الله ـ تتصافى القلوب، وتتصافَح الأيدي، ويتبادَل الجميعُ التهانيَ. وإذا كان في القلوب رواسبُ خصامٍ أو أحقاد فإنها في العيد تُسلُّ فتزول، وإن كان في الوجوه العبوسُ فإنَّ العيدَ يدخل البهجةَ إلى الأرواح والبسمةَ إلى الوجوه والشِّفاه، كأنَّما العيد فرصةٌ لكلّ مسلمٍ ليتطهَّر من درن الأخطاء، فلا يبقى في قلبِه إلا بياضُ الألفة ونور الإيمان، لتشرق الدنيا من حوله في اقترابٍ من إخوانه ومحبِّيه ومعارفِه وأقاربِه وجيرانه.
إذَا التقى المسلمان في يوم العيد وقد باعدت بينهما الخلافاتُ أو قعدت بهما الحزازات فأعظمُهما أجراً البادئ أخاه بالسلام.
في هذا اليوم ينبغي أن ينسلخَ كلّ إنسان عن كبريائه، وينسلخَ عن تفاخرِه وتباهيه، بحيث لا يفكّر بأنّه أغنى أو أثرى أو أفضل من الآخرين، وبحيث لا يتخيّل الغنيّ مهما كثُر مالُه أنّه أفضلُ من الفقير.
بناءُ الأمة الداخلي ـ عباد الله ـ قاعدةُ كلّ بناءٍ واستقرار وانطلاقٍ حضاريّ، والعيدُ مناسبة لتغذيةِ هذا البناء، بتحقيق مقتضياتِ الأخوّة، صفاء للنفس، الترابط بين الإخوة، زرع الثقة بين أفراد الأمة صغيرِها وكبيرِها. بناءُ الأمة داخلياً مطلبٌ مُلِحٌّ وعنصر رئيس في مفردات معاني القوّة التي تنشدها الأمّة اليوم لتقيَ أبناءها موجاتِ فتنٍ هائجة وتياراتِ محنٍ سائرة تكاد تعصف بل كادت تعصف بالعالم المعاصر.
أعظمُ البلاء أن تؤتَى الأمةُ من داخلها، ويُنخَر جسدها، فلا تقوى على مقاومةِ الرياح العاتية، قال تعالى: وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ [الأنفال:46]، والقرآن يوضِّح لنا بجلاءٍ ما الذي أصابَ ويصيبُ الأمة قال تعالى: أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَاذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ [آل عمران:165]، قل: هو من عند أنفسكم، ضعفٌ في الإيمان، هجرٌ للقرآن، تضييعٌ لآكد أركانِ الإيمان الصلاة، منعُ الزكاة، تراشقٌ بالتهَم بين المسلمين، حبُّ الدنيا، فشوّ المعاصي، ضعفُ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، تعالمُ الغلمان، تصدّر الأقزام، تقاطعٌ وتدابر، تشاحن وسوءُ ظن، إلى غير ذلك من الأجواء التي يحيط بها من نوّر الله بصيرتَه وطَهّر سريرته، قال تعالى: الَّذِينَ إِنْ مَّكَّنَّاهُمْ فِى الأرْضِ أَقَامُواْ الصلاةَ وَاتَوُاْ الزكاةَ وَأَمَرُواْ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْاْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأمُورِ [الحج:41].
العيد ـ عباد الله ـ مناسبةٌ للمراجعة الصادقة مع النفس، نتأمَّل فيها حكمةَ الله في قضائه، نتأمَّل قدرتَه وحكمَ آجاله، نتذكَّر إخوةً لنا أو أصدقاءَ أو أقرباءَ كانوا معنا في أعيادٍ مضت، كانوا ملءَ السمع والبصر اخترمتهم المنون، فندعو لهم بالرحمة والمغفرة والرضوان.
لم يكن فرحُ المسلمين في أعيادهم فرحَ لهوٍ ولعب، تُقتحَم فيه المحرَّمات، وتنتَهَك الأعراض، وتشرَّد فيه العقول أو تُسلَب، إنما هو فرحٌ تبقى معه المعاني الفاضلةُ التي اكتسبَها المسلمُ من العبادة، وليسَ كما يظنّ بعضُهم أنَّ غيرةَ اللهِ على حدودِه ومحارمِه في مواسمَ محدّدةٍ ثم تُستبَاح المحرَّمات.
إنَّ يومَ العيد ليسَ تمرّداً من معنى العبوديّة وانهماكاً في الشهوات، كلاَّ، إنَّ من يفعل هذا لا يتمثّل معنى العيدِ بصفائه ونقائه، بل هو في غمٍّ وحزن وخسارة، ذلك أن يومَ العيد هو يومُ طاعة ونعمةٍ وشكر، قال تعالى: لَئِن شَكَرْتُمْ لأزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِى لَشَدِيدٌ [إبراهيم:7].
عباد الله، في العيد نسترجع إلى ذاكرتنا معانيَ كثيرةً، وتُرسم أمام أعينِنا صورةُ ذلك النبي الكريم إبراهيم عليه السلام وهو يقود ابنه وفلذة كبده إسماعيل لينحرَه قرباناً لله تعالى، أيُّ امتثال عظيم، وأيُّ طاعة عميقة، وأيُّ يقينٍ ثابت، ذلك الذي تغلّب على مشاعرِ الأبوّة الفطرية، وانطلق وهو ثابت الجنان غيرَ متردِّد ولا كارِه لينفّذَ أمرَ الله: إِنّى أَرَى فِى الْمَنَامِ أَنّى أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى. ثمّ أيُّ استسلامٍ للقدر، وأيُّ رضا به، ذلك الذي جعل إسماعيلَ يقول لوالده: افْعَلْ مَا تُؤمَرُ سَتَجِدُنِى إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ [الصافات:102].
إنها ـ عباد الله ـ الطاعة، وإنه الإيمان في أبهى نماذجِه وأوفرِ عطائه.
إنَّ يومَ النحرِ يعيد إلى خواطرنا هذه المواقفَ العظيمة، فهو يومُ الاختبار والابتلاء الذي نجح فيه إبراهيمُ وإسماعيل أيّما نجاح.
يؤكِّد يومُ النحر معنى التضحيةِ إثباتاً للإيمان ودليلاً على العبودية، فالطاعةُ دليلُها التضحية، والإيمان لا يُعرَفُ مداه حتّى يوضَع على المحكّ، سنّة الله في خلقه، ولن تجد لسنّة الله تبديلاً.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
-------------------------
الخطبة الثانية
الحمد لله مدبّرِ الأحوال، أحمده سبحانه وأشكره في الحال والمآل، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تفرّد بالعظمة والجلال، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله أكرمه الله بأفضل الخصال، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ما دامت الأيام والليال.
أما بعد: فالأضحية ـ عباد الله ـ مشروعة بكتاب الله وسنة رسوله وإجماع علماء المسلمين، وبها يشارك أهلُ البلدان حجاجَ البيت في بعض شعائر الحجّ، فالحجاج يتقرّبون إلى الله بذبح الهدايا، وأهلُ البلدان يتقرّبون إليه بذبح الضحايا، وهذا من رحمة الله بعباده، فضحُّوا ـ أيها المسلمون ـ عن أنفسكم وعن أهليكم تعبّداً لله تعالى وتقرّبا إليه واتباعاً لسنة رسوله .
والواحدةُ من الغنم تجزئ عن الرجل وأهلِ بيتِه الأحياءِ والأموات، والسُّبع من البعير أو البقرة يجزئ عما تجزِئ عنه الواحدة من الغنم، فيجزئ عن الرجل وأهلِ بيتِه الأحياءِ والأموات. ومن الخطأ أن يضحِّيَ الإنسان عن أمواتِه من عند نفسه ويترك نفسَه وأهلَه الأحياء.
ولا تجزئ الأضحيةُ إلا من بهيمة الأنعام، وهي الإبل والبقر والغنم ضأنُها ومعزها لقوله تعالى: وَلِكُلّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لّيَذْكُرُواْ اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مّن بَهِيمَةِ الأنْعَامِ [الحج:34].
ولا تجزئ الأضحيةُ إلا بما بلغ السنَّ المعتبرَ شرعاً، وهي ستةُ أشهر في الضأن، وسنة في المعز، وسنتان في البقر، وخمسُ سنوات في الإبل، فلا يضحَّى بما دون ذلك لقول النبي : ((لا تذبحوا إلا مسنّة، إلا أن يعسر عليكم فتذبحوا جذعةً من الضأن)) أخرجه مسلم.
ولا تجزئ الأضحيةُ إلا بما كان سليماً من العيوب التي تمنَع من الإجزاء، فلا يُضحَّى بالعوراء البيّنِ عورها، وهي التي نتأت عينُها العوراء أو انخسفت، ولا بالعرجاء البيِّنِ ظلعها، وهي التي لا تستطيع المشيَ مع السليمة، ولا بالمريضة البيّنِ مرضُها، وهي التي ظهرت آثارُ المرض عليها، بحيث يَعرف من رآها أنها مريضة من جرب أو حمّى أو جروح أو غيرها، ولا بالهزيلة التي لا مخّ فيها لأنّ النبي سئل: ماذا يُجتنب من الأضاحي؟ فأشار بيده وقال: ((العوراءُ البيّن عورُها، والمريضةُ البيّن مرضُها، والعرجاءُ البيّن ظلعها، والكسيرة التي لا تنقي)) أخرجه الترمذي والنسائي وأحمد
ولا تذبَحوا ضحاياكم إلا بعد انتهاءِ صلاة العيد وخطبتِها، واذبحوا ضحاياكم بأنفسكم إن أحسنتم الذبح، وقولوا: "بسم الله، والله أكبر"، وسمّوا من هي له عند ذلك اقتداءً بالنبي ، فإن لم تحسِنوا الذبحَ فاحضروه فإنه أفضلُ لكم وأبلغ في تعظيم الله والعناية بشعائره، قال الله تعالى: وَلِكُلّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لّيَذْكُرُواْ اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مّن بَهِيمَةِ الأنْعَامِ فَالهكُمْ اله واحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُواْ وَبَشّرِ الْمُخْبِتِينَ [الحج:34].
ألا وصلوا ـ عباد الله ـ على رسول الهدى، فقد أمركم الله بذلك في كتابه فقال: إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِىّ ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً [الأحزاب:56].
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين...

المناضل السليماني 04-12-2009 09:07 AM

رد : ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب آآآآآآمل التثبيت
 
الخطبة الأولى
ان الحمد لله نحمده ونستعينه ...................... اوصيكم ونفسي بتقوى الله
أيها المسلمون،: إن للذنوب والآثام عواقب جسيمة لا يعلمها إلا الملك العلام، فكم أهلكت من أمم ماضية وشعوب كانت قائمة فهل ترى لهم من باقية، وليس بيننا وبين الله نسب فقد قالت زينب رضي الله عنها انهلك وفينا الصالحون يارسول الله ؟ قال : نعم اذا كثر الخبث .
وقال سبحانه: وكم أهلكنا من القرون من بعد نوح وكفى بربك بذنوب عباده خبيرا بصيرا . فترى الأمم السالفة من عهد نوح إلى هذا الزمان كلما عصت أمة الله عز وجل، أجّلها مدة من الزمان لعلهم يتوبون ويرجعون، بل إن مع عصيانهم لله عز وجل قد يفتح عليهم بالنعم ولكنها استدراج، قال تعالى: فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبسلون فبيّن تعالى أن الناس إذا تركوا ما أمرتهم به رسله عليهم السلام فلم يأتمروا بأوامره ولم ينتهوا عن نواهيه فإنه تعالى قد يفتح عليهم الخيرات من سعة في الرزق ووفرة في الأموال وصحة في الأجسام وغيرها حتى إذا فرحوا بها واطمأنوا أخذهم الله أخذ عزيز مقتدر ولنا في الأمم السالفة العبر والعظات في بيان عقوبة المعاصي.
ما السبب في إخراج الأبوين من الجنة دار اللذة والنعيم والبهجة والسرور إلى دار الآلام والأحزان والمصائب؟ أليست المعاصي؟.
ما الذي أخرج إبليس عليه لعنة الله من ملكوت السماء وطرده من رحمة الله؟ أليست معصية الكبر والحسد؟، فبدل بالقرب بعدا وبالرحمة لعنة وبالجنة نارا تلظى.
ما الذي جعل الماء يعلو الجبال الراسية في عهد نوح ويغرق قومه إلا من نجاه الله عز وجل؟ أليس المعاصي والشرك؟.
إهلاك قوم عاد بالريح العقيم فما الذي أرسلها عليهم حتى أصبحوا وكأنهم أعجاز نخل خاوية وعبرة للمعتبرين؟ أليست المعاصي؟.
ما الذي أرسل على قوم شعيب سحاب العذاب كالظلل فلما صار فوق رؤوسهم أمطر عليهم ناراً تلظى؟ وما الذي خسف بقارون وداره وماله وما الذي بعث على بني إسرائيل قوما أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار وقتلوا الرجال وسبوا الذرية والنساء ونهبوا الأموال إنها المعاصي والذنوب قال عز وجل: فكلا أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون

وقالت عائشة: وإذا تخبلت السماء( يعني كثرت الغيوم والسحب) تغيّر لونه صلوات ربي وسلامه عليه وخرج ودخل وأقبل وأدبر، فإذا أمطرت سرى عنه، فعرفت ذلك عائشة فسألته فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((لعله يا عائشة كما قال قوم عاد: فلما رأوه عارضاً مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا )).
وفي صحيح البخاري قالت عائشة: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأى غيماً أو ريحاً عرف ذلك في وجهه قالت: يا رسول الله الناس إذا رأواه الغيم فرحوا رجاء أن يكون فيه المطر. وأراك إذا رأيته عُرف في وجهك الكراهية فقال: ((يا عائشة ما يأمنني أن يكون فيه عذاب، عذب قوم بالريح وقد رأى قوم العذاب فقالوا: هذا عارض ممطرنا))،

اعلموا رحمني الله وإياكم، بأن نزول الأمطار من نعم الله العظيمة، على القرى والمدن والمجتمعات، يستفيد منه الناس، وتستفيد البهائم، وكذلك الزروع وَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلْمُعْصِرَاتِ مَاء ثَجَّاجاً لِّنُخْرِجَ بِهِ حَبّاً وَنَبَاتاً وَجَنَّـٰتٍ أَلْفَافاً [النبأ: 14-16]، وقال عز وجل: أَفَرَءيْتُمُ ٱلْمَاء ٱلَّذِى تَشْرَبُونَ أَءنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ ٱلْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ ٱلْمُنزِلُونَ لَوْ نَشَاء جَعَلْنَـٰهُ أُجَاجاً فَلَوْلاَ تَشْكُرُونَ [الواقعة: 68-70].
ولقد شهدت بلادنا ولله الحمد والمنة، في الأيام القريبة الماضية، أمطاراً متفرقة. وإن استمرار نزول رحمات الرب، يحتاج من أهل القرى والمدن والشعوب والأمم، يحتاج الإيمان والطاعة والاستقامة. قال الله تعالى: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ ٱلْقُرَىٰ ءامَنُواْ وَٱتَّقَوْاْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَـٰتٍ مّنَ ٱلسَّمَاء وَٱلأرْضِ [الأعراف:96]، وإن استمرار نزول بركات المولى جل وعلا يحتاج منا إلى ترك الذنوب والمعاصي، والتوبة والاستغفار، قال الله تعالى: فَقُلْتُ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ ٱلسَّمَاء عَلَيْكُمْ مُّدْرَاراً وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوٰلٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّـٰتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً [نوح:10-12]، وقال عز وجل: وَيٰقَوْمِ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ ٱلسَّمَاء عَلَيْكُمْ مّدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ [هود:52].
وإن استمرار نزول الغيث يحتاج منا إلى أداء زكاة أموالنا، وفي الحديث: ((ولـم يمنعوا زكـاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا)).
لكن هناك وجه آخر لنـزول الأمطار من السماء، أحياناً، لا يكون نزوله رحمة، بل هو عذاب وعقوبة إلهية لتلك القرية، أو لتلك الأمة وقد أهلك الله عز وجل أمماً وأقواماً بهذا الماء، في القديم وفي الحديث. وقد ذكر الله عز وجل في كتابه، عقوبة الغرق بالماء، لأقوام عتوا عن أمر ربهم. وهم قوم نوح عليه السلام وذلك بعدما أعرضوا عن الدعوة، ولم يؤمنوا بما قال لهم نوح عليه السلام. أغرقهم الله عز وجل بالماء، بإرسال السماء عليهم مدراراً، وبتفجير ينابيع الأرض حتى تشكل طوفان هائل، وجعل سبحانه لنوح عليه السلامة علامة لبداية عملية إغراق أولئك القوم بالماء، هو فوران التنور، قال الله تعالى: ٱصْنَعِ ٱلْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا فَإِذَا جَاء أَمْرُنَا وَفَارَ ٱلتَّنُّورُ فَٱسْلُكْ فِيهَا مِن كُلّ زَوْجَيْنِ ٱثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ ٱلْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلاَ تُخَاطِبْنِى فِى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ إِنَّهُمْ مُّغْرَقُونَ [المؤمنون:27]، وقال سبحانه: حَتَّىٰ إِذَا جَاء أَمْرُنَا وَفَارَ ٱلتَّنُّورُ قُلْنَا ٱحْمِلْ فِيهَا مِن كُلّ زَوْجَيْنِ ٱثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ ٱلْقَوْلُ وَمَنْ ءامَنَ وَمَا ءامَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ [هود:40]، وجاء تفصيل عملية الغرق بالماء في موضع آخر فقـال عز من قائـل: فَفَتَحْنَا أَبْوٰبَ ٱلسَّمَاء بِمَاء مُّنْهَمِرٍ وَفَجَّرْنَا ٱلأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى ٱلمَاء عَلَىٰ أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ * وَحَمَلْنَاهُ عَلَىٰ ذَاتِ أَلْوٰحٍ وَدُسُرٍ * تَجْرِى بِأَعْيُنِنَا جَزَاء لّمَن كَانَ كُفِرَ [القمر:11-14].
وعقوبة الغرق بالماء، حصلت أيضاً لقوم فرعون، وذلك عندما آذوا موسى عليه السلام، ولم يقبلوا ما جاء به، أغرقهم الله بالماء، الماء الذي كان فرعون يفتخر ويتكبر ويقول: أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي، فهذا الماء الذي كان يجري من تحته جعله الله فوقه، وهذه عقوبة التمرد على دين الله عز وجل، قال الله تعالى: وَجَاوَزْنَا بِبَنِى إِسْرٰءيلَ ٱلْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّىٰ إِذَا أَدْرَكَهُ ٱلْغَرَقُ قَالَ ءامَنتُ أَنَّهُ لا إِلِـٰهَ إِلاَّ ٱلَّذِى ءامَنَتْ بِهِ بَنواْ إِسْرٰءيلَ وَأَنَاْ مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ ءالئَنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ ٱلْمُفْسِدِينَ فَٱلْيَوْمَ نُنَجّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ ءايَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مّنَ ٱلنَّاسِ عَنْ ءايَـٰتِنَا لَغَـٰفِلُونَ [يونس:90-92].
أيها المسلمون، هذا نوع من أنواع العقوبات الإلهية لأولئك الذين حاربوا دين الله عز وجل، أرسل الله لهم أحد جنوده، وهو الماء، فأغرق ودمّر بأمر الله عز وجل: وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبّكَ إِلاَّ هُوَ وَمَا هِىَ إِلاَّ ذِكْرَىٰ لِلْبَشَرِ [المدثر:31]، إن جنود الله عز وجل في إهلاك المخالفين وتأديب المعاندين، وتذكير المتآخرين بما حصل للمتقدمين لا عد له ولا حصر، والله جل وتعالى يهلك ويعاقب كل قرية بما يناسبها. وإليكم بعض صور عقوبات الله.
فمن عقوبات الله عز وجل، بدل إمطار الماء، إمطار الحجارة قال عز وجل: فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَـٰلِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مّن سِجّيلٍ مَّنْضُودٍ مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبّكَ وَمَا هِى مِنَ ٱلظَّـٰلِمِينَ بِبَعِيدٍ [هود:82، 83]، هذه هي العقوبة التي حصلت لأهل تلك القرية، التي انتشرت فيها الفاحشة، عاقبهم الله عز وجل بعقوبتين: الأولى: جعلنا عاليها سافلها: وضع جبريل عليه السلام جناحه ثم رفع القرية إلى السماء، حتى سمع أهل السماء بنباح كلابهم، ثم قلبها. العقوبة الثانية: وأمطرنا عليهم حجارة. إن الماء لو كثر نزوله من السماء، لأفسد وخرّب ولا أحد يستطيع أن يقف في وجهه، مهما أوتي من قوة، فما بالكم إذا كانت الأمطار من حجارة، نعوذ بالله من الخذلان، لكن هذه هي عقوبة القرية التي ينتشر فيها الفاحشة التي ذكرها الله عز وجل.
ومن عقوبات الله جل وتعالى لأهل القرى التفرق، نعم، فقد يوقع الله التفرق في مجتمع أو في أمة بسبب المخالفات التي يرتكبونها، فلا تجدهم يتفقون على رأي، قال الله تعالى: وَمِنَ ٱلَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَـٰرَىٰ أَخَذْنَا مِيثَـٰقَهُمْ فَنَسُواْ حَظّاً مّمَّا ذُكِرُواْ بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ ٱلْعَدَاوَةَ وَٱلْبَغْضَاء إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَـٰمَةِ وَسَوْفَ يُنَبّئُهُمُ ٱللَّهُ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ [المائدة:14]. أي عقوبة أشد من أن أبناء الدين الواحد يحصل بينهم العداوة والبغضاء، والسبب: أنهم نسوا حظاً مما ذكروا به.
ومن عقوبات الله أيضاً، إرسال الريح، هذا الهواء الجميل، لو زاد بأمـر الله عز وجل لتحول من نعمة إلى نقمة، ولقد عوقب أقوام بالريح، فأفسد عليهم منازلهم وخرّب بيوتهم قال الله تعالى: فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِى أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ لّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ ٱلْخِزْىِ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَلَعَذَابُ ٱلآخِرَةِ أَخْزَىٰ وَهُمْ لاَ يُنصَرُونَ [فصلت:16]. وقال عز وجل: وَفِى عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ ٱلرّيحَ ٱلْعَقِيمَ مَا تَذَرُ مِن شَىْء أَتَتْ عَلَيْهِ إِلاَّ جَعَلَتْهُ كَٱلرَّمِيمِ [الذاريات:41، 42]، وقال سبحانه: وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُواْ بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَـٰنِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى ٱلْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَىٰ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ [الحاقة:6، 7]. ما أهون الخلق على الله، إذا هم خالفوا أمره، وحاربوا دينه، وآذوا أولياءه.
فاتقوا الله أيها المسلمون، اتقوا الله تعالى، هذه بعض عقوبات الله للأمم، والمجتمعات، وإلا فما ذكر في كتاب الله، أكثر من هذا، وليس المقام هنا، مقام استعراض هذه العقوبات، وإنما هذه بعضها، لندرك أن كل ما في الكون جنود لله عز وجل، وبأمره يعملون، وإذا أراد سبحانه شيئاً فإنما يقول له كن فيكون. فاتقوا الله عباد الله، واحذروا المخالفة، واحذروا الإعراض عما أمر الله، فإن الله جل وتعالى يغار على دينه، ويغار على أوليائه، والمخالفات والمعصيات، والتمرد، له زمن محدود، والله يمهل ولا يهمل.
وما من قرية حصل فيها شيء يخالف ما أمر الله به، إلا ونزل بهم ما يستحقون.
فنسأل الله جل وتعالى أن يعاملنا بلطفه ورحمته، وعفوه، وألا يؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
أقول ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم...


الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه...
عباد الله
من أسباب إهلاك الله للأمم، والمجتمعات الذنوب. قال الله تعالى: أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مّن قَرْنٍ مَّكَّنَّـٰهُمْ فِى ٱلأرْضِ مَا لَمْ نُمَكّن لَّكُمْ وَأَرْسَلْنَا ٱلسَّمَاء عَلَيْهِم مَّدْرَاراً وَجَعَلْنَا ٱلأنْهَـٰرَ تَجْرِى مِن تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَـٰهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْناً ءاخَرِينَ [الأنعام:6]. وقال عز وجل: فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّن أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُمْ مَّنْ أَخَذَتْهُ ٱلصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ ٱلأرْضَ وَمِنْهُمْ مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَـٰكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ [العنكبوت:40].
هكذا الذنوب تفعل بأصحابها، ونحن والله المستعان نستهين بها، بل أصبحت أشياءً عادية في حياتنا اليومية، وهي سبب رئيس في إهلاك الأمم والشعوب.
يقول أحدهم: كيف تريدون أن يلطف الله بنا؟ وينزل علينا نعمه ويرحمنا برحمته، وفي السابق كانت الأيدي ترتفع إلى السماء وتدعو ربها، والمولى يجيب سبحانه، والآن هذه الدشوش مرتفعة إلى السماء.وامتهن الحجاب وضيعت الصلوات
وكثر الخبث بأنواعه وتشبه بعض الشباب بالنساء وتشبهوا بأعداء الله من اليهود والنصارى في اللباس وقصات الشعر والحركات والرقص والله المستعان.
ومن أسباب إهلاك الأمم والشعوب الظلم وكم من العمال يقعون تحت ظلم من اتى بهم من بلادهم وظلم الزوجات وظلم الأبناء وظلم الولد لوالديه من عقوق ووصل الحد بهم إلى ان رموهم في دور العجزة، قال الله تعالى: أَلاَ لَعْنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلظَّـٰلِمِينَ [هود:18]، وقال سبحانه: وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ ٱلْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ [هود:117]، وقال: وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا ٱلْقُرُونَ مِن قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ وَجَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيّنَـٰتِ وَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ كَذٰلِكَ نَجْزِي ٱلْقَوْمَ ٱلْمُجْرِمِينَ [يونس:13]، وقال: وَتِلْكَ ٱلْقُرَىٰ أَهْلَكْنَـٰهُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِدًا [الكهف:59]. وقال: وَكَذٰلِكَ أَخْذُ رَبّكَ إِذَا أَخَذَ ٱلْقُرَىٰ وَهِىَ ظَـٰلِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ [هود:102]. كل هذا بسبب الظلم إذا انتشر في الأمة، فما بالك لو أضيف إليه دعوة المظلوم على من ظلمه:
لا تظلمن إذا ما كنت مقتدراً فالظلم آخـره يأتيـك بالندم
نامت عيونك والمظلوم منتبه يدعو عليك وعين الله لم تنـم
ومن أسباب الهلاك أيضاً: تبديل أمر الله، أياً كان هذا التبديل، فالله جل وتعالى يأمر بأوامر ثم تأتي هذه القرية، وتبدل ما أمر الله به، بأشياء من عندها، ومن زبالة أفكارها، سواءً كانت قضايا معاملات من بيع أو شراء، أو غيره.
قال تعالى: وَإِذْ قُلْنَا ٱدْخُلُواْ هَـٰذِهِ ٱلْقَرْيَةَ فَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَٱدْخُلُواْ ٱلْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُواْ حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَـٰيَـٰكُمْ وَسَنَزِيدُ ٱلْمُحْسِنِينَ فَبَدَّلَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوْلاً غَيْرَ ٱلَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ رِجْزًا مّنَ ٱلسَّمَاء بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ [البقرة:58، 59].
ومن أسباب هلاك القرى، ان يتخلق الناس بالمكر والكيد والتدبير، الذي يتعارض مع الحق. قال الله تعالى: قَدْ مَكَرَ ٱلَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ [النحل:26]، ـ كان هناك من قبلكم قد مكروا وخططوا ودبروا وفعلوا، فماذا كانت النتيجة ـ قَدْ مَكَرَ ٱلَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى ٱللَّهُ بُنْيَـٰنَهُمْ مّنَ ٱلْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ ٱلسَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ وَأَتَـٰهُمُ ٱلْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ [النحل:26]. وقال سبحانه: وَلاَ يَحِيقُ ٱلْمَكْرُ ٱلسَّيّىء إِلاَّ بِأَهْلِهِ [فاطر:43]، وقال عز وجل: أَفَأَمِنَ ٱلَّذِينَ مَكَرُواْ ٱلسَّيّئَاتِ أَن يَخْسِفَ ٱللَّهُ بِهِمُ ٱلأرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ ٱلْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ [النحل:45]، يقول علماء التفسير عن هذا المكر السيئ، أنه: سعيهم إلى إيذاء النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه على وجه الخفية، واحتيالهم في إبطال الإسلام والكيد بأهله.
ومن أسباب الهلاك: عدم التناهي عن المنكر قال الله تعالى: لُعِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِى إِسْرٰءيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ ذٰلِكَ بِمَا عَصَوْا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ كَانُواْ لاَ يَتَنَـٰهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ [المائدة:78، 79].
ومن أسباب الهلاك: موالاة الكفار، قال الله تعالى: تَرَىٰ كَثِيراً مّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِى ٱلْعَذَابِ هُمْ خَـٰلِدُونَ وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالْلهِ والنَّبِىّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاء وَلَـٰكِنَّ كَثِيراً مّنْهُمْ فَـٰسِقُونَ [المائدة:80، 81].
ومن أسباب الهلاك: ترك الجهاد في سبيل الله قال الله تعالى: إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلّ شَىْء قَدِيرٌ [التوبة:39].
أيها المسلمون، وكما قلنا في العقوبات نقول في الأسباب: إنها كثيرة، وهذه بعضها، فالحذر الحذر، فإنه ليس بين أحد وبين الله نسب، إنما أكرمكم عند الله أتقاكم. وعندما تأخذ أية قرية بسبب أو بعدة أسباب من أسباب الهلاك، فإنه من الطبيعي أن لا تأخذه فجأة، ودفعة واحدة، وإنما بالتدريج في البداية يكون بسيطاً ثم مستوراً، ثم أكثر ثم يظهر، حتى تصبح هي السمة البارزة، لتلك القرية، وبعدها ينزل عقاب الله والله المستعان اللهم كن معينا لإخواننا في جده اللهم ارحم موتاهم واشف مرضاهم وعاف مبتلاهم يا رب العالمين
صلوا على البشير النذير كما امركم الله بذلك.

المناضل السليماني 04-12-2009 11:16 AM

رد : ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب آآآآآآمل التثبيت
 

هذه الخطبة في مدح الله
الخطبة الأولى
الحمد لله أبداً سرمدا، ولا نشرك معه أحد، تبارك فردا صمدا، لم يتخذ صاحبة ولا ولدا، ولا شريكا ولا عضدا، الحمد لله على نعمته، الحمد لله على منته، الحمد لله على حكمته، الحمد لله تلألأت بأجل المحامد أسماؤه، وتوالت بأسنى الهبات آلاؤه وتواترت بأبرك الخيرات نعماؤه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الحق العلي الكبير، تعالى في إلهيته وربوبيته على الشريك والوزير،وتقدس في أحديته وصمديته عن الصاحبة والولد والولي والنصير، وجل في بقاه وديمومته وغناه وقيمومته عن المطعم والمجير، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله السراج المنير، والبشير النذير أعظم رجل عظّم الله، وقدّس الله، وأجلّ الله، وأكبر الله، وهاب الله، اللهم صل وسلم عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه الذين عظّموا الله.
عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: جاء حَبرٌ حبر: العالم من علماء اليهود . إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا محمد إن الله يضع السماء على إصبع، والأرض على إصبع، والجبال على إصبع، والشجر والأنهار على إصبع، وسائر الخلق على إصبع، ثم يقول بيده: أنا الملك. فضحك رسول الله، وقال: { وما قدروا الله حق قدره } متفق عليه.
عبد الله بن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوي الله السماوات يوم القيامة ثم يأخذهن بيده اليمنى ثم يقول أنا الملك أين الجبارون أين المتكبرون ثم يطوي الأرضين ثم يأخذهن قال ابن العلاء بيده الأخرى ثم يقول أنا الملك أين الجبارون أين المتكبرون
ولفظ مسلم عن عبيد الله بن مقسم في هذا الحديث يأخذ الله - تبارك وتعالى - سماواته وأرضيه بيده ويقول أنا الملك ، ويقبض أصابعه ويبسطها أنا الملك حتى نظرت إلى المنبر يتحرك من أسفل شيء منه حتى إني لأقول أساقط هو برسول الله صلى الله عليه وسلم
يتعاظم الإنسان في نفسه عند رؤية قوة كثير من مظاهر الطبيعة "كالرياح" "الزلازل" "البراكين" ويقيس قوتها بما تحدثه من دمار هائل في الأرض والإنسان والحياة بشكل عام، ولكنه ينسى في خضم انشغاله بما يراه من قوة مظاهر الطبيعة القوة الحقيقة التي تحرك كل تلك القوى، وهي قوة الله سبحانه الذي يملك مقاليد الأمر في الأرض والسماء .
والتذكير بهذه القوة ليس لتخويف العباد من ربهم بل من أجل زرع تعظيمه في نفوسهم تعظيما يولد حباً، ويعين على طاعته وشكر نعمه فالنبي - صلى الله عليه وسلم - أقرَّ الحبر في كلامه حول عظمة الله وقوته، وكيف أنه بقوته يضع الرحمن السموات بعظمها على إصبعه، والأرض باتساعها وثقلها على إصبع، وهذه الجبال التي تتصاغر أنفسنا أمام علوها وارتفاعها يضعها الرب جميعا على إصبع، والأشجار بكثرتها، والأنهار بطولها، وسائر الخلق بتعدده وتنوعه يضعه الرب على إصبع، فأي عظمة هي عظمة الله، وأي قوة هي قوته سبحانه، فكيف يعصيه بشر، وكيف يكفر به إنسان، ألا ما أعظَمَ حلم الله على عباده
الله عز وجل يحب المدح، والله مهما أثنى عليه البشر فهو سبحانه أعظم وأجل، كم نسمع من الفصحاء والشعراء يمدحون الفنان الفلاني واللاعب الفلاني ويمدحون العبيد ، ونسوا أن يمدحوا الواحد القهار، بل تفننوا في مدح العيون السود، والقدود، والخدود، ولم يمدحوا الغفور الودود، ذو العرش المجيد، الفعال لما يريد، المبدي المعيد، إليك وإلا لا تُشدُّ الركائبُ - ومنك وإلا فالمؤمِّل خائبُ
وفيك وإلا فالغرام مضيّعٌ - وعنك وإلا فالمحدِّثُ كاذبُ
هذه الخطبة في مدح الله
الله أهل العظمة والكبرياء.. الله تفرد بالبقاء.. وجل عن الشركاء.. وأبدع كل شيء كما يشاء.
الله أهل العظمة والكبرياء.. الله أهل التسبيح والتحميد والتمجيد والتقديس والثناء.
سبحانه ما أعظم شانه.. سبحانه ما أدوم سلطانه.. سبحانه ما أوسع غفرانه.. سبحانه سبحت له السموات وأملاكها، والنجوم وأفلاكها والأرض وسكانها، والبحور حيتانها، والسادات وعبيدها، والأمطار ورعودها، والأشجار وثمارها، والديار وأطلالها "أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ"
سبحانك كل معترف بجودك، فإنك لفطرته خالق، ولفاقته رازق، وبناصيته آخذ، وبعفوك من عقابك عائذ، وبرضاك من سخطك لائذ، إلا الذين حقت عليهم كلمة العذاب.. فالقضاء فيهم نافذ.. ووالله ورب الكعبة لو سبحناك ليلاً ونهاراً وسرا جهارا ما بلغنا حقك وعظمتك ومجدك وكبريائك مثقال ذرة."فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ"
سبحان من هو لا يزال مسبّحاً *** أبداً وليس لغيره السبحان
سبحان من لاشيء يحجب علمه *** فالسر أجمع عنده إعلان
سبحان من تجري قضاياه على *** ما شاء منها غائب وعيان
سبحان من هو لا يزال ورزقه **** للعالمين به عليه ضمان
سبحان من في ذكره طرق الرضى *** منه وفيه الروح والريحان
لماذا الحديث عن الله أهل العظمة والكبرياء؟ لأن الحديث عنه أعظم كلام، وأجمع كلام، وأحلى كلام، لماذا الحديث عن الله؟ لأن القرآن كله جاء في الحديث عنه في عظمته في خلقه في أمره في نهييه في قضائه في تصريفه في تدبيره.
لماذا الحديث عن عظمة الله؟ لأن عظمة العظيم العزيز الجبار ضعفت في قلوب كثير من البشر، فاعتدوا على محارم الله وطغوا، وفرطوا في جنب الله وبغوا، فضعفت في قلوبهم هيبة الله، وتناسوا سطوة الله، وتغافلوا عن جبروت الله، وما قدروا قوة الله وبطش الله، فها نحن اليوم نتكلم عنه والحياء يملأ وجوهنا، والخجل يعم قلوبنا، فمن نحن حتى نمدحه أو نمجده أو نثني عليه لكن نقدم العذر بين يديه أننا لا نستطيع أن نتكلم عن كل عظمته أو نحيط بها قدراً وعلماً، لكن حديثنا اليوم ما هو إلا ذرة في عظمته، وبيانا لهمسته من جلالته وهيبته.
الله أحق من مدح وأجل من ذكر وأعظم من عُبد:
"وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ" روى البخاري عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: جاء حبر من الأحبار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد إنا نجد أن الله عز وجل يجعل السموات على إصبع والأرضين على إصبع، فيقول: أنا الملك، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه تصديقاً لقول الحبر ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم "وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ..."
فهذا الكون كله جباله ووديانه، صحراؤه وبحاره، كل هذا الكون إنما هو على أصابع القوي القهار يوم القيامة. ومن عظمته ما ورد في بعض الآثار الإسرائيلية يقول عز وجل: "أيؤمل للشدائد غيري والشدائد بيدي وأنا الحي القيوم؟ ويرجى غيري ويطرق بابه بالبكرات، وبيدي مفاتيح الخزائن، وبابي مفتوح لمن دعاني؟ ومن ذا الذي أمّلني لنائبة فقطعت به؟ أو من ذا الذي رجاني لعظيم فقطعت رجاءه؟ أو من ذا الذي طرق بابي فلم أفتح له؟ أنا غاية الآمال، فكيف تنقطع الآمال دوني؟ أبخيل أنا فيبخلني عبدي؟ أليست الدنيا والآخرة، والكرم والفضل كله لي؟ فما يمنع المؤملين أن يؤملوني؟ لو جمعت أهل السموات والأرض ثم أعطيت كل واحد منهم ما أعطيت الجميع، وبلّغت كل واحد منهم أمله، لم ينقص ذلك من ملكي عضو ذرة، كيف ينقص ملك أنا قيّمه؟ فيا بؤساً للقانطين من رحمتي ويا بؤساً لمن عصاني، وتوثب على محارمي.
عظمة علم الله:
الله أكبر إذا كانت هذه المواهب والقدرات والفهوم والعقول هي خلق من خلقه، ورزق من رزقه فكيف بقدرة مانحها؟ وعلم معطيها؟ وعظمة واهبها.
علمه سبحانه علم من اطلع على السرائر، وكشف ما في الضمائر، وأحاط بالأول والآخر، والباطن والظاهر.. "وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ".
سبحانه علم ما كان وما سيكون وما لم يكن لو كان كيف يكون،سبحانه الورقة تسقط بعلمه، الهمسة تنبس بعلمه، الكلمة تقال بعلمه، النية تعقد بعلمه، والقطرة تنزل بعلمه، والخطوة تنقل بعلمه، جاءت خولة بنت ثعلبة تشتكي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم زوجها، تُسرّ إليه بحديثها وعائشة في ناحية الغرفة ما تسمع حديثها، وينزّل الله على رسوله "قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ"، فماذا أمام عائشة أن تقول إلا: سبحان الذي وسع سمعه الأصوات.
أرسل موسى إلى فرعون فشكا له موسى جبروت فرعون، وظلمه وبطشه فقال الله "إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى". بات نفر من المنافقين يحيكون الدسائس للمسلمين فأنزل الله "يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول وكان الله بما يعملون محيطاً".

اقول ماتسمعون واستغفر الله

الخطبة الثانية
الحمد لله الحمدلله الحمد لله
سبحان الله من سجد لعظمته العظماء، ووجل من خشيته الأقوياء، وقامت بقدرته الأرض والسماء، يا الله أي عظمة تلك في ملائكته، وأي خلقة تلك خلقتهم، جاء في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أُذن لي أن أتحدث عن ملك من ملائكة العرش قرناه عند عرش الرحمن، ورجلاه تخطان في الأرض السابعة، وما بين أذنه ومنكبه مسيرة سبعمائة عام".
يا الله هذا ملك من ملائكته عبد من عبيده فكيف بمالك الملائكة؟ جاء في الحديث: "خلق الله الملائكة أصنافاً وإن منهم لملائكة قياماً صافّين من يوم خلقهم إلى يوم القيامة، وملائكة ركوعاً خشوعاً من يوم خلقهم إلى يوم القيامة، وملائكة سجوداً منذ خلقهم إلى يوم القيامة، فإذا كان يوم القيامة تجلّى الله تبارك وتعالى، ونظروا إلى وجه الكريم، قال سبحانك ما عبدناك حق عبادتك".
وأي شيء تلك هي جهنم تجر يوم القيامة بسبعين ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك، ما أعظم شفيرها وما أبعد قعرها وما أعظم خلقها، وما أشد بأسها "تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ" ومع هذا كله أي شيء هو خوفها من ربها، له خاضعة وبين يديه طائعة، في الحديث الصحيح يقول صلى الله عليه وسلم: "لا تزال جهنم تقول هل من مزيد ؟! حتى يضع رب العزة فيها قدمه، فتقول: قط قط، وعزّتك، ويزوي بعضها إلى بعض".
يا سبحانه ما أعظمه شديد القهر، عليّ القدر، المتكبر، "إنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ"، "إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ" من الذي أرغم أنوف الطغاة عداه، ومن الذي خفض رؤوس الظلمة سواه، أهلك الفراعنة، وكسر الأكاسرة، وقصر الأقاصرة، ومزق الجبابرة، شمخت عاد واستكبرت، واغترت وعلى العظيم تألّت، وقالوا من أشد منا قوة فأجابهم الله قولاً وفعلاً: "أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ * فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لا يُنصَرُونَ".
نافع مانع قوي شديد *** قاصم ظهر كل باغٍ وعات
كم تألّى ذوو عناد وكفر *** فاستحالت عروشهم خاويات
كم أتى بطشه فأردى شعوباً *** لاهيات في دورها آمنات
وله الكبرياء هل من ولي *** غيره قد أباد كل الولاة
عباد الله صلوا وسلموا على من امركم الله بالصلاة والسلام عليه

المناضل السليماني 10-12-2009 07:52 AM

رد : ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب آآآآآآمل التثبيت
 


هذه الخطبة بعنوان أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا

الحمد لله القائل: [أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا] وأشهد أن لا إله إلا الله جعل القرآن معجزة خالدة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله الذي أوتي القرآن ومثله معه صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً أما بعد:


فاتقوا الله عباد الله: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ].

عباد الله : لقد نزل القرآن يتحدى الإنس والجن في وقت قد بلغت العرب مبلغاً عظيماً من الفصاحة والبلاغة والبيان وصدق الله العظيم :[ قُلْ لَئِنْ اجْتَمَعَتْ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً]، بل تحداهم القرآن أن يأتوا بعشر سور بل بسورة واحدة فعجزوا رغم ما بلغوا من الفصاحة والبلاغة والقوة في البيان وقد جاء في الحديث أن جبير بن مطعم بن عدي رضي الله عنه قال قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم المدينة: (في وفد أسارى بدر) فسمعته يقرأ في المغرب بالطور فلما بلغ الآية [أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمْ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بَل لا يُوقِنُونَ * أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمْ الْمُسَيْطِرُونَ]، كاد قلبي أن يطير.

عباد الله: لقد أثَّر القرآن على عباد النصارى كما قال الله تعالى: [وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنْ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنْ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ].

وهكذا الجن الذين استمعوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يتلو القرآن كما قال تعالى: [قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنْ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَداً] وقال تعالى: [وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِنْ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ].

إن القرآن العظيم يؤثر في القلوب القاسية ويتغلغل إلى النفوس اللاهية يحرك فيها مكامن الاتعاظ والاعتبار كيف لا وهذا القرآن لو أنزل على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً قال تعالى: [لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ]، وقال تعالى: [أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا].

قال بعض التابعين تأملت في قول الله تعالى: [مَا عِنْدَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ] فبذلت ما أملك من الدنيا لوجه الله ليكون ذخراً لي عنده فما عند الله باق وما عندنا ينفذ، وتأملت في قول الله تعالى: [إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ] فاخترت التقوى وأعرضت هما يرى فيه الناس عزَّهم وشرفهم من مظاهر الدنيا [وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ]، وتأملت في قول الله تعالى: [نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا] فعلمت أن القسمة كانت من الله في الأزل فلم أحسد ولم أحقد ورضيت بقسمة الله تعالى، وتأملت في قول الله تعالى: [وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا] فعلمت أن رزقي على الله وقد ضمنه فلم يشغلني طلب الرزق عن عبادته وقطعت طمعي فيما سواه، وتأملت في قوله تعالى: [فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَه] وقوله تعالى: [وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً] فعلمت أنه لا يدخل مع الإنسان في قبره إلا عمله فإن كان صالحاً فهو سراج له يؤانسه في قبره ولا يتركه وحيداً فاتخذت العمل الصالح محبوباً لا يفارقني شأن من يحبه الناس ويطمعون في نفعه.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: [وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والعظات والذكر الحكيم فاستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.




الخطبة الثانية:


الحمد لله الذي جعل القرآن عظة وعبرة يتزود منه الصالحون ويتلوه الخاشعون ويتذكر به الغافلون وأشهد أن لا إله إلا الله أحيا بالقرآن قلوباً فكانت تحيي ليلها قراءة وركوعاً وسجوداً وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله أفضل من تلا القرآن وعلمه وتعلمه صلى الله عليه وسلم أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن أثر القرآن امتد إلى الجمادات والحيوانات والملائكة في السماوات فلقد قربت من أسيد بن حضير وهو يقرأ حتى جالت فرسه من رؤية الملائكة وقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: (تلك الملائكة دنت لصوتك ولو أنك قرأت لأصبحت ينظر الناس إليها لا تتوارى عنهم).

عباد الله: وها هو الفضيل بن عياض التقي العابد يتأثر بالقرآن ويعلن توبته وكان يقطع الطريق على الناس وقد عشق جارية وذات ليلة كان يرتقي الجدران إليها إذ سمع تالياً يتلو: [أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ] فلما سمعها قال بلى يا رب فرجع وترك الجارية فآواه الليل إلى خربة فإذا فيها مسافرون فقالوا نرحل في ليلتنا وقال بعضهم نخشى من الفضيل فإنه يقطع الطريق في هذا المكان والفضيل يسمع كلامهم فقال أنا أسعى في الليل بالمعاصي وقوم يخافونني ما أرى الله ساقني إليهم إلا لأرتدع وأتوب اللهم إني تبت إليك وتاب توبة صادقة وأصبح من كبار العباد رحمه الله رحمة واسعة وهكذا القرآن يحول هذه القلوب العاصية إلى قلوب خاشعة عابدة، وصدق الله العظيم [لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ].

اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين اللهم، صل وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم وفق ولاة أمر المسلمين عامة للحكم بكتابك والعمل بسنة نبيك ووفق ولاة أمرنا خاصة لكل خير، اللهم ارزقهم البطانة الصالحة التي تعينهم على الخير وتدلهم عليه اللهم، اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين،[رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ].

عباد الله: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون، وأقم الصلاة.

المناضل السليماني 11-12-2009 06:46 AM

رد : ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب آآآآآآمل التثبيت
 
آخر جمعة في هذا العام
الخطبة الأولى
الحمد لله الذي لا يبلغ مدحته القائلون، ولا يحصي نعماءه العادون، ولا يؤدي حقه المجتهدون، المعروف من غير رؤية، والخالق بلا حاجة، والمميت بلا مخافة، والباعث بلا مشقة، فطر الخلائق بقدرته، ونشر الرياح برحمته، مبدئ الخلق ووارثه، وإله الخلق ورازقهم، لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله: البشير النذير والسراج المنير، صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه ومن سار على طريقهم واتبع نهجهم إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً. أما بعــد: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله فإنها وصية الله إلى عباده. {يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [آل عمران:102]. {يَـأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِى خَلَقَكُمْ مّن نَّفْسٍ وٰحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِى تَسَاءلُونَ بِهِ وَٱلأَرْحَامَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء:1]. {يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً % يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَـٰلَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب:70-71].
إخوة الإسلام: كيف نودع عاماً، وبم نستقبل عاماً آخر؟ سؤال يفرض نفسه هذه الأيام، ترى كم هم الذين يشغل بالهم هذا السؤال؟ وكم من المسلمين لا يلفت نظرهم على الإطلاق هذا السؤال؟ إلا بفارق السنة الهجرية، أو تذكر العلاوة السنوية؟ ودعونا نحسن الظن بالناس ونقول: إن فئة من المسلمين يشغل بالهم هذا السؤال من ذوات أنفسهم، وفئة أخرى قد تكون غافلة لكنها إذا ذكرت تذكرت… ولنعد إلى السؤال: بم نستقبل وكيف نودع؟
إن نهاية عام تعني ذهاب ثلاث مئة وستين يوماً من عمر الإنسان، وتلك تحوي أعداداً كثيرة من الساعات وأضعافها من الدقائق والثواني، كما تحوي عدداً من الأعمال دقت أو جلت، صلحت أم خبثت، وتحوي في طياتها عدداً من الخطرات، وأنواعاً من الهواجس، وألواناً من الحركات… وهذه فيها الصالح والطالح، وفيها ما هو في سبيل الله وابتغاء مرضاته، وفيها ما تهوى الأنفس وتلذ الأعين وإن كانت في غير مرضاة الله، ومخالفة لهدي رسول الله صللى الله عليه وسلم .
في هذه الأيام والساعات والدقائق أعمال صالحة تسر النفس لذكراها، ويود المرء لو كانت حياته كلها على منوالها، وقد يكون فيها من أعمال السوء ما يود صاحبها أن يتناساها، ويرغب أنه لم يقترفها، ويوم القيامة يود لو كان بينه وبينها أمد بعيد…
ترى هذه الأعمال والحركات والرصيد المتجمع خلال عام أليس خليقاً بالمحاسبة والتذكر؟ والمحاسبة النافعة هي التي تقود صاحبها إلى استدامة عمل الخير، وقصر النفس قدر المستطاع عن عمل السوء، والنظر في العواقب تلقيح العقول – كما قيل – ومن أقوال الحكماء: شيئان إذا عملت بهما أصبت خير الدنيا والآخرة. تحمل ما تكره إذا أحبه الله، وتترك ما تحب إذا كرهه الله.
وقال العارفون: ما أحببت أن يكون معك في الآخرة فاتركه اليوم، وانظر كل عمل كرهت الموت من أجله فاتركه، ثم لا يضرك متى مت؟.
كم تلهينا الدنيا وهي متاع الغرور، فتمر الأيام والأعوام سراعاً بلا تفكير، وكم تفتنا بزينتها، ومتاعها في الآخرة قليل، وإن يوماً عند ربك كألف سنة مما تعدون… وكل نفس مصيرها إلى الموت والفناء… ولكن المهم ما بعد ذلك: { كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُور} (آل عمران:185).
وكم ننخدع بوساوس الشيطان، وقد عسي فلم يضر، وأطيع فما نفع… ويوم القيامة يتبرأ من متبوعيه ويقول حين يقضى الأمر: { إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (ابراهيم: من الآية22).
من قدوتك في هذه الحياة؟ وما نوع الخليل الذي تتخذه لك صديقاً، والله يقول: { الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} (الزخرف:67)، ويقول صلى الله عليه وسلم: ( المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل).
هل تفكر جاداً في الموت وما بعده؟
عباد الله: وكم نتساهل بالذنوب وهي – كما قيل – مهلكات تفوت على الإنسان سعادة الدنيا والآخرة، وتحجبه عن معرفة ربه في الدنيا، وعن تقريبه في الآخرة: { إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ } (الانفطار: من الآية 13-14)، ومصيبة حين تتراكم علينا الذنوب ونحن لا نشعر، فيكون الران على القلوب { كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُوا الْجَحِيمِ} (المطففين: من الآية 14-16)، ويرحم الله أقواماً كانت ذنوبهم قليلة، وحياتهم عبادة وخشوعاً وزهداً وورعاً، ومع ذلك يقول أحدهم تورعاً وتواضعاً وخشية: "لو كان للذنوب ريح ما جلس إلي أحد" هكذا كان يقول محمد بن واسع الأزدي رحمه الله، الذي قال عنه سليمان التيمي رحمه الله: (ما أحد أحب أن ألقى الله بمثل صحيفته مثل محمد بن واسع).
يا عبدالله: كم في صحائفك الماضية من توبة واستغفار، والله يقول: { وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ} (هود:90)، ويقول: { وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى} (طـه:82).
وفي الأثر: "طوبى لمن وجد في صحيفته استغفاراً كثيراً".
وهذا سيد البشر المغفور له ما تقدم من ذنبه وما تأخر يقول: ( والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة).
كم تراغم الشيطان بالتوبة، وكم تحت الخطايا بالاستغفار، فكيف إذا كانت التوبة واجبة ثابتة بنصوص الكتاب والسنة كما قرر العلماء؟!.
وينسب للإمام أحمد رحمه الله قوله:
ذنوب على آثارهن ذنوب لهونا عن الأيام حتى تتابعت
ويأذن في توباتنا فنتوب فيا ليت أن الله يغفر ما مضى
وخلفت في قرن فأنت فيهم غريب إذا ما مضى القرن الذي أنت فيهم

عباد الله: وفي سبيل محاسبة أنفسكم في نهاية عام وابتداء عام، تذكروا أن أشق شيء على النفوس جمعيتها على الله، وهي تناشد صاحبها أن لا يوصلها إليه، وأن يشغلها بما دونه، فإن حبس النفس على الله شديد، وأشد منه حبسها على أوامره، وحبسها عن نواهيه، فهي دائماً ترضيك بالعلم دون العمل …
أيها المسلمون: ما أجمل الأعمار تختم بالتوبة والاستغفار، وسبيل المسلم في ذلك أن نختم كل عمل، وكل مجلس، وكل خطأ أو ذنب بالتوبة والاستغفار… ولا يزال الله يعفو ما أحدث العبد توبة وندماً واستغفاراً… فإن نسيت التوبة أو فاتك الاستغفار في شيء من أيام العام، فلا يفوتنك ذلك في نهاية العام، فالأعمال بالخواتيم، وصحائف العام لم تطو بعد، فأشهد ربك على توبتك، ولا تصر على صغيرة، أو تحقرن من الذنوب شيئاً وإن داخلك الشيطان بتعاظم ذنبك وعدم مغفرة ربك، فاعلم أ، رحمة الله وسعت كل شيء، والله يغفر جميعاً… ربنا كريم يحب عبده إذا اقترب منه، ويمحو عنه زلاته، قال الله عز وجل – في الحديث القدسي: ( من عمل حسنة فله عشر أمثالها أو أزيد، ومن عمل سيئة فجزاؤه مثلها، أو أغفر، ومن عمل قراب الأرض خطيئة ثم لقيني لا يشرك بي شيئاً جعلت له مثلها مغفرة، ومن اقترب إلي شبراً اقتربت إليه ذراعاً، ومن اقترب إلي ذراعاً اقتربت غليه باعا، ومن أتاني يمشي أتيته هرولة).
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: { قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ} (الزمر: من الآية 53-54).

الخطبة الثانية
الحمد لله كل شيء هالك إلا وجهه، له الحكم وإليه ترجعون، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له: { كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ } (الرحمن: من الآية 26-27)، وأشهد أن محمد الله عبده ورسوله، أدركت سنة الله في المرسلين قبله: { وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُم} (آل عمران: من الآية144).
اللهم صل وسلم عليه وعلى سائر الأنبياء والمرسلين.
أيها المسلمون: أما العام الجديد فهو صفحة بيضاء ينتظر الحفظة الكاتبون ما أنتم عاملون، ألا فاستقبلوه بعزائم قوية، ونية صادقة على فعل الخير، وسيحفظ لكم النقير والقطمير، ولن تكفروا من أعمالكم شيئاً: { فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ} (الانبياء:94).
تذكروا أن عاماً بأكمله سيجري الله فيه من الأحداث ما يجري ويقدر ما يشاء، ألا فاسألوه من خير هذا العام الذي سيأتي، واستعيذوا به من شروره وفتنه، فلا يرد القضاء إلا الدعاء، وكم من فتنة حصلت؟ وكم من أمراض ومصائب وشرور حدثت في العام المنصرم؟
فإذا سلمكم الله منها فيما مضى فاسألوه أن يحفظكم منها، ويعيذكم من شورها فيما تستقبلون من عامكم الجديد.
استقبلوا العام الجديد بوضع عدد من التساؤلات والنقاط تحددون بها مساركم، وتقيمون فيها بعدكم أو قربكم من الخير، وعلى سبيل المثال لا الحصر، فمن هذه النقاط في التقويم، ما نوع العلاقة مع الله؟
وما نوع العلاقة مع الخلق؟ كيف أنت في العبادات؟ وكيف أنت في المعاملات؟

ما هي الخطيئة أو الخطايا التي لازمتك في عامك المنصرم وتنوي الخلاص منها في عامك الجديد؟
ما في الفضيلة أو الفضائل التي فاتتك في عامك الماضي، وتفكر جاداً ألا تفوتك في العام المقبل؟ كيف أنت وفتنة الأهواء والشهوات والشبهات والفضائيات؟
ما قيمة الوقت عندك؟ وبماذا تستثمره؟ طاقاتك كيف تصرف، وقدراتك بماذا تستثمر؟ مانوع اهتمامك، هل تحمل هم الإسلام؟ وهل تستشعر قضايا المسلمين؟ وبماذا ساهمت فيها؟ ما مدى شعورك بانتصار الحق وأهله؟ وما مدى أسفك لغلبة الباطل وكثرة المبطلين؟ هل تشكل الدعوة إلى الله جزءاً من حياتك، وما نصيب أهلك وأبنائك وذوي رحمك وجيرانك وزملائك وعموم المسلمين منها؟ هل تجدد في أساليب دعوتك، وهل تتحرى الحكمة في قولك وفعلك؟ ما مدى قيامك بواجبك الوظيفي، وعلى أي نحو تؤدي الأمانة التي أؤتمنت عليها في أي موقع كنت؟ حاسب نفسك في نوع مطعمك ومشربك، وملبسك، وماذا تسمع وتبصر، وبم تنطق، وماذا تضمر في فؤادك: { إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} (الاسراء: من الآية36).
راجع نفسك في أداء الفرائض، وكم قدر الاحتياطي عندك في السنن، فهن مكملات لنقص الفرائض، مسددات للخلل، رافعات للدرجات، مكفرات للسيئات، ما نصيبك من ذكر الله؟ وكيف صلتك بكتاب الله؟ وكيف أنت والنفقات الواجبة والمستحبة؟
أيها المسلمون: هذه وأمثالها مراجعات يحسن بالمرء أن يراجع نفسه ويسألها عنها على الدوام… وهي خليقة بالمحاسبة مع انصراف عام وبدء عام، وإذا أخرجت لنفسك ميزانية في آخر العام عرفت قدر المكاسب فيها والخسران، وإذا علمت ذلك سددت وقاربت قدر الإمكان، وتلك الميزانية والمحاسبة، وربي، أولى من غيرها في موازين الدنيا ومحاسباتها… والغفلة ثورت الهلكة… وما أعظم الحسرة حين يرد الناس يوم القيامة بحسنات كالجبال، ويرد المفرطون الغافلون بالخيبة والخسران، يحملون أوزارهم على ظهورهم ألا ساء ما يزرون.
عباد الله: نهاية عام وبدء عام مذكرة بسرعة الأيام وانقضاء الأعمار، فإذا كانت الساعة تشكل قدراً في أجل الإنسان، فكيف مما يزيد على ثمانية آلاف وست مئة ساعة في السنة، والله يقول: { وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ} (لأعراف:34).
يا عبدالله: وبين عام مضى وعام يوافي عبر توقظ الضمير الغافي، وهل نسيت أنه حصل ف بالعام المنصرم علل وأسقام، وفتن وهموم، وفقر وحروب، وأموات رحلت، ودماء أزهقت، وأطفال ونساء تأيمت… فإذا سلمك الله من هذا كله فاحمد الله واشكره، واعلم أن ما تخطاك لغيرك سيتخطى غيرك إليك، فكن مستعداً للقاء ربك، مغتنماً شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل مرضك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك، والكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني.
أيها المسلم: ومما يفيدك في المحاسبة – بشكل عام – أن تنظر في أمور دينك إلى من فوقك فذلك أدعى لرفع همتك، وتنظر في أمور دنياك إلى من هو دونك حتى لا تزدري نعمة الله عليك.
إخوة الإسلام: نهاية العام فرصة للتأمل في المتغيرات التي تحصل في المجتمعات فما موقع المسلمين في خارطة العالم، وما نوع القوى التي تحظى بالنفوذ والسيطرة؟ إلى أين يسير الشباب؟ وماذا يراد للمرأة المسلمة؟ وماذا تصنع القنوات، وكم هي ضحايا الخمور والمخدرات؟ وكيف السبيل لتصحيح المسار، والوقاية خير من العلاج.
{ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ} (البقرة: من الآية251)،
{ فَلَوْلا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} (هود: من الآية 116-117).

عباد الله صلوا على من امركم الله بالصلاة والسلام عليه........................

اللهم احفظ علينا أمننا وإيماننا، واجمع كلمتنا على الحق والهدى، واغفر لنا ما سلف من ذنوب وأخطاء فيما مضى من عامنا واجعل عامنا الجديد عام خير وبركة ونصر للإسلام والمسلمين، اللهم أعنا فيه على عمل الصالحات وجنبنا الموبقات والمهلكات.

المناضل السليماني 18-12-2009 07:39 AM

رد : ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب آآآآآآمل التثبيت
 
الخطبة الاولى عن الهجرة


الحمد لله الذي لا يبلغ مدحته القائلون، ولا يحصي نعماءه العادون، ولا يؤدي حقه المجتهدون، المعروف من غير رؤية، والخالق بلا حاجة، والمميت بلا مخافة، والباعث بلا مشقة، فطر الخلائق بقدرته، ونشر الرياح برحمته، مبدئ الخلق ووارثه، وإله الخلق ورازقهم، لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله: البشير النذير والسراج المنير، صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه ومن سار على طريقهم واتبع نهجهم إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً. أما بعــد: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله فإنها وصية الله إلى عباده. {يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [آل عمران:102]. {يَـأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِى خَلَقَكُمْ مّن نَّفْسٍ وٰحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِى تَسَاءلُونَ بِهِ وَٱلأَرْحَامَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء:1]. {يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَـٰلَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب:70-71].
فاتقوا الله ـ أيها المسلمون ـ حق التقوى، فتقوى الله فوز لكم في الحياة الدنيا وفي الحياة الأخرى.
عباد الله، إن عِظم الواجب وكبر المسؤولية وضخامة الغاية والهدف، كل ذلك يستدعي بذل الجهد والطاقة والوقت والمال، وقد تلْقى النفس الموت في سبيل الواجب العظيم والغاية الكبرى، مع ما يضاف إلى ذلك من فقدان الأصدقاء، وكثرة الأعداء، والتعرض للسخرية والاستهزاء، ومكر الماكرين، وخصومات الألداء، وقلة المستجيبين والأنصار والأولياء. وهذا الحال هو بعينه حال سيد البشر التي بعثه الله لتحقيقها.
لقد أرسل الله خير خلقه إلى البشرية أحوج ما تكون إلى رسالته، وأشدَّ ما تكون ضرورة إلى دينه، بعد أن غير أهل الكتاب وبدلوا، وصار العالم في ظلمات الشرك والجهل، فأرسل الله عبده محمداً إلى الناس جميعاً، قال الله تعالى: قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنّى رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا ٱلَّذِى لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأرْضِ لا إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ يُحْىِ وَيُمِيتُ فَـئَامِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ ٱلنَّبِىّ ٱلأمّىّ ٱلَّذِى يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَكَلِمَـٰتِهِ وَٱتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [الأعراف:158].
فوجدهم يعبدون آلهة شتى، منهم من يعبد الأشجار، ومنهم من يعبد الأحجار، والشمس والقمر والملائكة، والجن وعيسى بن مريم عليه السلام، والقبور والأولياء، فيدعونهم من دون الله، ويستغيثون بهم، ويلجؤون إليهم في كشف الشدائد والكربات، ويرغبون إليهم في جلب النفع والخيرات، ويذبحون لهم، وينذرون لهم، ويجعلونهم وسائط يقربونهم إلى الله، ليرفعوا دعاءهم إلى الرب جل وعلا. ووجد الرسول الناس يتحاكمون إلى الكهان والسحرة والعرافين، ويغشون الفواحش والمحرمات، ويسيئون الجوار، ويقطعون الأرحام، ويكسبون الأموال لا يبالون بالحلال أو الحرام، الربا والبيع عندهم سواء، والغصب والميراث قرناء، وتأسس على هذا الدين الجاهلي مصالح ومنافع، واعتبارات مادية ومعنوية، وتراكمت عليه عادات وأعراف، يشق على النفوس الفطامُ عنها، والتخلي عن عوائدها. فجاء رسول الله بدعوة الناس إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، بكل ما تضمنته هذه الشهادة من معنى، بإفراد الله وحده بالدعاء والذبح والنذر والاستعانة والاستعاذة وطلب النفع ودفع الضر والطواف والسجود ونحو ذلك من أنواع العبادة التي هي حق الله وحده، قال الله تعالى: وَأَنَّ ٱلْمَسَـٰجِدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُواْ مَعَ ٱللَّهِ أَحَداً [الجن:18]، وقال تعالى: قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً [الأنعام:151]، وإفراد الرسول بالاتباع، قال تعالى: وَمَا ءاتَـٰكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَـٰكُمْ عَنْهُ فَٱنتَهُواْ [الحشر:7].
جاء نبي الرحمة يدعو الناس إلى العفاف والطهر والخلق الكريم والاستقامة وصلة الأرحام وحسن الجوار والكف عن المظالم والمحارم، ويدعوهم إلى التحاكم إلى الكتاب العزيز، لا إلى الكهان وأمر الجاهلية، وكسب المال من وجوه الحلال، وإنفاقه في الطرق المشروعة والمباحة، وجعل الناس كلهم أمام شريعة الله سواء، يتفاضلون بالتقوى، قال الله تعالى: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبّيَ ٱلْفَوٰحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَٱلإِثْمَ وَٱلْبَغْىَ بِغَيْرِ ٱلْحَقّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِٱللَّهِ مَا لَمْ يُنَزّلْ بِهِ سُلْطَـٰناً وَأَن تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ [الأعراف:33]، وقال تعالى: إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ وَٱلإْحْسَانِ وَإِيتَآء ذِى ٱلْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَاء وَٱلْمُنْكَرِ وَٱلْبَغْى يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ .[النحل:90].
وروى ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما مرض أبو طالب، دخل عليه مشيخة من قريش فيهم أبو جهل فقالوا: إن ابن أخيك يشتم آلهتنا، ويفعل ويفعل، ويقول ويقول، فأنصفنا من ابن أخيك، فليكف عن شتم آلهتنا وندعه وإلهه، فقال أبو طالب: يا ابن أخي، ما بال قومك يشكونك، ويزعمون أنك تشتم آلهتهم؟! قال: ((يا عم، أريد أن يقولوا كلمة تدين لهم بها العرب، وتؤدي لهم بها العجم الجزية))، فقال أبو جهل: نقولها وعشراً، فقال عليه الصلاة والسلام: ((قولوا: لا إله إلا الله)) ففزعوا. وولوا مدبرين، وهم ينفضون ثيابهم، ويقولون: أَجَعَلَ ٱلآلِهَةَ إِلَـٰهاً وٰحِداً إِنَّ هَـٰذَا لَشَىْء عُجَابٌ اخرجه احمد والترمذي وابن حبان.
فقد عرفوا مدلول هذه الكلمة، وأنها تصوغ الإنسان صياغة جديدة على مقتضى الإسلام في عبادته ومعاملاته وسلوكه وحياته كلها، كما يدل على ذلك قوله تعالى: قُلْ إِنَّ صَلاَتِى وَنُسُكِى وَمَحْيَاىَ وَمَمَاتِى للَّهِ رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْمُسْلِمِينَ [الأنعام:161، 162]، فهذا معنى لا إله إلا الله الذي نفر منه المشركون.
دعا رسول الله الناس كلَّهم إلى هذا المعنى العظيم، وقام بهذا الواجب الكبير، الذي هو أكبر واجبٍ في تاريخ البشرية كلها، دعا إلى دين قويم يرقى به الإنسان إلى أعلى المنازل، ويسعد به في الآخرة سعادةً أبدية في النعيم المقيم، فاستجاب له القلة المؤمنة المستضعفة في مكة، فأذاقهم المشركون أنواع العذاب، كالحرق بالنار، وتقليب العريان في شدة الرمضاء.
ووقف في وجه دعوة رسول الله ثلاثة أنواع من الناس: المستكبرون الجاحدون العالمون بالحق، والحاسدون المحترقون، والجهال الضالون. وكوّن هذا الثالوث جبهة عنيدة وحزباً شيطانياً لا يترك من سبيل ولا وسيلة إلا سلكها للصد عن سبيل الله، يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُواْ نُورَ ٱللَّهِ بِأَفْوٰهِهِمْ وَٱللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْكَـٰفِرُونَ [الصف:8].
واشتد الكرب في مكة، وضيّق الخناق على الدين الإسلامي، وائتمر المشركون بمكة أن يقتلوا رسول الله ، فقال جبريل عليه السلام: ((إن الله أذن لك يا محمد بالهجرة إلى المدينة، فلا تبت هذه الليلة في فراشك))

وفي هذه الجمعة وهي اليوم الأول في هذه السنة تظلّنا هذه الأيام ذكرى حادثة عظيمة من حوادث وأحداث تاريخنا الإسلامي، هذه الحادثة كانت إيذانا بعهد جديدٍ وتحوّل مهمّ في تاريخ الدعوة الإسلامية، تلكم هي هجرة رسول الله من مكة بيت الله الحرام إلى المدينة دار الهجرة، هذا الحدث يمثل أهمّ حدث من أحداث التاريخ الإسلامي، به بدأ بناء الدولة الإسلامية وبناء الأمة التي تعبد الله وحده لا شريك له وتبلّغ دينه الحنيف إلى كل الناس، هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا [الفتح:28].
تجدُّد هذه الذكرى ـ عباد الله ـ يزيد في أعمارنا عامًا كلّما تكرر، ويذكرنا بانصرام الأيام ويبيَّن لكل مسلم أن حياته على هذه الأرض محدودة وأن كل يوم يمضي يقرب الإنسان من نهايته وأجله، فهذه أول عبرة من عبر مرور الأيام وتجدد ذكريات الأحداث، فما من مظهر من مظاهر الزمان والمكان إلا هو آية وعبرة للإنسان: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُِوْلِي الألْبَابِ [آل عمران:190].
جاءت هجرة رسول الله بعد الرسالة بثلاثة عشر عاما، بعد أن أمضى رسول الله هذه المدة وهو يجاهد من أجل إبلاغ دين الله سبحانه ومن أجل أن يهدي قومه والناس إلى طريق الله سبحانه صابرا محتسبا، يؤذى في سبيل الله ويرى أصحابه يؤذون ويعذَّبون ويقتلون ولا يزداد مع ذلك إلا صبرا ويقينا وطاعة لله سبحانه، وقد جاء الأمر بالهجرة إلى يثرب بعد أن بايع سكانها الأوس والخزرج رسول الله على الإيمان وعلى حمايته مما يحمون منه أنفسهم وأهليهم وكان ذلك حين جاؤوا مكة حاجين فكانت هذه البيعة مقدمة للهجرة المباركة.
خرج رسول الله إلى المدينة مهاجرا إلى ربه وقد وعد الله من هاجر إليه أجرا عظيما، يقول سبحانه: وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْت فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلى اللّهِ وَكَانَ اللّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا [النساء:100]. خرج إلى الهجرة بعد أن أعدت قريش العدة لقتله أو حبسه أو طرده، ولكن مكرهم عاد عليهم لأن هذا المكر لن يحيق بمن يرعاه الله ويؤيده ويسدده: إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكِّلِ الْمُؤْمِنُون [آل عمران:160]. أعدت قريش العدة لقتل رسول الله عن طريق عدد من شباب قبائلها حتى يتفرّق دمه بين القبائل، ولكن جبار السموات والأرض أبطل سحرهم ورد كيدهم إلى نحورهم، يقول سبحانه: وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ [الأنفال:30].
فتوجه الحبيب إلى حبيبه أبي بكر الصديق رضي الله عنه ليخبره بأمر الهجرة، فما إن سمع الصديق بأمر الهجرة حتى كان همه الوحيد والكلمة الوحيدة التي قالها: (الصحبة يا رسول الله). عن عائشة أن رسول الله جاء إلى بيت أبي بكر في ذلك اليوم ظهرا على غير عادته، فلما دخل على أبي بكر قال: ((أخرج من عندك))، قال: يا رسول الله، إنما هما ابنتاي، يعني عائشة وأسماء، قال: ((أشعرت أنه قد أذن لي في الخروج؟)) قال: الصحبة يا رسول الله؟ قال: ((الصحبة))، قال: يا رسول الله، إن عندي ناقتين أعددتهما للخروج، فخذ إحداهما، قال: ((قد أخذتها بالثمن)) أخرجه البخاري.
هكذا كان شغف الصديق بنصرة الدين: (الصحبة يا رسول الله)، وهذا هو طلبه: الصحبة، وهي ـ عباد الله ـ ليست صحبة رجل ذا ثراء وأموال، وليست صحبة رجل ذاهب في نزهة، وليست صحبة رجل يسافر إلى دولة يترفه فيها ويتنعم، وليست صحبة رجل له موكب وحاشية وخدم وحشم، إنها صحبة رجل مطارد مطلوب رأسه، فعلام يحرص الصديق على هذه الصحبة ويفرح ويفتخر بها؟! إنه الإيمان الذي تميز به صديق هذه الأمة رضي الله عنه، والذي جعله يُسخِّر نفسه وأهله وماله من أجل الدعوة ومن أجل الهجرة، فقد عرض نفسه لمصاحبة وخدمة وحماية رسول الله في الهجرة، وأنفق ماله في إعداد العدة لذلك وفي استئجار الدليل، وعرَّض ابنه عبد الله للخطر حيث كان يمسي عندهما عندما كانا في الغار ويصبح عند قريش يتسقط الأخبار، وكان مولاه عامر بن فهيرة يسرح بغنمه عند الغار ليسقيهم من لبنها، وكذلك فعلت أسماء التي حفظت السر والتي شقت نطاقها لتضع فيه طعامهما فسميت ذات النطاقين، فكانت عائلة الصديق كلها مجندة في سبيل الله وخادمة لرسول الله .
لقد هاجر رسول الله من أجل الدين لا من أجل الدنيا، فقد بقي في مكة طيلة هذه المدة رغم الأذى الذي يتعرض له هو وأصحابه، لأنه كان يسير بأمر الله سبحانه، وكان يريد أن يبلغ دين الله سبحانه وأن يهدي البشرية إلى طريق السعادة الأبدية، يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا [الأحزاب:45، 46]. هاجر من أجل الله ومن أجل الدعوة إلى الله سبحانه، وكذلك هاجر أصحابه رضوان الله عليهم من أجل دينهم ومن أجل المحافظة على دينهم لا من أجل الدنيا، بل إنهم تركوا الدنيا في مكة، فمنهم من هاجر وترك ماله، ومنهم من هاجر وترك بيته ومتاعه؛ لأنهم لما نظروا إلى المال وإلى الدين وجدوا أن ضياع المال يُعوَّض، ولكن ضياع الدين لا يعوّض أبدا، وجدوا أن كسر المال والبيت والأهل يُجبر، أما كسر الدين فإنه لا يُجبر.
وكل كسر فإن الدين يجبره وما لكسر قناة الدين جبران
والهجرة إلى المدينة تعتبر ثالث هجرة بالنسبة لأصحاب الرسول ، فقد هاجروا قبلها إلى الحبشة مرتين، وركبوا البحر وصارعوا الأمواج وتعرضوا للأخطار من أجل دينهم، وها هم يتركون مكة موطنهم وموطن آبائهم ومرتع طفولتهم وصباهم إلى المدينة استجابة لأمر الله سبحانه وأمر رسوله .
أمضى في غار ثور ثلاث ليال هو وصاحبه أبو بكر ينتظران أن يخفّ عنهما الطلب حتى يخرجا إلى المدينة، وكانت قريش تبحث عنهما في جنون وتبعث بعيونها في كل مكان وتجعل الأموال الطائلة لمن يأتيها بمحمد ، وقد وصل كفار قريش إلى الغار الذي يختبئ فيه رسول الله وصاحبه، ولكن الله سبحانه صرفهم عنه وردهم خائبين، يقول أبو بكر كما في صحيح البخاري: قلت للنبي وأنا في الغار: لو أنّ أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا، فقال: (ما ظنك ـ يا أبا بكر ـ باثنين الله ثالثهما؟!). إذا كان الإنسان في معية الله وفي عناية الله وإذا أيّد الله عبده ونصره فإن الكون كل الكون لن يضره بشيء إلا بشيء قد كتبه الله عليه، ((ما ظنك ـ يا أبا بكر ـ باثنين الله ثالثهما؟!)).
هكذا ـ عباد الله ـ لا يخاف العبد إذا أيقن أن الله معه، وهكذا يكون مسددا موفقا في كل ما يقدم عليه إذا كان مراعيا لمرضاة الله عز وجل، إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيم [التوبة:40].
لقد كانت الهجرة نتيجة صبر ثلاثة عشر عاما من الخوف والجوع والحصار والأذى، فكانت الثمرة على قدر التعب وعلى قدر الصبر، وهكذا هذا الدين لا يعطي ثمرته إلا لمن صبر وثابر، أما من استعجل النتائج فإنه يُحرَم وهذه سنّة كونية: "من استعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه"، فدولة المدينة التي شعّ منها النور إلى كلّ الأرض كانت نتيجة لصبر مكّة، ورسول الله الذي خرج من مكة سرّا والناس يبحثون عنه وكانوا في المدينة كل يوم يخرجون الشيوخ والشباب والأطفال من الصبح حتى الظهيرة ينتظرون المقدم الميمون ينتظرون اعظم موكب عرفته الأرض فيعودون وقد احرقتهم الشمس ويخرجون من بعد العصر الى غروب الشمس دخل المدينة في احتفال عظيم يحفّ به الناس من كلّ جانب، كلّ منهم يطلب منه أن ينزل عنده، وتحقق للنبي ولأصحابه قول الله تعالى ووعده لعباده الصالحين: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا [النور:55].
وها هي الدعوة التي انطلقت من رجل فقير من قريش هو رسول الله ، معه رهط يسير ممن سبقوا إلى التصديق والإيمان أكثرهم من الضعفاء والموالي، ها هي يحملها اليوم أكثر من مليار إنسان في كافة أنحاء الدنيا، وها هو الإسلام يدخل كل بيت، ونداء الحق يرتفع في كل مكان، يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ [الصف:8، 9]، يقول : ((ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين، بعز عزيز أو ذل ذليل، عزا يعز الله به الإسلام، وذلا يذل الله به الكفر)) أخرجه أحمد عن تميم الداري.
هذا وعد صادق من الله لرسوله، ووعد صادق من الله لأمة رسوله ولكل من سار على هدي رسوله سير السلف الصالح دون تبديل ولا تغيير ولا زيادة ولا نقصان، فاتقوا الله عباد الله، واحرصوا على أن تكونوا ممن ينصر الله بكم الدين في هذا الزمن الذي كثرت فيه الفتن، أسأل الله أن يوفقنا لمرضاته، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه يغفر لكم، إنه هو الغفور الرحيم، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، أحمده سبحانه حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، وأصلي وأسلم صلاة وسلاما دائمين متلازمين على أفضل خلقه وخيرة رسله محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه أجمعين.
لقد كانت الهجرة النبوية كما أسلفنا حدَثا عظيما من أحداث تاريخ هذه الأمة، وكانت محطّة مهمّة من محطات مسيرة الدعوة الإسلامية، فلا بد للأمة التي تريد الرفعة في الدنيا والرفعة في الآخرة والتي تريد هداية الناس إلى الحق والخير، لا بد لها أن تستخلص من حادث الهجرة الدروس الكافية الكفيلة بأن تخرج الأمة من هذه الوهدة التي سقطت فيها وتعيدها إلى صدارة الأحداث، تعيدها إلى صناعة التاريخ، تعيدها إلى موقع الفعل، فتكون فاعلة منفعلة كما كانت أيام النبي وأيام الصحابة والسلف الصالح، بدل أن تكون مفعولا بها على الدوام مقهورة ومغلوبة على أمرها كما هي طيلة القرون المتأخرة.
في الهجرة دروس في الامتثال لأمر الله ودروس في الإيمان واليقين ودروس في التخطيط وعدم التسرع ودروس في التضحية والإيثار ودروس في الحكمة وحسن التصرف، كل هذا وغيره ينبغي أن نستنبطه من أحداث الهجرة؛ لأن كل جوانب سيرة رسول الله وسيرة أصحابه هي منار للأمة وعبرة وتوجيه على الأمة أن تعمل به، يقول سبحانه: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا [الأحزاب:21]، ويقول سبحانه موجّها الأمة إلى الاعتبار بقصص الأمم السابقة وقصص الأنبياء عليهم السلام: لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُِوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَـكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُون [يوسف:111]، فإذا سارت الأمة بهدي هذا النهج وهذه السيرة العطرة وبسيرة السابقين نالت العزّ في الدنيا والآخرة وإذا فرّطت انفرطت وضاعت.
واعلموا ـ عباد الله ـ أنه كما هاجر الصحابة من أرض مكة إلى أرض المدينة امتثالا لأمر الله فإنهم هاجروا قبل ذلك هجرة لا تقلّ أهمية عن هذه الهجرة حيث هاجروا من الكفر إلى الإيمان ومن المعصية إلى الطاعة، فهذه أيضا هجرة مهمة ينبغي لكل مسلم أن يهاجرها إن كان صادقا في التوجه إلى الله، ينبغي أن يترك معاصي الله سبحانه ومساخطه ويسعى إلى حياض الطاعة والنور، ينبغي أن يهجر كل ما نهى الله عنه حتى يكون مهاجرا إلى الله سبحانه، أخرج ابن ماجة عن فضالة بن عبيد أن رسول الله قال: ((المؤمن من أمنه الناس على أموالهم وأنفسهم، والمهاجر من هجر الخطايا والذنوب))، فهل فكّرنا في هذه الهجرة التي لا تتطلب مالا ولا سفرا ولا تعرضا لخطر، بل تتطلب عزما وحزما، وتتطلب صدقا وإخلاصا في التوجه إلى الله سبحانه وفي نصرة دينه وإقامة شرعه؟!
أسأل الله سبحانه أن يوفقنا إلى صالح الأقوال والأفعال، وأن يجنبنا مواطن الزيغ والضلال، وأن ينصرنا بدينه وينصر بنا دينه

المناضل السليماني 24-12-2009 01:11 AM

رد : ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب آآآآآآمل التثبيت
 
موسى وفرعون وفضل عاشوراء

الخطبة الاولى

الحمد لله الذي لا يبلغ مدحته القائلون، ولا يحصي نعماءه العادون، ولا يؤدي حقه المجتهدون، المعروف من غير رؤية، والخالق بلا حاجة، والمميت بلا مخافة، والباعث بلا مشقة، فطر الخلائق بقدرته، ونشر الرياح برحمته، مبدئ الخلق ووارثه، وإله الخلق ورازقهم، لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله: البشير النذير والسراج المنير، صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه ومن سار على طريقهم واتبع نهجهم إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً. أما بعــد: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله فإنها وصية الله إلى عباده. {يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [آل عمران:102]. {يَـأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِى خَلَقَكُمْ مّن نَّفْسٍ وٰحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِى تَسَاءلُونَ بِهِ وَٱلأَرْحَامَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء:1]. {يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَـٰلَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب:70-71].
أما بعد:
يقول الله تعالى: لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثًا يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه ويقول الله عز وجل: فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين إن إهلاك الظالمين نعمة من نعم الله تبارك وتعالى ينبغي لعباده المؤمنين أن يشكروا الله تعالى على هذه النعمة, ونحن مقبلون على يوم من هذا الشهر الحرام يوم عظيم نجى الله فيه فريقًا من المؤمنين وأنجاهم من الظالمين, فبدأ المؤمنون يشكرون الله عز وجل من ذلك الزمان على هذه النعمة التي أنعمها الله عز وجل على الثلة المؤمنة, وذلك أن فرعون لما بغى في الأرض وعلا وجعل أهلها شيعًا يستضعف طائفة منهم يستضعف بني إسرائيل وهم الشعب الذين هم من سلالة يعقوب بن إسحاق بن خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام, جعل أهلها شيعًا يستضعفهم في الأرض, فأذلهم وسخرهم لمهن رخيصة, ولمّا رأى رؤيا ـ كما قال المفسرون ـ رأى رؤيا أنه من بني إسرائيل سيخرج رجل ويورثه الله عز وجل مكان فرعون, أخذ يقتل أبناءهم ويستحي نساءهم كما قال الله جل وعلا: جعل أهلها شيعًا يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحي نساءهم فكان في ذلك مسرفًا.
فبعث الله عز وجل موسى عليه السلام, وضعته الأم فأشفقت عليه, فأوحى الله عز وجل إليها أن اجعليه في التابوت ثم ألقيه في اليم, فذهب به اليم إلى قصر فرعون فألقى الله محبته في قلب امرأة فرعون فأحبته حبًا شديدًا فقالت: قرة عين لي ولك لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدًا .
وسخر الله عز وجل له ذلك الظالم لكي يتبناه فرُبيّ في بيته, فكان يركب ما يركب فرعون ويلبس مما يلبس, بعد أن بلغ أشده واستوى آتاه الله ـ وهو في طريقه إلى مصر من مدين ـ النبوة فأوحى الله عز وجل إليه بالرسالة وأمره أن يذهب إلى فرعون لكي يذكره لعله يتذكر أو يخشى, يتذكر فيحذر من عقاب الله تعالى, فيخشى: فيورثه خشية وطاعة وإخباتًا لله عز وجل, فقال له الله عز وجل: فقولا له قولاً لينًا لعله يتذكر أو يخشى قالا ربنا إنا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى قال لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى .
فأتاه موسى عليه السلام وأخوه هارون فقالا له قولاً لينًا, فأبى واستكبر وعاند, ووسم موسى عليه السلام بالسحر والشعوذة, وأمر السحرة أن يلتقوا معه في يوم الزينة فنصر الله عز وجل موسى عليه السلام وسجد السحرة لرب هارون وموسى, وأنزل الله عز وجل على يد موسى الآيات البينات وحذر موسى فرعون من مغبة ما هو فيه وقومه, فقال فيهم الله عز وجل وعنهم: فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقُمَّل والضفادع والدم آيات مفصلات فاستكبروا وكانوا قومًا مجرمين .
بعد ذلك أوحى الله سبحانه وتعالى لموسى عليه السلام بأن يخرج بني إسرائيل من أرض مصر في ليلة كما قال الله عز وجل ـ في سورة الشعراء ـ: وأوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي ليلاً إنكم متبعون وفرعون علم بخروج بني إسرائيل خلسة فأرسل في المدائن حاشرين, أرسل في مدائن مملكته حاشرين للناس والجنود ولماذا يحشرون عددًا كبيرًا وفيهم رجل يزعم بأنه إله؟ إذ قال أنا ربكم الأعلى, فقال معللاً: إن هؤلاء لشرذمة قليلون وإنهم لنا لغائظون قالها معللاً: أي ما حشدنا هذا العدد وما جمعنا هذا الجمع إلا لأنهم قد أبلغونا مبلغًا كبيرًا من الغيظ وإنهم لنا لغائظون وإنا لجميعٌ حاذرون أي كنا على حذر مما يفعلون, فأخرجهم الله عز وجل مما كانوا فيه, فخرجوا في وقت الإشراق.
قال ابن عباس رضي الله عنهما ـ في تفسيره لسعيد بن جبير في قوله تعالى: وفتناك فتونًا ـ في قصة الفتون ـ القصة موقوفة عليه رضي الله عنه كما قال ذلك ابن كثير ونقله عن أبي الحجاج المزي رحمهما الله تعالى ـ قال ابن عباس: فأوحى الله عز وجل إلى موسى أن يخرج بقومه ليلاً, فلما أصبح فرعون أرسل في المدائن حاشرين, فجمع الجنود فخرجوا إلى موسى وقومه, فجاء موسى عليه السلام والبحر من أمامه فأدركه فرعون بجنوده فلما رأى قوم موسى هذا قالوا: إنا لمدركون, قالوا: يا موسى إنّا لمدركون؛ البحر من أمامهم وفرعون من خلفهم, إنا لمدركون أي سيدركنا فرعون وذلك بعد أن تراءى الجمعان كما قال الله عز وجل: فلما تراءى الجمعان جمع موسى وجمع فرعون وجنوده, فلما تراءى الجمعان , أي رأى بعضهما بعضًا قال أصحاب موسى إنا لمدركون فقال موسى عليه السلام: كلا بكل توكيد وثقة "كلا" لسنا بمدركين, "كلا" لسنا بمفتنين, "كلا" لسنا بمن سيكون في أيدي هؤلاء الظالمين.
ولماذا قال: كلا بهذه الثقة وبهذه الطمأنينة؟ إن العلة في ذلك إن معي ربي سيهدين فأوحى الله سبحانه وتعالى إليه: فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم إن السنة التي أجراها الله عز وجل للماء لكي تسير على اليابسة في لحظة من اللحظات, بقدرته تعالى يتحول هذا الماء ليصبح كالجبل الشامخ, وتصبح الأرض التي كان فيها الماء طريقًا يبسًا وكأن الماء ما مسته يومًا وفي قوله تعالى: فأوحينا إلى موسى فيه أن هذا الأمر كان عند لقائه بفرعون.
وفي حديث الفتون, قال ابن عباس رضي الله عنهما: "وكان الله عز وجل قد أوحى إلى موسى عليه السلام ـ أي قبل أن يخرج ببني إسرائيل ـ أن اضرب بعصاك البحر وقال للبحر إذا ضربك عبدي موسى فانفلق فرقتين, فلما قدم موسى إلى البحر نسي أن يضرب بعصاه البحر فقال له أصحابه: إن الله عز وجل لم يكذب ولم تكذب, فقال موسى: إن الله وعدني أني إذا أتيت البحر انفلق فرقتين ثم تذكر عليه السلام أمر الله عز وجل إياه بضرب البحر بالعصا, فضربه فانفلق فرقتين" هذا ما ذكره ابن عباس رضي الله عنه.
ولما رأى فرعون ذلك الأمر دخل بجنوده في الطريق اليبس بعد أن دخل موسى وقومه, فلما اجتازوا البحر وأصبح قوم فرعون في سواء الطريق اليبس أطبق الله تعالى عليهم البحر وأعاد سنة الماء في ذلك للماء فأغرقهم الله تعالى في ذلك المكان, فقال الله عز وجل عنه ـ أي عن موسى ـ: ثم أزلفنا الآخرين وأنجينا موسى ومن معه أجمعين ثم أغرقنا الآخرين إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين إن في هذا الحدث الذي حدث لآية على مر القرون وإن قوم موسى طلبوا من موسى أن يريهم فرعون فأخرجه الله عز وجل فقال سبحانه وتعالى: فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية وإن كثيرًا من الناس عن آياتنا لغافلون , ففي هذا الحدث آية على مر القرون ولكن أكثرهم لا يعلمون؛ ولهذا الله عز وجل قال: إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز الحكيم وكانت هي آخر خرجة من خرجات هذا الظالم من بلده, قال سبحانه وتعالى: فأخرجناهم من جنات وعيون وزروع ومقام كريم كذلك وأورثناها بني إسرائيل , وقال في سورة الدخان: فأخرجناهم من جنات وعيون وزروع ومقام كريم ونعمة كانوا فيها فاكهين كذلك وأورثناها قومًا آخرين فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين , وقال تعالى ممتنًا على بني إسرائيل: ولقد نجينا بني إسرائيل من العذاب المهين من فرعون إنه كان عاليًا من المسرفين ولقد اخترناهم على علم على العالمين .
فماذا كان موقف كليم الله موسى بن عمران من هذه النعمة؟ صام موسى عليه السلام هذا اليوم شكرًا لله تعالى في العاشر من محرم, صامه شكرًا لله سبحانه وتعالى فيأتي الرسول حين يقدم المدينة كما ورد ذلك في الصحيحين في حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله لمّا قدم المدينة وجد يهودًا تصوم عاشوراء فقال رسول الله : ((ما هذا؟)) فقالوا: هو يوم صالح نجى الله فيه موسى وبني إسرائيل وأغرق فيه فرعون وقومه, فقال النبي : ((نحن أحق بموسى منكم)) فصامه وأمر بصيامه, وذلك قبل فرض رمضان, فلما فرض رمضان قال عليه الصلاة والسلام: ((من شاء صامه, ومن شاء تركه)).
وفي قوله : ((نحن أحق بموسى منكم)) كلام صائب صحيح؛ فالرسول عليه الصلاة والسلام أقرب إلى موسى من هؤلاء اليهود الذين كفروا برسالة محمد وكذبوا رسولهم كذلك موسى, فالرسول عليه الصلاة والسلام في قوله: ((نحن أحق بموسى منكم)) صدق؛ إذ هو عليه الصلاة والسلام رسول الله وكليمه كما أن موسى عليه السلام رسول الله عز وجل كليمه كذلك فهو عليه الصلاة والسلام يفرح لفرح موسى وصدق الله عز وجل: فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين أي ينبغي أن يُحمد الله تعالى عند إهلاكه للظالمين فهي نعمة من نعمه تعالى.
فأسأل الله عز وجل أن ينفعنا بالقرآن العظيم وبسنة سيد المرسلين إنه هو القادر على ذلك, وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.



الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين, ولا عدوان إلا على الظالمين, والصلاة والسلام على البشير النذير المبعوث رحمة للعالمين من بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وتركها على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
إن لموسى عليه السلام فضيلة على أمة محمد عليه الصلاة والسلام, ولذلك لا تعجب أيضًا عند قوله : ((نحن أحق بموسى منكم)) فثبت في صحيح البخاري في كتاب الصلاة في قصة الإسراء الطويلة من حديث أبي بكر بن حزم, وأنس بن مالك رضي الله عنهما أن الرسول قال في قصة الإسراء: ((ففرض الله عز وجل على أمتي خمسين صلاة فنزلت على موسى عليه السلام فقال: ما فرض الله تعالى عليك؟ فقلت: خمسون صلاة, فقال: ارجع إلى ربك فسله التخفيف, فإن أمتك لا تطيق, قال: فرجعت إلى ربي فسألته فأنزل شطرها فرجعت إلى موسى فقال: ما فعل؟ قال: أنزل شطرها ـ أي أنزل الله شطرها فجعلها خمسًا وعشرين صلاة ـ فقال له موسى: ارجع إلى ربك فإن أمتك لا تطيق ـ رأفةً على أمة محمد عليه الصلاة والسلام فإنه جَرّب بني إسرائيل ووجد بأنهم لم يتحملوا ما أوجب الله عليهم من التكاليف ـ فقال : ارجع, فرجع النبي فأنزل الله عز وجل شطرها, فرجع إلى موسى, فقال: ارجع فإن أمتك لا تطيق, فرجع مرة أخرى, فقال الله عز وجل: خمس وهي خمسون ـ أي جعلتها خمسًا, وفي أجرها بخمسين صلاة ـ لا يبدل القول لدي, فرجع النبي إلى موسى بن عمران فقال: ارجع إلى ربك فسله التخفيف, فقال النبي : ((استحييت من ربي)).
هكذا فإن الله سبحانه وتعالى قد خفف على أمة محمد عدد الصلوات وجعل موسى عليه السلام سببًا في ذلك, فله أيضًا فضل على أمة النبي عليه الصلاة والسلام, فصدق النبي عليه الصلاة والسلام إذ قال: ((نحق أحق بموسى منكم)) وهكذا المسلمون كالجسد الواحد ينظر بعضهم إلى آلام بعض, إذا اشتكى منهم عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى, فالرسول يفرح لفرح موسى فيصوم يوم عاشوراء.
ومن قبيل هذا قوله والحديث عند البخاري في صحيحه وكذاك مسلم من حديث سعيد بن المسيب عن أم شريك رضي الله عنها أن الرسول أمر بقتل الوزغ وقال : ((إنه كان ينفخ على إبراهيم عليه السلام)), وفي رواية للإمام أحمد عن عائشة رضي الله عنها, أن النبي قال: ((اقتلوا الأوزاغ ـ جمع وزغ ـ فإنه كان ينفخ النار على إبراهيم عليه السلام)), وفي رواية ثالثة: أن امرأة دخلت على عائشة رضي الله عنها فوجدت عندها حربة فقالت: ما هذا؟ قالت عائشة رضي الله عنها: نقتل به الأوزاغ فإن النبي قال: ((إنه كان ينفخ على إبراهيم عليه السلام النار)).
هكذا يا سبحان الله, يا سبحان الله, الرسول عدو لمن عادى إبراهيم عليه السلام.

صلوا على من امركم الله بالصلاة والسلام عليه الدعاء لا تنسى ان تدعوا على الحوثيين

المناضل السليماني 29-12-2009 02:57 PM

رد : ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب آآآآآآمل التثبيت
 
الخطبة الأولى

هذه الخطبة عن الكسوف


الحمد لله الذي لا يبلغ مدحته القائلون، ولا يحصي نعماءه العادون، ولا يؤدي حقه المجتهدون، المعروف من غير رؤية، والخالق بلا حاجة، والمميت بلا مخافة، والباعث بلا مشقة، فطر الخلائق بقدرته، ونشر الرياح برحمته، مبدئ الخلق ووارثه، وإله الخلق ورازقهم، لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله: البشير النذير والسراج المنير، صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه ومن سار على طريقهم واتبع نهجهم إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً. أما بعــد: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله فإنها وصية الله إلى عباده. {يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [آل عمران:102]. {يَـأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِى خَلَقَكُمْ مّن نَّفْسٍ وٰحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِى تَسَاءلُونَ بِهِ وَٱلأَرْحَامَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء:1]. {يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَـٰلَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب:70-71].
أما بعد:
أيها الناس اتقوا الله تعالى، وتفكروا في آياته وما يخلقه في السموات والأرض، فإن في ذلك لآيات لقوم يعقلون، تفكروا في هذه السموات السبع التي رفعها الله بقوّته، وأمسكها بقدرته ورحمته أن تقع على العباد، تفكروا كيف أحكم الله بناءها، فمالها من فروج أي مالها من شقوق، ومالها من فطور أي ليس فيها عيب ولا نقصان.
انظروا كيف زينها الله بالمصابيح التي عمتها بالجمال والنور، وكيف جعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، ثم تفكروا كيف كانت هذه النجوم والشمس والقمر تسير بإذن الله في فلكها الذي وضعها الله فيه منذ خلقها الله حتى يأذن بخرابها، لا تنقص عن سيرها ولا تزيد، ولا ترتفع عنه ولا تنزل، ولا تحيد، فسبحان الله، من سيّرها بقدرته ورتب نظامها بحكمته، وهو القوي العزيز.
عباد الله: إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله تدل على كمال قدرته وعظيم حكمته وسعة رحمته، فإذا نظرت إلى عظمتهما وانتظام سيرهما أيقنت عند ذلك بقدرة الله، واذا نظرت إلى ما في اختلاف سيرهما من المصالح والمنافع تبيّن لك كمال حكمة الله وسعة رحمته بعباده، ألا وإن من حكمة الله في سير الشمس والقمر ما يحدث فيهما من الكسوف والخسوف وهو ذهاب ضوئهما إما كله أو بعضه، فإن هذا الكسوف وهذا الخصوف يحدث بأمر الله، يخوف الله به عباده ليتوبوا إليه ويستغفروه ويعبدوه ويعظموه.
ولقد كسفت الشمس في عهد النبي فخرج فزعاً خائفاً يجرّ رداءه حتى أتى المسجد ثم نودي: الصلاة جامعة، الصلاة جامعة. فاجتمع الناس، فتقدم النبي فصلى بالناس ركعتين في كل ركعة ركوعان وسجودان، كبر ثم قرأ الفاتحة وسورة طويلة نحو البقرة حتى جعل أصحابه يخرّون من طول القيام ثم ركع فأطال الركوع ثم قال: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد، ثم قرأ الفاتحة وسورة طويلة دون الأولى ثم ركع ركوعاً طويلاً دون الأول ثم قال: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد، وأطال القيام ثم سجد فأطال السجود ثم جلس بين السجدتين وأطال ثم سجد فأطال، ثم فعل في الركعة الثانية مثلما فعل في الأولى غير أنه لم يطل بمثل الركعة الأولى حتى انجلت الشمس، وقد سمعه بعض الصحابة يقول في سجوده: ((رب ألم تعدني أن لا تعذّبهم وأنا فيهم، ألم تعدني أن لا تعذبهم وهم يستغفرون)) ثم خطب الناس ووعظهم موعظة بليغة فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهل له سبحانه ثم قال: ((إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى الصلاة، فافزعوا إلى المساجد، فافزعوا إلى ذكر الله ودعائه واستغفاره)) وفي رواية: ((فادعوا وتصدقوا وصلوا)) ثم قال: ((يا أمة محمد، والله ما من أحد أغير من الله أن يزني عبده أو تزني أمته. يا أمة محمد والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً)). وقال: ((ما من شيء توعدونه إلا قد رأيته في صلاتي هذه وأوحي إلي أنكم تفتنون في قبوركم مثل أو قريباً من فتنة الدجال)) قالوا يا رسول الله: لقد أريناك تأخرت وتقدمت في مقامك في الصلاة قال: ((لقد رأيت النار جيء بها يحطم بعضها بعضاً فتأخرت مخافة أن يصيبني من لهبها حتى رأيت فيها عمرو بن لحي – الذي سن لقريش عبادة الأصنام – يجر أمعاءه في النار، ورأيت صاحبة الهرة التي ربطتها فلم تطعمها ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض حتى ماتت جوعاً ورأيت أكثر أهلها النساء – قالوا: لم يا رسول الله قال: لأنهن يكفرن العشير ويكفرن الإحسان، لو أحسنت إلى إحداهن الدهر ثم رأت منك شيئا قالت: ما رأيت منك خيراً قط ورأي الجنة حتى تقدمت في مقامي، فأردت أن أتناول منها عنقوداً ولو أخذته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا)).
فيا أمة محمد إن كسوف الشمس أو القمر لحدث عظيم مخيف، وأكبر دليل على ذلك ما حصل لرسول الله عند كسوف الشمس من الفزع إلى الصلاة، وما حصل له فيها من أحوال ومشاهد، ثم تلك الخطبة البليغة التي خطبها، فعلينا عباد الله أن نفزع ونخاف لحدوث الكسوف وأن نلجأ إلى مساجد الله للصلاة والدعاء والاستغفار، وأن نتصدق لندفع البلاء، وقد أمر النبي بإعتاق الرقاب في كسوف الشمس لأن عتق الرقبة معناه نجاة المعتق من النار، فأسباب البلاء والانتقام عند حدوث الكسوف قد انعقدت والفزع إلى الصلاة والدعاء والتوبة والاستغفار والصدقة وغيرها من أفعال الخير تدفع تلك الأسباب بإذن الله.
فيا أيها الناس: إذا حصل الكسوف كما أخبر بذلك من له علم بحساب جريان الشمس والقمر في أي وقت وفي أية ساعة، فافزعوا إلى الصلاة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بذلك، ولم يحدّد لها وقتاً من الأوقات وإنما وقتها إذا رأيتم الكسوف فلا تصلي إلا إذا شاهدنا ذلك، ولأن صلاة الكسوف هي صلاة فزع ومدافعة بلاء وخوف انتقام العزيز الجبار لدينه ومحارمه.
واعلموا أن السنة أن تصلى جماعة في المساجد كما صلاها النبي صلى الله عليه وسلم وصلى خلفه الرجال والنساء، فإن صلاها الإنسان وحده فلا بأس لكن الأفضل مع الجماعة.
فاللهم إنا نعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك، ونعوذ بك منك لا نحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك، والحمد لله رب العالمين.




الخطبة الثانية
وبعد:
فإن بعض الناس يزعمون أن كسوف الشمس وخسوف القمر وزوال هذه النجوم عن مطالعها وما يحدث أحياناً من تغير يزعمون أن شيئا من هذا يحدث لموت رجال عظماء من أهل الأرض كما حدث أن بعض الناس ظنوا أن كسوف الشمس الذي حدث على عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان لأجل موت ولده إبراهيم. ألا إن هؤلاء قد كذبوا، ولكنها آيات من آيات الله تبارك وتعالى يعتبر بها عباده كما قال النبي : ((إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتموه فافزعوا إلى الصلاة)) وبين في رواية أخرى أن كسوف الشمس وخسوف القمر سبب لنزول عذاب الله بالناس فقال: ((ولكنها آيتان من آيات الله يخوف بهما عباده)) فإن الله إنما يخوف عباده بما يخافونه إذا عصوه وعصوا رسله، وإنما يخاف الناس إذا جاءهم ما يضرهم، فلو لم يحصل بالناس ضرر عند الكسوف أو الخسوف ما كان ذلك تخويفاً وقد قال تعالى: وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها وما نرسل بالآيات إلا تخويفاً . وأمر النبي بما يزيل الخوف، أمر بالصلاة والدعاء والاستغفار والصدقة حتى يكشف الله ما بالناس.
وأما العلم بوقت الكسوف والخسوف فهو ممكن إذا أخبر به من يعرف حساب جريان الشمس والقمر ومنازلهما، وليس خبر الحاسب بذلك من باب العلم بالغيب، ولا يترتب على خبره حكم شرعي، فهو كمثل من يعلم أوقات الفصول كأول الربيع والصيف والخريف والشتاء لأنه يعلم أن الشمس تكون قريبة من ذلك النجم، غير أننا لا نصدق الذي يخبر بذلك إلا إذا علمنا أنه صادق، ولا نكذبه إلا إذا علمنا كذبه عملاً بقول النبي : ((إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم، فإما أن يحدثوكم بحق فتكذبوهم، وإما أن يحدثوكم بباطل فتصدقوهم)) ومع هذا فلا يترتب على هذه المسألة علم أو حكم شرعي طالما أننا لا نصلي هذه الصلاة إلا إذا شاهدنا الكسوف وإن الواجب علينا إذا رأينا هذه الآية أن نسارع إلى التوبة إلى الله وأن يراجع كل واحد منا نفسه مع ربه وأن لا نأمن مكر الله فإنه لا يأمن مكر الله إلا القوم الكافرون.
وأذكركم ثانية ينبغي إذا حصل الكسوف أن نلجأ إلى المسجد للصلاة والدعاء والاستغفار متى رأينا الكسوف، وكلنا خوف وعزيمة على الرجوع إلى دين الله بصدق، ومن كانت له خصومة أو شحناء مع أخيه فليتصارح معه، فإن كل ذلك سبب لرفع البلاء ودفع نقمة الله وغضبه لمحارمه التي انتهكها كثير من الناس دونما خوف ولا حياء. فاللهم لا تؤاخذنا بما فعله السفهاء منا، ولا تسلط علينا بذنوبنا عقابك، واكشف عنا العذاب فإننا مؤمنون. وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.
صلوا على من امركم الله بالصلاة والسلام عليه........الدعاء

المناضل السليماني 07-01-2010 10:12 AM

رد : ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب آآآآآآمل التثبيت
 
هذه الخطبة بعنوان والصدقة برهان



الخطبة الأولى:-
الحمد لله الذي لا يبلغ مدحته القائلون، ولا يحصي نعماءه العادون، ولا يؤدي حقه المجتهدون، المعروف من غير رؤية، والخالق بلا حاجة، والمميت بلا مخافة، والباعث بلا مشقة، فطر الخلائق بقدرته، ونشر الرياح برحمته، مبدئ الخلق ووارثه، وإله الخلق ورازقهم، لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله: البشير النذير والسراج المنير، صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه ومن سار على طريقهم واتبع نهجهم إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً. أما بعــد: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله فإنها وصية الله إلى عباده. {يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [آل عمران:102]. {يَـأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِى خَلَقَكُمْ مّن نَّفْسٍ وٰحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِى تَسَاءلُونَ بِهِ وَٱلأَرْحَامَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء:1]. {يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَـٰلَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب:70-71].
أما بعد:

عباد الله:إتقوا الله تعالى وتذكروا قول الله جل وعلا : ( آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه ) يقول الله سبحانه مادحاً عباده المؤمنين : ( والذين في أموالهم حق معلوم * للسائل والمحروم ) أي : أن في أموالهم نصيباً مقرراً لذوي الحاجات من الناس سواءٌ كان هذا الحق واجباً أو مستحباً.
والسائل: هو الذي يسأل الناس حاجته ويطلبها بنفسه.
والمحروم: هو المتعفف الذي يتعفف عن سؤال الناس ولا يُظهر فاقته إليهم قال صلى الله عليه وسلم : ( ليس المسكين بالطواف الذي ترده اللقمة واللقمتان والتمرة والتمرتان ولكن المسكين الذي لا يجد غِنًى يُغْنيه ولا يُفْطَن له فيُتَصَدق عليه ) وفي رواية : ( ولا يسأل الناس شيئاً ) كما قال تعالى: ( يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف ). فالمؤمنون الكُمَّل هم الذين يتفقدون الجميع فيعطون السائل والمحروم.
عباد الله:
إن مال العبد في الحقيقة هو ما قدم لنفسه ليكون له ذخراً بعد موته ، وليس ماله ما جمع فاقتسمه الورثة بعده ، في الصحيح عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله ،قالوا يا رسول الله ، ما منا أحد إلا ماله أحب إليه ، قال فإن ماله ما قدم، ومال وارثه ما أخر ).
وفي الترمذي عن عائشة رضي الله عنها ، أنهم ذبحوا شاة فتصدقوا بها سوى كتفها ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( بقى كلها غير كتفها ).
عباد الله:
إن الصدقة دليل على إيمان العبد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( والصدقة برهان ) أي دليل وعلامة على صدق الإيمان.
وهي سبب للشفاء والسلامة من الأمراض قبل وقوعها وبعد وقوعها قال صلى الله عليه وسلم:( داووا مرضاكم بالصدقة ).
وعندما يحشر الناس حفاةً غرلا وتدنو منهم الشمس ويلجمهم العرق يكون المسلم في ظل صدقته قال صلى الله عليه وسلم:( كل امرئ في ظل صدقته حتى يُفصل بين الناس ).
والصدقة تطفئ غضب الرب سبحانه قال صلى الله عليه وسلم: ( صدقة السر تطفيء غضب الرب ).
وهي سبب لنيل محبة الله عز وجل قال عليه الصلاة والسلام: ( أحب الأعمال الى الله عز و جل سرور تدخله على مسلم أو تكشف عنه كربة أو تقضي عنه دينا أو تطرد عنه جوعا ولأن أمشي مع أخي في حاجه أحب إلي من أن اعتكف في هذا المسجد شهراً ).
وهي سبب لزيادة الرزق ونزول البركات قال الله تعالى: ( يمحق الله الربا ويربي الصدقات ) وقال صلى الله عليه وسلم: ( ما نقص مال من صدقة ).
والصدقة من أعظم أبواب البر والإيمان وذوق حلاوته قال تعالى: ( لن تنالو البر حتى تنفقوا مما تحبون وما تنقوا من شيء فإن الله به عليم )
والصدقة الجارية يبقى ثوابها حتى بعد الموت قال صلى الله عليه وسلم: ( إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة: ـ وذكر منها ـ صدقة جارية )
وهي سبب لإطفاء الخطايا وتكفير الذنوب قال صلى الله عليه وسلم: ( الصوم جنة والصدقة تطفيء الخطيئة كما يطفيء الماء النار ).
وهي حجاب عن النار قال صلى الله عليه وسلم: ( اتقوا النار ولو بشق تمرة )
والصدقة من أفضل صنائع المعروف قال صلى الله عليه وسلم: ( صنائع المعروف تقي مصارع السوء )
فيالها من فضائل يغفل عنها كثير من الناس.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ؛ ونفعني وإيّاكم بما فيه من الآيات والذكّر الحكيم ؛ أقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ إنه هو الغفور الرحيم.


الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عُدوان إلا على الظالمين
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله
صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً أما بعد:-

عباد الله:
يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( ما من يوم يصبح على العباد إلا وملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقاً خلفا ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكاً تلفا ) وقال النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل: ( ابن آدم: أنفِق أُنْفِق عليك ).
وهذان الحديثان يدلان على فضل النفقة عموماً ولا يختصان بالصدقة.
فيدخل في ذلك: النفقة في الجهاد، وبناء المساجد وترميمها ، وإكرام الضيف ، وإغاثة الملهوف ، وطباعة الكتب ، وقضاء الديون ، وإعانات الزواج ، والنفقة في نشر الدعوة إلى الله ، وعلاج المرضى وغير ذلك.
رجل قابلته قبل اسبوع واخبرني بهذه القصة ويقول ان هذه المرأة في المحافظة التي يسكن بها يقول : عندنا امرأة مريضة بمرض اقعدها فاستقدموا اناؤها لها خادمة لتخدمها فرأت هذه المرأة من الخادمة شيء لفت نظرها وهي ان الخادمة تدخل الحمام اكرمكم الله واكرم هذا المكان فسألتها صاحبت المنزل فقالت لها أنجبت طفلا قبل المجي اليكم فأخبروني بالعمل فتركت ابني وأتيت الى هنا فكلما تذكرت ولدي درت ثدياي بالحليب فأدخل الحمام لأخرج الحليب فبكت هذه المرأة من رحمتها وقالت لأولادها أعطوها من حسابي راتب سنتين واشتروا لها تذاكر وردوها إلى بلدها لتبقى مع ابنها وكانت هذه المرأة تراجع المستشفى فذهبت للمستشفى للكشف قالوا والله لم يبقى للمرض اي أثر
هذا من بركة الصدقة
عباد الله تذكروا قول الله تعالى: ( ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون ) وأنفقوا من مال الله الذي بأيديكم وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون.

صلوا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه
اللهم ‏عليك بأعداء الملة واعداء الدين ‏فإنهم ‏لا ‏يعجزونك ‏يا ‏جبار ‏السموات ‏والأرض ‏
اللهم ‏إحصهم ‏عددا ‏واقتلهم ‏بددا ‏ولا ‏تغادر ‏منهم ‏أحدا . ‏وأنزل ‏عليهم ‏عاجل ‏نقمتك ‏اليوم ‏أوغدا‏
اللهم ‏أحزنهم ‏كما ‏أحزنونا ‏وآسفهم ‏كما ‏آسفونا
اللهم ‏يتّـم ‏أطفالهم ‏ورمّـل ‏نساءهم ‏وعقّـم ‏أرحامهم ‏وأرّق ‏نومهم يامن ‏قلت ‏في ‏كتابك ادعوني استجب لكم
‏اللهم ‏آتي‏اليهود والروافض والحوثيين ‏وكل ‏من ‏والاهم ‏ضعفين ‏من ‏العذاب ‏والعنهم ‏لعنا ‏كبيرا ‏بقوتك ‏يا ‏جبار‏
اللهم ‏اجعل ‏بيوتهم ‏عليهم ‏ردما ‏اللهم ‏اجعل ‏قنابلهم ‏عليهم ‏دمدما ‏وعويل ‏نساءنا ‏عليهم ‏همهم
‏اللهم ‏اجعلهم ‏عبرة للمعتبرين اللهم ‏ومن ‏أرادنا وبلادنا ‏والإسلام ‏بخير ‏فوفقه ‏لكل ‏خير
‏ومن‏أرادنا ‏والإسلام ‏بسوء ‏فاقسم ظهره ‏واجعل ‏كيده ‏في ‏نحره ‏ولا ‏تمهله بين ‏يومه ‏وأمسه
اللهم ارسل عليهم حجارة من سجيل و ارمي الرعب و الذعر في قلوبهم
اللهم ابعث عليهم رياح عاتية تقتلع جبروتهم اللهم
اللهم إننا ضعفاء فقونا اللهم اننا فقراء فاغننا اللهم اننا جياع فاطعمنا اللهم اننا ضياع فأونا..
اللهم لاملجا لنا سواك ياحي ياقيوم اللهم دمر اليهود الحاقدين والرافضة المجرمين ومن يؤيدهم وشتت شملهم وأأسر
جنودهم واربك جيشهم ومخططهم آآآآآآآآآآآآآآمين يارب العالمين
عباد الله ان الله يأمر بالعدل والاحسان وإيتاء ذي القربى وينهى الفحشاء والمنكر يعظكم لعلكم تذكرون

المناضل السليماني 14-01-2010 11:20 PM

رد : ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب آآآآآآمل التثبيت
 

القدوة في زمن قل فيه القدوات
الخطبة الاولى

الحمد لله الذي لا يبلغ مدحته القائلون، ولا يحصي نعماءه العادون، ولا يؤدي حقه المجتهدون، المعروف من غير رؤية، والخالق بلا حاجة، والمميت بلا مخافة، والباعث بلا مشقة، فطر الخلائق بقدرته، ونشر الرياح برحمته، مبدئ الخلق ووارثه، وإله الخلق ورازقهم، لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله: البشير النذير والسراج المنير، صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه ومن سار على طريقهم واتبع نهجهم إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً. أما بعــد: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله فإنها وصية الله إلى عباده. {يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [آل عمران:102]. {يَـأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِى خَلَقَكُمْ مّن نَّفْسٍ وٰحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِى تَسَاءلُونَ بِهِ وَٱلأَرْحَامَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء:1]. {يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَـٰلَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب:70-71].
أما بعد:
نقف اليوم مع عَلَمٍ من أعلام التابعين، ومن كبار الفقهاء والعُبَّاد والزُّهَّاد، من أهل الوَرَع والخشية، مع الذي جعل الله له ذكرًا في العالمين، مع الذي نشأ منذ نعومة أظفاره على طاعة الله، وفَطَمَ نفسه منذ حداثته على تقواه، مع أحد خريجي مدرسة الصحابة - رضي الله عنهم - مع من تَتلمذَ على يد سيدنا عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - صاحب رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وقد تعلَّق هذا التابعي بأستاذه تعلُّق الوليد بأمِّه، وأحبَّ الأستاذ تلميذه حبَّ الأب لوحيده، حتى قال له ابن مسعود في ذات يوم: "يا أبا يزيد، لو رآك رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - لأحبك، وما رأيتك إلا ذكرت المخبتين".

إنه التابعي الجليل: (الرَّبيع بن خُثَيْم )، والتابعي هو الذي أدرك زمن الصحابة ورآهم ولم يرَ الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم.

وأنا اليوم سأسلِّط الضوء؛ لألتقط صورًا من سيرته العطرة، ونقف معها؛ لنهتدي بها في حياتنا وتعاملنا، فالأمَّة اليوم بحاجة إلى من يحدثها عن سِيَر هولاء الأعلام، أمثال: الرَّبيع بن خُثَيْم؛ لتقتدي بها وترى أصحاب الهِمم العالية والعزيمة الصادقة؛ قال الله – تعالى –: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [سورة يوسف: 111].

الصورة الأولى: الربيع يغض بصره عن الحرام:
إن إطلاق البصر سببٌ لأعظم الفتن، فكم فسد بسبب النظر من عابد! وكم انتكس بسببه من شباب وفتيات كانوا طائعين! وكم وقع بسببه أناس في الزنا والفاحشة، والعياذ بالله!

فالعين مِرآة القلب، فإذا غضَّ العبد بصره، غض القلب شهوته وإرادته، وإذا أطلق العبد بصره، أطلق القلب شهوته وإرادته، ونقش فيه صور تلك المبصَرات، فيشغله ذلك عن الفكر فيما ينفعه في الدار الآخرة.

ولذلك؛ كان السلف الصالح يبالغون في غضِّ البصر؛ حذرًا من فتنته، وخوفًا من الوقوع في عقوبته، فكان الربيع بن خُثَيْم - رحمه الله - يغضُّ بصره، فمرَّ به نسوة، فأطرق - أي: أمال رأسه إلى صدره - حتى ظنَّ النسوة أنه أعمى، فتعوذن بالله من العمى.

وفي ذات يوم قِيلَ له: يا ربيع، لم لا تجلس في الطرقات مع الناس؟ فقال: أنا أخشى ألاَّ أردَّ السلام ولا أغضَّ بصري.

هكذا يبالغ الربيع بالغضِّ، حتى يحافظ على قلبه الذي ربَّاه على الإيمان، فأين شباب اليوم من هذه الخصلة، التي هي غض البصر؟! أين الذين ينظرون إلى النساء المتبرِّجات في الطرقات والأسواق؟! أين الذين ينظرون إلى النساء من خلال الأفلام والمسلسلات والأغاني؟! أين الذين يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله إذ يسترقون النظرات إلى النساء؟!

فهذا درسٌ عظيم من الربيع إلى كلِّ المسلمين، وخاصة الذين يجلسون في الطرقات والأسواق: أن كفُّوا أبصاركم عن النظر إلى الحرام.

الصورة الثانية: الربيع يشتغل بعيوبه عن عيوب الآخرين:
لقد اشتغلَ الربيع بعيوب نفسه، وترك الاشتغال بعيوب الآخرين، وطبَّق في حياته ما قاله الله -تعالى - في كتابه الخالد: {والَّذينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ} [المؤمنون: 3]، في ذات يوم قِيلِ له: يا أبا يزيد، ألا تذمُّ الناس؟ فقال: والله ما أنا عن نفسي براضٍ فأذمَّ الناس, إن الناس خافوا الله على ذنوب الناس وأمنوه على ذنوبهم.

نعم والله صدق الربيع، ألا ترون أيها الناس، أننا في مجالسنا نتحدث ونقول: والله نخشى من عذاب الله من أفعال فلان وعلان، ونخاف من عذاب الله من أقوال فلان وفلان، ولكننا ننسى أن نخافَ على أنفسنا من عذاب الله من ذنوبنا وأفعالنا وأقوالنا.

هذا إبراهيم التيمي، قال - وهو يتحدث عن أخلاق الربيع -: "أخبرني من صحب الربيع بن خُثَيْم عشرين سنة: ما سمع منه كلمة تعاب"، الله أكبر.

أيُّ تربية هذه التي كان ينتهجها الربيع مع نفسه، حتى كانت هذه السيطرة على لسانه، فلا يُسمعُ منه كلمة تُعاب مع طول مدة الصُّحبة؟!

جاء رجلٌ إلى الربيع بن خثيم, فاغتاب أخًا له, فقال الربيع بن خثيم: أقاتلت الروم؟ قال: لا، قال: أقاتلت فارس؟ قال: لا، قال: فيَسلَمُ منك فارس والروم، ولا يسلم منك المسلم؟! قُمْ عني.

فهذا درسٌ من الربيع لكلِّ من أطلق العنان للسانه بالتكلم على المسلمين، وبذكر عيوبهم، ليشتغل بعيوب نفسه عن عيوب إخوانه من المسلمين، فطُوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس.
الخطبة الثانية
الصورة الثالثة: الربيع يعفو ويقابل السيئة بالحسنة:
كان الربيع من الرجال الذين ترجموا قول الله – تعالى -: {وَالكَاظِمِينَ الغَيْظَ وَالعَافِينَ عَنِ النَّاسِ} [آل عمران: 134]، في واقع حياتهم، من الذين جرَّدوا نفوسهم من الانتقام والثأر والغضب إلا لله.

في ذات يوم، وبينما هو في المسجد ورجل خلفه، فلمَّا قاموا إلى الصلاة، جعل الرجل يقول له: تقدَّم، ولا يجد الربيع مكانًا أمامه، فرفع الرجل يده وضرب بها عنق الربيع، ولا يعرف أن الذي أمامه هو الربيع بن خُثَيم.

فماذا تظنون من الربيع أن يفعل؟ ضربه هذا الرجل، وأهانه أمام الناس وبدون سبب.

وأنا على يقين أن نفس الربيع في تلك اللحظات دعته للانتقام أمام هذه الإهانة، ولكنه داس على نفسه، وقابلها بعكس ما تريد، أتدرون ماذا فعل؟

التفت الربيع إلى الرجل الذي ضربه، فقال له: رحمك الله، رحمك الله، وإذا بالرجل يبكي بكاءً شديدًا حين عرف الربيع، أرأيتم كيف قابله بهذا الخلق العظيم؟!

وفي ذات يوم اشترى فرسًا بثلاثين ألفًا، فغزا عليها، ثم أرسل غلامه يحتشُّ، وقام يصلي وربط فرسه، فجاء الغلام، فقال: يا ربيع أين فرسك؟ قال: سرقت يا يسار، قال: وأنت تنظر إليها؟ قال: نعم يا يسار، إني كنت أناجي ربي - عز وجل - فلم يشغلني عن مناجاة ربي شيء اللهم إنه سرقني ولم أكن لأسرقه، اللهم إن كان غنيًّا، فاهده، وإن كان فقيرًا، فأغنِه (ثلاث مرات).

سُرِق له فرس، والفرس يعادل في زماننا السيارة الحديثة الغالية الثمن، ومع ذلك دعا له بالخير!

أما في زماننا، فهناك من المسلمين إذا سُرِق حذاؤه من المسجد، أقام الدنيا ولم يقعدها على السارق، ويبدأ يسبُّ ويشتم ويلعن ويدعو عليه بالهلاك! وهناك من يفعل مثلما فعل الربيع. فالربيع من خلال موقفه يخاطب المسلمين، فيقول لهم: اجعلوا قول الله – تعالى -: {وَلاَ تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلاَ السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أحْسَنُ فَإذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [فصلت: 34 - 35]، شعاركم في مواجهة من اعتدى عليكم، وعوِّدوا ألسنتكم على الكلمة الطيبة، فالكلمة الطيبة صدقة.

الصورة الرابعة: الربيع يثبت أمام إغراء النساء:
اسمع إلى هذا الموقف، وهذه القصة، وتدبَّر ما فيها من عِبرة، كان الربيع معروفًا بجماله، كان جميلاً كأشد ما يكون الجمال، حتى إن المرأة إذا نظرت إليه لا تستطيع أن تملك نفسها، وقيل عنه: إنه كان يغطي على جزء من وجهه حتى لا يفتن النساء، ولكن كان مع هذا من أعظم عباد الله خوفًا من الله، وكان عُمره لا يجاوز الثلاثين؛ وكان في بلده فُسَّاق وفُجَّار يتواصون على إفساد الناس، وليسوا في بلد الربيع فقط، بل هم في كل بلد، ثُلَّة تسمى فرقة الصدِّ عن سبيل الله، يهمُّها أن تقودَ شباب الأمة وشيبها ونساءها إلى النار.

تواصوا على إفساد الربيع، فجاؤوا بأجمل امرأة عندهم، وقالوا: هذه ألف دينار، قالت: علام؟ قالوا: على قُبْلة واحدة من الربيع، قالت: ولكم فوق ذلك أن يزني، ثم ذهبت وتعرَّضت له في ساعة خلوة، وأبدت مفاتنها، ووقفت أمامه، فلما رآها صرخ فيها قائلاً: يا أمة الله، كيف بك إذا نزل ملك الموت، فقطع منك حبل الوتين؟! أم كيف بك يوم يسألك منكر ونكير؟! أم كيف بك يوم تقفين بين يدي الربِّ العظيم؟! أم كيف بك إن لم تتوبي يوم تُرمَيْن في الجحيم؟! فصرخت وولَّت هاربة تائبة عابدة عائدة إلى الله - عز وجل- تقوم من ليلها ما تقوم، وتصوم من أيامها ما تصوم، فلقِّبت بعد ذلك بعابدة الكوفة، وكان هؤلاء المفسدون يقولون: أردنا أن تفسد الربيع فأفسدها الربيع علينا؛ {وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللهِ} [الأنعام:116].

يا تُرى ما الذي ثبَّت الربيع أمام هذه الفتنة؟ هل هي قلة الشهوة؟ إن الشهوة لعظيمة؛ إذ هو في سن أوج الشهوة وعظمتها - سن الثلاثين - ومع ذلك ما الذي ثبَّته هنا، وما الذي عصمه؟ إنه الإيمان بالله، إنها الخشية من الله تعالى.

الصورة الخامسة: الربيع شديد الخوف من الله:
كان الربيع بن خثيم يتجهَّز لتلك الليلة التي سيفارق فيها أهله وماله، فيروى أنه حفر في بيته حفرة، فكان إذا وجد في قلبه قساوة دخل فيها، وكان يمثل نفسه أنه قد مات وندم وسأل الرجعة، فيقول: {رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ} [المؤمنون : 99 ، 100]، ثم يجيبُ نفسه، فيقول: "قد رجعت يا ربيع"، فيُرى فيه ذلك أيَّامًا؛ أي: يرى فيه العبادة والاجتهاد والخوف والوجل.

وكانت أمُّ الربيع بن خُثَيْم تنادي ابنها الربيع , فتقول: يا بني، يا ربيع، ألا تنام؟ فيقول: يا أمّاه من جنَّ عليه الليل، وهو يخاف البيات، حقَّ له ألاَّ ينام، فلمّا بلغ ورأت ما يلقى من البكاء والسَّهر، نادته، فقالت: يا بني، لعلك قتلت قتيلاً؟ فقال: نعم يا والدة، قد قتلت قتيلاً، قالت: ومن هذا القتيل يا بني حتى تَتحمل على أهله، فيعفون؟ والله لو يعلمون ما تلقى من البكاء، والسَّهر بعد، لرحموك، فيقول: يا والدة، هي نفسي؛ أي: قتلتُ نفسي بالمعاصي.

وهكذا هم طلاب الآخرة في صراع دائم مع أنفسهم التي تدعوهم إلى السوء، ويدعونها للصلاح، تجذبهم بقوة خارج الصراط، ويجذبونها بقوة نحو الصراط.

وقالت ابنةُ الربيع للربيع: يا أبت، لم لا تنام والناس ينامون؟ فقال: إن البيات في النار لا يدع أباك أن ينام.

الصورة السادسة: الربيع محافظ على الصلاة في المسجد:
كان الرَّبيع بعدما سَقَطَ شِقُّه؛ يهادى بين رجلين إلى مسجد قومه، وكان أصحاب عبدالله يقولون: يا أبا يزيد، لقد رخَّص الله لك، لو صليتَ في بيتك، فيقول: إنه كما تقولون، ولكني سمعته ينادي: حي على الفلاح، فمن سمع منكم ينادي: حي على الفلاح، فليجبْه، ولو زحفًا, ولو حَبوًا.

فأين شبابنا وأقوياؤنا الذين تركوا الصلاة في المساجد، ويصلون في بيوتهم، وقد رزقهم الله الصحة والعافية؟!

أين الذين إذا بعد المسجد عن بيوتهم قليلاً، تركوا الصلاة فيه، وأصبحوا يصلون في بيوتهم؟! لا أخالهُم الآن يجدون جوابًا لهذه التساؤلات.

وفي الختام، قيل للربيع بن خُثَيْم: ألا ندعو لك طبيبًا؟ قَالَ: أَنْظِروني، فتفكَّر، ثم قَالَ: {وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا} [الفرقان : 38]، قَالَ: فذكر حرصَهم على الدُّنيا ورغبتهم، فيها، وقال: قد كانت فيهم أطباء، وكان فيهم مَرضَى، فلا أرى المداوي بقي، ولا أرى المداوى، وأُهلِك النّاعتُ والمنعوت، لا حاجة لي فيه.
فنسأل الله أن يعاملنا بعفوه وكرمه، اللهمَّ اغفر لنا وارحمنا، وعافنا واعفُ عنا، اللهم توفَّنا مسلمين، وألحقنا بالصالحين، أقول قولي هذا واستغفر الله.


الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عُدوان إلا على الظالمين
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله
صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً أما بعد:-كم نحن بحاجة في هذا الزمن للأب القدوة والمدرس القدوة والطبيب القدوة والعسكري القدوة والمهندس القدوة والامام القدوة
الذي تراه يمثل هذا الدين في جميع أموره في معاملاته واخلاقه وبيعه وشراءه

صلوا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه اللهم صلي ةسلم وزد وبارك على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ..................
اللهم ‏عليك بأعداء الملة واعداء الدين ‏فإنهم ‏لا ‏يعجزونك ‏يا ‏جبار ‏السموات ‏والأرض ‏
اللهم ‏إحصهم ‏عددا ‏واقتلهم ‏بددا ‏ولا ‏تغادر ‏منهم ‏أحدا . ‏وأنزل ‏عليهم ‏عاجل ‏نقمتك ‏اليوم ‏أوغدا‏
اللهم ‏أحزنهم ‏كما ‏أحزنونا ‏وآسفهم ‏كما ‏آسفونا
اللهم ‏يتّـم ‏أطفالهم ‏ورمّـل ‏نساءهم ‏وعقّـم ‏أرحامهم ‏وأرّق ‏نومهم يامن ‏قلت ‏في ‏كتابك ادعوني استجب لكم
‏اللهم ‏آتي‏اليهود والروافض والحوثيين ‏وكل ‏من ‏والاهم ‏ضعفين ‏من ‏العذاب ‏والعنهم ‏لعنا ‏كبيرا ‏بقوتك ‏يا ‏جبار‏
اللهم ‏اجعل ‏بيوتهم ‏عليهم ‏ردما ‏اللهم ‏اجعل ‏قنابلهم ‏عليهم ‏دمدما ‏وعويل ‏نساءنا ‏عليهم ‏همهم
‏اللهم ‏اجعلهم ‏عبرة للمعتبرين اللهم ‏ومن ‏أرادنا وبلادنا ‏والإسلام ‏بخير ‏فوفقه ‏لكل ‏خير
‏ومن‏أرادنا ‏والإسلام ‏بسوء ‏فاقسم ظهره ‏واجعل ‏كيده ‏في ‏نحره ‏ولا ‏تمهله بين ‏يومه ‏وأمسه
اللهم ارسل عليهم حجارة من سجيل و ارمي الرعب و الذعر في قلوبهم
اللهم ابعث عليهم رياح عاتية تقتلع جبروتهم اللهم
اللهم إننا ضعفاء فقونا اللهم اننا فقراء فاغننا اللهم اننا جياع فاطعمنا اللهم اننا ضياع فأونا..
اللهم لاملجا لنا سواك ياحي ياقيوم اللهم دمر اليهود الحاقدين والرافضة المجرمين ومن يؤيدهم وشتت شملهم وأأسر
جنودهم واربك جيشهم ومخططهم آآآآآآآآآآآآآآمين يارب العالمين
عباد الله ان الله يأمر بالعدل والاحسان وإيتاء ذي القربى وينهى الفحشاء والمنكر يعظكم لعلكم تذكرون

المناضل السليماني 15-01-2010 11:19 AM

رد : ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب آآآآآآمل التثبيت
 
هذه الخطبة عن اضرار المعاصي


الخطبة الأولى

الحمد لله...............

...
إخوة الإسلام، إن الله جل وعلا لا يأمر إلا بما يتضمَّن كلَّ خير للعباد، وما يحقِّق المصالحَ في المعاش والمعاد. ومن هنا فالذنوبُ والمعاصي من أعظم الأضرار على العباد والبلاد، بل كلّ شرٍّ في الدنيا والآخرة فأساسُه ارتكابُ القبائح والموبقات، وسببُه اجتراحُ المعاصي والسيئات.
الذنوبُ والمعاصي كم أزالت من نعمة، وكم جلبت من نقمة، وكم أحلَّت من مذلّة وبَلية.
معاشرَ المسلمين، للمعاصي من الآثار القبيحة المذمومة ما يعود على الفرد والجماعة، وما يصيب القلبَ والبدن، وما يعمّ الدنيا والآخرة، ما لا يعلمه إلاّ الله جل وعلا. وإن من أضرار الذنوب والآثار السيئة للمعاصي يعود على الناس كافة، ويضرّ بالمجتمعَ عامة.
فمن تلك الأضرار البالغةِ والآثار السيئة أن المعاصي سببٌ لحرمان الأرزاق، وسببٌ لفشوّ الفقر وحرمان البركة فيما أُعطي العباد، جاء في المسند عن النبي : ((إن الرجل ليُحرَم الرزقَ بالذنب يصيبُه)) أخرجه أحمد وابن ماجه والطبراني في الكبير ، والبيهقي من حديث ثوبان رضي الله عنه، وصححه ابن حبان ، والحاكم ، وحسنه العراقي كما في مصباح الزجاجة،]، يقول ابن عباس رضي الله عنهما: (إنّ للحسنة ضياءً في الوجه، ونوراً في القلب، وسَعة في الرزق، وقوَّة في البدن، ومحبةً في قلوب الخلق. وإن للسيئة سواداً في الوجه، وظلمة في القلب، ووهناً في البدن، ونقصاً في الرزق، وبُغضاً في قلوب الخلق) ومدارج المسالكين.
المعاصي والذنوبُ متى تفشَّت في المجتمع تعسَّرت عليه أمورُه، وانغلقت أمامَه السبل، فيجدُ أفرادُه حينئذ أبوابَ الخير والمصالح مسدودةً أمامهم، وطرقَها معسَّرة عليهم، ولا غرو فالله جل وعلا يقول: وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً [الطلاق:4].
المعاصي سببٌ لهوان العبد على ربّه وسقوطه من عينه، قال الحسن البصري رحمه الله "هانوا عليه فعصوه، ولو عزُّوا عليه لعصمهم" جامع العلوم والحكم
ومتى هان العبدُ على الله جل وعلا لم يُكرمْه أحد كما قال سبحانه: وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ [الحج:18].
وإن المجتمعَ المسلم متى فشت فيه المعاصي والموبقاتُ وعمّت بين أبنائه الذنوبُ والسيئات كان ذلك سبباً في ذلته وصغاره أمام المخلوقات جميعهاً، ففي مسند أحمد عن النبي : ((وجُعلت الذلة والصغارُ على من خالف أمري)) ابو داوود ، فالعزَّة إنما هي في تحقيق طاعة الله وطاعة رسوله ، مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً [فاطر:10].
لما فُتحت قُبرص بَكى أبو الدرداء رضي الله عنه فقيل له: ما يبكيك في يوم أعزَّ الله فيه الإسلامَ وأهله؟ فقال: (ما أهون الخلق على الله إذا أضاعوا أمره، بينما هي أمة قاهرة ظاهرة لهم الملكُ تركوا أمرَ الله فصاروا إلى ما ترى)الطبراني وابو نعيم في الحلية.
جاء في المسند عن النبي أنه قال: ((يوشك أن تتداعى عليكم الأمم من كلِّ أفق، كما تتداعى الأكلةُ على قصعتها))، قلنا: يا رسول الله، أمن قلة يومئذ؟ قال: ((لا، وأنتم كثير ولكنكم غثاءٌ كغثاء السيل، تنزَع المهابة من قلوب عدوّكم، ويُجعل في قلوبكم الوهن))، قالوا: وما الوهن يا رسول الله؟ قال: ((حبُّ الدنيا، وكراهة الموت))رواه احمد وابو داوود
، وفي المسند أيضاً وسنن أبي داود بسند حسن عن النبي أنه قال: ((إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهادَ سلَّط الله عليكم ذلاً، لا ينزعه حتى تراجعوا دينكم)) وفي روايةٍ: ((أنزل الله عليكم من السماء بلاءً، فلا يرفعه عنكم حتى تراجعوا دينكم)) رواه الامام احمد. ولذا كان من دعاء بعض السلف: "اللهم أعزَّني بطاعتك، ولا تذلَّني بمعصيتك". روي هذا من دعاء جعفر بن محمد، أخرجه أبو نعيم في الحلية

إخوة الإسلام، من آثار الذنوب والمعاصي على البلاد والعباد أنها تُحدث في الأرض أنواعاً من الفساد في الماء والهواء والزروع والثمار والمساكن وغيرها، قال جل وعلا: ظَهَرَ الْفَسَادُ فِى الْبَرّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِى النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِى عَمِلُواْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الروم:41]. والمراد بالفساد في الآية النقصُ والشرور والآلام التي تحدث في الأرض عند معاصي العباد، فكلَّما أحدثوا ذنباً أحدث الله لهم عقوبة، قال بعض السلف: "كلّما أحدثتم ذنباً أحدث الله لكم من سلطانه عقوبةً"، قال مجاهد: "إذا ولي الظالمُ وسعى بالظلم والفساد فيحبس الله بذلك القطرَ، حتى يهلك الحرثُ والنسل"، ثم قرأ هذه الآية ثم قال: "أما والله، ما هو ببحركم هذا، ولكن كلّ قرية على ماءٍ جارٍ فهو بحر" اخرجه ابن جرير في تفسيره، وبمثله قال غيره من المفسرين.
جاء في سنن ابن ماجه من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال : ((يا معشر المهاجرين، خمسُ خصالٍ أعوذ بالله أن تدْركوهن: ما ظهرتِ الفاحشة في قوم حتى أعلنوا بها إلاّ ابتُلوا بالطواعين والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا، ولا نقص قومٌ المكيالَ والميزان إلا ابتُلوا بالسنين وشدَّة المؤنة وجَور السلطان، وما منع قومٌ زكاةَ أموالهم إلاّ مُنعوا القطرَ من السماء، ولولا البهائمُ لم يُمطروا، ولا خفَر قومٌ العهدَ إلا سلَّط الله عليهم عدوًّا من غيرهم فأخذوا بعضَ ما في أيديهم، وما لم تعملْ أئمتُهم بما أنزل الله جل وعلا في كتابه إلا جعل الله بأسهم بينهم)) ] أخرجه ابن ماجه في الفتن والبيهقي في الشعب ، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي، وصححه الألباني بمجموع طرقه في السلسلة الصحيحة
، وفي المسند من حديث أم سلمة: ((إذا ظهرت المعاصي في أمتي عمَّهم الله بعذاب من عنده))اخرجه احمد والطبراني.
إخوة الإيمان، ومن آثار المعاصي على العباد تسلّطُ الأعداء وتمكّن الأشرار من الأخيار، جاء عن النبي أنه قال: ((والذي نفسي بيده، لتأمرُنّ بالمعروف ولتنهونَّ عن المنكر، أو ليوشكنَّ الله أن يبعثَ عليكم عذاباً من عنده، ثم تدعونَه فلا يُستجاب لكم)) رواه الترمذي وقال: "حديث حسن"، وحسنه المنذري وغيره.
معاشر المسلمين، من عقوبات الذنوب والمعاصي أنها تزيل النعم، وتحلّ النقم، وتقلب الأمنَ مخاوف، والسعادةَ شقاءً والصلاح فساداً، وَمَا أَصَابَكُمْ مّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ [الشورى:30]، قال علي رضي الله عنه: (ما نزل بلاءٌ إلا بذنب، ولا رفع إلا بتوبة)
. فمتى غيَّر العبادُ طاعةَ الله جل وعلا بمعصيته، وغيَّروا شكرَه بكفره وأسبابَ رضاه بأسبابِ سخطه غُيِّرت عليهم النعمُ التي هم فيها، ومتى غيَّروا المعاصي بالطاعة غيَّر الله عليهم العقوبة بالعافية والذلَّ بالعز والشقاءَ بالسعادة والراحة والطمأنينة، إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مّن دُونِهِ مِن وَالٍ [الرعد:11]، ذالِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيّراً نّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ [الأنفال:53].
أيها المسلمون، من عقوبات المعاصي والآثام انتشارُ الأمراض النفسيّة بين أفراد المجتمع، وحلولُ المخاوف والقلق، وحصولُ الهمّ والضجر. ذلكم أن الذنوبَ تَصرِف القلوبَ عن صحّتها واستقامتها إلى مرضها وانحرافها، فلا يزال القلبُ مريضاً معلولاً لا ينتفع بالأغذية التي بها حياتُه وصلاحُه، فتأثير الذنوب في القلوب كتأثير الأمراض في الأبدان، بل الذنوبُ أمراضُ القلوب وداؤها، ولا دواء لها إلا بتركها.
قال جل وعلا: إِنَّ الأبْرَارَ لَفِى نَعِيمٍ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِى جَحِيمٍ [الانفطار:13، 14]، قال العلامة ابن القيم رحمه الله: "ولا تحسبنَّ أنّ النعيم في هذه الآية مقصورٌ على نعيم الآخرة وجحيمها فقط، بل في دورهم الثلاثة هم كذلك، أعني: دار الدنيا ودار البرزخ ودارَ القرار. فهؤلاء ـ أي: أصحاب الطاعة ـ في نعيم، وهؤلاء ـ أصحابُ العصيان ـ في جحيم، وهل النعيم إلاَّ نعيمُ القلب؟! وهل العذاب إلا عذاب القلب؟! وأيّ عذابٍ أشدّ من الخوف والهمّ والحزن وضيق الصدر؟!" انتهى كلامه رحمه الله.
ولذا ـ عباد الله ـ فأهلُ الطاعة والتقوى في مأمن من الهموم والغموم، وفي بعد عن الضجر والقلق، ذلك بأنهم حقّقوا طاعةّ الله، واجتنبوا معاصيَه، فربنا جل وعلا يقول: فَمَنْ ءامَنَ وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ [الأنعام:48]، ويقول عز من قائل: إِنَّ الَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُواْ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ [الأحقاف:12].
فاتقوا الله عباد الله، وحقِّقوا طاعتَه تفلحوا، واجتنبوا معاصيَه تسعَدوا، وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب:71].
بارك الله لي ولكم في القرآن، ونفعنا بما فيه من الآيات والبيان، أقول قولي هذا، وأستغفر الله إنه هو الغفور الرحيم.



الخطبة الثانية
الحمد لله حمداً لا ينفد، وأشهد أن لا إله إلا الله الواحد الفرد الصمد، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله أفضل من تعبّد، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه إلى يوم الدين.
أما بعد: فيا أيها المسلمون، أوصيكم ونفسي بوصية الله جل وعلا للأولين والآخرين: وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللَّهَ [النساء:131].
إخوة الإيمان، الذنوبُ والمعاصي تمحقُ بركةَ الدنيا والدين، تمحقُ بركةَ العمر والرزق، وبركة العلم والعمل وغيرها، بل ما مُحقت البركةُ من الأرض إلاّ بمعاصي الخلق، والله جل وعلا يقول: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى ءامَنُواْ وَاتَّقَوْاْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مّنَ السَّمَاء وَالأرْضِ وَلَاكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ [الأعراف:96]، والله جل وعلا يقول: وَأَلَّوِ اسْتَقَامُواْ عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقاً [الجن:16].
ولذا فيا عباد الله، إن معصيةَ العاصي تعود على غيره بشؤم هذا الذنب، فيحصل الضرر حينئذ على الجميع، قال أبو هريرة رضي الله عنه: (إن الحُبارى لتموت في وكرها من ظلم الظالم) أخرجه ابن جرير في جامع البيان ، والبيهقي في الشعب
، ويقول غير واحد من أهل السلف: "إنّ البهائم تلعن عصاةَ بني آدم إذا اشتدَّت السنة وأمسك المطر، تقول: هذا بشؤم معصية ابن آدم". أخرجه سعيد بن منصور وابن جرير في جامع البيان
الذنوبُ والمعاصي تجرِّئ على العبد ما لم يكن يجترئْ عليه من أصناف المخلوقات، فتجترِئ عليه الشياطينُ بالأذى والإغواء والوسوسة والتخويف والتحزين وإنسائه ما به مصلحتُه في ذكره ومضرّته في نسيانه، ويجترِئ عليه حينئذ شياطينُ الإنس بما تقدر عليه من أذاه في غيبته وحضوره، بل ويجترِئ عليه أهلُه وخدمه وأولادُه وجيرانه، قال بعض السلف: "إني لأعصي الله فأعرف ذلك في خُلق دابّتي وامرأتي" روي من كلام الفضيل بن عياض، أخرجه عنه أبو نعيم في الحلية
، ذلكم أن اللهَ يدفع عن المؤمنين الطائعين شرورَ وأضرارَ الدنيا والآخرة، فالله جل وعلا يقول: إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ ءامَنُواْ [الحج:38].
عباد الله، إن الله أمرنا بأمر عظيم، ألا وهو الصلاة والسلام على النبي الكريم.
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد، وارض الله عن الخلفاء الراشدين...
اللهم ‏عليك بأعداء الملة واعداء الدين ‏فإنهم ‏لا ‏يعجزونك ‏يا ‏جبار ‏السموات ‏والأرض ‏
اللهم ‏إحصهم ‏عددا ‏واقتلهم ‏بددا ‏ولا ‏تغادر ‏منهم ‏أحدا . ‏وأنزل ‏عليهم ‏عاجل ‏نقمتك ‏اليوم ‏أوغدا‏
اللهم ‏أحزنهم ‏كما ‏أحزنونا ‏وآسفهم ‏كما ‏آسفونا
اللهم ‏يتّـم ‏أطفالهم ‏ورمّـل ‏نساءهم ‏وعقّـم ‏أرحامهم ‏وأرّق ‏نومهم يامن ‏قلت ‏في ‏كتابك ادعوني استجب لكم
‏اللهم ‏آتي‏اليهود والروافض والحوثيين ‏وكل ‏من ‏والاهم ‏ضعفين ‏من ‏العذاب ‏والعنهم ‏لعنا ‏كبيرا ‏بقوتك ‏يا ‏جبار‏
اللهم ‏اجعل ‏بيوتهم ‏عليهم ‏ردما ‏اللهم ‏اجعل ‏قنابلهم ‏عليهم ‏دمدما ‏وعويل ‏نساءنا ‏عليهم ‏همهم
‏اللهم ‏اجعلهم ‏عبرة للمعتبرين اللهم ‏ومن ‏أرادنا وبلادنا ‏والإسلام ‏بخير ‏فوفقه ‏لكل ‏خير
‏ومن‏أرادنا ‏والإسلام ‏بسوء ‏فاقسم ظهره ‏واجعل ‏كيده ‏في ‏نحره ‏ولا ‏تمهله بين ‏يومه ‏وأمسه
اللهم ارسل عليهم حجارة من سجيل و ارمي الرعب و الذعر في قلوبهم
اللهم ابعث عليهم رياح عاتية تقتلع جبروتهم اللهم
اللهم إننا ضعفاء فقونا اللهم اننا فقراء فاغننا اللهم اننا جياع فاطعمنا اللهم اننا ضياع فأونا..
اللهم لاملجا لنا سواك ياحي ياقيوم اللهم دمر اليهود الحاقدين والرافضة المجرمين ومن يؤيدهم وشتت شملهم وأأسر
جنودهم واربك جيشهم ومخططهم آآآآآآآآآآآآآآمين يارب العالمين



__________

المناضل السليماني 21-01-2010 11:14 PM

رد : ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب آآآآآآمل التثبيت
 
الحمد لله المتوحد في الجلال بكمال الجمال تعظيماً وتكبيراً، والمتفرد بتصريف الأحوال على التفصيل والإجمال تقديراً وتدبيراً، المتعالي بعظمته ومجده، {تَبَارَكَ ٱلَّذِى نَزَّلَ ٱلْفُرْقَانَ عَلَىٰ عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَـٰلَمِينَ نَذِيراً} [الفرقان:1]. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. صلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، وعن التابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.


أما بعد: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل، فهي وصيته للأولين والآخرين، فإن من اتقاه وقاه، ومن أقرضه جزاه، ومن شكره زاده.
واليوم نتكلم عن شباب اليوم شباب الأمة، فأيّ شباب هم؟ كيف حالهم؟ هل هو حال المقبلين على الله المستقيمين على الطريق القويم، الذي يُطمئِن الأمّةَ على أن مستقبلها يسير على خير وإلى خير، أم هو حال الشباب المعرض عن تقوى الله، المنصرف إلى غياهب الضلال واللهو والعبث، والذي يُشعِر الأمة بأن مستقبلها في خطر؟ الشباب في ذلك على قسمين:
1- قسم هم أهل الصدق والاستقامة والصلاح، نظر الله إلى قلوبهم فرأى ما فيها من التقوى وحسن القصد، فكانوا أهلاً لهدايته وتوفيقه، نسأل الله لهم الثبات.
2- وقسم آخر قد تركوا طريق الخير والسعادة الذي يهدي إلى النور ويفضي إلى الضياء، وسلكوا طريق الشر، خُدِعوا بمظهره اللامع البراق الذي منتهاه إلى الظلام والويل والهلاك، نسأل الله لهم الصلاح والهداية، وهم حديثنا في هذه الجمعة.
أيها الشباب، هل سأل كل منكم نفسه يومًا: ما هدفي في الحياة، أم تريد أن تكون ضائعًا تائهًا في دروب الحياة؟! فلا أنت في شغل من الدنيا فتحمد، ولا أنت في عمل من الآخرة فتغبط.
أيها المسلمون، إن الحسرة كل الحسرة عندما نرى شباب الأمة وعماد المستقبل قد هجر كثيرٌ منهم المساجد، فأصبحت الصلاة في واقع بعضهم أمرًا محزنًا وحالاً مؤسفًا، تتلفّت بين الصفوف فينقلب إليك بصرك خاسئًا وهو حسير، متسائلاً: أين الشباب الذين يملؤون المدارس والمعاهد والجامعات؟! فتجد البعض منهم قد ضيّع الصلاة وترك قراءة القرآن، استنكف واستكبر عن عبادة ربه وخالقه ومدبّر أمره الذي وهبه الشبابَ وأنعم عليه بالصحة وأمدّه بالعافية، كأنه لا يعلم قول ربه جل وعلا: وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وِالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ [الذاريات: 56]، ما وعى قوله : ((العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر))! ما علم أنه لا قيمةَ لحياته ولا معنى لشبابه ولا بركة في عمره بدون طاعة الله، فما أعظمها من حسرة وندامة تكون منه يوم القيامة عندما يلقى في النار فيكون له العذاب والهوان.
وتجد آخرين يعكفون في البيوت ويقيمون الصلاة مع النساء فكأنهم من جملتهم، فقد سمعوا النداء ولكنهم صمّوا الآذان، فما كانوا من الرجال كما جاء في محكم الكتاب: فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ [النور: 36، 37]، وما علموا أن مصيرهم إلى التراب، وموعدهم يوم الجزاء والحساب.
ويزيد الألم والحسرة عندما ترى كثيرا من شباب الأمة وقد ذابت شخصية بعضهم في تقليد أعمى وانسياق بهيمي، فتعجب من أمر ذاك الشاب كرمه الله بالإسلام وأعزه بهدي سيد الأنام، ثم يقلد الغرب في خنوثته وانحلاله وميوعته وشهواته ورذائله، تراه ربى شعره وهو ما يسمى بالكدش، وقد ملأه بالجل وهي مادة تثبت له شعره لها لمعان، وما تبع ذلك من تسريحات متنوعات لشعور بل والأذقان، فإذا أتاه النصح ممن يحب له الخير تجده يلهج بقوله: أنا أقتدي بالرسول في ذلك، فيا لله! ما أعظم قوله هذا وأشنَعَه، فنقول له: بل أنت متّبع لهواك وضلالك، تأخذ ما تمليه عليك نفسك، فلو كنت كما زعمت لاقتديت به في جميع شأنك، فاتبعته في ملبسه ومظهره وعبادته، وطبقت سنته لا في ما يمليه عليك عقلك وهواك.
تجده قد لبس البنطال، وقد بدت نصف إليته أو استه، فأظهر بعض عورته أو أظهر سروالا من تحت ذلك البنطال، قد بدت منه مختلف الألوان، فيا للهوان! طاح البنطال فطاحت معه الرجولة، فأين الرجال؟!
تراه مرتديًا قميصًا عليه عبارات باللغة الإنجليزية تدعو إلى العهر والفساد دون معرفة منه لمضمون تلك الكلمات، تراه قد لبس السلاسل والأساور في الأيدي والأعناق، وكل هذا مصداق لقوله : ((لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرًا شبرًا وذراعًا بذراعٍ، حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم))، قالوا: من يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال: ((فمن؟!)).
قلدوا الكفار وتشبهوا بهم بدعوى الحضارة، فتراهم في ترف وميوعة وغرام وآهات وأغان تسبح بك في غياهب الظلمات، ساروا خلف من اعتدوا على كتاب ربّ السموات وطعنوا في عرض نبيّ الأمة عليه أفضل الصلوات بدعوى الحريات لعنهم الله وشلّ أركانهم وأرانا فيهم العبر والآيات، فهل يعد من كان هذا دأبه من الرجال؟! لا والله، فهذا كله لا يليق بالرجال، الرجال تجد فيهم الخشونة، فلا حظَّ لهم في الميوعة لأنهم علموا أن الميوعة للنساء، وقد وعوا ما روِيَ عن نبيّ الهدى: ((تمعددوا واخشوشنوا وانتضلوا وامشوا حفاة)) أو كما قال .
فانعدمت في هؤلاء الذين انساقوا وراء الغرب الكافر معالم الذكورة وصفات الرجولة حتى أصبحتَ لا تفرق بينهم وبين النساء، فهذا والله من أعجب العجب، وكما قيل:
ولا عجب أنّ النساء ترجّلت ولكنّ تأنيث الرجال عُجاب
وأين ذهب هؤلاء من الوعيد الشديد للمتشبهين من الرجال بالنساء وبالعكس؟! قال : ((لعن الله المتشبهين من الرجال بالنساء، ولعن الله المتشبهات من النساء بالرجال))، فمن يصبر على لعن الله سبحانه وتعالى؟! واللعن هو الطرد والإبعاد عن رحمة الله.
تزداد الحسرة ـ أيها الأحبة ـ عندما نرى أولئك الشباب يجولون الشوارع بسياراتهم، يعبثون بها، فيضايقون المارة، ويزعجون السكان، فيعرضون أنفسهم والناس للخطر بلا حسيب ولا رقيب، يتطاولون على الكبير ويحقرون الصغير، وما علموا أن من إجلال الله توقير ذي الشيبة الكبير، وما وعوا أن ليس منا من لم يوقر كبيرنا. يظنون أن الرجولة هي بأذية الخلق في الطرقات، فتجدهم يمشون في الأرض مرحا وكبرا وتيها، تراهم قد ارتادوا المقاهي وضيعوا أوقاتهم في الشاتات والمنتديات والدردشات، فانشغلوا بذلك عن الصلوات.
وتزداد الحسرة عندما تراهم يجولون الأسواق يضايقون ويعاكسون ويؤذون المسلمات في الطرقات؛ ولهذا الموضوع وقفات في الأيام المقبلات.
ترى البعض منهم عشاقًا للرياضة والفضائيات، قبلته هي الكرة، فهو دائما يخرج فيلعب ويلعب حتى منتصف الليل، ثم يرجع لينام ليبدأ مشواره من جديد في اليوم الثاني، وهكذا حياته لا يدري لم خلق، ولا يفكر حتى أن يصليَ أو يساعد والديه، لكنه كما قيل عنه وعن أمثاله: (جيفة بالليل وحمار بالنهار، عالم بأمر الدنيا جاهل بأمر الآخرة)، فلو سألته من صاحب القدم الذهبية والرأس الذهبي والكأس الفضي وغير ذلك لتشدق بملء فمه وأجاب إجابة العارف، ولكن لو سألته عن الفاتحة تجده لا يحسن قراءتها إن لم يكن لا يحفظها، ولو سألته عن بعض السلف والتابعين بل عن بعض أصحاب النبيّ تجده يتخبّط ذات اليمين وذات الشمال ويتلعثم ثم لا يحير جوابًا.
أيها اللاهي بلا أدنى وجَل، اتق الله الذي عزّ وجلّ، واستمع قولاً به ضرب المثل، اعتزل ذكر الأغاني والغزل، وقل الفصل وجانب من هزل، كم أطعت النفس إذ أغويتها، وعلى فعل الخنا ربيتها، كم ليالٍ لاهيًا أنهيتها، إنّ أهنى عيشةٍ قضَيتها، ذهبت لذّاتُها والإثم حل.
ترى أولئك الشباب في زهرة ومقتبل أعمارهم، لكنهم في أعمالهم وهمتهم يحبُون حبوًا، لا ترى في عيونهم بريقًا، ولا في خطاهم عزمًا، شاخت أفئدتهم وماتت همتهم، فاستشرى شرهم وعظم خطرهم وصاروا يهددون من يحاول نصحهم أو ينكر عليهم، وما علموا أنّ كل تلك التيارات من عدوهم ليصدوهم عن دينهم فيضعفوا بذلك عزم الأمة وتكون لهم الصولة والجولة، فالشباب إذا فسدوا انهدم بناء الأمة وتسلط عليها أعداؤها كما هو الحال في كثير من بلاد المسلمين اليوم.
فيا شباب الإسلام، من يرفع راية لا إله إلا الله إذا توليتم؟! ومن ينصر هذا الدين إذا أعرضتم؟! زيادة المرء في دنياه نقصان، وربحه غير محض الخير خسران.
وكـلُ وجدان قومٍ لا ثبـات لـه فإنمـا هو في التحقيـق خسـران
يـا متعب الجسم كم تسعى لراحته أتعبـت جسمك فيما فيه خسران
أقبل على الروح واستكمل فضائلها فأنـت بالروح لا بالْجسم إنسان
يـا عـامرًا لخراب الـدار مجتهدًا بـالله هل لِخراب الدار عمرانُ؟!
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.



الخطبة الثانية

حمدًا لمـن نبيـه قـد بعثـا فدوخـت بعوثه من قد عثا
ثم الصلاة والسلام ما حكت حَمـائمٌ حمـائمًا إذا بكت
علـى النبي محمّـدٍ وآلـه وصحبـه وتابعـي منواله
أما بعد: أيها الناس، إن مرحلة الشباب فرصة عظيمة لا تعوّض، يجب اغتنامها فيما ينفع الإنسان في دينه ودنياه وآخرته، وهو فرصة ثمينة تمرّ بسرعة، فإن لم تُشغل بخير شغلت بشر ولا بد، فالأوقات محدودة، والأنفاس معدودة، فعودوا إلى الله يا شباب الأمة، فأنتم الرجال الذين بهم تقوم الأمة، عودةً إلى الله حتى نريَ الأعداء زمجرة الأسود، فنحن اليوم بأشدّ الحاجة إلى شباب مؤمن يشعر بواجبه تجاه دينه وأمته وبما عليه من تبعات تجاه بناء الدين وإشادته، نحن بأشدّ الحاجة إلى شباب مؤمن يحمل نفسًا مطمئنة يشعر بأنّ أكبر سروره في إخلاص العمل لله، فما ظهر الدين وعرف الناس شرائع المرسلين إلا بفضل الشباب الصالحين الذين استجابوا لله والرسول، والتاريخ أصدق شاهد على فضل الشباب الناشئين في طاعة الله أمثال علي وأسامة بين زيد وعبد الله بن عباس وابن عمر ومحمد بن القاسم وغيرهم رضي الله عنهم وأرضاهم، فهنيئا لشاب تقيّ تعلق قلبه بالمساجد ومجالس الخير وعمل الصالحات، واغتنم شبابه قبل هرمه وصحته قبل سقمه وغناه قبل فقره وفراغه قبل شغله وحياته قبل موته.
شباب الْجيل للإسلام عودوا فأنتم روحه وبكم يسـود
وأنتم سـر نهضتـه قديمًـا وأنتم فجره الزاهي الجديد
عباد الله، صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه، فقال: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب: 56]، ويقول : ((من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرًا)).
اللهم صل وسلم على نبيك وحبيبك محمد، واعرض عليه صلاتنا وسلامنا في هذه الساعة المباركة يا رب العالمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداءك أعداء الدين، اللهم من أراد بالإسلام والمسلمين سوءًا فأشغله في نفسه، واجعل تدبيره في تدميره يا رب العالمين، اللهم اهد شباب وفتيات المسلمين وردّهم إليك ردًا جميلاً يا رب العالمين...

المناضل السليماني 21-01-2010 11:15 PM

رد : ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب آآآآآآمل التثبيت
 
تم الحذف لأنه مكرر

المناضل السليماني 27-01-2010 10:48 AM

رد : ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب آآآآآآمل التثبيت
 
هذه الخطبة عن يوم الجمعة وفضائله

الحمد لله الذي هدانا لهذا الدين وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، ونشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، خص أمتنا بما لم يخص به غيرها من الأمم، وفضل ملتنا على سائر الملل، ونشهد أن محمدا عبده ورسوله، وخاتم الأنبياء وأفضلهم- اللهم صل وسلم عليه وعلى سائر الأنبياء والمرسلين، وعلى آله الأخيار الطيبين، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد فاتقوا الله معاشر المسلمين، واشكروه على ما أولاكموه من نعم وأختصكم به من مزايا ومنن.
أيها المسلمون :
يغيب عن أذهان المسلمين أحيانا ما اختصهم الله تعالى به من فضل، أو يتكاسلون في الاستفادة فيما هيأ لهم من فرص الطاعات والخيرات ... وسواء كان الداء الجهل أو الكسل فهما صوارف عن الخير، ودواؤها العلم والعمل .
وحديثي إليكم- عن يوم عظيم من أيام الله لم نوله ما يستحق من العناية والتكريم، ولم نستثمره في الطاعات والقربات، بل وربما لم نعلم خصائصه ومميزاته، ولم نلتزم أحكامه وآدابه كما ينبغي، إنه اليوم الأغر في جبين هذه الأمة.. سيد الأيام على الإطلاق هو يوم الجمعة، الذي ادخره الله لنا، وأضل عنه من قبلنا.
قال الحافظ ابن كثير- رحمه الله- ثبت أن الأمم قبلنا أمروا به فضلوا عنه واختار اليهود يوم السبت الذي لم يقع فيه خلق آدم، واختار النصارى يوم الأحد
الذي ابتدء فيه الخلق، واختار الله لهذه الأمة يوم الجمعة الذي أكمل الله فيه الخليقة، كما أخرج البخاري ومسلم- في صحيحيهما- واللفظ للبخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((نحن الآخرون السابقون يوم القيامة، بيد أنهم أوتوا الكتاب قبلنا، ثم إن هذا يومهم الذي فرض الله عليهم فاختلفوا فيه، فهدانا الله له، فالناس لنا فيه تبع: اليهود غدا، والنصارى بعد غدا)).
هذه الحقيقة مسجلة في كتب أهل الكتاب، ويعترف بها من من الله عليهم بالاسلام من أهل الكتاب، واستمعوا إلى هذا الحوار بين أبي هريرة رضي الله عنه وكعب الأحبار وتأييد عبد الله بن سلام رضي الله عنه: فقد قرأ أبو هريرة رضي الله عنه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خير يوم طلعت فيه الشمس بوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه أهبط وتيب عليه، وفيه مات، وفيه تقوم الساعة، وما من دابة إلا وهي مصيخة يوم الجمعه من حين تصبح حتى تطلع الشمس شفقا من الساعة إلا الجن والأنس، وفيه ساعة لا يصادفها عبد مسلم وهو يصلي يسأل الله عز وجل حاجة إلا أعطاه إياها" قال كعب: ذلك في كل سنة يوم؟ فقلت: بل في كل جمعة، قال: فقرأ كعب التوراة فقال: صدق رسول الله صلى الله عليه سلم، قال أبو هريرة، ثم لقيت عبد الله بن سلام فحدثته بمجلسي مع كعب فقال عبد الله بن سلام:وقد علمت أية ساعة هي)) رواه أبو داود وغيره بسند صحيح .

وفي حديث آخر عن عبد الله بن سلام رضي الله عنه قال: قلت ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس: ((إنا لنجد في كتاب الله (يعني التوراة) في يوم الجمعة ساعة لا يوافقها عبد مؤمن يصلى يسأل الله عز وجل شيئا إلا قضى الله له حاجته)) رواه ابن ماجه بسند حسن .

وهكذا معاشر المسلمين تتضافر الكتب والأخبار الصحاح على فضيلة هذا اليوم، وماذا كان وما سيكون فيه وإنه لمؤسف أن تستشعر الملائكة والدواب والشجر والحجر عظمة هذا اليوم وتخشى ما يقع فيه والإنس والجان عنه غافلون، ما بال هذه وتلك لا تستشعر عظمة هذا اليوم، ويوم الجمعة أعظم عند الله من يوم الفطر ويوم الأضحى.. كل ذلك وغيره يؤكده المصطفى صلى الله عليه وسلم في حديث أبي لبابه بن عبد المنذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((سيد الأيام يوم الجمعة وأعظمها عند الله، وأعظم عند الله من يوم الفطر ويوم الأضحى، وفيه خمس خصال، خلق الله فيه آدم وأهبط الله فيه آدم إلى الأرض، وفيه توفى الله عز وجل آدم، وفيه ساعة لا يسأل الله العبد فيها شيا إلا آتاه الله إياه ما لم يسأل حراما، وفيه تقوم الساعة، ما من ملك مقرب، ولا أرض ولا رياح ولا بحر، ولا جبال ولا شجر إلا وهن يشفقن من يوم الجمعة )) رواه أحمد في مسنده وابن ماجه وهوحديث حسن.

إخوة الإسلام :
كما أن لهذا اليوم مكانته ومنزلته في الحياة الدنيا فليوم الجمعة كذلك شأنه ومنزلة في الحياة الأخرى، وكما أن للجمعة في الحياة الدنيا أهلا يقدرونها حق قدرها، فأهلها يوم القيامة بمنزلة سامية يطرق الناس منهم عجبا.
كما جاء في حديث أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( إن الله يبعث الأيام يوم القيامة على هيئتها، ويبعث يوم الجمعة زهراء منيرة لأهلها، فيحفون بها كالعروس، تهدى إلى كريمها، تضيء لهم، يمشون في ضوئها ألوانهم كالثلج بياضا، رياحهم تسطع كالمسك، يخوضون في جبال الكافور، ينظر إليهم الثقلان ما يطرقون تعجبا حتى يدخلوا الجنة، لا يخالطهم أحد إلا المؤذنون المحتسبون )) رواه الحاكم والبيهق في وسنده صحيح .

هذه معاشر المسلمين بعض ما ورد في فضل يوم الجمعة، هذا اليوم الذي لم يغذ له وزنه الحقيقي عند كثير من المسلمين، بل ربما اعتبره بعضهم فرصة لكثرة النوم والتنوع في المآكل والمشارب لا أكثر.. وربما فهمه آخرون على أنه يوم متعة جسدية ولهو ولعب وطاب لهم أن يخرجوا فيه إلى البراري، ويتركوا الجمع والجماعات، وياليت هؤلاء يفقهون كلام أهل العلم في حكم السفر المباح في يوم الجمعة، إذ نصوا على أنه لا يجوز السفر بعد دخول وقتها، إلا إذا كان سيؤديها في مسجد في طريقه، وأما السفر في أول النهار وقبل دخول وقتها فمكروه، هذا حكم السفر الذي قد يكون الإنسان محتاجا إليه، فكيف بمن يخرج من البلد في هذا الوقت لتضييع الوقت والتغيب عن الصلاة، إن التحريم والكراهية في حقه أشد ( ذكره الشيخ الفوزان حفظه الله)
اللهم علم جاهلنا وفقه متعلمنا..
اقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه انه هو الغفور الرحيم


الخطبة الثانية

الحمدلله رب العالمين، أحمده تعالى وأشكره، وأثني عليه الخير كله، وأسأله المزيد من فضله، وأشهد ألا إله إلا الله في ربوبيته وإلهيته وأسمائه وصفاته، وأشهد أن محمذا عبده ورسوله وخيرته من خلقه، اللهم صل وسلم عليه وعلى إخوانه وآله، وارض اللهم عن أصحابه وأتباعهم إلى يوم الدين.
أيها المسلمون لفضل هذا اليوم يبث الله ملائكته على أبواب المسجد بكرة ليستقبلو المبكرين المحتسبين، ويسجلوا أعمال الراغبين، ويوزعوا الهدايا على المستحقين، ويا ويحك أخي المسلم إن فاز الناس بالشاه والبعير، وكان نصيبك الخسران المبين.. يقول صلى الله عليه وسلم: ((إذا كان يوم الجمعة كان على كل باب من أبواب المسجد ملائكة يكتبون الناس على قدر منازلهم الأول فالأول، فإذا جلس الامام طووا الصحف، وجاءوا يستمعون الذكر، ومثل المهجر (يعني المبكر)كمثل الذي يهدي بدنه ثم كالذي يهدي بقرة، ثم كالذي يهدي الكبش ثم كالذي يهدي الدجاجة، ثم كالذي يهدي البيضة0 حديث صحيح عن أبي هريرة، صحيح الجامع .

أيهما الإخوة المسلمون:
التأخر في المجيء لصلاة الجمعة داء ابتليت به الأمة المسلمة، وهو في ظني يعود إلى أمرين غالبا، الأمر الأول: القصور في معرفة منزلة هذا اليوم معرفة حقيقية، تجعل المرء يضحي في سبيل هذا اليوم وفي سبيل التبكير لصلاة الجمعة بالغالي والنفيس، وهويستشعر عظمة الله وعظمة هذا اليوم
أما الأمر الآخر فهو العجز والتكاسل والرغبة في الإخلاد إلى الراحة وإعطاء النفس حقوقها من المنام والمآكل والمشارب، وتلك وربي آفة صارفة عن كل خير، ولا يزال العجز والكسل بالمرء حتى يورده المهالك.. والنفس كما قيل كالطفل إن تتركه شب على حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم.
ويوم أن يتوافر لك أخي المسلم علم حقيقي لانظري بمنزلة يوم الجمعة عند الله.. ومجاهدة للنفس عن بعض شهواتها فستصل إلى منزلة تسمو بك عن الآخرين وتجد أثرها يوم العرض على رب العالمين.
إخوة الإيمان :
ماظنكم لو أن السلطان أمر جنوداً يقفون على الأبواب ويوافونه بالمتقدم، ويعدونهم بالعطايا والهدايا الحسان، ويسجلون المتخلف ويعدونه بالخسارة على رؤوس الأشهاد؟ فكيف الحال إذا كان الباعث هو الجبار جل جلاله والجنود هم الملائكة الأطهار.
انه حري بك أخي المسلم أن تستحي من ملائكة الرحمن أن يروك متأخرً إن تصورك لهذا الأمر في كل جمعة سيدعوك للتبكير مستقبلأ بإذن الله إن كنت ممن يعي ويتعظ ويقدر الخير ويفرق بين البدنة والبيضة، وأرجو ألا يكتبك الله مع الغافلين.. وأرجو أن يعينك الله على مواصلة السير مع الصالحين.. وألا يحشرك مع الغافلين المتكبرين..
أخا الإسلام افتح قلبك وسمعك لهذا الحديث النبوي المرغب في التبكير، واحرص على أن يكون لك منه أوفر الحظ والنصيب.
يقول صلى الله عليه وسلم: ((من غسل يوم الجمعة واغتسل، ثم بكر وابتكر، ومشى ولم يركب، ودنا من الإمام، واستمع وأنصت، ولم يلغ كان له خطوة يخطوها من بيته إلى المسجد عمل سنة أجر صيامها وقيامها.. وذلك على الله يسير )) رواه أحمد وغيره بسند صحيح.

قال الإمام أحمد: غسل بالتشديد جامع أهله، وكذلك فسره وكيع. زاد المعاد
أين الراغبون في الحسنات.. وأين المسارعون إلى الخيرات.. إن ذلك جزء من فضائل يوم الجمعة .
إخوة الإسلام :
ويكفي من فضائل يوم الجمعة أن مابين الجمعتين كفارة لما بينهما
إذا ما اجتنبت الكبائر، وهنا يغلط بعض الناس فتراه يحافظ على الجمعة، ويتهاون فيما سواها من الصلوات ظنا خاطئا منه أن الجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهما، وهذا تحريف للكلم عن مواضعه، وإيمان ببعض الكتاب وكفر ببعض، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم إنما ذكر أن الجمعة تكفر الذنوب الصغائر دون الكبائر، حيث قال: ((الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان كفارة لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر)) .
ولاشك أن ترك الصلوات الخمس أو التهاون بآدائها من الكبائر،. فلا تصح الجمعة ممن هذه حاله حتى يؤدي الصلوات الخمس.
أما من يتهاون أو يترك صلاة الجمعة دون عذر فهذا جرمه كبير.. فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن من ترك صلاة الجمعة تهاونا بها طبع الله على قلبه
وفي الحديث الآخر: ((من ترك ثلاث جمعات من غير عذر كتب المنافقين)) صحيح الجامع
نسأل الله السلامة والعصمة من الزلل.
أيها المسلمون :
صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه 000000000000 الدعاء.

المناضل السليماني 04-02-2010 10:51 PM

رد : ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب آآآآآآمل التثبيت
 

حديثنا عن اليتيم

الخطبة الأولى:

الحمد لله الذي هدانا لهذا الدين وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، ونشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، خص أمتنا بما لم يخص به غيرها من الأمم، وفضل ملتنا على سائر الملل، ونشهد أن محمدا عبده ورسوله، وخاتم الأنبياء وأفضلهم- اللهم صل وسلم عليه وعلى سائر الأنبياء والمرسلين، وعلى آله الأخيار الطيبين، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد فاتقوا الله معاشر المسلمين، واشكروه على ما أولاكموه من نعم وأختصكم به من مزايا ومنن.


أما بعد أيها المسلمون: أمر الإسلام بالتكافل، ورتب على ذلك أجوراً عظيمة، من ذلك كفالة الأيتام. إن إعانة اليتيم وكفالته سعادة ونعمة، واليتيم ضعيف لكنه قويّ، إذ يقودك إلى الجنة صبي ضعيف، فـافرح بإحسانك إلى اليتامى والحنو عليهم، وقضاء حاجاتهم، واحذر احتقارهم، فبحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، ومن فقد رعاية والده بغير يُتمٍ وجب على المجتمع الإحسان إليه وإحاطته بالرعاية والتربية، فكيف بيتيم الأب، والراحمون يرحمهم الرحمن.

أيها المسلمون: لقد وبخ جل وعلا من لم يكرم يتيماً (كلا بل لا تكرمون اليتيم). وقرن دعّه وهو قهرُه وظلمه، قرن ذلك بالتكذيب بيوم الدين (أرأيت الذي يكذب بالدين، فذلك الذي يدع اليتيم). ونهى الله صفوة خلقه عليه الصلاة والسلام أن يقهر أحداً منهم (فأما اليتيم فلا تقهر) أي لا تذله وتنهره وتهنه ولكن أحسن إليه وتلطف به. ونهى عن قرب مال اليتيم إلا بالحسنى (ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن)، ولا يتولى أموالهم إلا القوي الأمين. ونهى عليه الصلاة والسلام الضعيف من صحابته أن يتولى على شيء من أموالهم فقال: "يا أبا ذر إني أراك ضعيفاً وإني أحب لك ما أحب لنفسي، لا تأمرنّ على اثنين ولا تولينّ مال اليتيم" رواه مسلم. وأكل ماله من السبع المهلكات، قال عليه الصلاة والسلام "اجتنبوا السبع الموبقات وذكر منهنّ وأكل مال اليتيم" متفق عليه. ومن أكل ماله بغير حق أجج في بطنه ناراً (إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيرا). وإذا رَشَدَ أُعطي ماله وافياً من غير بخس أو إخفاءٍ لشيء منه (فإن آنستم منهم رشداً فدفعوا إليهم أموالهم ولا تأكلوها إسرافاً وبداراً أن يكبروا).

أيها المسلمون: اليتيم يأتي إلى الدار بالخيرات، وتتنـزل بحلوله البركات، ويلين به القلب من الزلات، سأل رجل الإمام أحمد رحمه الله كيف يرق قلبي، قال: "ادخل المقبرة وامسح رأس اليتيم". وأطيب المال ما أعطي منه اليتيم، قال عليه الصلاة والسلام: "إن هذا المال خضرة حلواً، فنعم صاحب المال المسلم ما أُعطي منه المسكين واليتيم وابن السبيل" متفق عليه. الإحسان إليهم يفرّج كُرب الآخرة (فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نظرةً وسرورا). وإطعامهم سبب لدخول الجنة (ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيرا).

وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم قدوة في كفالة الأيتام، فاتخذ عليه الصلاة والسلام أكثر من عشرة أيتام يحوطهم برعايته وعنايته، فكان لهم أباً رحيماً مشفقاً محباً لهم. ومن كفل يتيماً كان معه في الجنة، قال عليه الصلاة والسلام: "أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين" متفق عليه. قال ابن بطال رحمه الله: "حق على كل من سمع هذا الحديث أن يعمل به، ليكون رفيق النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة، ولا منـزلة في الآخرةِ أفضل من ذلك".

واقتفى الصحابة رضي الله عنهم أثر النبي صلى الله عليه وسلم فكان تحت الخلفاء الراشدين أيتامٌ في بيوتهم، وكفل نساؤهم أيتاماً من البنات في بيوتهنّ، كأم المؤمنين عائشة وميمونة وزوجة ابن مسعود رضي الله عنهنّ، وكان ابن عمر رضي الله عنه إذا رأى يتيماً مسح رأسه وأعطاه شيئاً. وقال أبو الدرداء رضي الله عنه: "ارحم اليتيم وأدنه منك وأطعمه من طعامك".

أيها المسلمون: اليتيم محفوظ بحفظ الله (وأما الجدارُ فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنـزلهما وكان أبوهما صالحا، فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنـزهما رحمة من ربك). والله عز وجل لا يغلق عن عبده باباً إلا ويفتح له برحمته وفضله أبوباً غيره، واليتيم قد يكون طريقاً للعلو والشموخ، فقد كان في الأمة من فقدوا آبائهم فأصبحوا فيها عظماء، لقد حفِل التاريخ بأناس عاشوا اليتم، ولكنهم ملؤوا الدنيا علماً وجهاداً ودعوةً وعبادةً.

نشأ أبو هريرة رضي الله عنه يتيماً وكان يرعى لقومه الغنم، ثم لازم النبي صلى الله عليه وسلم فكان راوية الإسلام. يخبر عن نفسه فيقول: "نشأت يتيماً، وهاجرت مسكيناً، وكنت أجيراً لابنة غزوان بطعام بطني وعُقبة رجلي، أحدو بهم إذا ركِبوا، وأحتطب إذا نزَلوا، فالحمد لله الذي جعل الدين قِواماً، وجعل أبا هريرة إماماً".

والإمام البخاري رحمه الله صاحب الصحيح يتيم، وقرأ على ألف شيخ فصنّف أصح كتاب في الحديث، فكان هذا اليتيم نعمة على هذه الأمة.

والإمام الشافعي رحمه الله فقد أباه وهو دون العامين، فنشأ في حِجر أمه في قلة من العيش وضيق من الحال فحفظ القرآن وجالس في صباه العلماء فساد أهل زمانه. قال الحميدي: سمعت الشافعي يقول: كنت يتيماً في حِجر أمي، ولم يكن عندها ما تعطي المعلِّم، وكان المعلم قد رضي مني أن أقوم على الصبيان إذا غاب، وأخفف عنه. فأي شيء كان الشافعي بعد ذلك؟. قال الإمام أحمد: "كان الشافعي كالشمس للدنيا، وكالعافية للناس".

والإمام ابن الجوزي رحمه الله نشأ يتيماً على العفاف والصلاح في حضن عمته فحملته إلى العلماء فصنف ووعظ قال رحمه الله عن نفسه: "أسلم على يدي أكثر من مائتي ألف"، قال شيخ الإسلام رحمه الله ولا أعلم أحداً صنف في الإسلام أكثر من تصانيفه.

والزبير بن العوام رضي الله عنه الذي عدله عمر رضي الله عنه بألف فارس، كان ناتج تربية أمه صفية رضي الله عنها بعد أن مات أبوه وهو صغير، وكانت أمه صفية تضربه ضرباً شديداً وهو يتيم، فقيل لها: قتلتِه، أهلكتِه! قالت:

إنما أضربه لكي يدبّ ويَجُرَّ الجيش ذا الجلب

فماذا كان بعد؟ قال الثوري: هؤلاء الثلاثة أحد نجدة الصحابة: حمزة، وعلي، والزبير. وعن عروة قال: كان في الزبير ثلاث ضربات بالسيف: إحداهن في عاتقه، إن كنتُ لأُدخل إصبعي فيها، ضُرب اثنتين يوم بدر، وواحدة يوم اليرموك. ولا تنسَ أنه اليتيم الذي كانت أمه تضربه!

خلق الله للحروب رجالاً ورجالاً لقصعةٍ وثريدِ!

والإمام الأوزاعي رحمه الله مات والده وهو صغير، فربّته أمه. نقل الذهبي في ترجمته عن العباس بن الوليد قال: ما رأيت أبي يتعجب من شيء تعجُّبَه من الأوزاعي، فكان يقول: سبحانك تفعل ما تشاء! كان الأوزاعي يتيماً فقيراً في حِجر أمه تنقله من بلد إلى بلد، وقد جرى حلمك فيه أن بلَّغته حيث رأيتُه. يا بَني! عجزت الملوك أن تؤدب نفسها وأولادها، وأدب الأوزاعي نفسَه!.

وغير هؤلاء كثير، كانوا أيتاماً كالسيوطي وابن حجر والثوري والقاسم بن محمد، وغيرهم من السلف عاشوا اليُتم، لكنهم أناروا الدنيا بالعلم والفهم، ولم يكن اليُتم عائقاً لهم عن النهوض، بل ربما كان دافعاً لهم.

وإذا أردت أمثلة حاضرةً قريبةً فهي غير قليلة أيضاً، أمثال: صِدِّيق حسن خان، وعبد الرحمن السعدي، وعبد الله القرعاوي، ومحمد الأمين الشنقيطي، وعبد العزيز بن باز، رحمهم الله.

وسيد الأيتام نبينا محمد صلى الله عليه وسلم توفي والده وأمه حمل به، ثم تقلّب في أحضان متوالية من أمه إلى جده إلى عمه (ألم يجدك يتيماً فآوى).

قالوا: (اليتيم) فماجَ عطرُ قصيدتي وتلفتت كلماتُها تعظيمَا

وسمعتَ منها حكمةً أزليةً أهدت إليّ كتابَها المرقوما

حسْبُ اليتيمِ سعادةً أن الذي نَشَرَ الهدى في الناس عاش يتيمَا!

صلى الله عليه وسلم.

أيها المسلمون: وإذا فقد اليتيم أباه تضاعف واجب الأم نحو أبنائها. أم موسى رعت ابنها موسى عليه السلام واصطفاه الله نبيا (هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم لكم ناصحون، فرددناه إلى أمه). وزكريا عليه السلام كفل مريم (وكفّلها زكريا). ومريم أحسنت تربيتها لابنها عيسى عليه السلام، واختاره الله رسولا. والإمام أحمد بن حنبل رحمه الله مات والده وهو حمل في بطن أمه وعاش حياة فقر وفاقة، فحضنته أمه وأدبته وأحسنت تربيته، قال رحمه الله: كانت أمي توقظني قبل الفجر بوقت طويل وعمري عشر سنوات، وتُدفئ لي الماء في الشتاء، ثم نصلي أنا وإياها ما شئنا من صلاة التهجد، ثم تنطلق بي إلى المسجد في طريق بعيد مظلم موحش لتصلي معي صلاة الفجر في المسجد، وتبقى معي حتى منتصف النهار تنتظر فراغي من طلب العلم وحفظ القرآن. بصبر هذه الأم على اليتيم أخرجت عالماً من علماء المسلمين وأئمتهم.

ويجب على الأم والأوصياء والأولياء الإحسان إلى اليتيم في التربية والرحمة وألا يقتصر على الشفقة والعطف والإنفاق فحسب، بل يكون بالتوجيه الحسن والتعليم النافع قال الله تعالى: (ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير).

وأول ما يوجه إليه اليتيم حفظ كتاب الله العظيم، فهو العاصم والحافظ والمخرج من الفتن، ثم طلب العلم الشرعي، وحفظ الحديث والفقه وغيرهما، ومجالسة العلماء ولزوم الصحبة الصالحة، مع صرفه عن أسباب الفتن. وعلى من يرعى يتيماً أن يراقب ربه في ذلك الضعيف وأن يخلص في عمله مع الله، فالإخلاص ييسر العمل ويكسوه حلاوة، وعليه ألا يبخل بابتسامة وأن يبذل له ويرحمه، ويقيل عثرته، ويحسن ولايته، قال قتادة رحمه الله: "كن لليتيم كالأب الرحيم".

أيها المسلمون: واليتيم طفل اليوم وهو رجل المستقبل، والله يكافئك على كل ما تعمله من تربيه وإحسان ويجازيك على ذلك الجزاء الأوفى، (وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافاً خافوا عليهم، فليتقوا الله وليقولوا قولاً سديدا).

كشيخٍ حائرٍ أبصرتُ يوماً صغيراً قد جفا الدنيا وناحا

تُغالب عينه العبراتِ حرى يناغي الدمع قد نسي المراحا

فأبصرني وفي عينيه برق فشق الهمّ قلبي واستباحا

فقلت ومقلتي سكبت دموعي رويدك يا صغير دع النواحا

فقال: أنا (يتيم) قلت: كلا فعين اليُتم من فقد الصلاحا

فخالطت ابتسامته دموعاً ظننت الحزن قد ولى وراحا

فقال وقد تلعثم في سؤال: أيا عمّاه أرجوك السماحا

صغار الحي نادوني يتيماً وكل القوم قد عافوا امتداحا

أحقاً لن يعود أبي، فمن ذا؟! يسليني، لمن أشكو الجراحا؟!

وهذا الهمّ شيبني صغيراً أناجي الدمع أرتشف الجراحا

وكل الأمنيات غدت سراباً مع الأحلام تصطحب الرياحا

فقلت مغالباً حزني، وقلبي كواه الحزن ممتشقاً رماحا

بُني كفاك ألهبت الحنايا بهم قد حوى حتى البطاحا

بني بني لا تحزن فإنا لك الأحباب فلترج الفلاحا

لك الأصحاب فلنمض سوياً نعيد المجد نرتقب الصباحا

فودعني يكشر عن ثنايا وسِر النفس قد بانا ولاحا

وأطرق ماشياً يدعو: إلهي وودعني بدمع واستراحا

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم...



الخطبة الثانية:

الحمدلله رب العالمين، أحمده تعالى وأشكره، وأثني عليه الخير كله، وأسأله المزيد من فضله، وأشهد ألا إله إلا الله في ربوبيته وإلهيته وأسمائه وصفاته، وأشهد أن محمذا عبده ورسوله وخيرته من خلقه، اللهم صل وسلم عليه وعلى إخوانه وآله، وارض اللهم عن أصحابه وأتباعهم إلى يوم الدين.

أما بعد: أيها المسلمون: الله عز وجل جابر كسر اليتيم، ورافـعٌ قدره، ومن كُتب عليه اليُتم وهو ضعيف، فالجنة مـأوى المستضعفين من المؤمنين، قال عليه الصلاة والسلام: "ألا أخبركم بأهل الجنة، كل ضعيف مستضعف، لو أقسم على الله لأبره" متفق عليه.

اليتيم فرد من أفراد الأمة ولبنة من لبناتها. غير اليتيم يرعاه أبواه، يعيش في كنفهما تظلله روح الجماعة، يفيض عليه والداه من حنانهما، ويمنحانه من عطفهما، ما يجعله بإذن الله بشراً سوياً، وينشأ فيه إنشاءً متوازناً. أما اليتيم فقد فَقَدَ هذا الراعي، ومال إلى الانزواء، ينشد عطف الأبوة الحانية، ويرنو إلى من يمسح رأسه، ويخفف بؤسه، يتطلع إلى من ينسيه مرارة اليتم وآلام الحرمان.

كم من أم لأيتام يحوم حولها صبيتها وعينهم شاخصة نحوها، لعلهم يجدون عندها إسعافاً.

إن اليتيم إذا لم يجد من يستعيض به حنان الأب المشفق والراعي الرافق، فإنه سيخرج نافر الطبع، وسيعيش شارد الفكر، لا يحس برابطة، ولا يفيض بمودة، وقد ينظر نظر الخائف الحذر، بل قد ينظر نظر الحاقد المتربص، وقد يتحول في نظراته القاتمة إلى قوة هادمة.

أيها المسلمون: من خيار بيوت المسلمين بيت فيه يتيم يُحسَن إليه. إن خفض الجناح لليتامى والبائسين دليل الشهامة، وكمال المروءة. صنائع المعروف تقي مصارع السوء، وتحفظ من المحن والبلايا. إن كنت تشكو قسوة في قلبك فأدْن منك اليتامى، وامسح على رؤوسهم، وأجلسهم على مائدتك، وألن لهم جانبك. إذا رجوت أن تتقي لفح جهنم فارحم اليتامى وأحسن إليهم (وَيُطْعِمُونَ ٱلطَّعَامَ عَلَىٰ حُبّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً، إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ ٱللَّهِ لاَ نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلاَ شُكُوراً، إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً، فَوَقَـٰهُمُ ٱللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ ٱلْيَومِ وَلَقَّـٰهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً).

لقد تحرّج الذين عندهم أيتام من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سمعوا القوارع في مثل قوله تعالى: (إِنَّ ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوٰلَ ٱلْيَتَـٰمَىٰ ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِى بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً)، فعزلوا طعام الأيتام وشرابهم، فصاروا يأكلون منفردين، ويعيشون منعزلين، وامتنع آخرون من كفالة اليتيم تحرجاً وتعففاً، وكان هذا موضع حرج آخر، فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنـزل القرآن مجيباً لهم: (وَيَسْـئَلُونَكَ عَنِ ٱلْيَتَـٰمَىٰ قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِن تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوٰنُكُمْ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ ٱلْمُفْسِدَ مِنَ ٱلْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاء ٱللَّهُ لاعْنَتَكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيم). وكم من نُظَّار على أوقاف، وأوصياء على أيتام انزلقوا في الشبهات، ثم ترقوا إلى المحرمات، فغلبتهم أطماعهم حتى أصبح واحدهم غنياً من بعد فقر، قاسياً من بعد لين، فويل لهم، ثم ويل لهم: (إِنَّ ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوٰلَ ٱلْيَتَمَىٰ ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِى بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرا). وفي الحديث: "أربع حق على الله ألا يدخلهم الجنة ولا يذيقهم نعيمها: مدمن الخمر، وآكل ربا، وآكل مال اليتيم، والعاق لوالديه". وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أحرِّج مال الضعيفين المرأة واليتيم" أي أوصيكم باجتنابهما.

أيها المسلمون: وهناك يُتم من نوع آخر، معه أبواه لكنه يعيش حياة الغفلة، وأعداد هؤلاء يتضاعف مع مرور الأيام وكثرة المشاغل والملهيات، فالأب مشغول في وظيفته أو تجارته أو سهرته أو سفرته، والأم كذلك قد تركت ولدها للخادمة، وأصبحت مشغولةً بين السوق والوظيفة، وبين الأزياء والموضة. وحين يكبر الولد وينتهي من رعاية الخادمة ويملك الخروج من المنـزل ولو مع صغر سنه، فإنه يلتقم ثدي الشارع، ويختاره سكناً بدل البيت، ليقطع فيه جُل الوقت. هذا يسمى يتيم التربية!

ليس اليتيم من انتهى أبواه مِن همِّ الحياةِ وخلّفاه ذليلا

فأصاب بالدنيا الحكيمةِ منهما وبحسن تربيةِ الزمان بديلا

إن اليتيمَ هو الذي تلقى له أمّاً تخلّت، أو أباً مشغولا

إننا لا نطلب من الرجل ولا من المرأة أن يتركوا أشغالهم التي يطلبون منها لقمة العيش، لكننا نقول لهم: إن فترة الغياب الطويل عن الأولاد لها أثر كبير. ولذا كان من الضروري على الزوجين تخصيص أوقات كافية للجلوس مع أبنائهم، واصطحابهم، وحل مشكلاتهم، وإشراكهم معهم في الحياة.



اللهم ..

المناضل السليماني 11-02-2010 05:35 PM

رد : ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب آآآآآآمل التثبيت
 
خطبتنا في هذه الجمعة عن الرحمة



الخطبة الأولى
الحمد لله المتوحد في الجلال بكمال الجمال تعظيماً وتكبيراً، والمتفرد بتصريف الأحوال على التفصيل والإجمال تقديراً وتدبيراً، المتعالي بعظمته ومجده، {تَبَارَكَ ٱلَّذِى نَزَّلَ ٱلْفُرْقَانَ عَلَىٰ عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَـٰلَمِينَ نَذِيراً} [الفرقان:1]. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وأحرص الناس على هداية أمته، وجاء في صفته: بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ (التوبة: من الآية128).
اللهم صل وسلم عليه وعلى سائر الأنبياء والمرسلين، الذين كانوا رحمة مهداة من الله لأممهم، أنقذ الله بهم من شاء من الغواية إلى الهدى، ومن دركات الجحيم إلى درجات الجنان، ومن يضلل الله فما له من هاد، وارض اللهم عن آل محمد المؤمنين وعن صحابته أجمعين و التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
فأما بعد: فاتقوا الله معاشر المسلمين امتثالاً لأمر الله ووحيه:
قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (الزمر:10).
أيها المسلمون: والرحمة كلمة ندية، رخية في لفظها، وهي ذات مفاهيم ومدلولات كبيرة في معناها، بها ينتشر الود، ويتحقق الإخاء، ويسود القسط. وبالرحمة ترعى كرامة بني الإنسان، وينتشر العدل، بها تستعلي النفوس إلى أصل فطرتها، وبفقدها يهوي الإنسان وترتكس فطرته إلى منازل الجماد الذي لا يعي ولا يهتز.
أجل إن الرحمة كمال في الطبيعة، وجمال في الخلق، يرق صاحبا لآلام الخلق ويسعى لإزالتها، ويأسى لأخطائهم وجنوحهم، فيترحم عليهم ويتمنى لهم الهداية والرحمة.
أما القسوة فتبلد في الحس، وارتكاس في الخلق، وغلظة في الطبع، وغرور وكبرياء، لا يكاد تفكير أصحاب هذا الطبع أن يتجاوز دوائرهم الضيقة، وذواتهم المريضة. بالرحمة أو خلافها يتميز الناس إلى رحماء يرحمهم الرحمان، وقساة قلوب لهم الويل في الحياة وبعد الممات.
إخوة الإسلام: ويطيب الحديث عن الرحمة في كل آن، ولكنه يجمل ويتأكد حين يستعلي الكبراء، ويتغطرس الأقوياء، حين تبقى فئة من البشر تتحكم في الموارد والأرزاق، فتعطي وتشترط، وتمنع وتحاصر، تهدد بالحصار العسكري تارة، وبالحصار الاقتصادي أخرى، وبين هذا وذاك تعمل بكل ما أوتيت من قوة في سبيل الحصار الفكري والتعبير الثقافي في المجتمع العالمي.

وحين تفقد الرحمة تموت آلاف من الأطفال حتف نفسها جوعاً أو عرياً – وتشرد آلاف أخرى من البشر عن ديارها وتباح لغيرها ظلماً وعدواناً، ويعتدي على النساء بغياً، بل وتبقر بطون الحوامل لاستخراج ما في أرحامها همجية وحقداً.
أين هذا من شرع السماء وهدي الأنبياء عليهم السلام؟ والرحمة في أفقها الأعلى صفة من صفات الرب تبارك وتعالى، وملائكة السماء تشهد بذلك وتتضرع إلى خالقها: رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (غافر: من الآية7).
بل الله أرحم الراحمين، ويشهد برحمته كل من قرأ: "الرحمن الرحيم" أو يقرأ: وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْء (لأعراف: من الآية156).
إنها رحمة من يقتدر على الأخذ بقوة: فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (الأنعام: من الآية147).
وهي رحمة لا يستطيع كائن إمساكاً لها أو إرسالاً: مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (فاطر:2).
أيها المسلمون: ورحمة ربي شاملة للحياة والأحياء لبني الإنسان والجن والحيوان، للمتقين والفجار، للأولين والآخرين، وفي الدنيا والآخرة.
وظواهر هذه الرحمة يدركها من يتأمل كتاب الله أو ينظر في ملكوت الله.
من مظاهرها: تسخير الكائنات: وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (القصص:73). رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً (الاسراء:66).
ويمتد التسخير للمركوب والمأكول، ويربط ذلك برحمة الله كما قال تعالى: وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ * وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ * وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ (النحل: من الآية 5-7)
ومن مظاهر الرحمة: رفع البلاء، وإن جحد المبتلون: وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آيَاتِنَا (يونس: من الآية21). وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلا صَرِيخَ لَهُمْ وَلا هُمْ يُنْقَذُونَ * إِلَّا رَحْمَةً مِنَّا وَمَتَاعاً إِلَى حِينٍ (يّـس: من الآية 43-44).
وفرق بين من يقال عنهم: وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (المؤمنون:75)، وبين من قيل عنه: وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ (الانبياء: من الآية 83-84).
أجل إنها رحمة وذكرى كما قال ربنا، ولكنها لمن؟ للعابدين.
عباد الله: ومن مظاهر رحمة الله رفع الحرج لمن به علة أو حاجة: لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضَى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (التوبة:91)، فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (البقرة: من الآية173).
ومن مظاهرها: قبول التوبة للمذنبين: فتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (البقرة:37)، وليست قصراً على آدم وحده، بل تشمل غيره: أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (المائدة:74)، قَالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (يوسف:92).
يا أخا الإسلام: وهل علمت أن هبة الله الأهل، والذرية الصالحة من رحمة الله فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلّاً جَعَلْنَا نَبِيّاً * وَوَهَبْنَا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيّاً (مريم: من الآية 49-50)، ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (مريم:2)، وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ (صّ:43).
وأن إنزال الغيث رحمة من الله: وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ (الشورى: من الآية28)، وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ (الروم: من الآية46).
ترى أي حد لرحمة الله، وتقديرها أزلي في كتاب عنده فوق العرش كما قال عليه الصلاة والسلام: "لما خلق الله الخلق كتب في كتاب، فهو عنده فوق العرش: إن رحمتي تغلب غضبي" رواه البخاري ومسلم.
وأثرها يمتد من الدنيا إلى الآخرة، وهو في الآخرة أعظم، والحاجة إليها أكبر فقد صح عنه عليه الصلاة والسلام : "إن لله مئة رحمة، أنزل منها رحمة واحدة بين الجن والإنس والبهائم والهوام، فيها يتعاطفون، وفيها يتراحمون، وبها تعطف الوحش على ولدها، وأخر الله تسعاً وتسعين رحمة يرحم بها عباده يوم القيامة". رواه مسلم.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (يونس:58).
نفعني الله وإياكم بهدي كتابه وسنة نبيه اقول ماتسمعون واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.


الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين صاحب الفضل والإحسان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شمل بفضله ورحمته الإنس والجان والمتقين والفجار، وشهد جوده وآلاءه أولو الألباب، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، ناله من رحمة ربه ما ألان قلبه لمن حوله فاجتمعوا إليه، ولو كان فظاً غليظاً لانفضوا من حوله، اللهم صل وسلم عليه وعلى سائر الأنبياء والمرسلين.
أيها المسلمون: وإذا كانت الرحمة بمفهومها العام شامة للخلق حتى تقوم الحياة ويبتلى الأحياء، ويتميز الشاكرون المؤمنون عن الكافرين الجاحدين، فثمة نوع من الرحمة رجح ابن القيم أن المقصود بها النعمة، فرحمته: نعمته. ثم قال: فالهدى والفضل، والنعمة والرحمة متلازمان، لا ينفك بعضها عن بعض.
ونقل القرطبي عن السلف تفسير فضل الله بالقرآن، والرحمة بالإسلام. عن أبي سعيد الخدري وابن عباس: فضل الله: القرآن، ورحمته أن جعلكم من أهله. وعن الحسن والضحاك ومجاهد وقتادة: فضل الله: الإيمان، ورحمته: القرآن .
هذه الرحمة ينالها طائفة من عباد الله بعمل الصالحات والمجاهدة والإحسان، والمتتبع لآيات القرآن يجد بيان ذلك واضحاً… فبم تنال هذه الرحمة؟ إن مما تنال به الرحمة المجاهدة في سبيل الله، قال تعالى: الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ * يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ (التوبة: من الآية 20-21).
ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (النحل:110).
كما تنال الرحمة بالصبر: الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (البقرة: من الآية 156-157).
وتنال بالإحسان كما قال تعالى: إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (لأعراف: من الآية56)، إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (النمل:11).
وتنال الرحمة بالإيمان والتقى والطاعة لله والرسول وأداء الواجبات: وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (آل عمران:132)، فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ (النساء: من الآية175)، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ (الحديد: من الآية28).
وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنَا يُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ (لأعراف: من الآية 156-157).
كما أن للقانتين آناء الليل كفلاً من رحمته: أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (الزمر:9).
عباد الله: ومن علائم السعادة أن تسود الرحمة مجتمعالمسلمين إذا شقي غيرهم بالغلظة والأنانية والجفاء، ورحمة الخلق سبب لرحمة الخالق، قال عليه الصلاة والسلام: "الراحمون يرحمهم الرحمان، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء.." رواه أبو داود والترمذي وهو صحيح بشواهده .
وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما: "لا يرحم الله من لا يرحم الناس".
إن نزع الرحمة من علائم الشقاء كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم : "لا تنزع الرحمة إلا من شقي". حديث حسن أخرجه الترمذي وأبو داود.
وإذا كانت القسوة في خلق الأفراد دليل نقص كبير، فهي في تاريخ الأمم دليل فساد خطير، وهي علة الفسوق والفجور كما قال تعالى: أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (الحديد:16).
أيها الناس: إن أحدنا قد يهش لأصدقائه حين يلقاهم، وبكل تأكيد يرق لأولاده وأحبائه حين يراهم،وتلك جوانب من الرحمة، بيد أن المفروض في المؤمن أن تكون دائرة رحمته أوسع، فهو يبدي بشاشته، ويظهر مودته واحترامه لعامة المسلمين.
فالمؤمنون إخوة، وتبسمك في وجه أخيك صدقة، وأقرب الناس منزلة من الرسول صلى الله عليه وسلم أحاسنهم أخلاقاً، الذين يألفون ويؤلفون، ولا خير في من لا يؤلف.
بل شملت الرحمة في الإسلام الحيوان فضلاً عن الإنسان، فقد شكرا الله وغر للرجل أو المرأة البغي الذي سقى الكلب الذي كان يأكل الثرى من العطش. متفق عليه .
ودخلت النار امرأة بسبب هرة ربطتها فلم تطعمها ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض. متفق عليه.
وإذا انتكست الفطر سحق الإنسان، وبات يحوم حول المزابل بحثاً عن طعام أو شراب، أو شلت أعضاؤه من ويلات الحروب وقنابل الدمار، هذا إن كان في عداد الأحياء. وباتت القطط والكلام مدللة إلى حد الترف في المطعم والمشرب والمسكن، وملازمة لأصحابها في الحل أو الترحال، وأين هذا والرحمة في شريعة الإسلام؟
أيها المؤمنون: وليس من الرحمة في الإسلام ترك الأدب لمن به حاجة إليه، حتى وإن بدا فيه قسوة على المؤدب ظاهراً.
فقسا ليزدجروا ومن يك راحماً فليقس أحياناً على من يرحم
وليس من الرحمة تعطيل حدود الله على من يقترف محظوراً يستحق العقاب: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ (النور: من الآية2).
ومن بلاغة القرآن أن عبر عن قتل القصاص بالحياة لما في ذلك صيانة الأحياء واستمرار الحياة: وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (البقرة:179).
إن الرحمة يا عباد الله – في الإسلام – ليست حناناً لا عقل معه، أو شفقة تتنكر للعدل والنظام، كلا إنها عاطفة متزنة ترعى الحقوق كلها وتقيم وزناً لمصلحة الفرد والمجتمع والأمة… وبهذه وتلك فاقت رحمة الإسلام كل رحمة، وانتشر صيت رحمة المسلمين في الآفاق، ودخلت أمم في الإسلام لم يقهرها السيف، ولم يستهوها الدرهم والدينار – لكنها القناعة بشريعة الإسلام والإعجاب بأخلاق المسلمين… على حين أفلست الحضارة المادية المعاصرة رغم تشدقها بالعبارات الخادعة، لم يشفع لها بريق الهيئات والمنظمات الكاذبة… فحقوق الإنسان. ومنظمات العدل الدولية، وهيئات الأمم… وما شاكلها، كل هذه وتلك عند واقع الحال وحين يتعلق الأمر بالمسلمين بالذاب، ألقاب مملكة في غير موضعها كالهر يحكي انتفاخاً صولة الأسد؟
وما أحوج الدنيا إلى شرع السماء وهدي الأنبياء، وتلك مسؤولية المسلمين شعوباً وحكومات: فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ (الرعد: من الآية17).
اللهم أصلح أحوال المسلمين وردهم إليك رداً جميلاً.
اللهم هب لنا من رحمتك ما تصلح به أحوالنا في الدنيا، وترحمنا يوم العرض عليك في الآخرة؛ فأنت أرحم الراحمين.





المناضل السليماني 17-02-2010 08:49 AM

رد : ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب آآآآآآمل التثبيت
 
خطبة الجمعة بعنوان بر الأبناء ووفاء الآباء
الخطبة الأولى
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم عليه وعلى سائر الأنبياء والمرسلين، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
ثم أما بعد فأوصيكم ونفسي المقصرة المذنبة بتقوى الله تعالى

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (آل عمران:102).

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً (النساء:1).
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيما (الأحزاب: من الآية 70-71).
أيها المسلمون الذرية في شريعة الإسلام نعمة وهبة، وزينة ومفخرة، وفي الوقت نفسه هم فتنة وعدو، وهم مجنة مبخلة.
يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُور * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (الشورى: من الآية 49-50).
الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا (الكهف: من الآية46).
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوّاً لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ .التغابن: من الآية 14-15.
وما فتئ الصالحون يدعون لأبنائهم ويرفعون أكف الضراعة لهدايتهم، ويبذلون ما في وسعهم لاستقامتهم كيف لا؟ وهم زينتهم وقرة ما داموا أحياء والوارثون لهم والداعون لهم إذا كانوا أجداثاً رمماً (رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ) (ابراهيم:37). إلى قوله: رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ (ابراهيم:40).
كذا قال أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام وقال زكريا عليه السلام: وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً (مريم: من الآية 5-6).
ويصدق الداعون ويستجيب الله الدعاء، والدعوة ذات هدف ومعنى: هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ * فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيّاً مِنَ الصَّالِحِينَ (آل عمران: من الآية 38-39).
وَوَهَبْنَا لِدَاوُدَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ(صّ:30).
وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ (النمل: من الآية16).
لذا تتجه أنظار الأنبياء بالدعوات الصادقة للأبناء وهدفهم من الذرية تحقيق العبودية لله، يقيمون الصلاة، ويشكرون أنعم الله، فليست دعواتهم لذرية مطلقة كلا بل مقيدة بالصلاح "ذرية طيبة"، ومن أولياء الله "فهب لي من لدنك وليا".
أو ابين له (وَوَهَبْنَا لِدَاوُدَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (صّ:30).
ويستمر الآباء في الدعوة والدعاء للأبناء وإن أحسوا منهم جنوحاً عن سبيل الهدى، وانحيازاً عن ركب المؤمنين ولكن الهداية بيد الله وحده لا يملكها الأنبياء المرسلون، ولا الملائكة المقربون.
وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ * قَالَ سَآوي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ (هود: من الآية 42-43).
وحين ألح نوح في الدعاء ونادى ربه فقال: رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ(هود: من الآية45).
قال الله له: لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (هود: من الآية46).
ترى هل يتخذ الآباء من سلوك الأنبياء منهجاً وقدوة؟
إخوة الإيمان.. من الأبوة إلى البنوة لنقف على نماذج عالية في الدعوة والطاعة والرضا والتسليم طاعة للوالدين وإحساناً إليهما..
وتأملوا هذا الأدب الرفيع والحوار المعبر والدعوة الحانية للخير بلطف في العبادة ولهف للاستجابة: وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَبِيّاً * إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً * يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً * يَا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيّاً * يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيّاً . (مريم: من الآية 41-45).
وإذا كان هذا خطاب الابن المسلم لأبيه الكافر فماذا ينبغي أن يكون خطاب الابن المسلم لأبويه المسلمين؟
والبر لا يبلى، فقد وهب الله إبراهيم عليه السلام ذرية صالحة وجعل فيهم النبوة والكتاب، وحين امتحن أحدهم، وكان البلاء المبين وفي الابن لأبيه، واستسلم الأب والابن لأمر الله طائعين، فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ (الصافات: من الآية 103-106).
أجل لقد بقيت كلمات إسماعيل – عليه السلام – برهانا للصدق والوفاء والطاعة والاستسلام بوعي، والصبر عن يقين ورضا..، وما من شك أن الموقف حرج، وأن المطلوب صعب.. لكنه بر الأبناء.. والوفاء للآباء (فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ) (الصافات:102)
ويظل يوسف عليه السلام يذكر آباءه بخير وهو في غياب السجن: ]وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ (يوسف:38).
ولا ينسيه الملك أو يطغيه الجاه والسلطان عن طلب والديه وأهله وحين دخلوا عليه مصر آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ * وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْش . يوسف: من الآية 99-100.
أيها الأبناء تأدبوا غاية الأدب مع والديكم وقولوا لهما قولاً كريماً، وقدورهما حق قدرهما.
أورد النووي يرحمه الله في كتاب الأذكار في باب نهي الولد والمتعلم والتلميذ أن ينادي أباه ومعلمه وشيخه باسمه فقال: روينا في كتاب ابن السني عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً معه غلام، فقال للغلام: من هذا؟ قال: أبي، قال: "فلا تمش أمامه، ولا تستسب له، ولا تجلس قبله، ولا تدعه باسمه قلت (النووي): معنى لا تستسب له: أي لا تفعل فعلاً يتعرض فيه لأن يسبك أبوك زجراً لك وتأديباً على فعلك القبيح.
أيها الآباء أدبوا أولادكم بآداب الإسلام واسألوا الله لهم الهداية والصلاح فالله هو الهادي والمصلح.
روى البخاري في الأدب المفرد عن الوليد بن نمير بن أوس أنه سمع أباه يقول كانوا يقولون: الصلاح من الله والأدب من الآباء .
أعوذ بالله من الشيطان: وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُن الفرقان: من الآية74).


الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله إمام المتقين وقائد الغر المحجلين، واللهم صل وسلم عليه وعلى سائر المرسلين.
أيها المسلمون: من مقامات الأنبياء إلى وصايا الحكماء يقص القرآن علينا نموذجاً لتربية الآباء ووصاياهم للأبناء، وفضل الله يؤتيه من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً، ولو كان الحكيم عبداً حبشياً، قصيراً، أفطس الأنف، ذا مشافر عظيم الشفتين، مشقق الرجلين. وكذا كان لقمان الحكيم.. ولكن الله رفع ذكره بالإيمان والتقى والصدق واليقين، فقد كان عبداً صالحاً وآتاه الحكمة ولم يكن نبياً .
وبدت حكمته لسيده حين أمره قائلاً: اذبح لي شاة وائتني بأطيبها مضغتين فأتاه باللسان والقلب فقال له: ما كان فيها شيء أطيب من هذين؟
فسكت، ثم أمره بذبح شاة أخرى ثم قال له: ألق أخبث مضغتين فيها فألقى اللسان والقلب فقال له: أمرتك أن تأتيني بأطيب مضغتين فأتيتني باللسان والقلب وأمرتك أن تلقى أخبثها فألقيت اللسان والقلب! قال لقمان: إنه ليس شيء أطيب منهما إذا طابا ولا أخبث منهما إذا خبثا .
إخوة الإيمان كم يمر بنا ذكر لقمان ووصاياه العظام فلا تلفت أنظارنا كثيراً، وربما لم تحرك عند البعض منا ساكناً، وفي وصايا لقمان لابنه وهو يعظه دروس للآباء والأبناء، وفي مواعظه ما يحيي به الله القلوب الغافلة ذكراناً كانوا أم إناثاً إن أول ما تتجه له عاطفة الأب الناصح لابنه أن يعبد الله وحده ولا يشرك به شيئاً: وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لاِبْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (لقمان:13).
فالعبودية لله وحده هدف الوجود.. وهي أساس دعوة الرسل، والشرك محبط للأعمال موجب للخسران (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ * بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ) (الزمر: من الآية 65-66).
ولئن قيل إن ابن لقمان، وامرأته كانا كافرين فما زال يعظهما حتى أسلما .
فحري بالآباء أن يحذروا الأبناء من طرائق الشرك ووسائله وإن كانوا في الأصل مسلمين، وكذلك نزل القرآن محذراً المؤمنين عن الشرك بقوله: ]الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ[ (الأنعام:82).
قد شقت هذه الآية على الصحابة حين نزلت، وقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : وأينا لا يظلم نفسه، فأجابهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس هو كما تظنون إنما هو كما قال لقمان لابنه ]يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (لقمان: من الآية13).
ويلفت لقمان نظر ابنه إلى عظيم قدرة الله فالحبة وإن كان قدرها صغيراً، والحس لا يدرك لها ثقلاً، ولا ترجح ميزاناً لخردلة، فالله يعلم وجودها، ولو كانت محصنة محجبة داخل صخيرة صماء، أو غائبة ذاهبة في أرجاء السموات والأرض فإن الله يأتي بها فلا تخفى عليه خافية يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (لقمان:16.
قيل إن لقمان هنا وعظ ابنه ألا يشغله الرزق عن أداء فرائض الله فلو كان رزق الإنسان مثقال حبة خردل في هذه المواضع جاء بها الله حتى يسوقها إلى من هي رزقه.
وقيل المعنى تخويف عن اقتراف المعاصي وتنبيه لرقابة الله ولو ظن العاصي أنه لا يرى.
فقد روي أن ابن لقمان قال لأبيه: يا أبت إن عملت الخطيئة حيث لا يراني أحد كيف يعلمها الله؟ فقال له لقمان: يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السموات أو في الأرض يأتي بها الله. فما زال ابنه يضطرب حتى مات ذكره مقاتل، ونقله القرطبي .
أيها المسلمون لا يزال لقمان يوصي ابنه، وينقله من موعظة إلى أخرى.. وتحتاج بقية الوصايا إلى خطبة ولكني أقف في النهاية مستخلصاً أعظم ما ينبغي أن يمنحه الآباء للأبناء، ومن الاستعراض الموجز لسلوكيات الأنبياء أو الحكماء نعلم حاجة الآباء إلى تخصيص أبنائهم بالدعوة والدعاء، وأن يمنحوهم الأدب، ويمحضوهم النصح، ويخصوهم بالوصايا والعظات النافعة فما نحل والد ولداً من نحلٍ أفضل من أدب حسن.
وعلى الأبناء أن يخلصوا الطاعة لله، وأن يكونوا مثالاً للطاعة بالمعروف والبر والإحسان إلى والديهم، والشكر لهم، كيف لا وقد قرن شكر الله بشكرهما قال تعالى :أن اشكر لي ولوالديك . قيل: الشكر لله على نعمة الإيمان وللوالدين على نعمة التربية، وقال سفيان بن عيينة: من صلى الصلوات الخمس فقد شكر الله تعالى، ومن دعا لوالديه في أدبار الصلوات فقد شكرهما"
ما أحوج الأبناء للقول الكريم للآباء والله يقول: وقل لهما قولاً كريماً.
أورد القرطبي في أدب الخطاب مع الوالدين عن أبي البداح التجيبي قال: قلت لسعيد بن المسيب: كل ما في القرآن من بر الوالدين قد عرفته إلا قوله: "وقل لهما قولاً كريماً" ما هذا القول الكريم؟ قال ابن المسيب: قول العبد المذنب للسيد الفظ الغليظ"
اللهم وفق الآباء وأصلح الأبناء، واجعلنا جميعاً ممن ينتفع بمواعظ القرآن وطرائق الأنبياء ووصايا الحكماء.

المناضل السليماني 25-02-2010 09:06 PM

رد : ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب آآآآآآمل التثبيت
 
عنوان الخطبةبشرى لنا إن تبنا وبشرى للتائبين


إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم عليه وعلى سائر الأنبياء والمرسلين، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
ثم أما بعد فأوصيكم ونفسي المقصرة المذنبة بتقوى الله تعالى

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (آل عمران:102).

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً (النساء:1).
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيما (الأحزاب: من الآية 70-71).


أما بعد:

فإن البشر تعتريهم صفات النقص ويجري عليهم من الغفلة والزلل والوقوع في المعاصي وليس لهم الكمال والعصمة فهم عرضة للخطأ والنسيان والسهو والهفوة.
دلَّ على ذلك ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون فيغفر لهم.
وقوله عليه الصلاة والسلام من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: كتب على ابن آدم نصيبه من الزنى مدرك ذلك لا محالة فالعينان زناهما النظر والأذنان زناهما الاستماع واللسان زناه الكلام واليد زناها البطش والرِّجل زناها الخطاء والقلب يهوى ويتمنى ويصدق ذلك الفرج ويكذبه.
فهذه النصوص الصريحة من السنة تدل دلالة واضحة على أن الإنسان معرض للوقوع في المعصية لأنه عبد ضعيف تغلبه الأمارة بالسوء وهواه وشيطانه، ولكن المسلم الفطن العاقل اللبيب يتدارك ذلك بالتوبة والاستغفار والإقلاع المباشر قال تعالى: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمآل عمران: 135
قال ابن كثير: "أي إذا صدر منهم ذنب أتبعوه بالتوبة والاستغفار"

فكان الجزاء:
أُوْلَـئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَآل عمران: 136
وقوله عليه الصلاة والسلام: كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون.
فالله جل وعلا يتوب على التائبين الصادقين، وأنه لا أحد يحول بينك وبين التوبة وبينك وبين الله عز وجل فهو سبحانه يقول: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ . البقرة: 186
وعن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله عز وجل يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها.
وأن الله جل وعلا يفرح بتوبة عبده حين يتوب إليه مع غناه وكماله سبحانه وتعالى.
قال ابن القيم رحمه الله: "وهذه فرحة إحسان وبر ولطف لا فرحة محتاج إلى توبة عبده منتفع بها؛ فهو سبحانه لا يتكثر من قلَّة ولا يعتز به من ذلة ولا ينتصر به من غلبة ولا يعده لنائبة ولا يستعين به في أمر".
ويصور لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الفرحة بمثال فيقول: الله أشد فرحاً بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة فانفلت عنه وعليها طعامه وشرابه فاضطجع في ظلها قد أيِِس من راحلته فبينما هو كذلك إذا هو بها قائمة عنده فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح: "اللهم أنت عبدي وأنا ربك" أخطأ من شدة الفرح.
وتأمل كيف كانت فرحته بهذه الراحلة التي عليها طعامه وشرابه وهو في هذه الأرض الخالية التي لا يوجد عليها سبب من أسباب الحياة وإلا هذه الراحلة وعلى هذه الراحلة الطعام والشراب فذهب الجمل بما حمل، وتأمل فرحته حينما أخذ بخطامها لم يقل رآها بعيدة أو سمع صوتا بل قال قائمة عنده وهذا يجعله يدهش ويتمسك بها بكل ما أوتي من قوة.
دل ذلك خطأه حينما قال: "اللهم أنت عبدي وأنا ربك" ومع هذه الفرحة الشديدة بهذه الراحلة وعودة الحياة إليه من جديد، فالله أشد فرحاً منه بعودته إليه تائباً نادماً مخبتاً من عودة دابة عليه، فعودة الراحلة إليه من أسباب الحياة المؤقتة في الدنيا الزائلة، ولكن عودة العبد إلى ربه ومولاه تائباً مؤمناً منكسر القلب من أسباب الحياة الحقيقية وهي حياة قلبه بنور الإيمان المبشر بالحياة السرمدية الأبدية في جناته جنات النعيم.
فهو سبحانه أرحم من أنفسنا وآبائنا وأمهاتنا.

وهذا موضع الحكاية المشهورة أنه كان أحدهم يسير في إحدى السكك، فرأى باباً قد فتح وخرج منه صبي يستغيث ويبكي وأمه خلفه تطرده حتى خرج فأغلقت الباب في وجهه ودخلت فذهب الصبي غير بعيد ثم وقف مفكراً فلم يجد له مأوى غير البيت الذي أخرج منه ولا من يؤويه غير والدته فرجع مكسور القلب حزيناً فوجد الباب مرتجاً فتوسده ووضع خده على عتبة الباب ونام فخرجت أمه فلما رأته على تلك الحال لم تملك أن رمت نفسها عليه والتزمته تقبله وتبكي، وتقول: "يا ولدي أين تذهب عني ومن يؤويك سواي؟ ألم أقل لك لا تخالفني ولا تحملني بمعصيتك لي على خلاف ما جبلت عليه من الرحمة بك والشفقة عليك وإرادتي الخير لك؟" ثم أخذته ودخلت.

فتأمل قول الأم: "لا تحملني بمعصيتك لي على خلاف ما جبلت عليه من الرحمة والشفقة"
وتأمل قول صلى الله عليه وسلم: الله أرحم بعباده من هذه بولدها.
وأين تقع رحمة الوالدة من رحمة الله التي وسعت كل شيء؟
فمن هذا شأنه ورحمته التي وسعت كل شيء لا ينبغي اليأس والقنوط من رحمته وعفوه.
كذلك أنه سبحانه يتفضل على عبده التائب العائد إليه ويكرمه بأن يجعل تلك السيئات حسنات إذا أتبع التوبة بعمل صالح.
قال تعالى: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً الفرقان: 68-70
وتأمل قوله سبحانه وتعالى: فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ . تبين لك فضل الله العظيم وسعة عطائه وكثرة جوده.

قال أهل العلم: التبديل هنا نوعان:
الأول: تبديل الصفات السيئة بصفات حسنة كإبدالهم بالشرك إيمان وبالزنا عفة وإحصاناً وبالكذب صدقاً وبالخيانة أمانة وهكذا.
الثاني: تبديل السيئات التي عملوها بحسنات يوم القيامة.
وانظر إلى شرح هذا الكرم الإلهي في هذا الحديث: جاء شيخ كبير هرم قد سقط حاجباه على عينيه وهو يدعم على عصا حتى قام بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "أرأيت رجلاً عمل الذنوب كلها فلم يترك منها شيئاً وهو في ذلك لم يترك حاجة ولا داجة -أي: لا صغيرة ولا كبيرة- إلا أتاها" وفي رواية "إلا اقتطفها بيمينه" لو قسمت خطيئته بين أهل الأرض لأبقتهم -أي: أهلكتهم- فهل له من توبة"، فتخيل بعد هذا العمر الطويل والكم الهائل من المعاصي يسأل ويقول: هل لي من توبة؟، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فهل أسلمت؟
قال: "أما أنا فأشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله"
قال: تفعل الخيرات وتترك السيئات فيجعلهن الله لك خيرات كلهن.
قال: وغدراتي وفجراتي؟
قال: نعم
قال: "الله أكبر"، فما زال يكبر حتى توارى. قال الهيثمي: رواه الطبراني والبزار، وقال المنذري في الترغيب: إسناده جيد قوي.
وآيات الفرقان الآنفة الذكر تدل له وتشهد له.
وهكذا ينبغي للتائب الصادق في توبته ترك السيئات وفعل الخيرات حتى يبدل الله سيئاته حسنات.
وإليك أخي هذا النداء من ملك الملوك عز وجل:
قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ الزمر: 53
أي: قل لعبادي يا محمد الذين أكثروا من المعاصي لا يقنطوا من رحمتي وعفوي فأنا أغفر الذنوب كلها صغيرها وكبيرها، وإني أنا الغفور الرحيم.

وتأمل أخي رقة العبارة ولطف العتاب بقوله: يَا عِبَادِيَ تندرج تحتها الآمال والرجاء والمبشرات وحسن الظن بالله، ففيها أمل ورحمة ورأفة وإحسان وجود وكرم وعطاء من ملك الملوك الذي لا يتعاظمه شيء فمهما بلغت الذنوب فعفو الله أعظم.

قال الإمام الشافعي رحمه الله عند موته:
ولما قسى قلبي وضاقت مذاهبي *** جعلت الرجاء مني لعفوك سلما
تعاظمني ذنبي فلما قرنته *** بعفوك ربي كان عفوك أعظم

نفعني الله وإياكم بهدي كتابه وسنة نبيه اقول ماتسمعون واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.


الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين صاحب الفضل والإحسان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شمل بفضله ورحمته الإنس والجان والمتقين والفجار، وشهد جوده وآلاءه أولو الألباب، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، ناله من رحمة ربه ما ألان قلبه لمن حوله فاجتمعوا إليه، ولو كان فظاً غليظاً لانفضوا من حوله، اللهم صل وسلم عليه وعلى سائر الأنبياء والمرسلين.
عباد الله يقول ربنا عز وجل في الحديث القدسي
( يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا بن آدم لو أنك أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة.)
قال تعالى: وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ النساء18
فهذه توبته غير مقبولة لأنها ليست في زمن التوبة المقبولة.
وقد قال عليه الصلاة والسلام: إن الله عز وجل يقبل توبة العبد ما لم يغرغر.
والغرغرة: هي بلوغ الروح الحلقوم.
وقوله عليه الصلاة والسلام: من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه.

فبادر أخي قبل أن تبادر فما هي إلا أيام أو ساعات أو لحظات وإذا بك في عداد الأموات فأصبح الغيب لديك علانية، فعد قبل أن تقول: رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ المؤمنون: 99-100فيقال لك: كَلَّا
أو تقول: يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ الزمر56
أو تقول: يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي الفجر: 24
تدري أي حياة هذه؟ إنها الحياة الأخروية الأبدية التي ليس فيها موت، ففي صحيح الإمام مسلم: عن عبدالله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا صار أهل الجنة إلى الجنة وصار أهل النار إلى النار أتى بالموت حتى يجعل بين الجنة والنار، ثم يذبح، ثم ينادي مناد "يا أهل الجنة لا موت، يا أهل النار لا موت"، فيزداد أهل الجنة فرحاً إلى فرحهم، ويزداد أهل النار حزناً إلى حزنهم.
فهؤلاء في الجنة مكرمون: وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ الأنبياء102
وهؤلاء في النار والعذاب المهين: لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُم مِّنْ عَذَابِهَا فاطر: 36
قدم لنفسك توبة مرجوة *** قبل الممات وقبل حبس الألسن
بادر بها غلق النفوس فإنها *** ذخر وغنم للمنيب المحسن

عباد الله ان الله امركم بأمر فقال سبحانه : عن الله وملائكته يصلون على النبي يا ايها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما
الدعاء

مقبل السحيمي 03-03-2010 12:46 AM

رد : ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب آآآآآآمل التثبيت
 
جزاك الله خير اخي الحبيب
خطبة جميلة وقيمة
الله يغفر لك ويكتب أجرك

المناضل السليماني 03-03-2010 11:07 AM

رد : ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب آآآآآآمل التثبيت
 
على راسي يالغالي ومشكور ____________________________


موضوع الخطبة عن التيسير على عباد الله وقضاء حوائجهم


الخطبة الأولى
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم عليه وعلى سائر الأنبياء والمرسلين، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
ثم أما بعد فأوصيكم ونفسي المقصرة المذنبة بتقوى الله تعالى

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (آل عمران:102).

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً (النساء:1).
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيما (الأحزاب: من الآية 70-71).


أما بعد: فاتقوا الله عباد الله حق التقوى، فالتقوى في مخالفة الهوى، والشقاء في مجانبة الهدى.

أيها المسلمون:

فاضل الله بين عباده في الشرف والجاه، والعلم والعبادة، وسخر بعضهم لبعض ليتحقق الاستخلاف وتُعمر الأرض، وَهُوَ ٱلَّذِى جَعَلَكُمْ خَلَـٰئِفَ ٱلأرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَـٰتٍ لّيَبْلُوَكُمْ فِى مَا آتَـٰكُمْ [الأنعام: 165] وقال تعالى: نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَّعِيشَتَهُمْ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَـٰتٍ لّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً [الزخرف: 32].

وفي شكوى الفقير ابتلاءٌ للغني، وفي انكسار الضعيف امتحان للقوي، وفي توجُّع المريض حكمة للصحيح، ومن أجل هذه السنة الكونية جاءت السنة الشرعية بالحث على التعاون بين الناس، وقضاء حوائجهم، والسعي في تفريج كروبهم، وبذل الشفاعة الحسنة لهم، تحقيقًا لدوام المودة، وبقاء الألفة، وإظهار الأخوة. والدين ذلُّ العبادة وحسن المعاملة،

قال ابن القيم رحمه الله: "وقد دل العقل والنقل والفطرة وتجارب الأمم على اختلاف أجناسها ومللها ونحلها على أن التقرب إلى رب العالمين والبر والإحسان إلى خلقه من أعظم الأسباب الجالبة لكل خير، وأن أضدادها من أكبر الأسباب الجالبة لكل شر، فما استُجْلبِت نعمُ الله واستُدفعت نقمه بمثل طاعته والإحسان إلى خلقه"[الجواب الكافي].

ونفع الناس والسعي في كشف كروبهم من صفات الأنبياء والرسل، فالكريم يوسف عليه السلام مع ما فعله إخوته جهزهم بجهازهم، ولم يبخسهم شيئًا منه. وموسى عليه السلام لما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون، ووجد من دونهم امرأتين مستضعفتين، رفع الحجر عن البئر وسقى لهما حتى رويت أغنامهما. وخديجة رضي الله عنها تقول في وصف نبينا محمد : (إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق) [رواه البخاري ومسلم)،
وأشرف الخلق محمدٌ إذا سئل عن حاجة لم يردَّ السائل عن حاجته، يقول جابر رضي الله عنه: ما سئل رسول الله شيئًا قط فقال: لا[رواه البخاري ومسلم). والدنيا أقل من أن يُردَّ طالبها.

وعلى هذا النهج القويم سار الصحابة والصالحون، فقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يتعاهد الأرامل، يسقي لهن الماء ليلاً، وكان أبو وائل رحمه الله يطوف على نساء الحي وعجائزنهن كل يوم، فيشتري لهن جوائجهن وما يُصلحهن[ ذكره ابن رجب في جامع العلوم والحكم].

إن خدمة الناس ومسايرة المستضعفين دليل على طيب المنبت، ونقاء الأصل، وصفاء القلب، وحسن السريرة، وربنا يرحم من عباده الرحماء، ولله أقوامٌ يختصهم بالنعم لمنافع العباد، وجزاء التفريجِ تفريجُ كربات وكشفُ غمومٍ في الآخرة، يقول المصطفى : ((من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة)) رواه مسلم، وفي لفظ له: ((من سرَّه أن ينجيه الله من كرب يوم القيامة فلينفس عن معسر أو يضع عنه)) رواه مسلم .

الساعي لقضاء الحوائج موعود بالإعانة، مؤيد بالتوفيق، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه. في خدمة الناس بركةٌ في الوقت والعمل، وتيسيرُ ما تعسَّر من الأمور، يقول النبي : ((من يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة)) اخرجه الامام مسلم

نبلاء الإسلام وأعلام الأمة شأنهم قضاء الحوائج، يقول ابن القيم رحمه الله: "كان شيخ الإسلام يسعى سعيًا شديدًا لقضاء حوائج الناس". بهذا جاء الدين؛ علمٌ وعمل، عبادةٌ ومعاملة.

ببذل المعروف والإحسان تحسن الخاتمة، وتُصرف ميتة السوء، يقول عليه الصلاة والسلام: ((صنائع المعروف تقي مصارع السوء والآفات والهلكات، وأهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة)) رواه ابن حبان.

في بذل الجاه للضعفاء ومساندة ذوي العاهات والمسكنة نفعٌ في العاجل والآجل، يقول : ((رب أشعث أغبر مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره))رواه الامام مسلم ، ومَن للضعفاء والأرامل واليتامى بعد المولى؟!

بدعوة صالحة منهم مستجابة تسعد أحوالك، والدنيا محن، والحياة ابتلاء، فالقوي فيها قد يضعف، والغني ربما يُفلس، والحي فيها يموت، والسعيد من اغتنم جاهه في خدمة الدين ونفع المسلمين، يقول ابن عباس رضي الله عنهما: (من مشى بحق أخيه ليقضيه فله بكل خطوة صدقة)اخرجه ابوعبد الله المروزي ومحمد بن نصر ورجاله ثقات.

والمعروف ذخيرة الأبد، والسعي في شؤون الناس زكاة أهل المروآات، ومن المصائب عند ذوي الهمم عدم قصد الناس لهم في حوائجهم، يقول حكيم بن حزام : (ما أصبحت وليس على بابي صاحب حاجة إلا علمت أنها من المصائب)ذكره الامام الذهبي في سير اعلام النبلاء،
وأعظم من ذلك أنهم يرون أن صاحب الحاجة منعم ومتفضل على صاحب الجاه حينما أنزل حاجته به، يقول ابن عباس : (ثلاثة لا أكافئهم: رجل بدأني بالسلام، ورجل وسَّع لي في المجلس، ورجل اغبرت قدماه في المشي إليَّ إرادة التسليم عليَّ، فأما الرابع فلا يكافئه عني إلا الله) قيل: ومن هو؟ قال: (رجل نزل به أمرٌ فبات ليلته يفكر بمن ينزله، ثم رآني أهلاً لحاجته فأنزلها بي) اخرجه البيهقي .

وعلى طالب الحاجة والشفاعة أن لا يطلب الحوائج إلا من أهلها، ولا يطلبها في غير حينها، ولا يطلب ما لا يستحق منها، فإن من طلب من لا يستحق استوجب الحرمان، وليتخيَّر من الكلام أطيبَه، ومن القول أعجبَه، ولا لوم على من رُدَّت شفاعته ولو عظم قدر الشافع، فقد ردت امرأة شفاعة سيد الخلق حينما قال لها: ((لو راجعت زوجك فإنه أبو ولدك)) قالت: يا رسول الله، أتأمرني؟ قال: ((لا، إنما أنا شافع)) قالت: فلا حاجة لي فيه. متفق عليه

وإذا قُضيت حاجة المرء فينبغي الثناء على الشافع وعلى المشفوع عنده، يقول عليه الصلاة والسلام: ((لا يشكر الله من لا يشكر الناس)) رواه أحمد، ويقول: ((من صنع إليكم معروفًا فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه)) رواه النسائي.

وإذا قصرت يدك عن المكافأة فليطُل لسانك بالشكر، فخير مواضع المعروف ما جمع الأجر والشكر.

فاتقوا الله، وأعينوا إخوانكم، وتواصوا بالحق والعدل، وتعاونوا على البر والتقوى، فلن يبقى للإنسان إلا عمله، والمرء حي بسجاياه وإن كان موسدًا مع أهل القبور في لحده.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَتَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلْبرِ وَٱلتَّقْوَىٰ وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلإِثْمِ وَٱلْعُدْوَانِ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ آلْعِقَابِ [المائدة: 2].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.




الخطبة الثانية


الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليمًا مزيدًا.

أما بعد: أيها المسلمون، من أعظم ما يفسد المعروف المنُّ به وذكره عند الناس، فالمنة تهدم الصنيعة، ولا خير في المعروف إذا أحصي، والمعروف لا يتم إلا بثلاث: تعجيله وتصغيره وستره، فإنه إذا عجله هنأه، وإذا صغَّره عظمه، وإذا ستره تممه.

ومن محاذير الشفاعة أن تشفع في أمر محرم، أو في اقتطاع حق امرئ مسلم، أو في إلحاق الضرر به أو غيره، أو في تقديم المؤخر، أو تأخير المقدم، والإسلام دين العدل يأمر بالمصلحة وينهى عن المفسدة، والشفاعة في الحدود من أعظم المنكرات.

وصلوا وسلموا على خير خلق الله محمد بن عبد الله، فقد أمركم الله بالصلاة والسلام على نبيه، فقال في محكم التنزيل: إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً [الأحزاب: 56].

اللهم صل وسلم على نبينا محمد...

جناب الهضب 05-03-2010 01:51 AM

رد : ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب آآآآآآمل التثبيت
 
جزاك الله خير

مبارك مسفر العتيبي 05-03-2010 08:02 AM

رد : ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب آآآآآآمل التثبيت
 
جزاك الله خير اخي الحبيب
خطبة جميلة وقيمة
الله يغفر لك ويكتب أجرك

المناضل السليماني 07-03-2010 10:36 AM

رد : ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب آآآآآآمل التثبيت
 
مقبل السحيمي جناب الهضب مبارك العتيبي جزاكم الله خيرا ومشكورين على مروركم ودعواتكم

المناضل السليماني 18-03-2010 02:35 PM

رد : ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب آآآآآآمل التثبيت
 
خطبة (الدفاع عن اشرف عرض "حادثة الافك")
الخطبة الاولى

الحمد لله رب العالمين ولا عدوان إلا على الظالمين واصلي واسلم على قدوتي وقرة عيني محمد الأمين وعلى آله واصحابه وزوجاته الطيبين الطاهرين وعلى من سار على نهجهم واقتفى اثرهم الى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا
عباد الله اوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ
احبتي في الله
من على هذا المنبر وفي هذا اليوم اقف موقف المدافع عن اشرف واطهر عرض اقف مدافعا عن عرض رسول الله صلوات ربي وسلامه عليه سائلا المولى ان يدفع عني وعنكم عذابه وعقابه
عباد الله كان رسولنا رسول الهدى يلقب بالصادق الأمين وما إن دعاهم إلى توحيد الله دعاهم إلى جنة عرضها كعرض السماء والأرض فما أن دعاهم إلى هذا الدين إلا ووسموه بالكذاب والساحر والكاهن والشاعر وآذوه ووضعوا سلى الجزور على ظهره وخنقه عقبه بن ابي معيط وسجنوه ومن آمن معه في شعب ابي طالب حتى أكل بعضهم ورق الشجر والجلود من شدة الجوع وحاربوه بالسنان واللسان وآذوه في اصحابه
ولكن ان يتهم في عرضه ان يتهم في اطهر زوجة يتهم في امنا عائشة رضي الله عنها وارضاها يتهم في راوية الاحاديث يتهم في مفتية الاسلام فقد كان الصحابة يذهبون اليها ويستفتونها وتجيبهم
فتتهم في عرضها الشريف هذه قاصمة الظهر هذه التي لا يصبر عليها هذه التي لا يسكت عليها
لنعيش وإياكم في هذه الخُطبة تلك الحادثة الشعواء، والجريمة الشنعاء ، التي تناولت أشرفَ بيتٍ عرفته البشرية، إنه بيت النبوة على صاحبه أفضل الصلوات والتسليم .
فكيف وقعت هذه الحادثة؟ وكيف كانت فصولها؟ دعونا نستمع إلى أمنا عائشة رضي الله عنها تصور لنا هذه الحادثة ، والأيام المريرة التي عاشتها بسببها.
أخرج الإمام البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: ((كان رسول الله إذا أراد سفراً أقرع بين نسائه، فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه، وإنه أقرع بيننا في غزوة ، فخرج سهمي ، فخرجت معه بعد ما أُنزِل الحجاب، فأنا أُحمَل في هودج وأُنْزَل فيه ، (والهودج ما يوضع على سنام الجمل لتحملَ فيه المرأة) ، قالت: فسرنا حتى إذا فرغ رسول الله من غزوته تلك ، وقفل أي رجع ودنونا من المدينة ، آذن ليلةً بالرحيل ، فقمت حين آذنوا بالرحيل ، فمشيت حتى جاوزت الجيش ، فلما قضيت من شأني (يعني قضاء الحاجة) أقبلت إلى الرحل فلمست صدري فإذا عِقد لي من جَزْعِ أَظْفارٍ انقطع ، فرجعت فتلمسته فحبسني ابتغاؤه ، وأقبل الرهط الذين كانوا يَرْحَلونني فاحتملوا هودجي فرَحَلوه على ظهر بعيري، وهم يحسبون أنني فيه، وكان النساء إذ ذاك خفافاً لم يُثقِلهن اللحم، فلم يستنكر القومُ خفةَ الهودج حين رفعوه وحملوه ، وكنت جاريةً حديثةَ السن ، فبعثوا الجمل وساروا ، فوجدتُ عقدي بعدما استمر الجيش، فجئت منزلهم وليس فيه أحد ، فتيممت منزلي ، وظننت أنهم سيفقدونني ويرجعون إلي، فبينما أنا جالسة غلبتني عيناي فنمت، وكان صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكواني ، من وراء الجيش (أي تركه الرسول صلى الله عليه وسلم وراء الجيش)، فأصبح عند منزلي ، فرأى سواد إنسان نائماً ، فأتاني فعرفني حين رآني، وكان يراني قبل الحجاب ، فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني ، فخمَّرت وجهي بجلبابي ، والله ما كلمني بكلمة ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه، وهوى حتى أناخ راحلته ، فوطئ على يدها فركبتها، فانطلق يقود بي الراحلة حتى أتيت الجيش بعد أن نزلوا معرّسين، فهلك في شأني من هلك، وكان الذي تولى كبر الإثم عبدُ الله بن أبي بن سلول، فقدمنا المدينة فاشتكيت بها شهرا أي مرضت بها شهراً، والناس يفيضون في قول أصحاب الإفك، ويَريبني في وجعي أني لا أرى من النبي صلى الله عليه وسلم اللطف الذي كنت أرى منه حين أشتكي، إنما يدخل فيسلم فيقول: كيف تيكم ، فذلك الذي يَريبني منه، ولا أشعر بالشر، حتى نَقَهْتُ (أي تماثلت للشفاء) ، فخرجت أنا وأمُّ مسطح قِبَلَ المناصع ، وذلك قبل أن يتخذ الناسُ الكُنُفَ (أي الحمامات) في البيوت ، فأقبلتُ أنا وأم مسطح حين فرغنا من شأننا نمشي ، فتعَثَّرَتْ أمُّ مسطح في مِرْطها فقالت: تعس مسطح ، فقلت لها: بئسما قلت ، أتسبين رجلاً شهد بدراً، فقالت: يا هَنْتَاه ألم تستمعي ما قال؟ قلت: وما قال؟ فأخبرتني بقول أهل الإفك فزدتُ مرضاً إلى مرضي، فلما رجعت إلى بيتي ، دخل رسول الله فقال: كيف تيكم؟ فقلت: ائذن لي أن آتي أبوي ، قالت: وأنا حينئذٍ أريد أستيقن الخبر من قِبَلِهما، فأذن لي ، فأتيت أبوي فقلت: يا أمتاه ما يتحدث الناس به؟
فقالت: يا بنيّة هوني على نفسك الشأن، فوالله تعلمي ما كانت امرأةٌ قط وضيئةٌ عند رجلٍ يحبها ولها ضرائرُ إلا أكثرن عليها، فقلت: سبحان الله ولقد تحدث الناس بهذا؟ قالت: فبت تلك الليلة ، فأصبحت لا يرقأُ لي دمع، ولا أكتحلُ بنوم، ثم أصبحت أبكي ، فدعا رسولُ الله عليَ بن أبي طالب وأسامةَ بن زيد رضي الله عنهما حين استلبث الوحي ، يستشيرهما في فراق أهله، قالت: فأما أسامة فقال: هم أهلك يا رسول الله، ولا نعلم والله إلا خيراً، وأما علي بن أبي طالب فقال: يا رسول الله لم يضيّق الله عليك، والنساء سواها كثير، واسألِ الجارية تخبرْك.
قالت: فدعا رسول الله بَرِيْرَة فقال لها: أي بريرة ، هل رأيت فيها شيئاً يَرِيبك؟
فقلت: لا والله ، فوالذي بعثك بالحق نبياً إن رأيتُ منها شيئاً أَغْمِصُه (أي أعيبه) عليها أكثر من أنها جاريةٌ صغيرةٌ السن ، تنام عن عجين أهلها فتأتي الداجن (أي الحيوانات والطيور) فتأكله .
قالت: فقام رسول الله من يومه ، واستعذر من عبد الله بن أبي بن سلول ، وقال وهو على المنبر: من يَعْذُرُني في رجل بلغني أذاه في أهلي، فوالله ما علمتُ في أهلي إلا خيراً، ولقد ذكروا رجلاً (أي اتهموا رجلاً) ما علمت عنه إلا خيراً، وما كان يدخل على أهلي إلا معي، قالت: فقام سعد بن معاذ فقال: يا رسول الله أنا والله أَعْذُرُك ، إن كان من الأوس ضربنا عنقه ، وإن كان من إخواننا الخزرج أمرتنا ففعلنا فَعْلَتَنا فيه، فقام سعدُ بن عبادة وهو سيد الخزرج ، وكان رجلاً صالحاً ولكن أخذته الحمية ، فقال لسعدِ بنِ معاذ: كذبت ، لعمر الله لا تقتلُه ، ولا تقدرُ على ذلك، فقام أسيد بن حضير ، فقال لسعد بن عبادة: كذبت ، لعمر الله لنقتلنه ، فإنك منافق تجادل عن المنافقين، فثار الحيان ، الأوس والخزرج ، حتى هموا أن يَقْتَتِلوا، ورسول الله على المنبر، فلم يزل يخفّضهم أي يسكتهم حتى سكتوا ونزل.
قالت: وبَكَيت يومي ذلك لا يرقأُ لي دمع، ولا أكتحلُ بنوم، ثم بكيت ليلتي المقبلة لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنومٍ، فأصبح أبواي عندي وقد بكيت ليلتين ويوماً، حتى أظنُ أن البكاءَ فالقٌ كَبِدِي، فبينما هما جالسان عندي وأنا أبكي، استأذنت امرأة من الأنصار فأذنتُ لها فجلست تبكي معي فبينما نحن كذلك، إذ دخل الرسول ثم جلس ولم يجلس عندي من يومِ قيلَ ما قيلَ قَبْلَها، وقد مكث شهراً ولم يوحَ إليه في شأني شيء، فتشهد ، ثم قال يا عائشة: فإنه بلغني عنك كذا وكذا، فإن كنتِ بريئةً فسيبرّئُكِ اللهُ تعالى، وإن كنتِ ألممتِ بذنبٍ فاستغفري الله تعالى وتوبي إليه، فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب تاب الله عليه، فلما قضى رسولُ الله مقالته قَلَص دمعي (أي جف دمعي) حتى ما أُحِسُّ منه قطرة، فقلت لأبي: أجب عني رسول الله فيما قال، قال: والله ما أدري ما أقول لرسول الله ، فقلت لأمي: أجيبي عني رسول الله فيما قال، قالت: والله ما أدري ما أقول لرسول الله ، قالت: وأنا جارية حديثة السن ، لا أقرأ كثيراً من القرآن، فقلت: إني والله أعلم أنكم سمعتم حديثاً تَحَدَّث الناس به ، واستقر في نفوسكم وصدقتم به، فلئن قلت لكم إني بريئة ، لا تصدقوني بذلك، ولئن اعترفت لكم بأمرٍ والله يعلم أني منه بريئة ، لَتصدقُـنِّي، والله ما أجد لي ولكم مثلاً إلا أبا يوسف، نسيت رضي الله عنها اسم النبي يعقوب من هول القضية والفاجعة قالت: إلا أبا يوسف إذ قال: (فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون) ، ثم تحولتُ فاضطجعتُ على فراشي، وأنا والله حينئذ أعلم أني بريئة ، وأن الله تعالى مبرئي ببراءتي، ولكنْ والله ما كنتُ أظنُّ أن الله تعالى ينزل في شأني وحياً يتلى، ولَأنا أحقرُ في نفسي مِن أن يتكلم بالقرآن في أمري ، ولكنّي كنت أرجو أن يرى النبي في النوم رؤيا يبرئني الله تعالى بها، فوالله ما رام مجلسَه ، ولا خرج أحدٌ من أهل البيت ، حتى أنزل الله تعالى على نبيه ، فأَخَذَه ما كان يأخُذُه عند نزول الوحي ، فسرِّي عنه وهو يضحك ، فكان أولَ كلمةٍ تكلم بها أن قال لي: يا عائشةُ احمدي الله تعالى، فإنه قد برأك الله ، فقالت لي أمي: قومي إلى رسول الله ، فقلت: والله لا أقومُ إليه، ولا أحمدُ إلا اللهَ تعالى، هو الذي أنزل براءتي ، فأنزل الله تعالى: إِنَّ ٱلَّذِينَ جَاءوا بِٱلإفْكِ عُصْبَةٌ مّنْكُمْ لاَ تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَّكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلّ ٱمْرِىء مّنْهُمْ مَّا ٱكْتَسَبَ مِنَ ٱلإثْمِ وَٱلَّذِى تَوَلَّىٰ كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ .
فلما أنزل الله تعالى هذا في براءتي قال أبو بكرٍ الصديقُ -وكان ينفق على مسطحِ بنِ أثاثة ، لصلةِ قرابةٍ منه وفقرِه- والله لا أنفق على مسطحٍ شيئاً بعد ما قال لعائشة ، فأنزل الله تعالى: وَلاَ يَأْتَلِ أُوْلُواْ ٱلْفَضْلِ مِنكُمْ وَٱلسَّعَةِ أَن يُؤْتُواْ أُوْلِى ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْمَسَـٰكِينَ وَٱلْمُهَـٰجِرِينَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلْيَعْفُواْ وَلْيَصْفَحُواْ أَلاَ تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ ٱللَّهُ لَكُمْ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ، فقال أبو بكر : بلى والله إني لأحب أن يَغفِرَ اللهُ لي، فرَجَعَ إلى مسطحٍ الذي كان يُجْرِي عليه وقال: والله لا أَنْزِعُها منه أبداً .
قالت عائشة: وكان رسول الله سأل زينبَ بنتَ جحشٍ عن أمري ، فقال: يا زينب ما علمتِ وما رأيتِ؟ فقالت: يا رسول الله أحمي سمعي وبصري، والله ما علمتُ عليها إلا خيراً ، قالت عائشة: وهي التي كانت تساميني من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ، فعصمها الله بالورع ، فطفقت أختها حمنةُ تحارب لها فهلكت فيمن هلك من أصحاب الإفك.
تلكم أيها الأحبة هي حادثة الإفك ، ولنا معها دروس وعبر في الخطبة الثانية بإذن الله تعالى ،
اقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه .

الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه .....
عباد الله .. هذه القصة العجيبة والحادثة الأليمة تحمل في طياتها العديد من الدروس والعبر . الدرس الأول:
1) درس في الثبات والصبر على البلاء .. لقد رأينا كيف كان وقع هذه الحادثة الأليمة على أشرف الخلق محمد صلى الله عليه وسلم ، وعلى زوجتِه الطاهرة التي كاد قلبها أن ينفطر من الحزن والبكاء، وعلى صاحبِه أبي بكر ، الصديقِ التقي ، السابق الوفي ، أحبِ الناس إلى النبي صلى الله عليه وسلم .. فقد عانى أبو بكر وزوجته من الألم والحزن ما لم يعانيه من قبل، حتى قال: أمر لم نتهم به في الجاهلية، أفنرمى به في الإسلام؟
وكان الألم يعتصر في قلب صفوانَ بنِ المعطل ، وهو يُرمَى بخيانة بيت النبوة؟ وهتك عرض من يحبه حباً عظيماً بعد الله عز وجل .
ومع شدة البلاء إلا أنهم جميعاً واجهوه بالصبر والثبات ، حتى أنزل الله تعالى الفرج من عنده .
2) درس في التثبت في نقل الأخبار والأحكام ، والحذر من الخوض في أعراض المسلمين بغير حجة أو برهان ، أوإشاعة مثل هذه الأخبار غير الموثوقة في المجتمع . بل الواجب على المسلمين أن يظنوا بأنفسهم وإخوانهم خيراً ، ولا يعتمدوا على سوء الظن وقالة السوء التي ينشرها المنافقون في المجتمع ، وأن يطهروا أسماعهم وأبصارهم وألسنتهم من هذا البهتان العظيم ، ثم إن كانت لديهم البينة على من أشاع ذلك فليطلبوا إقامة الحد الشرعي على من ينقل هذا البهتان من المنافقين أو المخدوعين من المسلمين .
3) بيان خطر المنافقين على المجتمع المسلم ، كما وقع من رأس النفاق عبد الله بن أبي بن سلول ، ومن وراءه من المنافقين واليهود الذين كانوا يتآمرون على الإسلام والنبي صلى الله عليه وسلم ، فلما باءت كل محاولاتهم بالفشل لجأوا إلى هذا الأسلوب الخسيس ، بأن يشككوا في أطهر وأشرف بيت عرفته البشرية إلى يومنا هذا ، بل وإلى قيام الساعة .
ولا تزال أذناب هؤلاء المجرمين إلى يومنا هذا .. إلى اليوم ونحن نسمع من يرمي أم المؤمنين عائشة بالفاحشة، من الرافضة والباطنية الذين يصرحون في كتبهم ودروسهم الآن أن عائشة زانية ، حاشاها عن ذلك ، بل يقذفونها بالألفاظ الشنيعة والأوصاف البشعة ، التي لا يمكن أن نذكرها في هذا المقام .
وهؤلاء في الحقيقة ، لا حظ لهم من الإسلام ، فهم أول المكذبين بالقرآن الذي برأ عائشة من فوق سبع سموات، وهم أول الطاعنين في عرض النبي صلى الله عليه وسلم .
4) لطفُ الله تعالى بعباده ، ودفاعُه عن أوليائه ، فقد برأ الله سبحانه وتعالى الصديقة بنت الصديق من فوق سبع سماوات ، وأعلى ذكرها ، وأنزل في براءتها وفضلها آياتٍ تتلى إلى قيام الساعة ، رضي الله عنها ، ولعن من افترى عليها .
5) ضعف النفوس ، وحاجتها إلى التثبيت من الله تعالى عند الابتلاء .
كان ممن خاض في الإفك مسطحُ بن أثاثة ، وهو من أهل بدر الذين قال الله لهم: اعملوا ما شئتم فإني قد غفرت لكم ، وحسانُ بن ثابت ، شاعر النبي ، الذي كان يذب عن الإسلام ويدافع عن رسول الله بشعره ، وحمنةُ بنت جحش أختُ أم المؤمنين زينب بنت جحش رضي الله عنها واقام عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الحد تطهيرا لهم أما عبد الله بي ابي وزمرته الفاسدة فلم يقيم علهم الحد ليلقوا الله بجرمهم.
وفي المقابل ثبّت الله تعالى أمَّ المؤمنين زينبَ بنتَ جحش وعصمها من الوقوع في هذا الأفك مع وجود الغيرة والمنافسة بينها وبين عائشة رضي الله عنهن جميعاً .
وإذا كان بعض الصحابة قد زلت بهم القدم ، فخاضوا مع الخائضين في الإفك ، فإن غيرَهم من باب أولى .
فالحذر الحذر من الولوغ في أعراض المسلمين ، والحذر الحذر من اللسان ، فإن اللسان كالثعبان ، يهلك الإنسان ، متى ما أطلق له العِنان .
احذر لسانك أيها الإنسان *** لا يلدغنك إنه شيطان
كم في المقابر من قتيل لسانه *** كانت تخاف لقاءَه الشجعان
6) أن هذه الأمة لا تزال مستهدفةً في رموزها ومقدساتها ، وكل ما يتعلق بدينها ، ولا تزال الحملات المغرضة توجِّه سهامَها إلى الإسلام أو القرآن أو جناب النبي صلى الله عليه وسلم ، أو الطعن في العلماء أو الدعاة أو المتمسكين بالدين ، بتلفيق التهم ضدهم، ورميهم في أعراضهم وفي أنفسهم، ولكن الله يدافع عنهم، ويرد كيد أعدائهم في نحورهم، ويزيد أنبياءه وأولياءه الصالحين رفعة في الدنيا وثواباً في الآخرة، (بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ولكم الويل مما تصفون) .
ألا وصلوا وسلموا رحمكم الله على خير البرية ...

المناضل السليماني 26-03-2010 06:50 AM

رد : ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب آآآآآآمل التثبيت
 
عنوان هذه الخطبة(((((((((الكبرياءُ ردائي))))))))))))

الخطبة الأولى
الحمد لله أبداً سرمدا، ولا نشرك معه أحد، تبارك فردا صمدا، لم يتخذ صاحبة ولا ولدا، ولا شريكا ولا عضدا، الحمد لله على نعمته، الحمد لله على منته، الحمد لله على حكمته، الحمد لله تلألأت بأجل المحامد أسماؤه، وتوالت بأسنى الهبات آلاؤه وتواترت بأبرك الخيرات نعماؤه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الحق العلي الكبير، تعالى في إلهيته وربوبيته على الشريك والوزير،وتقدس في أحديته وصمديته عن الصاحبة والولد والولي والنصير، وجل في بقاه وديمومته وغناه وقيمومته عن المطعم والمجير، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله السراج المنير، والبشير النذير أعظم رجل عظّم الله، وقدّس الله، وأجلّ الله، وأكبر الله، وهاب الله، وتواضع لله اللهم صل وسلم عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه

قال صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه: ((الكبرياءُ ردائي والعظمةُ إزاري. فمن نازعني واحداً منهما ألقيتُه في جهنم)) فليسَ بغريب إذاً أن نجد التواضع من سيماء الصالحين. ومن أخص خصال المؤمنين المتقين ومن كريم سجايا العاملين.
قال الله تعالى: يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِى ٱللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى ٱلْكَـٰفِرِينَ [المائدة:54]. وقال الله لنبيه والخطاب عام له ولأمته: واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين وقال تعالى: وَلاَ تُصَعّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلاَ تَمْشِ فِى ٱلأرْضِ مَرَحاً إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ [لقمان:18]. وقال جل وعلا: كَذَلِكَ يَطْبَعُ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُـلّ قَلْبِ مُتَكَبّرٍ جَبَّارٍ [غافر:35]. في آيات كثيرة جداً في كتاب اللهِ العظيمِ.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً، وما تواضع أحدٌ لله إلا رفعه اللهُ)).
الله أكبر: إن المتواضع يرفع الله سبحانه وتعالى منـزلته ومكانه وقدره فطوبى للمتواضعين.
إخواني يا من تحبون رسول الله صلى الله عليه وسلم، يا من تعتقدون أن لا سعادة ولا عزة ولا طريق إلى الجنة إلا باتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلا بأن تكون محبته مقدمة على كل محبوب من البشر.
لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ ٱللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لّمَن كَانَ يَرْجُو ٱللَّهَ وَٱلْيَوْمَ ٱلاْخِرَ وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِيراً [الأحزاب:21].
إنه سيد ولد آدم. ليس فوقه أحد من البشر - حاشاه صلى الله عليه وسلم - إنه أحب الخلق إلى الله وأعظمهم جاهاً وقدراً عند رب العالمين. إنه صاحب الوسيلة وهي أعلى درجة في الجنة، منزلةٌ واحدةٌ ليست إلا له صلى الله عليه وسلم. إن الأرض ما وطئ عليها ولن يطأ عليها إلى يوم القيامة أكرم ولا أجل ولا أرفع منه صلى الله عليه وسلم.
ومع ذلك تأمل أخي المؤمن إلى تواضعه العجيب صلى الله عليه وسلم.
عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم ينقل التراب يوم الخندق حتى أغبر بطنه يقول:
((والله لولا الله ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينـا فأنزلن سـكينة علينـا وثبت الأقدام إن لا قينـا
إن الأُلى قد بغوا علينـا إذا أرادوا فـتـنـة أبينا
ويرفع بها صوته: أبينا، أبينا)).
رعيه الغنم وتحدثه بذلك:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما بعث الله نبينا إلا وقد رعى الغنم وأنا كنت أرعاها لأهل مكة بالقراريط)) قال أهل العلم: رعى الغنم وظيفة ارتضاها الله لأنبيائه.
فما السر في ممارسة الأنبياء لها؟
قالوا: إن من أسرارها أنها تربي النفوس على التواضع وتزيد الخضوع لله تعالى. ومن أسرارها أنها تربي على الصبر وتحمل المشاق إلى حكم كثيرة وهو الحكيم العليم.
وأيضاً تواضعه مع الضعفاء والأرامل والمساكين والصبيان.
عن سهل بن حنيف رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كان يأتي ضعفاء المسلمين ويزورهم، ويعود مرضاهم، ويشهد جنائزهم)) يأتي ضعفاء المسلمين. فلم تشغله النبوة عن ذلك. ولم تمنعه مسؤولية أمته، ولا كثرة الارتباطات والأعمال: أن يجعل للضعفاء والمرضى نصيباً من الزيارة والعبادة واللقاء.
فأين أنتم يا أصحاب الجاه والسلطان من هذا الخلق العظيم؟ أين أنتم أيها الأغنياء من هدي نبيكم صلى الله عليه وسلم.
إذا أردتم حلاوة الإيمان أن تطعموها. فهذا هو السبيل إليها فلا تخطئوه.
أيها المسلمون: كان صلى الله عليه وسلم يمر بالصبيان فيسلم عليهم. وفي رواية: ((كان يزور الأنصار ويسلم على صبيانهم ويمسح رؤوسهم)).
إنك ترى - في عصرنا هذا - من يترفع عن المتقين من الرجال فكيف يكون شأنه مع الصبيان والصغار؟
إنك لتجد بعض ضعفاء الإيمان يأنف أن يسلم على من يرى أنه أقل منه درجة أو منصباً، ولعل ما بينهما عند الله كما بين السماء والأرض!
ألا فليعلم أولئك أنهم على غير هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أخي المسلم تأمل يا رعاك الله في هذين الحديثين:
عن عروة بن الزبير رضي الله عنهما قال: سأل رجل عائشة رضي الله عنها: هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل في بيته؟ قالت: (نعم، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخصف نعله ويخيط ثوبه ويعمل في بيته كما يعمل أحدكم في بيته).
وعن عائشة رضي الله عنها وقد سئلت عما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع في أهله؟ قالت: (كان في مهنة أهله فإذا حضرت الصلاة قام إلى الصلاة).
ماذا يقال عمن يفعل مثل هذا اليوم؟ محكوم للمرأة. ولكنه النور الذي جعله الله سبحانه وتعالى في قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم فبان في سلوكه وفعاله وتواضعه وخدمة أهله. وبه كانت تسمو نفسه صلى الله عليه وسلم وتعلو، فليقل السفهاء ما يحلو لهم أن يقولوا.
ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل هذا من فراغ في وقته ولكنه كان يحقق العبودية لله سبحانه بجميع أنواعها وأشكالها وصورها.
اللهم يا كريم يا منان أكرمنا باتباع رسولك صلى الله عليه وسلم واجعلنا ممن يعظم هديه وسنته إنك سميع عليم قريب مجيب والحمد لله رب العالمين.
اقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم




الخطبة الثانية

الحمد لله الحمدلله الحمد لله
سبحان الله من سجد لعظمته العظماء، ووجل من خشيته الأقوياء، وقامت بقدرته الأرض والسماء،
واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد أن محمدا عبده ورسوله

أيها المسلمون: قال الله تعالى: تِلْكَ ٱلدَّارُ ٱلاْخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِى ٱلأرْضِ وَلاَ فَسَاداً وَٱلْعَـٰقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ [القصص:83]. قال عكرمة: العلو: التجبر. وقال سعيد بن جبير: بغير حق: وقال ابن جريج: لاَ يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِى ٱلأرْضِ تعظماً وتجبراً وقال صلى الله عليه وسلم: ((لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر)) فقال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً ونعله حسنة؟ قال: ((إن الله جميل يحب الجمال، الكبر: بطر الحق وغمط الناس)).
وبطر الحق: هو دفعه ورده على قائله، أما غمط الناس: فهو احتقارهم وازدراؤهم.
وعن عياض بن حمار رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله أوحى إلى أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد ولا يبغي أحد على أحد)).
وقال عليه الصلاة والسلام: ((ألا أخبركم بأهل النار، كل عتل جواظ مستكبر)).
كان علي بن الحسن يقول: عجبت للمتكبر الفخور الذي كان بالأمس نطفة ثم هو غدا جيفة، وعجبت كل العجب لمن شك في الله وهو يرى خلقه، وعجبت كل العجب لمن أنكر النشأة الأولى، وعجبت كل العجب لمن عمل لدار الفناء وترك دار البقاء.
قال الحسن رحمه الله: هل تدرون ما التواضع؟ التواضع: أن تخرج من منزلك فلا تلقى مسلماً إلا رأيت له عليك فضلاً.
ومن منا الآن يطبق هذا القول على نفسه، وينزلها تلك المنزلة؟ بل البعض يأخذه العجب والتيه والتكبر على عباد الله لدنيا أو منصب أو علم أوجاه. . وكلها منح وعطايا من الله عز وجل. ومثلما أعطاها إياه فهو سبحانه قادر على أن يسلبها منه في طرفة عين.
وقال أبو علي الجوزجاني: النفس معجونة بالكبر والحرص على الحسد، فمن أراد الله هلاكه منع منه التواضع والنصيحة والقناعة، وإذا أراد الله تعالى به خيراً لطف به في ذلك. فإذا هاجت في نفسه نار الكبر أدركها التواضع من نصرة الله تعالى، قال سفيان بن عيينة: من كانت معصيته في شهوة فارج له التوبة فإن آدم عليه السلام عصي مشتهياً فاستغفر فغفر له، فإذا كانت معصيته من كبر فاخش عليه اللعنة. فإن إبليس عصى مستكبراً فلعن.
أخي المسلم: من اتقى الله تعالى تواضع له. ومن تكبر كان فاقداً لتقواه. ركيكاً في دينه مشتغلاً بدنياه.
فالمتكبر وضيع وإن رأى نفسه مرتفعاً على الخلق، والمتواضع وإن رؤي وضيعاً فهو رفيع القدر.
تواضع تكن كالنجم لاح لناظر على صفحات الماء وهو رفيع
ولا تك كالدخان يعلو بنفسـه إلى طبقات الجو وهو وضيـع
ومن استشعر التواضع وعاشه. وذاق حلاوته كره الكبر وبواعثه ورحم أهله ورأف لحالهم نعوذ بالله من حالهم.
وتأمل في حال من تلبسه الشيطان في حالة واحدة من حالات الكبر يظنها بعض الناس يسيرة وهي عند الله عظيمة. فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((بينما رجل يمشي في حُلة تعجبه نفسه، مرجل رأسه، يختال في مشيته إذ خسف الله به، فهو يتجلجل - أي يغوص وينزل - في الأرض إلى يوم القيامة)).
أخي الحبيب: كل ما تراه من مباهج الدنيا وزينتها وقضهما وقضيضها إنما هو ظل زائل وراكب مرتحل.
أحلام ليل أو كظل زائل إن اللبيب بمثلها لا يخدع
قال عروة بن الزبير رضي الله عنهما: رأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه على عاتقه قربة ماء، فقلت: يا أمير المؤمنين، ألا ينبغي لك هذا. فقال: (لما أتاني الوفود سامعين مطيعين - القبائل بأمرائها وعظمائها - دخلت نفسي نخوة، فأردت أن أكسرها).
أيها الناس: اعلموا أن الزمان لا يثبت على حال كما قال عز وجل: وَتِلْكَ ٱلاْيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ ٱلنَّاسِ [آل عمران:139]. فتارة فقر، وتارة عنى، وتارة عز، وتارة ذل، وتارة منصب، وهكذا.
فالسعيد من لازم أصلاً واحداً على كل حال. وهو تقوى الله عز وجل والتواضع على كل حال، وهذا الذي يزينه ويبقى معه، والله المستعان.
مر بعض المتكبرين على مالك بن دينار، وكان هذا المتكبر يتبختر في مشيته فقال له مالك: أما علمت أنها مشية يكرها الله إلا بين الصفين؟ فقال المتكبر: أما تعرفني؟ قال مالك: بلى، أوّلك نطفة مذرة، وآخرك جيفة قذرة، وأنت فيما بين ذلك تحمل العذرة، فانكسر وقال: الآن عرفتني حق المعرفة.
وأخيراً: اعلم أخي المسلم: أن الكبر من أخلاق الكفار الفراعنة، والتواضع من أخلاق الأنبياء والصالحين لأن الله تعالى وصف الكفار بالكبر فقال: إِنَّهُمْ كَانُواْ إِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ ٱللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ [الصافات:35]. وقال: إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُسْتَكْبِرِينَ [النحل:23].
عباد الله صلوا على البشير النذير والسراج المنير
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين. .

المناضل السليماني 31-03-2010 10:45 PM

رد : ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب آآآآآآمل التثبيت
 
شكر النعم

الخطبة الأولى

الحمد لله أبداً سرمدا، ولا نشرك معه أحد، تبارك فردا صمدا، لم يتخذ صاحبة ولا ولدا، ولا شريكا ولا عضدا، الحمد لله على نعمته، الحمد لله على منته، الحمد لله على حكمته، الحمد لله تلألأت بأجل المحامد أسماؤه، وتوالت بأسنى الهبات آلاؤه وتواترت بأبرك الخيرات نعماؤه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الحق العلي الكبير، تعالى في إلهيته وربوبيته على الشريك والوزير،وتقدس في أحديته وصمديته عن الصاحبة والولد والولي والنصير، وجل في بقاه وديمومته وغناه وقيمومته عن المطعم والمجير، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله السراج المنير، والبشير النذير أعظم رجل عظّم الله، وقدّس الله، وأجلّ الله، وأكبر الله، وهاب الله، وتواضع لله اللهم صل وسلم عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه

أما بعد: أيها المسلمون، إنّ نعَم الله على عبادهِ كثيرة، وآلاءَه للناس كبيرة، نراها ونشاهدها في حياتنا ومن حولنا، بل وفي أبداننا، فهذا السمع والبصر، وهذا النطق والحسّ، وهذا الفهم والعقل، وهذا المشي والقبض والبسط، وهذه نعمة الأمن والأمان، ونعمة الاستقرار في الأوطان، فكم من الناس من فقدها، فلا يدري كيف يصبح، و لا كيف يمسي، قد هدّد بالسلب والقتل، وخوِّف بالطرد والهدم، وهذه نعمة السلامة من الزلازل والفيضانات والمحن، التي تشرد الناس، وتقضي على الأموال والممتلكات، وهذه نعمة الرزق والمال ونعمة الصحة والعافية، وغيرها من نعم الله على العباد والبلاد، وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا [النحل:18]، فالحمد لله على نعمه العظمية، والشكر له على آلائه الجسيمة.

لكن اعلموا ـ يا عباد الله ـ أنّ أعظم هذه النعم نعمة الإسلام والإيمان والهداية والقرآن، قال الله تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا [المائدة:3]، فاحمد الله ـ يا عبد الله ـ أن أنشأك في بلاد المسلمين، وجعل أباك وأمك مؤمنين، فكم من الناس من حرِم هذه النعمة، وعرض للامتحان والاختبار والبحث عن الهداية للإسلام، قال الله تعالى: وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ [الأعراف:43].

وهذه النعم ـ يا عباد الله ـ تحتاج إلى شكر لله تعالى عليها، وحمدًا له على إسدائها وإنعامها، وذلك بأن تظهِر أثر نعمة الله على لسانك ثناءً واعترافًا، وبقلبك شهودًا ومحبّة، وعلى جوارحك انقيادًا وطاعة، فهذا هو علامة الشكر لله تعالى.

علامة شكر المرء إعلان حمدِه فمن كتم المعروفَ منهم فما شكر

فاشكر الله ـ يا عبد الله ـ على عموم نعمه وجميع فضله، فإن بالشكر دوامَ النعم وزيادتها، وبالكفر والجحود ذهابها واضمحلالها، كما قال الله تعالى: لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ [إبراهيم:7]، قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (إن النعمة موصولة بالشكر، والشكر يتعلق بالمزيد، وهما مقرونان، فلن ينقطع المزيد من الله حتى ينقطع الشكر من العبد)، وقال الفضيل بن عياض رحمه الله: "عليكم بملازمة الشكر على النعم، فقلَّ نعمة زالت عن قوم فعادت إليهم".

ومـن يسدِ معروفًا إليـك فكن له شكورًا يكن معروفه غيرَ ضائع

ولا تبخلنّ بالشكر والقَرض فاجزه تكن خير مصنوع إليـه وصانع

أيها المسلمون، إن مِن شكر الله عن نعمه وحمده على فضله التوجهَ إليه والخضوع بين يديه بأداء أوامره والابتعاد عن نواهيه، وهو العبادة له سبحانه، فهذا هو الشكر الحقيقي كما قال الله تعالى: كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ [البقرة:172]، وقال الله تعالى: اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا [سبأ:13]، فالشكر بالعمل والطاعة والاجتهاد والمثابرة، فهذا هو الشكر الذي يريده الله ويحبه، وهو الذي أمر به المرسَلين وعبادَه الصالحين.

انظر إلى حال أنبيائه ورسله وأوليائه وأحبابه، يقابلون النعم بالشكر والثناء، ويجتهدون في عبادة رب الأرض والسماء، قال الله تعالى عن إبراهيم خليل الرحمن عليه السلام: إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ شَاكِرًا لأَنْعُمِهِ [النحل:120-121]، وقد رزقه الله الولد على كبَر سنه فقال: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ [إبراهيم:39].

وهذا داود وابنه سليمان عليهما السلام أعطاهم الله ملكًا لم يعطه أحدا من الناس، أخبر الله عنهم فقال: وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ [النمل:15].

وهذا لقمان الحكيم أخبر الله عنه فقال: وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ [لقمان:12].

أما نبينا محمد فقد ضرب أروعَ الأمثلة في شكر الله تعالى، فعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: كان النبي يصلي من الليل حتى تتورّم قدماه، فأقول: تفعل ذلك وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟! فيقول: ((أفلا أكون عبدًا شكورًا)) متفق عليه، وكان من دعائه بعد كل صلاة: ((اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك)).

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.





الخطبة الثانية
يارب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك واصلي وأسلم على سيد انبيائك واشهد ان لا اله الا أنت واشهد ان محمدا عبدك ورسولك

ثم اما بعد

أخي المسلم، إن مما تعارف عليه الناس واتّفق عليه العقلاء أن من أسدى إليك معروفًا أو قدّم لك خدمة فحق له عليك أن تشكره عليها وتحمده لأجلها، بأن تثني عليه بلسانك، وتجتهد في خدمته بجوارحك، وتتمنى لو سنحَت لك فرصة لكي تردّ عليه جميله.

أحسِن إلى الناس تستبعد قلوبهم فطالما استبعد الإنسانَ إحسان

وليس من الأدب أو ردّ الجميل أن تقصّر في حقه وأنت تستطيع أو تسيء إليه بلا ذنب، فإن هذا من خلُق اللئام وأفعال الطّغام، لذلك ثبت في الحديث أن النبي قال: ((من أتى إليكم معروفًا فكافئوه، فإن لم تجدوا فادعوا له)) رواه البخاري في الأدب المفرد والطبراني، فكيف ـ يا عبد الله ـ إذا كان صاحب المعروف هو الله، وليس معروفًا واحدًا بل آلاف النعم في كل صباح ومساء وفي عمرك كله.

وليس من شكرِ الله تعالى على نعمه التنكبُ عن أمره والابتعاد عن طاعته وارتكاب كل ما يغضبه ويجلب سخطه، بل هو مدعاة إلى زوال النعمة وذهابها أو انعدامها واضمحلالها، وقد ذكر الله سبحانه لنا في القرآن قصة قرية لم تقابل النعم بالشكر فقال: وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ [النحل:112]، كما حكى الله لنا قصة مملكة سبأ وما أعطاها الله من أنواع النعم والخيرات، فلم تشكر، فقال تعالى: لَقَدْ كَانَ لِسَبَأٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلاَّ الْكَفُورَ [سبأ:16، 17].

وقد حكى لنا الرسول قصة فيها مثال لشكر النعمة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع النبي يقول: ((إن ثلاثة في بني إسرائيل أبرص وأقرع وأعمى، فأراد الله أن يبتليهم، فبعث إليهم ملَكا، فأتى الأبرص فقال: أيّ شيء أحب إليك؟ قال: لونٌ حسن وجِلد حسن ويذهب عني الذي قد قذرني الناس، قال: فمسحه فذهب عنه قذره، وأعطي لونا حسنا وجلدا حسنا، قال: فأي المال أحب إليك؟ قال: الإبل ـ أو قال: البقر شك إسحاق إلا أن الأبرص أو الأقرع قال أحدهما: الإبل وقال الآخر: البقر ـ، قال: فأعطي ناقة عشراء، فقال: بارك الله لك فيها. قال: فأتى الأقرع فقال: أي شيء أحب إليك؟ قال: شعر حسن ويذهب عني هذا الذي قذرني الناس، قال: فمسحه فذهب عنه، وأعطي شعرا حسنا، قال: فأي المال أحب إليك؟ قال: البقر، فأعطي بقرة حاملا، فقال: بارك الله لك فيها. قال: فأتى الأعمى فقال: أي شيء أحب إليك؟ قال: أن يرد الله إلي بصري فأبصر به الناس، قال: فمسحه فرد الله إليه بصره، قال: فأي المال أحب إليك؟ قال: الغنم، فأعطي شاة والدا. فأنتج هذان وولد هذا، قال: فكان لهذا واد من الإبل، ولهذا واد من البقر، ولهذا واد من الغنم، قال: ثم إنه أتى الأبرص في صورته وهيئته فقال: رجل مسكين، قد انقطعت بي الحبال في سفري، فلا بلاغَ لي اليوم إلا بالله ثم بك، أسألك بالذي أعطاك اللونَ الحسن والجلد الحسن والمال بعيرًا أتبلّغ عليه في سفري، فقال: الحقوق كثيرة، فقال له: كأني أعرفك! ألم تكن أبرص يقذرك الناس، فقيرا فأعطاك الله؟! فقال: إنما ورثتُ هذا المال كابرا عن كابر، فقال: إن كنت كاذبا فصيّرك الله إلى ما كنت. قال: وأتى الأقرع في صورته فقال له مثل ما قال لهذا، وردّ عليه مثل ما ردّ على هذا، فقال: إن كنتَ كاذبا فصيَّرك الله إلى ما كنت. قال: وأتى الأعمى في صورته وهيئته فقال: رجل مسكين وابن سبيل، انقطعت بي الحبال في سفري، فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك، أسألك بالذي ردّ عليك بصرك شاة أتبلّغ بها في سفري، فقال: قد كنتُ أعمى فردّ الله إليّ بصري، فخذ ما شئتَ ودع ما شئت، فوالله لا أجهدك اليوم شيئا أخذته لله، فقال: أمسِك مالك، فإنما ابتلِيتُم، فقد رضي عنك وسخط على صاحبيك)) متفق عليه.

أيها الأحبة الكرام، ليس من شكر نعمة الله تعالى تركُ الصلاة التي أمر الله بها أو الإفطار في نهار رمضان لغير عذر شرعي أو منع الزكاة التي هي حقّ الله في المال أو ترك الحجّ الذي هو ركن من أركان الإسلام، كما أنه ليس من شكر النعمة محاربة الله ورسوله بالربا أو السعي وراء المسكر و الزنا أو الاستهزاء بالدين وشريعة رب العاملين، أعاذنا الله وإياكم وجميع المسلمين.

عباد الله، ومما يعين على شكر الله على نعمه ما يلي:

1- القناعة بما قسم الله لك من رزق، ففي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن الرسول قال: ((انظروا إلى من هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فأنه أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم)) متفق عليه.

2- العلم بأن الله سائله عن شكره لنعمه، قال الله تعالى: وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ [الصافات:24]، وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال: ((يقول الله عز وجل يوم القيامة: يا ابن آدم: حملتك على الخيل والإبل، وزوجتك النساء، وجعلتك تربع وترأس، فأين شكر ذلك؟! قال الله سبحانه: ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنْ النَّعِيمِ [التكاثر:8])).

3- العلم بأن النعمة تدوم بالشكر، وتزول وتضمحل بالجحود والكفر، قال الله تعالى: لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ [إبراهيم:7].

4- شكر الناس على معروفهم، ففي سنن أبي داود وأحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((لا يشكر الله من لا يشكر الناس)).

اللهم ارزقنا شكر نعمتك، وألهمنا حمدك والثناء عليك، ووفقنا للخير بتوفيقك، واعصمنا من الشر بعصمتك يا رب العاملين...


عباد الله صلوا على البشير النذير والسراج المنير كما أمركم الله بذلك.............الدعاء

المناضل السليماني 08-04-2010 10:08 AM

رد : ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب آآآآآآمل التثبيت
 
خطبة هذه الجمعة اياكم والكذب فإنه يهدي الى الفجور وان الفجور يهدي الى النار
الخطبة الأولى

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه...................

اوصيكم ونفسي بتقوى الله


أما بعد: فإن أصدقَ الحديث كلامُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ محمد ، وشرَ الأمورِ محدثاتُها، وكلَ محدثةٍ بدعةٌ، وكلَ بدعةٍ ضلالةٌ، وكلَ ضلالةٍ في النار.

عبادَ الله، إن من مكارمِ الأخلاقِ التي جاءتِ الشريعة بإكمالها مكرُمةَ الصدقِ، حيثُ كانتِ العربُ في جاهليتها تتفاخرُ بالصدقِ وتُعَظّم الصادقين، وتنفِر من الكَذِب وتهجو الكاذبين، فهذا أبو سفيان بنُ حرب قبل إسلامه يذهبُ في رهطٍ من قريشٍ في تجارةِ إلى الشامِ، فيسمعُ بهم هرقلُ ملكُ الروم، فيبعثُ إليهم ليسأَلَهم عن هذا النبيِ الجديدِ صلى الله وسلم على نبينِا محمد، فأتوه فسألَهم فَصَدَقُوه، قال أبو سفيان وهو يومئذٍ مشركُ: (وَاللَّهِ، لَوْلا الْحَيَاءُ يَوْمَئِذٍ مِنْ أَنْ يَأْثُرَ أَصْحَابِي عَنِّي الْكَذِبَ لَكَذَبْتُهُ). هكذا كان الكفارُ في كفرِهم وأهلُ الجاهليةِ في جاهليتِهم يترفَّعُون عن الكذبِ ويستحيونَ من أن وينسب إليهم.

كما كانوا يعظمون الصدقَ والصادقينَ حتى لقبوا نبينا قبلَ بعثته بالصادقِ الأمينِ، وصدقُوا فهو عليه الصلاة والسلام حاملُ لواءِ الصدقِ في الجاهليةِ والإسلامِ، وما زادَه الإسلامُ إلا تمسكًا بالصدقِ وعملاً به ودعوةً إليه وصبرًا على الأذى فيه، تقول عائشة رضي الله عنها: ما كان خلقٌ أبغضَ إلى رسول الله من الكذب، ولقد كان الرجلُ يحدِّث عندَ النبي بالكِذْبةِ فما يزالُ في نفسِه حتى يعلمَ أنه قد أحدثَ منها توبة. وقال عليه الصلاة والسلام: ((عليكم بالصدقِ، فإن الصدقَ يهدي إلى البرِ، وإنَّ البرَ يهدي إلى الجنةِ، وما يزالُ الرجلُ يصدُقُ ويتحرَّى الصدقَ حتى يكتبَ عندَ اللهِ صِدِّيقًا، وإياكم والكذبَ، فإنَّ الكذبَّ يهدي إلى الفجورِ، وإنَّ الفجورَ يهدي إلى النارِ، وما يزالُ الرجلُ يكذِب ويتحرَّى الكذبَ حتى يكتبَ عندَ الله كذابًا)).

وإن الإنسان العاقل ليغضب أن يقال له بين الناس: يا كاذب، فكيف يرضى أن يكتب عند الله كذابا؟! قال الأحنفُ بنُ قيسٍ رحمه الله: "اثنان لا يجتمعان أبدًا: الكذبُ والمروءةُ".

عبادَ الله، لقد جاء عن النبي أحاديثُ كثيرةٌ تحذرُ من هذا الخلقِ الرديءِ، وتُبينُ أنَّه من كبائرِ الذنوبِ، وتُبَيِّنُ خطرَه وضررَه ومصيرَ صاحبِه وعقوبتَه في الدنيا والآخرةِ، قال عليه الصلاة والسلام: ((إذا كَذَبَ العبدُ تباعدَ عنه المَلَكُ ميلاً من نَتَنِ ما جاءَ به))، وقال عليه الصلاة والسلام: ((أربعٌ من كُنَّ فيه كانَ مُنَافِقًا، أو كانت فيه خَصلةٌ من أربعةٍ كانت فيه خَصلةٌ من النفاقِ حتى يَدَعَها: إذا حَدَّثَ كَذَبَ، وإذا وَعَدَ أخلَفَ، وإذا عَاهَد غَدَر، وإذا خَاصَم فَجَر)).

ومن أشد الكذبِ الكذبُ على رسولِ الله ، فهو من الذنوبِ الموجبةِ لدخولِ النارِ، أجارنا اللهُ من النار، وذلك بأنْ يقولَ: قالَ رسولُ الله وهو كاذبٌ، قال عليه الصلاة والسلام: ((إنَّ كَذِبًا عَليَّ ليسَ كَكَذِبٍ على أحدٍ، فمن كَذَبَ عليَّ متعمدًا فليتبوأْ مَقْعَدَه من النارِ))، وقال عليه الصلاة والسلام: ((إنَّ الذي يَكذِبُ عليَّ يُبنى له بيتٌ في النارِ)).

والكذبُ ـ عبادَ الله ـ له صورٌ متفرقةٌ وأوديةٌ متشعِبة، يجمعها وصفٌ واحدٌ هو: الإخبارُ بخلافِ الحقيقةِ عَمْدًا. والكذب إذا تَضَمَّنَ يمينًا وأفضى إلى أكلِ مالِ مسلمٍ بالباطلِ كان أعظمَ جُرمًا وأشدَّ عقوبة، فعن عبدِ الله بنِ عمروِ بنِ العاصِ رضي الله عنهما أن النبي عَدَّ الكبائرَ وفيها اليمينَ الغموسَ، قيل: وما اليمينُ الغموسُ يا رسول الله؟ قال: ((التي يَقتطِعُ بها مال امرئٍ مسلمٍ هو فيها كاذبٌ))، وقال : ((من اقتطعَ حقَ امرئٍ مسلمٍ بيمينِه فقد أوجبَ اللهُ له النارَ وحرَّم عليهِ الجنةَ))، فقال رجلٌ: وإن كان شيئًا يسرًا؟ قال: ((وإنْ كانَ قَضيبًا من أراكٍ)).

ومن أنواع الكذبِ المنتشرةِ بين الناسِ الكذبُ لإضحاكِ الجلساءِ، فعن مُعَاوِيَةَ بْنِ حَيْدَةََ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله : ((ويلٌ للذي يُحدِثُ بالحديثِ ليضحِكَ به القومَ فيكذِبُ، ويلٌ له، ويل له)) رواه الترمذي وقال: "هذا حديث حسن". فويلٌ لمن أغضبَ الخالقَ ليُفرِحَ ويضحِكَ مخلوقًا مثلَه لا يملِك لنفسِه ضرًا ولا نفعًا، ولا يملِك مَوتًا ولا حياةً ولا نُشورًا. ومعلومٌ أن النبيَّ يمازح أصحابه دون إكثارٍ ولا يقول إلا حقًا، والصحابةُ والتابعونَ ومن بعدَهم يمزَحُون ويضحَكون ولا يقولون إلا صِدقًا، قال ابنُ سيرين رحمه الله: "الكلامُ أوسعُ من أنْ يكذِب ظَريفٌ"، يعني: أنَّ أبوابَ الكلامِ المباحِ واسِعة مُشرَعة أمامَ من أرادَ المِزاح، فلماذا يلجأُ للكذبِ؟! وفي الحديثِ: ((إن في معاريضِ الكلامِ مندوحةً عن الكذبِ)).

ومن هذا النوعِ من الكذبِ ما يُعرَفُ عندَ الغَرْبِ بِـ"كِذْبَةِ أبريل"، إلا أنَّ هذهِ عَادةٌ ذاتُ جُذورٍ دينيةٍ وثنيةٍ، وللأسفِ أنَّه يُقلِدُهم فيها بعضُ الجهلةِ في وسائلِ الإعلامِ ومواقعِ الإنترنت بحجة المزاح، وهم بذلك يحيونَ سُنَنَ الكافرينَ، ويخالفون أخلاقَ المؤمنينَ وسنةَ خاتمِ المرسلينَ عليه الصلاة والسلام، مع ما يُصاحِبُ تلك البِدعةَ من الاعتدادِ بتقويمِهم ونشرِ ثقافتهم وأخلاقِهم الرديئةِ.

فينبغي الحذرُ والتحذيرُ من عاداتِ الكفارِ، خصوصًا إذا كانت ذاتَ جذورٍ عَقَديةٍ، وعدمُ المشاركةِ بشيءٍ من ذلك، بل والإنكارُ على من فعلَ ذلك، وتوضيحُ الحقِ له. وإنْ تعجبْ فعجبٌ فعل بعضُ الناسِ في هذه الكِذبةِ عندما يحبِكُونها، حيثُ يقولونَ: هذه كِذبةُ أبريل، وكأنهم يستحلونَ الكذبَ في هذا الشهرِ والعياذُ باللهِ من ذلك، ومن يعتقِدُ حِلَّ الكَذِبِ فهو على خطرٍ عظيمٍ.

واعلموا ـ عبادَ الله ـ أنه لا يوجدُ كَذِبٌ أبيضٌ ولا أسود، ولا يَحِل شيءٌ من الكذبِ إلا في أحوالٍ ثلاثٍ: كَذِبُ الرجلِ على امرأتِه ليرضيَها، والكَذِبُ في الَحربِ، والكَذِبُ ليصلحَ بين الناسِ، كما أخبرَ بذلك رسولُنا .

ومن أنواعِ الكذبِ الكذبُ في الرؤيا، قال : ((إِنَّ ‏مِنْ أَفْرَى الْفِرَى أَنْ يُرِيَ عَيْنَيْهِ مَا لَمْ تَرَ)). قَالَ اِبْن بَطَّال: "الْفِرْيَةُ هي الْكِذْبَةُ الْعَظِيمَةُ الَّتِي يُتَعَجَّب مِنْهَا"، ومعنى الحديثِ أنَّ من أعظمِ أنواعِ الكذبِ على اللهِ أن يقولَ الإنسانُ: رأيتُ في منامي كذا وكذا وهو في الحقيقةِ كاذب، فالرؤيا الصالحةُ جزء من ستةٍ وأربعينَ جُزءًا من النبوةِ، وجزاءُ من يكذِب في إحدى أجزاءِ النبوةِ ما قاله رسولُ الله : ((مَنْ تَحَلَّمَ بِحُلْمٍ لَمْ يَرَهُ كُلِّفَ أَنْ يَعْقِدَ بَيْنَ شَعِيرَتَيْنِ وَلَنْ يَفْعَلَ)) رواه البخاري، وهذا يكونُ عقابًا وتعذيبًا له يومَ القيامةِ إذ لا يستطيعُ أحد أن يعقِدَ بين شعيرتينِ كما يعقِد بين حبلين.

ومن زمرةِ الكاذبينَ أيضًا من نقلَ حديثًا وهو يعلمُ أنه كَذِب، قال عليه الصلاة والسلام: ((من حَدَّثَ حديثًا وهُو يرى أنَّه كَذِب فهو أحدُ الكاذبينَ))، وهذا يدلُّ على وجوبِ التثبتِ، وعدمِ نشرِ ما يغلِبُ على الظنِ كَذِبُه، إما لبُعدِه وغرابتِه، أو لصدورِه من معروفٍ بالكذبِ، أو لكونه في مسلمٍ يبعُدُ أن يقعَ منه ذلكَ، وكذلك الثرثارُ الذي يحدِّثُ بكل ما سمعَ هو من زُمرةِ الكاذبينَ أيضًا، قال رسولُ الله ‏‏: ((‏كفى بالمرءِ كذِبًا أن يحدِّثَ بكلِّ ما سمِع)).

واعلموا ـ عبادَ الله ـ أن الدابَّة التي يسيرُ بها الكَذِبُ والمَطِية التي ينتشرُ بها هي كلِمَة: "زعموا" أو "قالوا" أو "سمعنا" أو "قرأنا" أو نحوِ ذلك من العباراتِ، قال عليه الصلاة والسلام: ((بئس مَطِيَّةُ الكَذِبِ زعموا))، قال عبدُ الله بن مسعود رضي الله عنه: (إنَّ الشيطانَ ليتمثلُ في صورةِ الرجلِ، فيأتي القومَ فيحدِّثُهم بالحديثِ من الكَذِبِ، فيتفرقون، فيقولُ الرجلُ منهم: سمعتُ رجلاً أعرفُ وجهَهُ ولا أدري ما اسمُه يحدِّث). قال الله تبارك وتعالى: وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوْ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمْ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً.

وإذا كان في المجتمعِ من ينقُل الأحاديثَ وهو يعلمُ كَذِبها ومن يحدِّثُ بكلِّ ما سمعَ ومن يمتطي الكذبُ لسانَه بعنانِ "زَعموا" أو "قالوا" أو "سمعنا" أو "قرأنا"، إذا كانَ هؤلاءِ في المجتمعِ ترعرعتْ إذًا الإشاعةُ وبلَغَتْ عَنانَ السماءِ، ولا يخفى على عاقلٍ خطرُ الإشاعةِ في المجتمعِ، فكم من بيتٍ حطَّمتْ سمُعَته، وكم من مسلمٍ رَوعتْه، وكم من أمنٍ زَعزعتْه، وكم من بريء ظَلَمَتْه، وكم من عِرضٍ لطختْه، ولذلك كانَ عَذابُ مُصَدِّر الإشاعةِ الكاذبةِ في البرزخِ ـ وهو مرحلةُ ما بعدَ الموتِ إلى قيامِ الساعةِ ـ كان عذابُه أن يقومَ عليه قائمٌ بكَلّوبٍ من حديدٍ، فيُدْخِلُ ذلك الكلّوبَ في شِدْقِه، فيُشَرْشِرُ أحدَ شِدْقَيهِ حتى يبلُغَ قَفاه، ثم يَفْعَلُ بالشدقِ الآخرِ مثلَ ذلك، ثم يعودُ للشدقِ الأولِ فإذا هو قدْ التئمَ على هيئتِه الأولى، فيُشرشِرُه إلى قفاه، ثم يعودُ إلى الآخرِ... وهكذا يُعَذَّبُ في البرزخِ عياذًا بالله من ذلك لأنَّه يَكذِبُ الكِذْبةَ فتبلغُ الآفاقَ، كما جاءَ ذلك عن النبيِّ كما في حديثِ البخاريِّ ومسلمٍ.

فاتقوا اللهَ أيها المسلمونَ، واحذروا الشائعاتِ، احذروا من نشرِها وتوزيعِها، لا يكُنْ أحدُكم مُردِدًا لكلِّ ما يسمعُ، يقولُ الإمامُ مالكُُ رحمه الله تعالى: "اعلم أنَّه فساد عظيم أن يتكلمَ الإنسانُ بكلِ ما سمعَ".

وكثيرًا ما تكونُ الإشاعةُ مواكبةً للأزماتِ، متكاثرةً في أوقاتِ النكباتِ والمشكلاتِ الشخصيةِ والعائليةِ وتداعياتِها، فتبدأُ العناكِبُ تنسجُ القِصصَ والمواقفَ النابعةَ من تصوراتِهم وخيالاتِهم وتحليلاتِهم، وتنشُرُها بين الآخرينَ، إما بغرَضِ التسليةِ أو بغرضِ التشهيرِ أو حتى التشفي، لتجدَ الجميعَ في النهاية يتحدثونَ فيها.

إن خطرَ الإشاعةِ على المجتمعِ يكونُ أكثرَ خطورةً عندما يتناولُ ما يَمَسُّ عقيدَتَه وقيمَه وأُسُسَه وبنيانَه، وأخطرُ من ذلكَ أن تكونَ الإشاعةُ تجري على يدِ من نثِقُ بهم، ويعتبرُهم المجتمعُ أهلَ العلمِ والمعرفةِ والثقافةِ، فهؤلاءِ أكثرُ خطرًا باعتبارِهم أكثرَ تأثيرًا في نفوسِ الآخرينَ، ومن هنا لا بدَّ من التريُّثِ والانتباهِ لكلِّ ما نتلقاه، ونلجأُ إلى إعمالِ العقلِ والتفكيرِ، لا أن نكونَ مجردَ إمّعاتٍ نتلقى ونقلّدُ وننشُرُ، فخطرُ الإشاعةِ على المجتمعِ يفوقُ أخطرَ الأمراضِ، فهي أكبرُ فتكًا وأكثرُ تأثيرًا، وتستحِقُّ منا حِرصًا ووعيًا وإدراكًا يوصِلُنا إلى جادةِ الحقِ والصوابِ.

باركَ اللهُ لي ولكم في القرآنِ العظيمِ، ونفعني وإياكُم بما فيه منِ الآياتِ والذكرِ الحكيمِ، أقول ما تسمعون، وأستغفرُ الله لي ولكم ولسائرِ المسلمينَ من كلِّ ذنبٍ فاستغفروه، إنه هو الغفورُ الرحيمُ.


الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على النبي الأمين.

أما بعد: فيا عبادَ الله، اعلموا أن من علاماتِ الساعة أن يفشوَ الكذبَ، قال عليه الصلاة والسلام: ((لا تقوم الساعةُ حتى تظهرَ الفتنُ، ويكثرَ الكذبُ، وتتقاربَ الأسواقُ، ويتقاربَ الزمانُ، ويكثُرَ الهرجُ))، قيل: وما الهرجُ؟ قال: ((القتل)). ومن علاماتِها أن يصدَّقَ الكاذبُ وتستقبِله وسائلُ الإعلامِ ويفسحَ لقلمهِ المجالَ، وتفردَ له الصفحاتُ ليكتبَ ويُنَظِّرَ ويُستشار، وفي المقابلِ يُكذَّبَ الصادقُ، ويُتهم بما ليس فيه، ولا يسمحُ له بالكتابةِ أو الظهورِ في وسائلِ إعلامِ المنافقينَ ونحوِ ذلك، قال عليه الصلاة والسلام: ((إن أمامِ الدجالِ سنينُ خداعةٌ؛ يُكَذَّبُ فيها الصادقُ، ويُصدَّقُ فيها الكاذبُ، ويُخَوَّنُ فيها الأمينُ، ويُؤتمنُ فيها الخائنُ، ويَتَكلمَ فيها الرويبضةُ))، قيل: وما الرويبضةُ؟ قال: ((الفويسقُ يتكلمُ في أمرِ العامةِ)).

فاتقوا الله يا عبادَ الله، ولا يَغُرَّنَكُم باللهِ الغَرور، ولا يَفتِنكُم كثرةُ الهالكين، وكونوا مع الصادقينَ، واسمعوا إلى ما أعدَّه الله عزَّ وجل لمن تركَ الكذبَ، قال : ((‏أَنَا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِي ‏رَبَضِ الْجَنَّةِ ‏لِمَنْ تَرَكَ ‏الْمِرَاءَ ‏وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا، وَبِبَيْتٍ فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ وَإِنْ كَانَ مَازِحًا، وَبِبَيْتٍ فِي أَعْلَى الْجَنَّةِ لِمَنْ حَسَّنَ خُلُقَهُ)). ومعنى زعيم أي: ضامنٌ وكفيلٌ، والمرادُ برَبَضِ الجنةِ أي: أدناها. وقال عليه الصلاة والسلام: ((دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لا يَرِيبُكَ، فإن الصدقَ طمأنينةٌ، وإن الكَذِبَ ريبةٌ)).

وهذا عبدُ الله بنُ سَلام وكان من أحبارِ يهودَ في المدينةِ يقولُ: لما قَدِمَ رسولُ الله المدينةَ انجفلَ الناسُ إليه، وقيلَ: قَدِم رسولُ الله، قَدِم رسولُ الله، فجئتُ في الناسِ لأنظرَ إليه، فلما استَثبَتُّ وجهَ رسولِ الله عرفتُ أنَّ وجههُ ليسَ بوجهِ كذابٍ، وكان أولَ شيء تكلم به أن قالَ: ((أيها الناسُ، أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا بالليلِ والناسُ نيام، تدخلوا الجنة بسلام)). فعلاماتُ الصدقِ البارزةُ في محيا رسولِ الله كانت من أسبابِ إسلامِ هذا العَالم اليهودي عبدِ الله بن سلام رضي الله عنه.

لو لم تكن فيه آيات مبينةٌ ::: كانت بديهتُه تنبيكَ بالخبرِ

ويقولُ النبيُّ داعيًا إلى الصدق: ((عليكم بالصدقِ، فإنَّ الصدقَ يهدي إلى البر، وإن البرَّ يهدي إلى الجنة، ولا يزالُ الرجلُ يصدُقُ ويَتَحرى الصدقَ حتى يكتبَ عندَ الله صِدِّيقًا))، فبين في هذا الحديثِ أن للصدقِ غايةً، وللصادق مرتبةً، أما غايةُ الصدقِ فهي البرُ والخيرُ ثم الجنةُ، وأما مرتبةُ الصادقِ فهي الصِّدِّيقيةُ، وهي المَرتبةُ التي تلي مَرتبةَ النبوةِ عندِ الله، قال تعالى: وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنْ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا.

واسمعوا لقصةِ الإمامِ الزهريِّ رحمه الله التي رواها يعقوبُ بنُ شيبةَ في مسندِه، قال: دخل سليمانُ بنُ يسار على الخليفةِ الأمويِّ هشامِ بنِ عبدِ الملكِ فقال له: يا سليمانُ، الذي تولى كِبْرَه يعني في قصةِ الإفكِ من هو؟ قال: هو عبدُ الله بنُ أبي، قال: كذبتَ هو عليٌّ، قال: أميرُ المؤمنينَ أعلمُ بما يقولُ، فدخلَ الإمامُ محمدُ بنُ شهابٍ الزهريُّ:

كأنه وهو فردٌ من جلالته ::: في عسكرٍ حين تَلقاهُ وفي حشمِ

دخل فقال له الخليفةُ الأُمويُّ: يا ابنَ شهاب، من الذي تولى كِبَرُه؟ فقال الزهري: هو ابنُ أُبي، قال: كذبتَ هو عليُّ، فغضبَ الإمامُ الزهريُّ وانتفض قائلاً: أنا أكذبُ لا أبا لك؟! والله، لو نادى منادٍ من السماءِ: إنَّ الكذبَ حلالٌ ما كذبتُ، حدثني عروةُ وسعيدُ وعبدُ الله وعلقمةُ كلُّهم عن عائشةَ أن الذي تولى كِبْرَهُ هو عبدُ الله بنُ أبي، فقال الخليفةُ الأمويُّ: يبدو أننا أغضبنا الشيخ. الله أكبر، فهذه طريقُ رسولِكم ، وهذا هديُ سلفِكم الصالحُ رحمهم الله.

عبادَ الله، وصلوا وسلموا عن من أمرتم بالصلاة والسلام، حيث قال سبحانه وتعالى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا.

اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين...


المناضل السليماني 16-04-2010 01:47 AM

رد : ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب آآآآآآمل التثبيت
 
الجار وحقه على جاره

الخطبة الأولى
أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ [آل عمران: 102] واعملوا أن حق الجار على جاره مؤكد بالآيات والأحاديث قال جل وعلا: وبالوالدين إحسانًا .. والجار الجنب ويقول : ((ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه )) متفق عليه.
معاشر المسلمين: كان العرب في الجاهلية والإسلام يحمون الذمار ويتفاخرون بحسن الجوار وعلى قدر الجار يكون ثمن الدار.
يلومونني أن بعت بالرخص منزلي::ولم يعلموا جارًا هناك ينغصُ
فقلت لهـم كفـوا المــلام فإنما::بجيرانها تغلو الديارُ وترخصُ

والإسلام يأمر بحسن المجاورة مع كل إنسان وشر الناس من تركه الناس اتقاء شره، وأسوأ الجيران من يتتبع العثرات ويتطلع إلى العورات في سره وجهره وليس بمأمون على دين ولا نفس ولا أهل ولا مال.
عباد الله:
والمسلم يعترف بما للجار على جاره من حقوق وآداب يجب على كل من المتجاورين بذلها لجاره وإعطاؤها له كاملة:
أولاً: عدم أذيته بقول أو فعل، من الجار أو من أولاده أو من أهله لقوله : ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره)) [متفق عليه].
وقال عليه الصلاة والسلام: ((والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن)) قيل: من يا رسول الله؟ قال: ((الذي لا يأمن جاره بوائقه)) [متفق عليه]. والبوائق هي الدواهي والغوائل والشرور.
ثانيًا: من الحقوق الإحسان إلى الجار وذلك بأن ينصره إذا استنصره، ويعينه إذا استعانه، ويعوده إذا مرض، ويهنئه إذا فرح، ويعزيه إذا أصيب، ويساعده إذا احتاج، يبدؤه بالسلام ويلين له الكلام، يأمره بالمعروف وينهاه عن المنكر، ويرعى جانبه ويحمي حماه ويصفح عن زلاته، ولا يتطلع إلى عوراته، ولا يضايقه في بناء ولا ممر، ولا يؤذيه بقذر أو وسخ يلقيه أمام منزله، فكل هذا من الإحسان إلى الجار الذي أمرنا الله تعالى به.
ثالثًا: إكرامه بإسداء المعروف والخير إليه قال صلى الله عليه وسلم: ((يا نساء المسلمات لا تحقرن جارة جارتها ولو فرسن شاة)) [متفق عليه والفرسن من الظلف. ولقوله عليه الصلاة والسلام لأبي ذر: ((يا أبا ذر إذا طبخت مرقة فأكثر ماءها وتعاهد جيرانك)).
رابعًا: تقديره فلا يمنعه أن يضع خشبة في جداره، ولا يبيع أو يؤجر ما يتصل به أو يقرب منه حتى يعرض ذلك عليه ويستشيره. قال عليه الصلاة والسلام: ((لا يمنعن أحدكم جاره أن يضع خشبة في داره)).
أيها المسلمون: والمسلم يعرف نفسه إذا كان قد أحسن إلى جيرانه أو أساء إليهم ففي الحديث الصحيح عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رجل لرسول الله كيف لي أن أعلم إذا أحسنت وإذا أسأت؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إذا سمعت جيرانك يقولون: قد أحسنت، فقد أحسنت وإذا سمعتهم يقولون: قد أسأت، فقد أسأت)).
عباد الله:
وإذا ابتلي المسلم بجار سوء فليصبر عليه، فإن صبره سيكون سبب خلاصه منه فقد جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشكو جاره فقال له: ((اصبر)) ثم قال له في الثالثة أو الرابعة: ((اطرح متاعك في الطريق فطرحه فجعل الناس يمرون به ويقولون ما لك؟ فيقول: آذاني جاري فيلعنون جاره حتى جاءه وقال له: رد متاعك إلى منزلك، فإني والله لا أعود)) [رواه أبو داود].
وفي الحديث الآخر قال عليه الصلاة والسلام: ((تعوذوا بالله من جار السوء في دار المقام ـ يعني الحضر ـ فإن جار البادي ـ أي الذي في السفر ـ يتحول عنك)).
جعلني الله وإياكم من خيار خلقه وبارك لي ولكم في الطيبات من رزقه، وأجارني وإياكم من أذية الجار والتهاون بحقه قال سبحانه: إِنَّمَا ٱلسَّبِيلُ عَلَى ٱلَّذِينَ يَظْلِمُونَ ٱلنَّاسَ وَيَبْغُونَ فِى ٱلأرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقّ أُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ %وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ ٱلاْمُورِ [الشورى: 42، 43].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم...




الخطبة الثانية:
الحمد لله الحليم التواب، أحمد سبحانه يغفر الذنب لمن تاب إليه وأناب، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أفضل رسول أنزل الله عليه أفضل كتاب، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وسائر الأصحاب أما بعد:
عباد الله:
للمسلم فضل عظيم في أن يكف عن جاره الأذى، وله الفضل في أن يجيره ويدفع عنه يد السوء، وله الفضل في أن يواصله بالإحسان، وهناك فضل رابع هو أن يتجاوز عن أخطائه ويتغاضى عن هفواته ويتلقى كثيرًا من إساءته بالصفح والحلم لأنه لا ريب في أن الذي يحلم على من جهل عليه ويحسن إلى من أساء إليه ويعفو عمن ظلمه يكون في أعلى مراتب الكرامة وفي أرفع منازل السعادة.
ففي الحديث عن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله : ((يا عقبة ألا أخبرك بأفضل أخلاق أهل الدنيا والآخرة؟ تصل من قطعك وتعطي من حرمك وتعفو عمن ظلمك)).
عباد الله:
وكثيرًا ما يكون الصفح عن المذنب والعفو عن المسيء دواء لسوء خلقه وتقويمًا لانحرافه واعوجاجه كما هو المشاهد فيعود الجفاء إلى ألفة والمناوأة إلى مسالمة، والبغضاء إلى محبة. قال الحق جل وعلا: وَلاَ تَسْتَوِى ٱلْحَسَنَةُ وَلاَ ٱلسَّيّئَةُ ٱدْفَعْ بِٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ فَإِذَا ٱلَّذِى بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِىٌّ حَمِيمٌ [فصلت: 34] وبعض الناس لا يبالي بغيره إذا تمت له راحته، ولا يهمه أن يكون المسلمون ساخطين عليه وأن تدنس ساحته مادام ينال قصده ويصل إلى مراده ويتمتع بشهوته، ولو كان في ذلك هلاك غيره، وإن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستح فاصنع ما شئت، فاتقوا الله عباد الله واسلكوا في أخلاقكم خير نهج يوصلكم إلى الله وأحسنوا معاملة جيرانكم تفلحوا، وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه فقال سبحانه: إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً [الأحزاب: 56]

المناضل السليماني 22-04-2010 10:45 AM

رد : ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب آآآآآآمل التثبيت
 
الحياة السعيدة


الخطبة الأولى

الحمد لله أبداً سرمدا، ولا نشرك معه أحد، تبارك فردا صمدا، لم يتخذ صاحبة ولا ولدا، ولا شريكا ولا عضدا، الحمد لله على نعمته، الحمد لله على منته، الحمد لله على حكمته، الحمد لله تلألأت بأجل المحامد أسماؤه، وتوالت بأسنى الهبات آلاؤه وتواترت بأبرك الخيرات نعماؤه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الحق العلي الكبير، تعالى في إلهيته وربوبيته عن الشريك والوزير،وتقدس في أحديته وصمديته عن الصاحبة والولد والولي والنصير، وجل في بقاه وديمومته وغناه وقيمومته عن المطعم والمجير، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله السراج المنير، والبشير النذير أعظم رجل عظّم الله، وقدّس الله، وأجلّ الله، وأكبر الله، وهاب الله، وتواضع لله اللهم صل وسلم عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه

أما بعد: يقول ربنا عز وجل: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [النحل: 97].

أيها المسلمون، إن الحياة السعيدة هي الهدف الأسمى والأمنية العظيمة لكل الناس، وقد اختلف الناس في مفهوم السعادة، فالبعض يرى أنا السعادة هي في جمع الأموال فقط، والبعض الآخر يرى أن السعادة هي في المأكل والمشرب والزوجة والأولاد فقط، والبعض يراها فقط في الجاه والسلطان، وكل إنسان يرى السعادة من زاوية معينة.

والكل يبحث عن السعادة بكل ما أوتي من قوة، وكثير من الناس رغم أن عندهم أسباب السعادة المادية ولكنهم غير سعداء. ولكن ما السعادة يا ترى؟ وكيف نلاقيها؟ فهل السعادة في الملك والسلطان؟! فلقد كان فرعون يبحث عن السعادة في الملك وكان يقول بكل غرور: أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي [الزخرف: 51]، ونسي أن الذي أعطاه هو الله جل ثناؤه، وأن الله هو الذي أطعمه وسقاه، قال تعالى: وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا [النمل: 14]، بل إنه تخطى كل ذلك وقال: مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي [القصص: 38]، وقال أيضا: أَنَا رَبُّكُمْ الأَعْلَى [النازعات: 24]، كل ذلك في سبيل البحث عن السعادة، ولكن هل حصل هذا الطاغيه عن السعادة؟! لا والله، إنه ظل وسيظل تعيسا شقيا إلى الأبد، فكان جزاء هذا الانحراف وهذا العتو والتكبر والتمرد على الله أن أخذه الله نكال الآخرة والأولى، فبعد أن كانت الأنهار تجري من تحته جعلها الله تجري من فوقه، النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ [غافر: 46]. لا إله إلا الله، ما أتعسها من نهاية! وما أشقاها من حياة أبديه! وقد يلحق بفرعون أقوام وأقوام، وما فرعون إلا مثل لبعض الطغاة والظالمين الذين استعبدوا شعوبهم وبدلوا نعمه الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار، جهنم يصلونها وبئس القرار.

والبعض الآخر يرى أن السعادة في جمع الأموال وبناء القصور وكثرة الأولاد والزوجات فقط، فهذا قارون قد منحه الله أموالا وكنوزا ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة، ونسي أن الله هو المعطي، وأن الله هو الرزاق، وأن الله هو الوهاب سبحانه وتعالى، فقال: إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي [القصص: 78]، فكفر بنعمة الله، وتكبر واغتر، وظن أن هذه هي السعادة، فماذا كان جزاؤه؟ وماذا كانت نهايته؟ وكيف كانت تلك النهاية المأساوية؟ لقد خرج على قومه في قمة زينته وغطرسته وغروره، فخسف الله به وبداره الأرض، فهو يتجلل فيها، فما أغنى عنه ماله من الله شيئا، فما أشقاها من نهاية! وما أتعسها من خاتمة! وما قارون إلا رمز ومثل لكل من أعطاه الله مالا فاغتر به وتكبر وظن أنه في السعادة الحقيقية والهنا.

أيها المسلمون، وهناك شريحة من الناس ظنت أن السعادة هي في حياة الملاهي والكسل والتراخي والنوم والبعد عن تكاليف هذا الدين والهروب من مشاكل هذه الحياة ومسؤولياتها، وهذه النوعية من الناس هي في الحقيقة في قمة التعاسة؛ لأنهم ليس لهم هدف في الحياة ولا قيمة في الوجود. وينطبق عليهم قول الله تبارك وتعالى: إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ أُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [يونس: 7، 8]. إنها حياة الشهوات والملذات وحياة الغفلة والحيوانات، فما أتعسها وأتفهها من حياة!

أيها الإخوة الأحبة، إن الكل يبحث عن السعادة، ولكن الكثير يخطئون الطريق إليها ويضلون عن سواء السبيل؛ وذلك بسبب إعراضهم عن السبب الرئيسي للسعادة، بل بسبب إعراضهم عن السعادة نفسها، قال تعالى: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى [طه: 124]. ولماذا هو أعمى يوم القيامة؟ إنه أعمى بسبب أنه تعامى عن السعادة الحقيقية في الدنيا، فأعماه الله عن السعادة والجنة في الآخرة، قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى [طه: 125، 126].

إن السعادة الحقيقية هي في طاعة الله عز وجل وفي عبادته وامتثال أمره واجتناب نواهيه، ولقد ذاق طعم السعادة إبراهيم عليه الصلاة والسلام عندما حطم الأصنام وقذف في النار، قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمْ الأَخْسَرِينَ [الأنبياء: 69، 70].

وذاق طعم السعادة يوسف عليه الصلاة والسلام عندما قال: رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ [يوسف: 33]، ذلك السجن الرهيب إلى مدرسة للإيمان والتوحيد.

ووجد تلك السعادة أولئك الفتية الذين آمنوا بربهم وزادهم الله هدى، عندما أووا إلى الكهف فنشر لهم ربهم من رحمته وهيأ لهم من أمرهم مرفقا.

ثم بعد ذلك ذاق طعم السعادة خير البشر محمد ، ثم ذاقها أصحابه رضي الله عنهم ومن بعدهم ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، فَمَنْ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا [طه: 123، 124].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر المبين، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.


الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وأتباعه.

أما بعد: أيها المسلمون، إن السعادة تنقسم إلى نوعين:

النوع الأول: سعادة وهمية يظن أصحابها أنهم سعداء بسبب الأمور المادية الذي منحهم الله إياها، ولكنهم بعيدون عن الإيمان والصلاة، بعيدون عن الأخوة الإيمانية، بعيدون عن القرآن والدعوة إلى الله والمساجد، بعيدون عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعن كل ما يقربهم إلى الله، بل إن هذه النوعية من الناس قد يكونون منغمسين في أنواع من المعاصي والملذات المحرمة، فهم واهمون في تلك السعادة التي ليس لها نهاية إلا النار، قال تعالى: قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا [الكهف: 103، 104].

أما النوع الثاني من أنواع السعادة: فهي السعادة الحقيقية التي تكون في الدنيا وتمتد إلى الآخرة، هذه السعادة التي تكون أولا وقبل كل شيء هي الإيمان بالله والعمل الصالح والتمتع بنعم الله في ظل طاعة الله عز وجل، قال تعالى: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [النحل: 97]، الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [الرعد: 28].

إن صانع السعادة الحقيقية ولذتها هو المؤمن الصادق الإيمان الذي إذا أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإذا أصابته ضراء صبر فكان خيرا له. هنا تكمن السعادة في الشكر الحقيقي والرضا الدائم بقضاء الله وقدره والعيش في ظل مبادئ هذا الدين العظيم، يقول الرسول الكريم : ((تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا: كتاب الله وسنتي)).

فيا طلاب السعادة، ويا عشاق السعادة، ويا أيها الباحثون عن السعادة والخلود والراحة، فإنها لن تكون إلا من طريق محمد عليه الصلاة والسلام، فمن أراد السعادة فليلتمسها في المسجد ومن المصحف ومن السنة المطهرة وفي الهداية والاستقامة على كتاب الله وسنه رسوله ، فَمَنْ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى [طه: 123].

وصلوا ـ رحمكم الله ـ على خير البرية وأفضل البشرية محمد بن عبد الله صاحب الحوض والشفاعة، وارض اللهم عن الخلفاء الأربعة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن بقية الصحابة وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ولا إلى النار مصيرنا...


المناضل السليماني 29-04-2010 06:09 AM

رد : ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب آآآآآآمل التثبيت
 
عنوان الخطبة وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًا وَهُوَ كَظِيمٌ

الخطبة الاولى
إن الحمد لله نحمده ..........................

............ الوصية بتقوى الله

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدى محمد ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ [آل عمران: 102].
معاشر المسلمين، بات الأبُ المسلم ساهرًا مهتمًا، ينتظر فرج الله تعالى وسلامة زوجته، ويرقب البشارة بالإنجاب ووصول الولد، وما هي إلا ساعات ولحظات حتى بُشّر بمولود جميل، لكنه ليس ذكرًا بل كان أنثى، فتغيّر وجه الأب، وانكمش حاله، ونُغِّصت سعادته، واعترته الكآبة والضيق! لماذا؟! لأن الأب كان يطمع في المولود الذكر، ليقف بجانبه، ويقوم بخدمته، ويساعده على أعباء الحياة؛ لكنه نسي أن هذا رزق ساقه الله إليه، وله فيه الحكمة البالغة، ونسي أن هذا الإنجاب نعمةٌ عظيمةٌ حُرم منها بعض الناس، وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ [القصص: 68]، ونسي أن كل ما يقضيه الله للمؤمن خيرٌ له وأعظم، فَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا [النساء: 19].
أيها الإخوة، لقد آلمَ العقلاء ما بدر من بعض المسلمين من التحاف النفسية الجاهلية تجاه إنجاب البنات، فتضايق من ولادتهن، وضاق بالبشارة بهنّ، فكان كما قال تعالى: وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًا وَهُوَ كَظِيمٌ [النحل: 88]. وآخر احتوته الغفلة والبلادة، فحلف على زوجته المسكينة: لو أتت ببنات ليُطلقنَّها وليفارقنّها فراق غير وامق. سبحان الله! هل عادت فينا خَصلة الجاهلية الأولى؟! وهل تسلّط علينا الشيطان؟! وهل تردت عقول هؤلاء الأزواج حتى يعتقدوا أن الزوجة سبب في التأنيث؟!
لم يكن يُتَصوَّر أن يُطرق هذا الموضوع في ظل بيئة مسلمة تؤمن بالله وتؤمن بقدرته وحكمته، حتى ترامى إلى مسامع الجميع تغيُّر النفوس من إنجاب البنات، ومشابهة الكفار في التمعّر والغضب والاستياء من ولادة البنات، وتهديد الزوجة بالطلاق مرات ومرات، كأن المرأة هي المسؤولة والضمينة لما يصير ويحدث!
إن المسلم العاقل ليعجب ممن يدّعي الإسلام ويصلي ويصوم ثم يتخلق بأخلاق الكفرة وأهل الجاهلية في كراهية البنات والاشمئزاز بولادتهن، كأن هذا الرجل قد رأى سعادتَه في إنجاب الذكور، ورأى مستقبله في غير البنات، ورأى سلامته وبهجته في البشارة بالغِلمان، وما يدريك أيها الإنسان لعل الله يبارك في البنات، ويصرف عنك لأواء الذكور وما يكون فيهم من طيش وسفاهة.
أيها الإخوة الكرام، ليس عيبًا ولا منكرًا أن يُولد لبعضنا البنات، فإن البنات فيهنّ خير عظيم، والعاقبة منهن حسنة، ويجني الآباء والأمهات منهن فوائد عديدة، ولم يعش للنبي مدة حياته من أولاده إلا البنات، وقد رتَّب على حسن تربيتهنّ وتعليمهن أجرًا كريمًا. ثبت في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله : ((من ابتُلي من هذه البنات بشيءٍ كنّ له سِترًا من النار))، والمعنى: إذا صبر على تربيتهن والإحسان إليهن كنّ له حجابًا يحجبه من النار. فأيّ فضل يرجوه المسلم بعد ذلك؛ أن تكون تربية البنات والصبر عليهن مانعًا له من دخول النار ومن ثم مصيره إلى جنات النعيم؟!
يُحكى أن رجلاً كان لا يولد له إلا البنات، فضاق وتضجر من ذلك حتى هدّد زوجته بالطلاق، فحملت المرأة مرة أخرى، فحُملت إلى المستشفى، وأسفر حملها عن بنت حسناء، فرئي عليها الحزن والكآبة من ذلك، فلحظَ الممرضات ذلك، فسألتها إحداهن فذكرت لهن الخبر، فأخبر أحد الدكاترة بالقضية، فقال: دعوا الأمر لي. فلما أتى زوجها سأل الدكتور: ما الخبر؟ فقال الدكتور: هنيئًا، فقد ولد لك مولود ذكر، فاستبشر الأب، فقال الدكتور: لكنه مشوّه الخِلقة، وفيه كذا وكذا، ويشكو من كذا وكذا، ويحتاج إلى إشراف وعناية، فتغيّر وجه الزوج كأنما صُفع صفعة شديدة وأحسّ بابتلاء الله تعالى له، فراجع نفسه وتساءل وقال: إنه ابتلاء الله لي لأنني كرهت البنات وما أحببتهن، فهذا جزائي، فقال له الدكتور: لا عليك بل افرح واستبشر، فقد رزقك الله بنتًا جميلة حسناء، فاستبشر الأب وحمد الله ورضي لقضاء الله وقدره، فَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا [النساء: 19].
أيها المسلمون، لقد سخِِِط أناسٌ البنات فابتلاهم الله بالمتاعب والأسقام، وعادت عليهم الذرية الذكور بالبلايا والنكبات، فذاك ابنه مع الرفقة الفاسدة، وذلك في عُصبة المخدرات، وذاك تعيسٌ في دينه وخُلُقه؛ جزاء فاقًا. فعلى العبد أن يرضى بحكم الله عليه، ويؤمن بقدَره خيره وشرّه، ويعلم أن الله تبارك وتعالى لا يقضى للمؤمن إلا خيرًا، قال كما في صحيح مسلم: ((عجبًا لأمر المؤمن، إنّ أمره كلَّه له خير، إنْ أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن))، وقال ربنا تعالى: لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَن يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ [الشورى: 49].
فربنا تعالى هو خالق السموات والأرض ومالكهما والمتصرف فيهما، وأنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، وأنه يعطي من يشاء ويمنع من يشاء، لا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع، وأنه يخلق ما يشاء، وقد جعل سبحانه الناس أربعة أقسام: قسم يرزقه الإناث، وقسم يرزقه الذكور، وقسم يجمع له الذكور والإناث، وقسم عقيم لا يولد له.
وجعل سبحانه القسم الأول في الآية الإناث: يَهَبُ لِمَن يَشَاءُ إِنَاثًا [الشورى: 49] تنبيهًا على فضلهنّ وردًا على أهل الجاهلية في صنيعتهم النكراء من كراهتهم البنات ودفنهن أحياء، نعوذ بالله من انتكاس الفطر وموت القلوب.
اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك وتحول عافيتك وفجاءة نقمتك وجميع سخطك.
استغفروا ربكم عباد الله، وتوبوا إليه، فيا فوز المستغفرين التائبين.



الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين.
أيها الإخوة الكرام، روى مسلم في صحيحه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله : ((الدنيا متاع، وخير متاعها المرأة الصالحة)). لقد أنجب لنا التاريخ نساءً صالحات وسيداتٍ مباركات، شيّدن مناراتٍ للعز والشرف، وبنَينَ مساكن للبطولة، عزّ فعلها على كثير من الرجال والأبطال.
آسية بنت مزاحم امرأة فرعون، عاشت ونشأت في قصر أكبر طاغية عُرف في التاريخ، فلم تخضع لجبروته، ولم تدخل في ألوهيته، ولم تستسلم لدنياه، بل صبرت على دينها وعزت بإيمانها، وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ القَوْمِ الظَّالِمِينَ [التحريم: 11]. وفي الصحيح يقول عليه الصلاة والسلام: ((كَمُل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا آسية امرأة فرعون ومريم بنت عمران، وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام)).
وها هي ماشطة بنت فرعون تسجّل لأهل الإيمان موقفًا في الصبر والتضحية والشمَم بإيمانها واستسلامها لله، عندما يراودها فرعون على إيمانها بالله، فيقتل أبناءها أمامها واحدًا تلو الآخر وهي الأم الحنون، فتأبى أن تكفر بالله، بل تصبر وتحتسب.
وتلكم خديجة بنت خويلد زوج رسول الله التي كان لها مقام النصرة والتثبيت لرسول الله عندما نزل عليه الوحي، فقد قالت له كما في الصحيح: كلا والله، لا يخزيك الله أبدًا؛ إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتقري الضيف، وتحمل الكَلَّ، وتعين على نوائب الحق. وروى أحمد والنسائي بسند صحيح أن النبي قال فيها: ((آمنتْ بي إذ كذّبني الناس، وآوتْني إذ رفضني الناس)).
و ما التأنيـث لاسم الشمس عيبٌ و لا التذكيـر فخـرٌ للهـلالِ
ولـو أن النسـاء كمـن فقدنـا لفُضِّلت النسـاء على الرجـالِ
وهل سمعتم بامرأة تزوّجت على الإسلام، كان مهرها الإسلام، لم تطلب سواه، إنها الرُميصاء أم سليم بنت ملحان رضي الله عنها. ثبت في الصحيحين من حديث جابر أن النبي قال: ((رأيتُني دخلت الجنة، فإذا أنا بالرميصاء امرأة أبي طلحة)). وعند النسائي بسند صحيح عن أنس قال: تزوج أبو طلحة أم سليم، فكان صداق ما بينهما الإسلام. وفي رواية قال: خطب أبو طلحة أم سليم، فقالت: والله، ما مثلك يا أبا طلحة يُرد، ولكنك رجل كافر، وأنا امرأة مسلمة، ولا يحل لي أن أتزوّجك، فإنْ تسلم فذاك مهري، وما أسألك غيره، فأسلم، فكان ذلك مهرها، قال ثابت: فما سمعت بامرأة قط كانت أكرم مهرًا من أم سليم؛ الإسلام، فدخل بها فولدت له.
وهذه والدة سفيان الثوري رحمه الله، توجهه لطلب العلم، وتعوله بمغزلها، قال وكيع: قالت أم سفيان لسفيان: اذهب فاطلب العلم حتى أعولك بمِغزلي، فإذا كتبت عدةَ عشرة أحاديث فانظر هل تجد في نفسك زيادة فاتبعه، وإلا فلا تتعنَّ.
وهل بلغكم ـ يا مسلمون ـ خبر المرأة التي قعدت تعلّم زوجها العلم الحديث؟! إنها بنت سعيد بن المسيّب رحمه الله، التي زوّجها لتلميذه أبي وداعة، وكان فقيرًا، فلما أصبح من ليلته أصبح يريد التوجه لحلقة سعيد بن المسيب، فقالت له: أين تريد؟! فقال: إلى مجلس سعيد أتعلم العلم، فقالت له: اجلسْ أعلمك علم سعيد.
الله أكبر، ما أجلهَّا من أخبار! وما ألذها من قصص! أبانت لنا عظم فضل النساء، وأنهن إذا حظين بالتربية الإيمانية والعلمية سجّلن مواقف نادرة وبطولات خارقة، وأخرجن جيلاً فريدًا يطلب العلم ويروم البطولة ويسعى للنُبل والفضيلة
عباد الله صلوا وسلموا على من امركم الله بالصلاة والسلام عليه
الدعــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاء


.

المناضل السليماني 06-05-2010 09:42 PM

رد : ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب آآآآآآمل التثبيت
 

ظاهرة سيئة تظهر مرة اخرى بعد اختفاء


الخطبة الأولى
الحمد لله علاّم الغيوب، المطلع إلى أسرار القلوب، البصير بسرائر النيات وخفايا الطَوِيَّات، يعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: عباد الله، اتقوا الله حق تقاته، وَٱتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى ٱللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ [البقرة:281].
أيها المسلمون، لقد خلق الله الإنسان في هذه الدنيا وكرّمه أحسن تكريم، وقوّمه أحسن تقويم، ولقد جاءت الشريعة المطهّرة من لدن حكيم عليم، عالم بأسرار الكون وما يصلح النفس البشرية وما ينفعها في معاشها وفي معادها، وهو الذي وعد بقوله جل وعلا، قوله الحق ووعده الصدق: وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ [الطلاق:2، 3].
عباد الله، لا للمال خلِقنا، ولا لاتخاذه هدفًا أسمى أمرنا، وليس المال خيرًا محضًا فنقصر جلّ تفكيرنا عليه، بل ولا شرًّا محضًا فنجعل قوانا على التخلّص منه، إنما المال يكون خيرًا إذا استُغلّ في أوجه الخير، ويكون شرًّا وأعظم به من شرّ إذا لم يرقب صاحبه في جمعه إلاً ولا ذمّة.
أما شرّ المال إذا دِيس به كرامة الإنسان، فكم وئِد من أجل المال من فضيلة وديس من كرامة. روى الإمام أحمد والترمذي في حديث حسن قول النبي : ((ما ذئبان جائعان أرسِلا في زريبة غنم بأفسدَ لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه)).
فاتقوا الله يا عباد الله، اتقوا الله في أموالكم، فإن أخذ المكاسب الخبيثة والمصارف المحرّمة شدّة حساب وسوء عقاب.
أيها المسلمون، إن سؤال الناس مذلّة وضعة، والمؤمن عزيز غير ذليل، وَلِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ [المنافقون:8].
عباد الله، لقد ظهر في مجتمعنا فئة من الناس تسأل الناس إلحافًا، اتخذت ذلك حرفةً ووسيلة لجمع المال، إنه التسوّل الذي يُعتبَر في بعض البلاد جريمة يُعاقب عليها صاحبها، فإذا كان المتسوّل صحيح البدن أصبحت هذه الطريقة عنده وسيلة من وسائل كسب المال، بل هي وسيلة مريحة يجني بها صاحبها المال الكثير دون عناء أو مشقة.
في إحدى الدول عُمِلت إحصائية لهؤلاء الصنفِ من الناس، فماذا خرجت النتيجة؟
خرجت أن دخل بعضهم شهريًا قرابة العشرة آلاف، وأن ما يقرب من تسعين في المائة ليسوا فقراء، لقد أصبح الكثير منهم مبدعًا في التسوّل، كان له تطوير مقنِع، آلات ترى أن أحدهم يحمل أوراقًا طبّية تبيّن للناس أنه يعاني من أمراض مزمِنة، وأنه محتاج فقط إلى قيمة الدواء، وتجد الآخر يجمع تبرّعات لبناء مسجد أو مدرسة أو نحو ذلك.
وإليكم هذه القصة: في شهر رمضان الماضي قام رجل وادعى في المسجد أنه رئيس لجامعة إسلامية في أحدى الدول، يحمل معه مخططات لبناء تلك الجامعة، وأرفق معها خطابات وتزكيات، ومعه أوراق تحدّد تكلفة البناء، ويحمل مستندات، وأن منهج هذه الجامعة سلفيَّ، يدعو إلى التوحيد وإلى محاربة البدع وإلى العناية بالقرآن الكريم، وبعد الإطلاع على هذه الأوراق تبيّن لهذا المطّلع أن هذه الأوراق مزوّرة، وأن القائم على جمع التبرّعات والذي يزعم أنه رئيس لهذه الجامعة يعمل سبّاكًا في إحدى المدن، ليس له أي علاقة في مثل هذه الأعمال الخيرية، ومع الأسف تجد أن بعض الناس يتعاطف مع هؤلاء، ويستغلّون طيبة البعض، تجد من يعطيهم دون تدقيق أو تحقيق أو سؤال.
إن الواجب على الجميع عدم التساهل مع هؤلاء وأن لا نتسامح معهم، بل يجب إبلاغ الجهات المعنية بهم والتأكد من هويّتهم. والله، إن بعضهم يلعب بتلك الأموال القمار، والبعض الآخر يتاجر بها في المخدّرات. وقد يظهر لك أنه محتاج وأنه مسكين، ولو أعطيت أحدهم طعامًا أو شرابًا ما قبله.
عباد الله، إن التسوّل إحدى ظواهر الخلط في المجتمعات، ولا يخلو مجتمع مهما كان تقدّمه حتى في أوربا وأمريكا، لا يخلو مجتمع من هذه الظاهرة، وما علموا أن هذه المهنة تؤثّر على كرامة الإنسان.
إن التسوّل قد يدفع الأطفال إلى التسرّب من المدرسة، ويعرّضهم إلى مظاهر من الاستغلال، بل فيه تعريض لهم إلى مخاطر الانحراف والإجرام.
فلاحظ أنهم يتواجدون في الأسواق وعند أبواب المساجد وعند إشارات المرور، يستخدمون أساليب في استعطاف الناس من ارتداء الملابس البالية أو حمل الأطفال، والغريب أن هؤلاء يتمتعون بصحة جيّدة، ولا أدلّ على ذلك وقوفهم في شدّة الحرّ عند إشارات المرور.
ثم بعد ذلك قامت دراسة ميدانية لهؤلاء ووُجد أن من أهمّ أسباب التسوّل البطالة ثم الحاجة إلى العائد المغري غير المكلِف.
أما حكم التسوّل فقد حرّم العلماء التسوّل وسؤال الناس بغير ضرورة أو حاجة مهمّة، ثم قالوا: إن الأصل فيه التحريم، لأنه لا ينفكّ عن ثلاثة أمور محرّمة:
الأول: إظهار الشكوى من الله تعالى؛ إذ السؤال إظهار للفقر، وذكر لقصور نعمة الله تعالى، وهو عين الشكوى.
والثاني: أن فيه إذلال السائل نفسَه لغير الله تعالى.
والثالث: أنه لا ينفكّ عن إيذاء المسؤول غالبًا.
وقال ابن القيم رحمه الله: "إن المسألة في الأصل حرام، وإنما أبيحَت للحاجة والضرورة؛ لأنه ظلم في حق الربوبية، وظلم في حق المسؤول، وظلم في حق السائل".
إن الإلحاح على السؤال ينافي حال الرضا ووصفه، ولقد أثنى الله عز وجل على الذين لا يسألون الناس إلحافًا فقال جل وعلا: يَحْسَبُهُمُ ٱلْجَاهِلُ أَغْنِيَاء مِنَ ٱلتَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَـٰهُمْ لاَ يَسْـئَلُونَ ٱلنَّاسَ إِلْحَافًا [البقرة:273]، قال ابن عباس رضي الله عنهما: (من كان عنده غداء لا يسأل عشاءً، وإذا كان عنده عشاء لا يسأل غداءً).
والآية الكريمة من سورة البقرة اقتضت ترك السؤال مطلقًا، لأنهم وُصِفوا بالتعفّف والمعرفة بسيماهم دون الإفصاح بالمسألة؛ لأنهم لو أفصحوا بالسؤال لم يحسبهم الجاهل أغنياء.
ثبت في الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، أنه قال: قال رسول الله : ((ما يزال الرجل يسأل الناس حتى يأتي يوم القيامة ليس في وجهه مزعة لحم))، وفي مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله قال: ((ليس المسكين بهذا الطوّاف الذي يطوف على الناس، فتردّه اللقمة واللقمتان والتمرة والتمرتان))، قالوا: فما المسكين يا رسول الله؟ قال: ((الذي لا يجد غِنى يغنيه، ولا يُفطَن له فيتصدَّق عليه، ولا يسأل الناس شيئًا))، وفي البخاري عن الزبير عن النبي أنه قال: ((لأن يأخذ أحدكم حبله، فيأتي بحزمة من الحطب على ظهره، فيبيعها فيكفّ الله بها وجهه خير له من أن يسأل الناس، أعطوه أو منعوه))، إن جمع حزمة من الحطب ـ ممّا رغب عنه الناس ـ أو من كلأ مباح، يحمله الرجل على ظهره، ويبيعه بدرهم أو درهمين، يحفظ بذلك على نفسه كرامتها، ويحفظ عزّها، ويقي وجهه من ذلّ السؤال، خير له من أن يسأل الناس، أعطوه أو منعوه.
قال فيما رواه ابن مسعود رضي الله أنه قال: ((من أصابته فاقة فأنزلها بالناس لم تُسدَّ فاقته، ومن أنزلها بالله أوشك الله بالغنى، إما بموت عاجل أو غنى عاجل)) رواه أبو داود، ورواه الترمذي وقال: "حديث حسن صحيح".
لقد سمع عمر رضي الله عنه سائلاً يسأل بعد المغرب فقال لرجل من القوم: قم عشِّ هذا الرجل، فعشاه، ثم سمعه ثانية ثم قال: ألم أقل لك عشِّ الرجل؟! فقال: يا عمر، قد عشيتُه، فنظر عمر فإذا تحت يده مخلاة مملوءة خبزًا، فقال له عمر: لست سائلاً، ولكنك تاجر، ثم أخذ المخلاة ونثرها بين يدي إبل الصدقة، ثم ضربه بالدرّة وقال له: لا تعُد.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: لِلْفُقَرَاء ٱلَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي ٱلأرْضِ يَحْسَبُهُمُ ٱلْجَاهِلُ أَغْنِيَاء مِنَ ٱلتَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَـٰهُمْ لاَ يَسْـئَلُونَ ٱلنَّاسَ إِلْحَافًا [البقرة:273].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.




الخطبة الثانية
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: عباد الله، فعن قبيصة بن مخارق الهلالي رضي الله عنه، قال: تحمّلتُ حمالة ـ أي: دية أو غرامة يحملها الإنسان بسبب الصلح بين الناس ـ فأتيت رسول الله أسأله فيها، فقال له: ((أقم حتى تأتينا الصدقة فتأمر لك بها))، ثم قال: ((يا قبيصة، إن المسألة لا تحلّ إلا لأحد ثلاثة: رجل تحمَّل حمالة فحلّت له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك، ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله فحلّت له المسألة حتى يصيب قوامًا من عيش ـ أو قال: ـ سدادًا من عيش، ورجل أصابته فاقة حتى يقول ثلاثة من ذوي الحجى من قومه: لقد أصابت فلانًا فاقة فحلّت له المسألة حتى يصيب قوامًا من عيش ـ أو قال: ـ سدادًا من عيش، فما سواها من المسألة ـ يا قبيصة ـ سحت يأكلها صاحبها سحتًا)) رواه الإمام مسلم.
ولما جاء حكيم بن حزام رضي الله عنه إلى النبي سأله فأعطاه، ثم قال: سألته فأعطاني، ثم قال: ((يا حكيم، إن هذه المال خضرة حلوة، فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارَك له فيه وكان كالذي يأكل ولا يشبع، واليد العليا خير من اليد السفلى))، قال حكيم رضي الله عنه: فقلت: يا رسول الله، والذي بعثك بالحق لا أرزأ أحدًا بعدك شيئًا حتى أفارق الدنيا، وكان أبو بكر رضي الله عنه يدعو حكيمًا إلى العطاء فيأبى، ثم إن عمر دعاه ليعطيه فأبى أن يقبل منه شيئًا، ثم قال عمر: إني أشهدكم ـ أيها المسلمون ـ على حكيم أني أعرض عليه حقّه من هذا الفيء فيأبى أن يأخذه، فلم يرزأ حكيم أحدًا من الناس بعد رسول الله حتى توفيّ. حديث متفق على صحته.
أيها المسلمون، إن النصوص الدالة على ذم التسوّل كثيرة، ولا صحّة لما يستدلّ به بعض العوام: "لو صدق السائل ما أفلح من ردَّه".
فلا تحسبنّ الموت موت البلى فإنما الموت سؤال الرجال
كلاهمـا مـوت ولكـن ذا أشدّ من ذاك لذل السؤال
يكفي ـ يا عباد الله ـ أن التسوّل يورث الذلّ والهوان في الدنيا والآخرة، وأن هذا العمل عمل دنيء تمجّه الأذواق السليمة، وأن فيه دلالة على دناءة النفس وحقارتها.
فعلينا جميعًا ـ يا عباد الله ـ أن تحذّر أنفسنا من هذه، وأن تحارب هذه الظاهرة بجميع ما نملك.
هذا وصلوا على النبي المصطفى والرسول المجتبى فقد أمرنا الله جل وعلا أن نصلي عليه فقال: إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا [الأحزاب:56].
اللهم صلِّ وسلِّم وزد وبارك على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء
...

المناضل السليماني 17-05-2010 01:04 PM

رد : ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب
 
الخطبة الولى
الحمد لله علاّم الغيوب، المطلع إلى أسرار القلوب، البصير بسرائر النيات وخفايا الطَوِيَّات، يعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: عباد الله، اتقوا الله حق تقاته، وَٱتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى ٱللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ [البقرة:281].
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدى هدى محمد ، وشرَّ الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ [آل عمران: 102].
معاشر المسلمين، لقد حدا بنا الشوق ليكون الحديث عن رجلٍ عظيم حوى لؤلؤة السيادة، وتملّك زمام القيادة، بهر الناس بشجاعته، وبزَّهم ببيانه، وفاقهم برأيه وحكمته. لقد كان من أعظم الناس جَنانا، وأقومهم سلطانًا، وأصدقهم هدى وإيمانا. كان من جيل القرآن الذين تربَّوا على مأدبته، ينهلون بلا ارتواء، ويعملون بلا انقضاء، ويمضون على اهتداء.
رفع الإسلام من بطولته، وأعلا من كلمته، وزاد من فضله وقيمته. لم يكن ليسعد بلا إيمان، ولا ليعزّ بلا قرآن، فسارع مع المسارعين، وجانب طرائق المخالفين، بل ما إن غمرته السعادة واحتواه الإيمان إلا وقام ينفض غبار الوثنية ويجعل النخوة الجاهلية نخوةً إسلامية، تقيم الحق، وتزهق الباطل، وتصلح الخلل والاعوجاج. فهو في أول أيامه داعية صدّاح وخطيب مصقع، يصبّ الكلمات صبًا، وينشرها أريجًا وحُبا. نادى في قومه أن لا عزّ إلا بالإسلام، ولا حياة إلا بالإيمان، فقال لهم ووجهه مشرق بالإيمان والسعادة: يا بني عبد الأشهل، كيف تعلمون أمري فيكم؟ قالوا: سيدنا، وأفضلنا رأيًا، وأيمننا نقيبة، قال: فإنّ كلام رجالكم ونسائكم عليَّ حرام حتى تؤمنوا بالله ورسوله. لقد شقَّت هذه الكلمات دياجير الظلمات، وأعادت في المدينة البسمة بعد التعاسة والنكبات، فما أمسى فيهم رجلٌ ولا امرأة إلا مسلمًا أو مسلمة سوى رجل واحد.
أيها الناس، ذلكم الرجل هو سعد بن معاذ رضي الله تعالى عنه، السيد الكبير والبطل الشهير الذي عقد له المسلمون ولاء المحبة والرضا، وصار وداده شعار أهل الإيمان ومنابذته شعار أهل النفاق من حين سمعوا حديث النبي : ((آية الإيمان حب الأنصار، وآية النفاق بغضُ الأنصار)) أخرجاه من حديث أنس، وفي الصحيحين أن النبي قال: ((لولا الهجرة لكنت امرءًا من الأنصار، ولو سلك الناس واديًا أو شعبًا لسلكت وادي الأنصار وشعبهم))، وفي الصحيح أيضًا قال لهم: ((أنتم من أحب الناس إليَّ))، وفي المتفق عليه عن البراء أن النبي قال: ((الأنصار لا يحبهم إلا مؤمن، ولا يبغضهم إلا منافق، فمن أحبهم أحبه الله، ومن أبغضهم أبغضه الله)). ذلك الرعيل المؤمن أخرج لنا سعد بن معاذ، الأمير القائد، والبطل المجاهد، فلنستمع لشيء من أخباره، ولْنجْنِ من أزهاره وأعطاره.
في غزوة بدر الكبرى عقد النبي مجلسًا عسكريًا استشاريًا لملاقاة المشركين وصد عدوانهم خارج المدينة، فقام أبو بكر فقال وأحسن، ثم قام عمر وقال وأحسن، ثم قام المقداد بن عمرو فتكلم وأحسن، فقال النبي بعد سماع هؤلاء القادة الثلاثة: ((أشيروا عليَّ أيها الناس))، ففطِن قائد الأنصار سعد بن معاذ لِما أراد رسول الله ، فقال: والله، لكأنك تريدنا يا رسول الله، قال: ((أجل))، فقال سعد : لعلك تخشى أن تكون الأنصار ترى حقًا عليها أن لا تنصرك إلا في ديارهم، وإني أقول عن الأنصار وأجيب عنهم، فاظعن حيث شئت، وصِل حَبْل من شئت، واقطع حَبْل من شئت، وخُذ من أموالنا ما شئت، وأعطنا ما شئت، وما أخذتَ منّا كان أحبَّ إلينا مما تركت، وما أمرت فيه من أمرٍ فأمرُنا تبع لأمرك، فوالله لئن سرت حتى تبلغ البِركَ من غِمدان لنسيرنَّ معك، والله لئن استعرضتَ بنا هذا البحر فخُضتَه لخضناه معك، فسُرَّ رسول الله لقول سعد، ونشطه ذلك، ثم قال: ((سيروا وأبشروا، فإن الله تعالى قد وعدني إحدى الطائفتين، والله لكأني الآن أنظر إلى مصارع القوم)).
لقد وثّق سعد بهذه الكلمات البيعة الصادقة، وزاد من تأكيدها، مقرِّرًا خوض المعركة بالأنفس الباسلة التي تجتاح جموع الشرك في أشد الظروف والأوقات، إنها شعار الإقدام والبسالة وعنوان التضحية والجسارة.
فلسنا على الأعقاب تدمى كلومنا ولكن علـى أقدامنا تقطر الدما
تأخرتُ أستبقـي الْحياة فلم أجد لنفسـي حيـاةً مثل أن أتقدَّما
نفلِّـق هامًـا مـن أنـاس أعزةٍ علينا وهم كانـوا أعقَّ وأظلما
وفي وقت آخر شديد وساعة نكباء مدلهمة كما قال تعالى: وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ القُلُوبُ الحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا هُنَالِكَ ابْتُلِيَ المُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيدًا [الأحزاب: 10]، في يوم الخندق إذ يشتد الخطب وتضطرب الأنفس وتُطوَّق المدينة يحاول النبي التماس حلٍ للمسلمين، يفك به الحصار، ويزعزع به اجتماع الأحزاب الكافرة، فيعمد إلى سيِّدَي غطفان ليصالحهم على ثلث ثمار المدينة ويرجعوا بجيشهم، فاستشار السعدين في ذلك سعد بن معاذ وسعد بن عبادة رضي الله عنهما، فقالا: يا رسول الله، إن كان الله أمرك بهذا فسمعًا طاعة، وإن كان شيء تصنعه لنا فلا حاجة لنا فيه، لقد كنّا نحن وهؤلاء القوم على الشرك بالله وعبادة الأوثان، وهم لا يطمعون أن يأكلوا منها ثمرة إلا قِرى ـ أي: ضيافة ـ أو بيعًا، فحين أكرمنا الله بالإسلام وهدانا له وأعزّنا بك نعطيهم أموالنا، والله لا نعطيهم إلا السيف، فصوَّب رأيهما، وقال: ((إنما هو شيء أصنعه لكم لما رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة)).
لقد طغت قوة الإيمان على الحسابات العسكرية والخطط الإستراتيجية التي إذا بولغ فيها زعزعت العقيدة وأورثت فزعًا واضطرابًا وجُبنا وانكسارا.
فهذه الكلمات العظام شعّت باليقين الراسخ الذي هدهدَ غطرسة الشرك، وفلَّ جموع الباطل، وأحيا مادة النصر، ورفرف بيارق العز والسعادة.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ .
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم...



الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، والصلاة والسلام على خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين.
أيها المسلمون، وفي ساعة أخرى شديدة إذ تدنو سهام الموت ويتسع البلاء بسعدٍ رضي الله عنه حيث يُصاب بسهم في الخندق، يصُدّ تقدمه، ويوقف جهاده وإصراره، لكنه لا يفقد الأمل، ولا يتذرع بالوجع، بل يصنع الطموح في وقت الجراح، ويولِّد العزيمة أثناء الكروب والشدائد. ففي مسند أحمد بسند حسن قال سعد بعدما أُصيب: (اللهم إن كنتَ أبقيتَ من حرب قريشٍ شيئًا فأبقني لها، فإنه لا قومَ أحبّ إليَّ من أن أجاهدهم فيك من قوم آذوا نبيّك وكذبوه وأخرجوه. اللهم إن كنت وضعت الحرب بيننا وبينهم فاجعلها لي شهادة، ولا تُمتني حتى تقرّ عيني من بني قريظة).
أيها الإخوة، من يجود بمثل تلك الكلمات في موطن البلاء والسقم، أو يعالج في نفسه حب الدعة والارتياح وتشتاق نفسه لميادين الرهب والخوف؟! إنه القلب المؤمن الذي أشرق بالقرآن، وامتلأ بالإيمان، ونُقِّي من حب الدنيا وكراهية الموت. إنه قلب سعد الذي لم يُقم للدنيا وزنًا، ولم يرفع بها رأسًا، ولم يهبها عقلاً ولا بالاً. صانه الله أن يكون من عبيد الدنيا، وحفظه من مفاتنها وألاعيبها، فبات طالبًا للآخرة، ساعيًا للشهادة، راغبًا فيما عند الله، إنَّا أَخْلَصْنَاهُم بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ [ص: 47].
لقد مات سعد من أثر السهم، إذ انفجر جُرحه بعدما حكم في بني قريظة بحكم الله تعالى. نعم، مات جسده في عام الخندق، ولم تمت أخباره البهية ولا آثاره المرضية، لقد مات مفارقًا الدنيا، تاركًا مبادئَ رواها وأخلاقًا أحياها ومُثُلاً أسسها وبناها.
لقد أبقى لنا سعد تراثَ البطولة الصادقة والتضحية الجبارة التي تعيش لتسمو بالإسلام، وتعز لتعلي أهله كالأطواد والأعلام. وخلَّّف سعدٌ لنا عقيدة الإيمان بالله التي لا تخشى النكبات، وتتحدى الرزايا والابتلاءات، وشعّ منها مبدأ الثقة بالله وبوعده ونصره، وأنه لا يتخلف مهما انتفخ الباطل وكثر الأعداء والمنافقون، قال الله تعالى: وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا المُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ المَنصُورُونَ وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الغَالِبُونَ [الصافات: 171- 173]. وعلّمنا سعد دروس الصبر والعزيمة والاحتمال، وشرح لنا الحزم في المواقف، وشدة البأس في النزال، والفدائية إذا حانت الساعة، ومنهاج السلامة لطلاب السلامة، وطريق الآخرة لمرتجي الثواب العظيم والمقام الكريم.
ثبت في صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي قال: ((إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله، ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض))، وفيه أيضًا عن سمرة في حديثة الطويل قال : ((رأيت الليلة رجلين أتياني، فصعدا بي، فأدخلاني دارًا هي أحسنُ وأفضل، لم أر قط أحسن منها، قالا: أما هذه الدار فدار الشهداء)).
إن سعدًا قد تبوأ تلك الدار الكريمة التي زانت بأطايب النعم ومباهج المنن، ولقد تواتر الحديث الشريف عن النبي الذي رواه أحمد وابن سعد والحاكم وغيرهم: ((إن العرش اهتز لموت سعد فرحًا به))، وناهيك بها شرفًا وفضلاً. وفي الصحيحين عن أنس قال: أُهدي لرسول الله جُبّة من سندس، وكان ينهى عن الحرير، فتعجب الناس منها فقال: ((والذي نفسي بيده، إن مناديلَ سعد بن معاذ في الجنة أحسنُ منها)).
أيها الآباء والمربون، لكم في هذه السيرة أنبل الدروس وأحسنها، فأفيدوا منها، وانتهجوا رسمها، وقرّبوا للناشئة هذه السيرة وأشباهها، وإياكم وتغييب الأبناء عن سير العظماء من هذه الأمة الذين ماتوا ولم تمت أعطارهم، وما جفت مزاهرهم، بل في كل يوم تجدّد وظهور، لا يعرف الذّوبان والركود.
تذوب شخوص الناس في كل لحظة وفي كل يوم أنت في القلب تكبر
أتسأل عن أعمارنـا أنت عمرنـا وأنت لنـا التاريـخ أنت المحرِّرُ
رضي الله عن سعد والصحابة الكرام الذين هم كما وصفهم الله تعالى: صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً [الأحزاب: 23].
اللهم صل على محمد وعلى أزواجه وذريته...


الساعة الآن 10:49 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق الأدبيه والفكرية محفوظة لشبكة قحطان وعلى من يقتبس من الموقع الأشارة الى المصدر
وجميع المواضيع والمشاركات المطروحه في المجالس لاتمثل على وجه الأساس رأي ووجهة نظر الموقع أو أفراد قبيلة قحطان إنما تمثل وجهة نظر كاتبها .

Copyright ©2003 - 2011, www.qahtaan.com